نقد
القراءة.. الوجه الآخر لِعُملة الكِتابة
أستطيع أن أقول بكثير من النسبية طبعا بأن علاقتي بالكتاب علاقة مزدوجة، علاقة أصل وفرع، الأصل هو القراءة التي راودتني عن نفسي منذ الصغر، فاستجبت لها ولم امتنع، فقدت-نتيجة لذلك- قميصي من قبل، لهذا كنت ولا أزال أمنحها موقع الصدارة في كل اهتماماتي، أقرأ وأقرأ، ولا أتوقف عن القراءة إلا إذا كنت أعد العدة لقراءة كتاب جديد.
لقد تعمق هذا الفعل لدي وازداد ترسخا وعنفوانا حين اخترت أن أمتلك الوجه الثاني لعملة للكتاب، أقصد الكتابة، فما إن تورطت في هذا “الفعل” حتى أصبح بالنسبة لي محرضا ومحفزا على المزيد من الخوض عميقا في هذا العالم الجميل النرجسي، أقصد عالم القراءة، الذي يجعلك تكتفي بمتعته دون باقي المتع، فبفضله تحاور أدباء ومفكرين وفلاسفة لم يتح لك القدر مقابلتهم، أو التطلع إلى سحناتهم الناضحة بحب المعرفة والتوق إليها، بل تستطيع كذلك أن تتماهى مع عوالمهم المتخيلة فتحيا في كنفها لردح من الزمن، قد ينسيك العالم بأكمله بهمومه ومشاغله التي لا تنتهي. ولجت عالم الكتابة بعد زمن من احتراف القراءة، فزاد عشقي للكتاب، حتى أنني لم أعد أرى لي طيب عيش بدونه أو بعيدا عن دفتيه، وبعد أن كحلت بصري بكتابي الأول انفتح لي أفق جديد، أفق جعلني أخرج من دائرة استهلاك الكتاب فقط، لأنتقل إلى إنتاجه كذلك. كانت بدايتي مع نشر كتاب في حضن وزارة الثقافة التي أصدرت كتابي الأول” هواجس امرأة” وهو عبارة عن مجموعة قصصية، صدرت لي عام 2001 ، وقد رأت قصصها النور تباعا على صفحات منابر ثقافية وطنية وعربية، شجعتني لجمعها بين دفتي كتاب، وتوالت بعد ذلك الإصدارات ملامسة بإصرار جنس القصة القصيرة والقصة القصيرة جدا والرواية والنقد الأدبي والبحث التربوي وفن الرحلة، وأعد العدة لأدلو بدلوي في جنس الشعر كذلك لأن لي ديوانا جاهزا، أنتظر فقط الوقت المناسب لإخراجه إلى النور، وبعد كتابي الأول الصادر عن وزارة الثقافة المغربية نشرت لي دار نشر مغربية وهي” أفريقيا الشرق” بعض رواياتي، ومنها رواية “رجال وكلاب”، ثم انفتحت على المشرق العربي، فاحتضنت كتاباتي دار النايا السورية، التي نشرت لي أكثر من عشرة كتب، من بينها رواية “ابن السماء” ورواية”امرأة تخشى الحب” ثم جاء الدور على “دار الآداب” البيروتية العريقة التي احتضنت روايتي الأخيرة ” الأطلسي التائه”، دون أن أنسى “دار الوطن ” المغربية التي ازدانت بعض إصداراتي بعلامتها الجميلة، وخاصة رواية”أسلاك شائكة” التي أصدرت طبعتها الأولى وكتاب “تأملات في حرفة الأدب” ومؤخرا الكتاب التربوي “الأدب في خدمة التربية”. هكذا إذن أجدني قد أولغت في عالم الكتابة بأكثر من عشرين كتابا، تتوزع على مجموعة من فنون القول والكتابة، لكن هوسي بالقراءة لم يتوقف أبدا، وما زلت إلى يومنا هذا أشعر بكثير من الانتشاء حين أحصل على كتاب جديد وأقضي معه وقتا ثمينا وممتعا، يقتلعني من عالمي الآني ليطوح بي في عوالم عدة متخيلة، تزيد المرء حسنا كلما ازداد لها قراءة.. وفي عرفي المتواضع أن قراءة كتاب دون الكتابة عنه تعد قراءة ناقصة بل هي والعدم سواء، لذا كلما أتيحت لي الفرصة لقراءة كتاب ما أجدني منجذبا لتحبير بعض العبارات عنه، محاولا بذلك التعمق أكثر في سراديبه الخفية، لعلي أقبض على بعض من بهائه ورونقه، فأظفر بمقالات منها ما يحوز شرف النشر ورقيا أو إلكترونيا، ومنها ما أحتفظ به لنفسي، أعود إليه بين الفينة والأخرى لأنعش ذاكرتي بخصوص كتاب أو كاتبه. في علاقتي بالكتاب هناك بعد ثالث ترسخ في دربي، الذي أخوض فيه منذ أن اخترت الكتابة سبيلا أمضي في شعبه المتداخلة، ويتعلق الأمر بتقديمات الكتب، فلقد تشرفت بكتابة كثير من تقديمات لكتب عدة جاد بها مؤلفون مغاربة وعرب، فأتاح لي ذلك توطيد علاقة أمتن بالكتاب والكتاب، وفي حصيلة اليوم تقديماتي الآن لأكثر من عشرين كتاب من المغرب وفلسطين وتونس والعراق وليبيا، وقد يسر لي هذا الأمر الاطلاع بعمق على تجارب إبداعية، إما مكرسة أو في بداياتها الأولى، مما يجعل الكتاب أكثر حضورا في حياتي بأشكال متنوعة ومختلفة. كما أن انخراطي في العمل الجمعوي الثقافي فتح لي دربا جديدا في عام الكتاب، أقصد النشر، إذ أنني أشرفت مع زملائي المبدعين في”صالون الأدب” بداية، وفي “غاليري الأدب” بعد ذلك، على إصدار مجموعة من الكتب الفردية والجماعية، من أهمها كتاب” أنطولوجيا غاليري للقصة القصيرة جدا.. جيل جديد” وكتاب “غاليري الأدب في فن الهايكو”.