حمزة شحاتة .. صرخة الحرية المبحوحة
صفق له الحاضرون أكثر من ثلاثين مرة في محاضرة حضرها شيوخ ومثقفو مكة في العام 1938م، حيث عرضت عليه (جمعية الإسعاف الخيري بمكة المكرمة) إلقاء محاضرة بعنوان (الخلق الفاضل عماد الرجولة) فتفاجأ الجميع بالضيف يقلب العنوان (الرجولة عماد الخلق الفاضل)، وعَبْرَ خمس ساعات كان الشاعر الحجازي حمزة شحاتة مثار إعجاب وانبهار الحضور من بلاغته ونمط تفكيره، وخروجه عن السرد الكلاسيكي الذي كان معروفاً وقتذاك.
حمزة شحاتة الشاعر يتيم الأب والذي نشأ في كنف جاره في جدة، وتعلم في مدارس الفلاح النظامية، وأظهر تفوقاً ونبوغاً ثقافياً، وتأثر بالمدارس الأدبية في ذلك العصر، وأظهر إعجاباً خاصاً بجبران خليل جبران وإيليا أبو ماضي وجماعة الديوان.
أتاح له السفر إلى الهند وبقاءه هناك عامين تَعلُّم اللغة الإنجليزية وتشكّل شخصيته الفكرية والسياسية، وكان شديد النفور من الشهرة ففضّل الميل إلى العزلة والانعتاق من التواجد في المشهد الثقافي رغم إجماع النقاد على أنه من طليعة رواد الأدب الحجازي، وقد تأثر به جيل كامل، من أبرزهم أحمد قنديل، محمد حسن فقي، حسن القرشي، عزيز ضياء.. وغيرهم.
وسيرة هذا الشاعر العذب والفيلسوف الحجازي الذي تجاوز زمانه حُبلى بالعقبات الكثيرة، فالمجتمع الحجازي – والمكي – تحديداً، تجاهله، مما جعله يهاجر ساخطاً يندب التاريخ الذي لم ينصفه والجغرافيا التي لم تحتفِ به كما احتفت بمن هم أقل منه مكانة شعرية، فهاجر إلى القاهرة وهناك فضلّ العزلة وتربية بناته وتفرغ للقراءة والكتابة والتلحين دون نشر، حيث كان من أمهر العازفين على العود.
ولم تفلح محاولة الأدباء في مصر إلى دعوته لحضور المنتديات والأمسيات الثقافية وإخراجه من عزلته الاختيارية، فظل هذا الرجل في الظل رغم النور الذي ينبعث من أدبه، ففقد بصره في آخر أيامه ولكنه لم يفقد بصيرته التي أنارت له طريق الأدب الذي لم يفارقه حتى لفظ أنفاسه ونفائسه الأخيرة.
وشاعرية حمزة شحاتة جعلت للقصيدة السعودية مكانة مرموقة، لأنه من الشعراء المجددين من جهة، ولتناوله أشكالاً مختلفة في الشعر كشعر التفعيلة والتنويع في القافية والتطوير في التجديد والرؤية من جهة أخرى، ولكن ظلّ الشكل التقليدي للقصيدة هو عماد شعره الذي عُرف واُشتهر به.
وكان يفتتح بعض قصائده بالمطلع المصرع ويكثر- في قصائده الطويلة- من الأبيات التي تجري مجرى الحكم والأمثال، ومن قصائده ذائعة الصيت، والتي تغنى به بعض مطربو الحجاز قصيدة «سطوة الحسن» ويقول فيها:
وتهيأت للسلام ولم تفعل
فأغريت بي فضول رفاقي
هبك أهملت واجبي صلفا منك
فما ذنب واجب الأخلاق
بعد صفو الهوى وطيب الوفاق
عزّ حتى السلام عند التلاق
يا معافى من داء قلبي وحُزني
وسليماً من حُرقتي واشتياقي
هل تمثَّلتَ ثورة اليأس في وجهي
وهول الشقاء في إطراقي؟
ويقول:
سطوة الحسن حللت لك ما كان
حراما فافتن في إرهاقي
أنت حر والحر لا يعرف القيد
فصادر حريتي وانطلاقي
وله قصائد مغناة وشهيرة مثل:
مالي أراها لا ترد سلامي
هل حرّمت عن اللقاء كلامي
أم ذاك شأن الغيد يبدين الجفا
وفؤادهن من الصبابة دامي
تناول الكثير من النقاد سيرة حمزة شحاتة مثل الناقد الدكتور عبدالله الغذامي في كتابه (الخطيئة والتفكير)، وعزيز ضياء في كتابه (حمزة شحاتة.. قمة عرفت ولم تكتشف)، وعبدالفتاح أبو مدين في كتابه (حمزة شحاتة.. ظلمه العصر) وعاصم حمدان ومحمود صباغ وعبدالله عبدالجبار وغيرهم، وكتبت عنه الصحف المصرية ومنها جريدة الإهرام.
واشتهر حمزة شحاتة كذلك بمقولاته الخالدة والتي تناقلها الناس ومنها:
* «لولا الآلام والمتاعب والقلق لما كان في الحياة شيء يسر».
* «الرذيلة لا تنتصر إلا متى كان صوتها قويا، وصوتها لا يكون قويا إلا إذا نفخت في بوق الفضيلة».
* «كانت القوة في الرجل مصدر الإعجاب والتقديس، والقوة ما تعرف الهوادة في تأمين سبيل حياتها ومطالبها».
* «لا يشغلك اختيار الرفيق؛ إذا كانت الرحلة إلى جهنم».
* «منطق الغابة هو واقع المدينة.. بزيادة طفيفة هي القانون».
توفي حمزة شحاتة العام 1972م في القاهرة، ودفن في مقبرة المعلاة بمكة المكرمة عن عمر يناهز 62عاماً، ورغم أنه كُرم في العام 2006م في الملتقى السادس لقراءة النص بنادي جدة الأدبي الثقافي تحت رعاية وزير الثقافة والإعلام السعودي إياد مدني. إلا أن هذا الشاعر لم ينل حقه من التكريم والشهرة.
تحية لذكرى هذا الشاعر الفحل.. صرخة الحرية المبحوحة.