دراسات أندلسيةنقد

الخطاب الصوفي الاندلسي وثنائية السلطة والمعرفة

  • الملخص:

     يقوم الإشكال الرئيس لهذه الدراسة  في مرحلة أولى على استكناه التصوف كنمط خطابي في الثقافة العربية الإسلامية، ثم على بحث علاقة المتصوف مع محيطه السوسيوثقافي وبخاصة علاقته بمؤسسة السلطة، وفي مرحلة تالية تم التركيز على تبين أسس الخطاب الصوفي  ونظريته في المعرفة.


أما هدف هذه الدراسة فيتمثل بالأساس في مقاربة الخطاب الصوفي من خلال استحضار بعدين أساسيين: البعد التاريخي والبعد المعرفي، . فيما انبنى المنهج  المعتمد في المقاربة على المزاوجة بين معطيات المنهجين التاريخي و الاستقرائي في بحث علاقة الصوفي بالسلطة وتحديد أسس المعرفة الصوفية وأدواتها .

الكلمات المفتاحية: الصوفية- السلطة – المعرفة- الذوق- القلب- الاغتراب


 :THE ABSTRACT

    The  main problem of this study is based in the first stage on his acceptance of Sufism as a discursive pattern in the Arab-Islamic culture, then on examining the mystic’s relationship with his sociocultural environment, especially his relationship with the institution of power, and at a later stage the focus was on identifying the foundations of Sufi discourse and its theory of knowledge.

The objective of this study is mainly to approach the Sufi discourse by invoking two main dimensions: the historical dimension and the cognitive dimension. While the approach adopted in the approach was based on the marriage between the data of the historical and inductive methods in examining the Sufi’s relationship with authority and determining the foundations of Sufi knowledge and its tools.

Keywords: Sufism – authority – knowledge – taste – heart – alienation


  • المقدمة:

           الخطاب الصوفي رافد أساس من روافد  التراث العربي الإسلامي، وهو بالأساس ترجمة تعبيرية ولغوية لتجارب عرفانية ووجدانية ، شكلت ثمرة ذلك الحوار المتأسس بين الذات والمطلق، وهو ( أي الحطاب الصوفي) ضرب من ضروب الكتابة الإبداعية التي افترعت لغتها المخصوصة ذات الأبعاد الجمالية والإبداعية الماتعة.


لقد كان من الطبيعي أن تختلف درجات تلقي هذا الخطاب الجديد بين فقيه ومتكلم يرفضانه ومؤسسة للسلطة/الحكم تشكك في أصحابه فتنظر إليهم بعين الريبة أحيانا وتردعهم أخرى.


أما الصوفي فقد التزم هامشه الاجتماعي ومحض نفسه للدفاع عن خطابه، لأن به وفيه تتشكل هويته كانسان له رؤيته الخاصة للذات والأشياء والعالم من جهة، وعلى مدامكه تتبلور سلطته المعرفية ، تلك هي معرفة الخواص وخاصة الخواص بتعبير الصوفية.


  • التصوف: التاريخ والماهية:

يبدو مفهوم التصوف في الثقافة العربية عموما مفهوما خلافيا وفي اعتقادي يرجع سبب هذه الخلافية إلى تعدد وجهات النظر التي تناولت هذا المفهوم سواء في تعريفه ،أو في التأريخ له ،أو إثبات أصالته أو عدمها.


لكن كل هذا لا يمنع من القول بأن المفهوم كل مفهوم يكتسب جدارته الإجرائية وقدرته على البناء تبعا لتأقلمه واندماجه في المجال الذي يحل به وعلى تمثل المعاني التي يضطلع بها وفي هذا الصدد يرى باشلار أن المفهوم “يكون له معنى بقدر ما يتغير معناه ولا يعني هذا التغيير هزيمة للعقل أو تساهلا وإنما يبرز غنى الواقع وما للعقل من دور فعال وتقدما في الموضوعية وتأكيدا للمقتضيات العقلية”[1].


يرى مؤرخو التصوف أن الزهد مرحلة سابقة على التصوف والزهد الإسلامي الأول كان في أساسه سلوكا عمليا “قصد به كبح جماح النفس وترويض طبائعها ونفي خبثها بتقليل الزاد وتخشين اللباس والنظر إلى الدنيا بعين الاعتبار”[2].


ومثل هذه الأخلاقيات إشتهر بها النبي (صلى الله عليه وسلم) والصحابة وبعض التابعين وهي مستمدة من القرآن والسنة لذلك وجدنا من ضمن الباحثين من ينظر إلى أن “التصوف باعتباره سلوكا متمثلا في الانحياش إلى الله مع العكوف على العبادة والترويض والزهادة ليس بالأمر الغريب عن الإسلام، فقد كانت هذه النزعة العملية فاشية بين الصحابة والتابعين وإنما استحدث الاسم نفسه ويبدو أنه كان معروفا في القرن الهجري الأول”[3].


ولعل هذا ما يستنتج من كلام ابن خلدون “[…] وصار علم التصوف علما مدونا بعد أن كانت الطريقة عبادة فقط.”[4]. ويتفق أغلب الدارسين خاصة المستشرقين منهم على أن ” ما وقع في القرن الهجري الأول من فتن وأحداث دامية في عهد الصحابة وبني أمية من مقتل عثمان ومن صراع بين علي ومعاوية وما كان من الأمويين من أخذ معارضيهم بالعنف والشدة هو ما حرك في نفوس الناس الزهد في الدنيا ومتاعها وحول أنظارهم نحو الآخرة”[5]،

وبذا يصبح التصوف تجسيدا لـ”ثورة المسلمين الروحية ضد نظام اجتماعي وسياسي قائم وضد جو مشحون بالفتن الشيء الذي دفع ببعضهم إلى إيثار حياة العزلة والعبادة”[6].

بل إن هناك من الدارسين من اعتبر الصوفية حركة يسار الفكر العربي على اعتبار أن شدة انتشارها “كانت تتناسب طردا مع تفاقم الصراع الطبقي وشدة تلازم الواقع أي مع تطرف وتعاظم التفارق بين الذات وموضوعها بفعل عوامل تاريخية –اجتماعية تعمل على اندماج الشقة بين المتناقضات داخل المجتمع عبر مساره الزمني”[7].

وتبعا لهذه الفرضية فانه كلما كانت هناك حالة ترد سياسي أو انهزام قومي أدى ذلك إلى نشوء الخطاب الصوفي كما هو الشأن مثلا في حالة ابن الفارض وابن عربي ؛ يقول يوسف اليوسف في هذا الصدد: «كانت الأندلس تعاني من التضعضع أمام الفرنجة الذين اخذوا ينزلون الكوارث بالمدن العربية هذه الكوارث التي تكللت بسقوط قرطبة ذلك الحادث الذي عاشه ابن عربي بكل لوعة وقد عاش الرجلان* حادثة أبشع من ذلك وهي تتويج روجر الثاني ملكا على بيت المقدس بعد وفاة صلاح الدين ويرضى أبناء وأحفاد هذا السلطان”[8].


لئن تم في ما سبق تلمس أسباب ظهور الصوفية في التاريخ وأحداثه فإن هناك من أرجع هذه الأسباب إلى ما هو ديني بحت وهو ما يذهب إليه جولد تسهير من أن نزعة الزهد التي سيطرت على التصوف في القرن الهجري الأول قد “ارتبطت بالمبالغة في الشعور بالخطيئة والرعب الذي استولى على قلوب المسلمين من عقاب الله وعذاب الآخرة”[9].

ونفس التفسير نجده لدى جبور عبد النور،إذ يرى أن “ظهور التصوف في الأمة الإسلامية كان أمرا طبيعي الحدوث فالإسلام قد جعل للمرء حياتين مختلفتين جد الاختلاف: حياة مادية يحياها في العالم الأرضي وحياة سماوية يتوق إليها ويحن إلى بلوغها وفضل الحياة الثانية على الأولى وجعل من الحياة الدنيا استعدادا لبلوغ مرتبة الكمال التي لا يصل إليها الإنسان إلا بعد الموت.

            وينضاف إلى هذين التفسيرين التاريخي والديني تفسير أخلاقي وعقلي (حضاري) ينقله درويش الجندي عن المستشرق دي بور، ومؤداه أن ازدهار الحياة العقلية خلال القرن الثاني للهجرة ، نتيجة الاتصال الواسع بالثقافات الأجنبية ، أدى إلى تقوية النزعة العقلية المنطقية وانتشار اللهو والمجون ؛ مما رأى فيه كثير من الناس “خطرا على الدين والأخلاق وراعهم ما رأوا من تعدد الفرق الدينية واعتمادها على الفلسفة والمنطق في مناهج البحث والتفكير فدعوا إلى تتبع خطى النبي والاقتداء بالسلف الصالح وعملوا على تقوية الاتجاه الروحي الذي يعتمد على القلب والعاطفة في إدراك الحقائق ولم يجدوا في علم الكلام ما تطمئن به نفوسهم وأدركوا أن العقل إذا سلط على الدين فإنه يهدمه ولا يبقى له أثرا “[10]

            إن إثارة مسألة المثاقفة وحوار الحضارات ستحثنا على تناول قضية طالما استعر حولها الخلاف ألا وهي أصالة التصوف ؛ إذ إن هناك فريقا يرى في التصوف منتوجا إسلاميا قحا مصدره القرآن والسنة وإلهامات الصالحين وفتوحات العارفين وواضع علمه الرسول صلى الله عليه وسلم، وهذا الرأي نجده خاصة لدى أشياخ الصوفية «حيث يربطون بواسطته بين النبي […] وبين من تلقوا عنه في سلسلة موصولة عن العنعنة والأخذ من الثقات، ومن الروايات التي يوردها ابن عجيبة في ذلك أن عليا كرم الله وجهه أخذ علم التصوف من النبي صلى الله عليه وسلم وأخذه عن علي الحسن البصري، وعنه أخذه آخرون حتى انتهى إلى الجنيد (ت:297هـ) ثم انتشر التصوف في أصحابه» [11]

ويرى ثلة من الباحثين وفي مقدمتهم المستشرقون من أمثال نيكلسون، وجولد تسيهر، وبلاثيوس أن الصوفية طوروا نزعتهم ومذهبهم بإيحاء من تأثير الغنوصية والنزعة العقلية اليونانية مع الإبقاء على جوهر العقيدة ، وهو ما انتهت إليه جاكلين الشابي إذ تقول:«إن مسألة التأثيرات الخارجية في التصوف تمت دوما إثارتها، وهذه التأثيرات مؤكدة دون شك عبر الوسائط، ومن بين هذه الوسائط، الغنوصية الشيعية، ولكنها مع ذلك لا تمس الجوهر الأساسي»[12].


وسيرا على نفس المنحى يثبت محمد عابد الجابري غزو النزعة الهرمسية للتصوف الإسلامي قائلا: «وبكيفية عامة يمكن القول إنه إذا كانت شطحات المتصوفة الأوائل هي في جملتها عبارة عن شظايا هرمسية، فإن دعاوى المتصوفة الكبار ونظريات المتأخرين منهم كلها تستقي مادتها وتوجيهها من التصوف الهرمسي، نجد ذلك واضحا عند الجنيد فيما يسميه بـ” توحيد الخواص” وهو الذي يتحقق عندما يبلغ المتصوف درجة الفناء[…]

كما نجد الطابع الهرمسي واضحا في حلولية الحلاج ولدى أصحاب وحدة الوجود وعلى رأسهم شيخ المتصوفة ابن عربي الذي استعاد وبعمق الأطروحات الهرمسية كاملة مؤكدا غير ما مرة انتسابه إلى هرمس، وإلى أصحاب الأدبيات الهرمسية»[13]

            ومما سبق نستنتج أن التصوف الإسلامي الأول كان بالأساس نابعا من وحي القرآن والسنة لكن تطوره اللاحق لم يمنع التأثيرات الأجنبية من شق طريقها إلى متنه وهو ما نلاحظه خاصة في بعض المصطلحات والمفاهيم المقترضة من الأفلاطونية الجديدة  ؛ وعموما يمكن القول مع مارتن لنكس :

“إن التصوف باعتباره متعلقا بوحي استثنائي فهو مستقل عن أي شيء آخر، ولكنه وهو يكتفي بذاته يمكنه إذا سمح بذلك الزمان والمكان أن يقطف أزهارا من حديقة أخرى غير حديقته. إن نبي الإسلام يقول “اطلبوا العلم و لو في الصين” “[14].

     مثلما اشتد الخلاف حول أصالة التصوف ، اشتد كذلك حول أصل تسميته يقول لنكس:  « بالنسبة للكثيرين يتبدى التصوف في حد ذاته وبطبيعته شيئا ما كلغز. وبما هو كذلك فهو ينذر باسم ملغز. وهذا الاسم الملغز ينبغي أن يوحي في الآن نفسه بروابط أفكار محترمة كما ينبغي أن يتضمن نتائج عميقة “[15]

وتصادفنا في هذا الباب عدة آراء وتفسيرات تلتقي كلها في الاشتقاق وتختلف في جذره وبذا يكون التصوف مأخوذا إما من الصوف أو الصفة أو الصفاء أو الصف فالقائلون بأن التصوف من الصفاء يرون أن الصوفي هو أحد خاصة الله الذين طهر قلوبهم من أكدار هذه الدنيا.

أما من يعتبرون التصوف مشتقا من الصف فمستندهم أن الصوفي من حيث حياته الروحية هو في الصف الأول لاتصاله وقربه من الله . في حين أن الذين يشتقون التصوف من الصفة فذلك مرده عندهم إلى أن التصوف متصل بأهل الصفة وهم جماعة من فقراء المسلمين لا بيوت لهم وكانوا يسكنون في صفة بناها الرسول (صلى الله عليه وسلم) خارج المسجد بالمدينة.[16] .

وتنضاف إلى هذه الاشتقاقات صيغة فعلية “مماثلة ظاهريا للصوفي وتدل على ذاك الذي تم اختياره صديقا حميما’ إذا ما فهمنا أن من يختار هو الله كما هو الحال بالنسبة للصفي المصطفى المختار الذي هو أحد أسماء الرسول (صلى الله عليه وسلم)”[17]. إلا أن هذه الاشتقاقات_ بحسب رأي القشيري ونيكلسون من بعده _لا يجيزها في اللغة العربية قياس. فأما اشتقاق التصوف من الصوف فيقول عنه القشيري “فأما من قال انه مأخوذ من الصوف وتصوف إذا لبس الصوف كما يقال تقمص إذا لبس القميص فذلك وجه ولكن القوم لم يختصوا بلبس الصوف “[18].

ومع أن الأنبياء والصديقين والمتنسكين أوثر عنهم لبس الصوف فإنه لم يثبت أن متصوفة الإسلام كانوا يرتدون لباس الصوف بعامة ؛ لذلك نتفق مع لنكس الذي يرى أن “التفسير الأكثر احتمالا للتسمية هو إطلاقها في البداية وحرفيا على جماعة صغيرة من الناس كانت تلبس الصوف ثم اتسعت التسمية لتشمل وبدون استثناء جميع متصوفة الأمة وذلك لملء فراغ التسمية لأنه لم يكن آنذاك أي اسم لهم.

وبما أنهم (أي المتصوفة) كانوا يشكلون دوما فئة متميزة أصبح من الضروري إيجاد تسمية لتمييزهم”[19].

ويبدو أن هذا الرأي يتماشى مع رأي ابن خلدون الذي يذهب فيه إلى أن الزهد والورع كان منتشرا ومعروفا عند الرعيل الأول للمسلمين وإن لم يكن له اسم محدد لكن” لما فشا الإقبال على الدنيا في القرن الثاني وما بعده وجنح الناس إلى مخالطة الدنيا اختص المقبلون على العبادة باسم الصوفية والمتصوفة”[20]. وهذا الاختصاص أوجده الاتفاق بسبب من فراغ التسمية.

ولا تقف التفسيرات وتنويعاتها عند هذا الحد ؛ بل إن لوثة التعدد والخلاف أصابت ماهية التصوف كما أصابت المتصوف/ الممارس للتصوف ، الشيء الذي يفسر كثرة التعريفات بهذا الشأن، وهذا في حد ذاته لم يمكن المتصوفة من “وضع تعريف جامع مانع يدل على التصوف والصوفي ، وما ذاك إلا لأن مشاربهم مختلفة وأحوالهم متباينة وإن كلا منهم نطق عن حاله و ذوقه و مشربه”[21].


  • 2-2-1- الصوفي وسلطة المؤسسة :

يتقدم الصوفي أساسا حمالا لمشروع مقاربة جديدة للذات والعالم والأشياء من خلال إثارته لأسئلة جديدة في حقل الثقافة الإسلامية ، وهي أسئلة أملاها عجز العقل والعلم عن الجواب عن كثير من الإشكالات العميقة عند الإنسان؛ من هنا يستمد المشروع الصوفي أهميته سواء على المستوى الفكري أو الجمالي.

ولعل مكمن هذه الأهمية بالنسبة للثقافة العربية الإسلامية يتمثل في كون الصوفية ” أعادت قراءة التراث الديني وأعطته دلالات أخرى وأبعادا أخرى تتيح قراءة جديدة للتراث الأدبي والفكري والسياسي وتتيح بخاصة نظرة جديدة إلى اللغة لا اللغة الدينية وحدها بل اللغة بوصفها أداة كشف وتعبير، لقد تجاوزت تراث القوانين لكي تقيم تراث الأسرار، لقد أسست لشكل آخر للمعرفة ولحقل معرفي آخر”[22].

كيف ستتعامل السلطة بصفتها مؤسسة رسمية[23] مع هذا الحقل المعرفي الجديد؟ هل كانت للصوفية نوازع وطموحات سياسية؟ هل استطاعت أن تؤسس تكتلا اجتماعيا له كينونته الثقافية؟ ما هي خطوط التقاطع بين الإيديولوجي والاجتماعي في التجربة الصوفية؟

بالعودة إلى التعريف الخلدوني الذي يخص به التصوف في مقدمته نقرأ ما يلي:

«هذا العلم من العلوم الشرعية الحادثة في الملة وأصله أن طريقة هؤلاء القوم لم تزل عند سلف الأمة وكبارها من الصحابة والتابعين من بعدهم طريق الحق والهداية وأصلها العكوف على العبادة والانقطاع إلى الله تعالى والإعراض عن زخرف الدنيا وزينتها والزهد في ما يقبل عليه الجمهور من لذة ومال وجاه والانفراد عن الخلق في الخلوة للعبادة»[24].

من هذا المنطلق قد يعن لنا أن المتصوفة إجمالا بحكم ممارستهم لتجربة الهامش الاجتماعي وانشغالهم بطلب معرفة الله من خلال التجريد الذهني للمقولات والأفكار انصرفوا كليا عن أمور السياسة ومزالقها، لكن الواقع التاريخي يؤكد انخراطهم في مناقشة أمور دنياهم واختلاطهم بالساسة وأولي الأمر وهو ما يثبت بطلان دعوى القول بسلبية دورهم في المجتمع.

اتسمت علاقة المتصوفة بالسلطة في جملتها بالالتباس والحذر والحيطة والمحاشاة ،وفي ملاحظة صائبة للدكتور عبد السلام الغرميني ميز بين أربعة أنواع لهذه العلاقة:

  1. “المناصرة والتأييد “لمن قلده الله أمور البلاد والعباد” على اعتبار أنه لم يكن ليظهر لولا إظهار الله إياه، استرسالا مع النظر إلى فعل الله في الكون وتدبيره، وهذا سلوك أكثر الصوفية مع أمراء أزمانهم.
  2. المحاشاة والاجتناب احتياطا في الدين و خوفا من مشاركتهم فيما هم فيه من كثرة الأموال ونفوذ الجاه ، بناء على أن كل ذلك لا يخلو من شبهة، وأن كل مشتبه فيه يعكر صفو القرب من الله،وهذه حالة أغلب السالكين السائرين و الصلحاء والزهاد.
  3. الدخول في معارضتهم وتوجيه النقد لهم، ومثل هذه المواقف نادرة كما أنها غالبا ما تؤول إلى الفشل.
  4. المخالطة القليلة لهم وتبادل الزيارات المعدودة معهم، وهذه حالة بعض المتصوفة الأندلسيين كابن عربي و حالة بعض المتصوفة المغاربة من رجال التشوف” [25].

    وسنقف على تلوينات هذه العلاقة مستهدفين بالأساس القبض على مياسم الاغتراب عند المتصوفة ، التي تعكس ثورتهم على الثوابت التي درج عليها الفكر الإسلامي المحافظ . ويبقى الحسين بن منصور الحلاج أبرز نموذج دفع بالعلاقة مع السلطة إلى أقصى درجات توترها؛ إذ يرجح بعض المؤرخين والدارسين أنه كان على صلة بحركة الزنج وحركة القرامطة، وهما حركتان اجتماعيتان نشأتا في أعقاب الاضطهاد والاستعباد اللذين أصابا الكثير من العبيد والمستضعفين في العصر العباسي ، مما دفع بهم إلى تبني خيار المواجهة مع الدولة وما تمثله من ظلم وعدوان.

يقول سامي مكارم في هذا الاتجاه: “انتحى الحلاج إذا في مفهومه منحى يختلف عن المنحى التقليدي للتصوف، فقد أصبح التصوف عنده جهادا في سبيل إحقاق الحق ، ولم يعد مسلكا فرديا بين المتصوف والله فحسب، انه جهاد ضد الظلم والطغيان في النفس وجهاد ضد الظلم والطغيان في المجتمع. وإذا كان الحلاج قد مال إلى الحركات الثورية في وقته أو انظم إليها فان ذلك يعود في بعض أسبابه إلى أن هذه الحركات تمثل في ذلك الزمن الثورة على ظلم أصحاب السلطان وطغيانهم وفساد سياستهم للناس فقام يجاهد الجهاديين”[26].

                   هكذا سيضفي الحلاج بعدا اجتماعيا على مفهومه للتصوف من خلال اهتمامه بإصلاح المجتمع وهو الذي”كان يؤمن بأن الإصلاح الاجتماعي يجب أن يبدأ أولا من الإصلاح النفسي ولا يمكن أن يتم ذلك إلا بعد إعداد الفرد وتهيئته جسديا وروحيا معا وبأن التصوف الحق هو استهلاك ناسوتية الإنسان في لاهوتية الله”[27].


                   ولعل هذا الفهم المتقدم للدور الذي ينبغي أن يضطلع به المتصوف بصفته مثقفا عارفا ، من أوجب واجباته محاربة الظلم والاستبداد والدعوة إلى تحقيق العدل وإحقاق الحق، هو ما جر على الحلاج سخط الحكام الذي رأوا في فكره ومنحاه الصوفي الثوري خطرا على مركزهم السياسي وعلى مصالحهم الشخصية فعمدوا إلى إلقاء القبض عليه أول الأمر في سنة 301ﻫ/913-914م وأودع السجن ليقدم إلى المحاكمة بعد ثماني سنوات أي في سنة 309ﻫ-922م ويحكم عليه بالإعدام صلبا في عهد الخليفة المقتدر بعد أن وجهت له تهمة الزندقة.[28]

          إن التجربة الصوفية الممهورة بدم العشق كما أسس لها الحلاج، ذلك المتصوف الذي «جرب مشروع الثورة لإقامة دولة الخلق على أنقاض دولة السلطان”[29]،كانت ولا ريب زاجرا للمتصوفة عن التورط في شؤون السياسة والانتظام في دواليب السلطة،

مما سيترتب عنه نشوء ما أسماه جابر عصفور ببلاغة المقموعين التي يقول عنها: «هذه البلاغة المقموعة أنتجتها المجموعات الهامشية التي لعبت دور المعارضة والتي كانت في خلاف مع سلطة “الدولة” القائمة ابتداء من الدولة الأموية وانتهاء بالدول المتأخرة التي صحبت انهيار الحضارة العربية»[30] ،ومن أبرز ممثلي هذه البلاغة وروادها “المتصوفة الذين كان نفورهم من السلطة السياسية للدولة “السنية” النقلية التي دعمت هذا الفكر بالقدر الذي كانت تتدعم به وتوظفه في خدمة مصالحها “[31].

         لقد لاحظ جابر عصفور في هذا الإطار دائما أن دال الصمت يتكرر لافتا منذ البداية في السياقات التي تتأسس بلاغة المقموعين في علاقاتها، ويمكن الإشارة إلى جانب آخر لا يقل أهمية في هذا الصدد ألا وهو دال “السر” أو “كتمان السر” الذي يلح عليه المتصوفة بشكل لافت لدرجة أننا لا نكاد نعثر على خطاب لهم غير منقط به. ولعل ارتهان الصوفية إلى هذين الدالين يفسر ارتكانهم إلى أسلوب التقية وهو ما يترجم فداحة القمع الذي سلط عليهم من قبل السلطة ورموزها، لننصت إلى ابن الفارض حيث يقول :

وعني بالتلويح يفهم ذائـــق         غني عن التصـريح للمتعنت

   بها لم يبح من لم يبح دمه وفي      العبارة معنى ما العبارة حدت[32]

      ويتابع ابن عربي ابن الفارض في الإشارة إلى المآل التراجيدي الذي ينتظر الصوفي إذا ما سولت له نفسه البوح بسره وسر معشوقه، كما هو الشأن بالنسبة للحلاج أو السهروردي المقتول، يقول ابن عربي:

فمـن فهم الإشارة فليصنهـا          وإلا سوف يقتل بالسنان

 كحلاج المحبة إذ تـــبدت           له شمس الحقيقة بالتداني

 فقال أنا هو الحق الــذي لا          يغير ذاته مر الزمـان[33]

      وللسهرودي نفسه أبيات في هذا الشأن لها دلالة مخصوصة على مأزق الصوفي الذي يجد نفسه موزعا بين البوح والستر، ودونهما كليهما خرط القتاد –كما قالت العرب –يقول:  

                    وارحمة للعــاشقين تكلفـــــوا          سـر المحبة والهوى فضاح

                     بالسـر إن باحوا تباح دماؤهم          وكذا دماء البائحين تبـــاح

                    وإذا هم كتــموا تحدث عنهم           عــند الوشاة المدمع السفاح[34]

  إن الإنابة إلى السياق التاريخي والسياسي تكشف بلا ريب عن مأساة الصوفيين، ففي أواخر القرن الثالث الهجري-على سبيل المثال- أمر الخليفة «بضرب عنق سمنون وأصحابه، فمنهم من هرب ومنهم من توارى سنين حتى كف الله عنهم ذلك، وكذلك وقع أنهم رموا أبا سعيد الخراز وأفتى العلماء بتكفيره بألفاظ وجدوها في كتبه…وأخرجوا سعد بن عبد الله من بلده إلى البصرة ونسبوه إلى قبائح وكفروه، ولم يزل بالبصرة إلى أن مات ثم تستر بالفقه واختفى مع علمه وجلالته»[35].

     وتبقى مأساة الحلاج علامة فارقة في تاريخ التصوف الإسلامي ؛ إذ أثرت تأثيرا سلبيا على جيل بكامله من الصوفية، وهو جيل النصف الأول من القرن الرابع. هذا عدا كونها شكلت درسا قاسيا للصوفية طوال عدة قرون .

ومن هنا جاء التزامهم بمبدأ الحذر والتقية والتكتم، وهو المبدأ الذي سيلجأ إليه متصوفة الأندلس كذلك، فهذا ابن مسرة أحد الرواد الأوائل للتصوف الأندلسي ، الذي تبلور مذهبه في أواخر القرن الثالث للهجرة ، يعمد إلى نهج أسلوب التستر والحيطة في ظل الظروف الصعبة التي ألمت بالأندلس إبان هذه الفترة ، بفعل عدم الاستقرار والقلاقل التي هزت البلاد؛ حيث قامت السلطة الأموية لمقاومة دعاة المذاهب غير المعترف بها بمساندة المذهب المالكي الذي تنصاع له العامة ، في ضرب كل من يشتبه فيه المروق عن النظرة المالكية للإسلام[36].

      لقد قامت مدرسة ابن مسرة انطلاقا من نواة الجماعة السرية التي إلتئمت حوله (ابن مسرة) ، مبدية في ظاهرها الزهد والتنسك والورع والاهتمام بالعلم، متخذة مقرا لها صومعة على مشارف جبال قرطبة . ولما اشتد على زعيمها خناق الفقهاء قر عزمه على الرحيل إلى المشرق ليتقي بطش الحكام وكيد الفقهاء.

ويرى الباحث محمد العدلوني الإدريسي أن متصوفنا استفاد “استفادة جمة من رحلته إلى المشرق . وبعد عودته إلى الأندلس ، تفرغ للدروس والكتابة ؛ فذاعت تعاليمه من خلال كتبه فكانت موضع حملة الفقهاء عليه أيام “هشام المؤيد ابن الحكم المستنصر”(ولايته 366 -396هـ) فأحرقت كتب المسريين بأمر من قاضي الجماعة “محمد بن بقي بن زرب”(ت392) وتعقبت السلطات هذه المدرسة متهمة رموزها بالزندقة وسوء المعتقد “[37].

ومهما يكن من أمر فقد كان لمدرسة ابن مسرة أثرها البالغ في تطور الفكر الصوفي بالأندلس ، كما هو الشأن بالنسبة لمدرسة “ألميرية” الصوفية الفلسفية والمدارس اللاحقة التي تمثل نضج التصوف الفلسفي في القرن السابع الهجري .

     من أبرز أقطاب مدرسة “ألميرية” نذكر ابن برجان وابن العريف وأبا بكر المايورقي. وقد خبر هؤلاء الثلاثة تجربة الاصطدام مع السلطة الحاكمة آنذاك إذ في غمرة اشتداد المضايقة الفقهية عليهم تم تأليب الحكام ضدهم وهو ما انتهى بإرسال الأمير علي بن يوسف بن تاشفين في طلبهم فكان أن أخلى سبيل المايورقي في حين حجز كل من المتصوفين الآخرين حتى وافتهما المنية بمراكش سنة 536هـ[38].

     وفي نفس السياق تبرز تجربة ابن قسي نموذجا استثنائيا في علاقة المتصوف بالسلطة ؛ فالرجل ، رغم انتمائه الاجتماعي المتميز، زهد في الدنيا بعد أن تصدق بأمواله[39]. ويمكن تلمس تأثره بالمدرسة المسرية في اهتمامه بالزهد الباطني القائم على الحكمة الإلهية . كما عرف بإقباله الكبير على مؤلفات إخوان الصفا وكتب الغزالي.

وفي تفسيره لسر شغف ابن قسي بكتب الغزالي يقول ابن الآبار”أقبل على قراءة كتب أبي حامد الغزالي في الظاهر وهو يستجلب أهل هذا الشأن محرضا على الفتنة وداعيا إلى الثورة في الباطن”[40]، وهي الثورة التي أعد لها مريديه بدءا من الرابطة التي ابتناها بقرية “جلة” في ضاحية “شلب” مسقط رأسه، وقد نجح في استقطاب بعض كبار الجند وعلية القوم[41] .

ويستفاد من المرويات التاريخية أنه كان يتمتع بحس سياسي براغماتي نادر ؛ إذ فطن إلى أهمية استغلال فتوى الفقهاء المرابطين بإحراق كتب الغزالي وتكفيره ، فانتهج سبيل المهدي بن تومرت في الاستناد إلى مذهب الغزالي، بل إن هوس المماثلة والمماهاة قاده إلى التسمي بالمهدي والإمام وادعاء الهداية ،ثم انه أسس لثورته بتبني منهج مزدوج يجمع بين الظاهر والباطن، بين النظري والتطبيقي، بين التربية الصوفية التي كان يرسي دعائمها من خلال سلوكه العلمي في الحياة وكذا الدروس التي كان يشرح فيها أفكار الغزالي ويدافع عنها، وبين التخطيط الفعلي مع أخص معاونيه للثورة على النظام القائم ممثلا في دولة المرابطين.

هكذا إذن ، وفي تجربة فريدة من نوعها ، سيقدم ابن قسي على مجابهة السلطة حاملا وحالما بمشروع التغيير من منظور صوفي، وبالفعل قاد” ثورة المريدين” ردحا طويلا من الزمن ، توزع بين عهدي الدولتين المرابطية والموحدية، وقد بقي لائذا بالممانعة في وجه” بني عبد المومن بن علي” إلى أن قتل سنة 546هـ.

وقد خلف ابن قسي وفلسفته الصوفية تأثيرا لا تخفى مظاهره على التصوف الفلسفي بالأندلس، إذ استلهم أفكاره وآراءه أقطاب هذا التصوف ، كابن عربي وابن سبعين والششتري الذين لا تخلو مؤلفاتهم من تصاديات أفكاره التي بلورها في كتابه الموسوم بـ”خلع النعلين”.

ورجوعا إلى المهاد التاريخي الذي احتضن شعرية ابن عربي المتمثل في أواخر الدولة المرابطية وبداية الدولة الموحدية ، لا مندوحة لنا من الإشارة إلى أن تعامل سلاطين هاتين الدولتين مع المتصوفة اتسم بنوع من الاعتدال الرامي الى احتواء الفاعلية الصوفية من جهة وبنوع من التضييق والمطاردة في حال نجاح هؤلاء المتصوفة في استقطاب العامة أو تصريحهم بآراء مخالفة لقواعد الإجماع ،

وقد مر بنا سابقا الحديث عن امتحان الأمير المرابطي للصوفية الثلاثة (ابن العريف وابن برجان وأبي بكر المايورقي)، ويلاحظ عبد السلام الغرميني في هذا الصدد أنه “كلما اشتهر دعاة التصوف شهرة واسعة وحظوا بإقبال العامة عليهم أحدث ذلك قلقا لدى الأنظمة وتخوفا من أن يتحول ذلك السلوك من تعظيم وتوقير ديني إلى سلطة حقيقية تمارس على الأفراد والجماعات”[42].       

ومما لا مرية فيه أن العصر الموحدي شهد نوعا من ازدهار التصوف في الغرب الإسلامي يعزى، في بعض أسبابه ، إلى سعي الموحدين إلى استئصال المذهب المالكي من الساحة المغربية من خلال تحريق كتب الفروع ومصادرتها وتتبع حفاظ المدونة وما شاكلها من التآليف المالكية؛ بل إن بعض سلاطينهم عرفوا بالتصوف[43].

وأبدوا كبير اهتمام به ، كعبد المومن بن علي الذي سار على نهج محمد بن تومرت،واشتهر بعقده لمجالس الفكر لمناقشة قضايا الحكمة والفلسفة مع المتصوفة والفلاسفة ، من أمثال ابن طفيل وابن رشد والقاضي ابن الصفار،كذلك الشأن بالنسبة للسلطان يعقوب المنصور، الذي أعاد الاعتبار للمتصوفة ،لنطالع ما ينقله المراكشي في “المعجب “عن احتفائه بهم إذ يقول :

“انتشر في أيامه للصالحين والمتبتلين وأهل علم الحديث صيت وقامت لهم سوق وعظمت مكانتهم منه ومن الناس . ولم يزل يستدعي الصالحين  من البلاد ويكتب إليهم ويسألهم الدعاء ويصل من يقبل صلته منهم بالصلات الجزيلة”.[44]

وقد انتهى به الأمر أخيرا إلى سلوك طريق الصوفية من خلال تقريبه لأبي العباس المري ، متخذا إياه مستشارا له وصاحبا في حملات الجهاد بالأندلس لتنتصر في دواخله “روحانية المتصوف” على ” واقعية السلطان ” وهو ما يفسر تنازله عن سدة الحكم لابنه محمد الناصر.

ومع ذلك لم يأل متصوفة هذا العصر جهدا في الالتزام  بمبدأ الحذر والتحوط  في علاقتهم بالسلطة ،ولعل ابن عربي أبرز نموذج في هذا الباب ،فعلى الرغم من اتصاله بالكثير من ولاة الأمر والملوك ، في الغرب الإسلامي أم المشرق ونيله لحظوتهم، مما يكشف عن مدى انغماسه في مشكلات زمنه وقضاياه، فقد انمازت علاقته معهم بإسداء النصح الديني والسياسي كما هو الشأن في رسالته لكيكاوس [45] إذ يقول :

” وصل الاهتمام السلطاني الغالب بأمر الله العزيز، أدام الله عدل سلطانه ، إلى والده الداعي له محمد بن العربي؛ فتعين عليه الجواب بالوصية الدينية والنصيحة السياسية الإلهية على قدر ما يعطيه الوقت ويحتمله الكتاب ، إلى أن يقدر الله الاجتماع ويرفع الحجاب،فقد صح عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه قال :”الدين النصيحة،قالوا :لمن يا رسول الله ؟ قال: لله ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم” .

وأنت بلا شك من أئمة المسلمين.وقد قلدك الله هذا الأمر وأقامك نائبا في بلاده،ومتحكما بما توفق إليه في عباده ،ووضع لك ميزانا مستقيما تقيمه فيهم ،وأوضح لك محجة بيضاء تمشي عليها وتدعوهم إليها ،على هذا الشرط ولاك وعليه بايعناك ،فإن عدلت فلك ولهم ،

وإن جرت فلهم وعليك ،فاحذر أن أراك غدا بين أئمة المسلمين من أخسر الناس أعمالا (الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا يحسبون أنهم يحسنون صنعا وهم يحسنون) (دقق في الآية)ولا يكون شكرك لما أنعم الله به عليك من استواء ملكك بكفران النعم وإظهار المعاصي وتسليط النواب السوء بقوة سلطانك على الرعية الضعيفة، فإن الله أقوى منك ـ فيتحكمون فيهم بالجهالة والأغراض وأنت المسؤول عن ذلك.

فيا هذا قد أحسن الله إليك وخلع خلع النيابة عليك، فأنت نائب الله في خلقه وظله الممدود في أرضه، فأنصف المظلوم من الظالم، ولا يغرنك أن الله وسع عليك سلطانك وسوى لك البلاد ومهدها مع إقامتك على المخالفة والجور والتعدي على الحقوق، فإن ذلك الاتساع مع بقائك على مثل هذه الصفات إمهال من الحق لا إهمال، وما بينك وبين أن تقف بأعمالك إلا بلوغ الأجل المسمى، وتصل إلى الدار التي سافر إليها آباؤك وأجدادك ولاتكن من النادمين، فإن الندم في ذلك الوقت غير نافع” [46].

توهم بنية النص السطحية بكونه يندرج في إطار النصيحة الأبوية ،غير أن تفكيك لغته يفصح عن حس الجرأة على قول الحق-عند الشيخ الأكبر- (فاحذر أن أراك غدا بين أئمة المسلمين من أجسر الناس أعمالا ولايكون شكرك لما أنعم الله به عليك من استواء ملكك بكفران النعم وإظهار المعاصي وتسليط النواب السوء بقوة سلطانك على الرعية الضعيفة-فإن الله أقوى منك- فيا هذا- ولا يغرنك أن الله وسع عليك سلطانك وسوى لك البلاد ومهدها مع إقامتك على المخالفة والجور والتعدي على الحقوق فإن ذلك الاتساع مع بقائك على مثل هذه الصفات إمهال من الحق لا إهمال …).

وهي الجرأة التي يرمي من خلالها ابن عربي حث ذوي السلطة على النهوض بمسؤولية الخلافة وإقامة العدل بين الناس. وهاهنا نثمن ما قرره د.نصر حامد أبو زيد إذ اعتبر لغة ابن عربي في مخاطبة الملوك “ليست لغة المستعطف الذليل، بل هي لغة الناصح القوي المستند إلى سلطته المعرفية. أليست المعرفة سلطة؟” [47].

بلى إنها كذلك ، ولعلها هي التي جعلت للشيخ الأكبر وضعا اعتباريا خاصا عند أرباب السلطة، يقول:”كانت لي كلمة مسموعة عند بعض الملوك وهو الملك الظاهر صاحب مدينة حلب رحمه الله الغازي ابن الملك الناصر صلاح الدين يوسف بن أيوب فرفعت إليه من حوائج الناس في مجلس واحد مائة وثمان عشرة حاجة فقضاها كلها”[48] .

هكذا ظل ابن عربي ناهضا بوظيفة الصوفي بما هو صوت المظلومين والمستضعفين في قصور الحكام والأمراء، وهي وظيفة تنضاف إلى الوظيفتين اللتين رصدهما محمد مفتاح عند متصوفة الأندلس وهما: الإرفاق والدعوة إلى الجهاد[49] ويحسب لابن عربي في هذا الصدد دوره الكبير في إيقاظ الشعور الديني وحث المسلمين على الذود عن دينهم وأوطانهم والوقوف في وجه المد الصليبي المستعر.

ولا يخفي ما كان له من دور كبير في هذه الحروب الصليبية داعيا محرضا ملهما مرشدا ، وكان مقامه بين المسلمين مقام المربي المرشد العالم الأمين على رسالته فلا تأخذه في الحق لومة لائم [50].

وتأسيسا على ما سبق ، يمكن القول إن علاقة المتصوف بالسلطة زادت من شعوره بالاغتراب والانفصال عن واقع يغلي بالتناقضات والصراعات ،الشيء الذي دفع به إلى صياغة مشروع بديل سمته التجاوز ورفض العالم والتمرد عليه ؛ وليس هذا التمرد والرفض إلا ” نتيجة لقلق وجودي يضغط على الروح ويجعل الحياة العامة أمرا رتيبا إلى حد السأم “[51] ، خاصة إذا علمنا “أن ضعف الإسلام ـ متمثلا في هزائم المسلمين غربا وشرقا ـ كان هما من هموم الشيخ .

ولعل هذا الهم يمثل أهم باعث للبحث عن سبيل معرفي جديد لإعادة اكتشاف “المعنى” الديني عامة ومعنى “الإسلام” بصفة خاصة ؛ لكن _كما قلنا _فإن عملية البحث عن المعنى تظل بحثا محكوما بالأفق الضاغط لهموم الواقع ،مهما بدا الأمر متولدا عن تجربة روحية كونية “[52].

على هذا الأساس بني ابن عربي- وهو الصوفي الأندلسي المبرز- فكره المثالي المتعالي، متوسلا به حل معضلات الواقع “وحين يجد […] أن هذه الحلول لا تجد صدى في الواقع ، يتجاوزه مكونا بناء سياسيا باطنيا روحيا راقيا يعتبره هو العالم الحقيقي ودولة الباطن “[53].


  • الصوفي وسلطة القلب  ( ابن عربي نموذجا):

حظيت الصوفية  باعتبارها نسقا معرفيا أو حركة فكرية  باهتمام كبير من لدن الباحثين لا يقل عن الاهتمام الذي حظيت به بقية الحركات الفكرية في التراث العربي الإسلامي [54] ؛ لكن هذا الاهتمام ظل معتقلا وحبيسا ضمن أطر نظرية واحدة لا ترى في الفاعلية الصوفية سوى كونها هرطقة و إلحادا،” لذلك تتيح ،بوصفها هرطقة، قراءة دينية لصراع اجتماعي همش الحركة الصوفية وعزلها عن الجسم الفكري الاجتماعي كانت الصوفية الآخر المنبوذ داخل المجتمع .

وقد يعود ذلك الى تسمية الصوفيين أنفسهم بأهل “الباطن” مقابل الذين سموهم بأهل “الظاهر”. وكان ذلك نوعا من الدفاع ونوعا من التسويغ ،خصوصا أن الظاهر كان ينفي الباطن :لا على الصعيد الديني وإنما أيضا على الصعيدين الاجتماعي والسياسي؛ فالهرطقة ،من هذه الناحية تتيح رؤية التمفصل بين الإيديولوجي الإجتماعي، فيما تتيح لنا كذلك أن نقرأ الكيفية التي يتكون بها جسم اجتماعي ـ ثقافي “[55].

وانطلاقا من هذا التحليل يمكننا القول إن الصوفية صاغت خطابها رد فعل ضد “سلطة” السلطة وسلطة الفقيه والمتكلم والفيلسوف، نقول مع محمد الراشد: “لم يعد التصوف مجرد احتجاج على الوقائع السياسية والاقتصادية والاجتماعية فحسب ،

وإنما أصبح فيما بعد احتجاجا على العقلانية المسرفة في عقلانيتها متمثلة في الفلسفة وعلم الكلام الذي ألغى دور القلب والوجدان ونفاهما نفيا تاما، كما كان احتجاجا ضد الخط الديني ممثلا بالفقهاء الذين وضعوا الشريعة في أطر ضيقة وقاسية وأسهموا في تجميد الفكر الديني بدلا من العمل على تنميته وانفتاحه”[56].

وفي نفس المنحى يقول ناجي حسين: “إذا كان ظهور الأشاعرة رد فعل على إطلاق المعتزلة للعقل ودوره في تفسير الوحي وأحكامه، فإن التصوف في بواكيره الأولى ظهر رد فعل على عقلانية المعتزلة الشديدة وظاهرية الفقهاء وتأكيدا للجانب الروحي في الإنسان”[57].

وتبقى الإشارة إلى أن سطوة الفقهاء وسيطرتهم المطلقة على الميدان الديني والدنيوي وكذا تزمتهم البالغ ظلت سمات معروفة سواء في المشرق أو في الغرب الإسلامي، مما جعل ظهور المتصوفة ونضج قضاياهم الذوقية والروحية لأشبه بالتمرد السياسي والديني الذي شاركهم فيه الفلاسفة كذلك ضد الحظر الفقهي والواقع أن الفعاليات الفكرية {…} من متصوف إلى متكلم إلى فيلسوف هم فقهاء في الأصل فكأن هذه الحركات الفكرية تمثل انشقاقا ضد تزمت الفقهاء أنفسهم [58].

إن فصول الصراع الدامي الذي احتدم بين الفقهاء والفلاسفة والمتصوفة اكتست أبعادا خطيرة من خلال تأليب الفقهاء للسلطة ضد غريميها الأزليين (الفلاسفة والمتصوفة) سواء من خلال العنف المادي(القتل، النفي، التعذيب) أو الرمزي (حرق الكتب ومصادرتها ومنع تداولها…) وهو ما غذى هاجس الإغتراب الذي أناخ بكلكله على تجربة الصوفيين الحياتية والإبداعية مما حدا بهم إلى اتخاذ مواقف مضادة شكلت رد فعل ضد القمع الذي جوبهوا به.

وفي ضوء هذا المعطى ، نستحضر مواقف ابن عربي من الفقهاء والفلاسفة والمتكلمين، ومن خلال هذا الاستحضار ستتبدى لنا أساسيات المعرفة الصوفية وخصائصها العامة، لكن مع ضرورة وضع هذه المواقف في السياق الثقافي والديني العام.

إذا كانت نقطة المؤالفة والاشتراك بين الخطاب الفقهي والفلسفي والصوفي تتجلى في انعقاد موضوع المعرفة لديها –بشكل أو بآخر- حول الله وأن مركز الدائرة لهذا الموضوع هو إفراد الوحدانية لله بما يقتضيه ذلك من تنزيه عن الشبه والمثيل تنزيها مطلقا،فإن نقطة الاختلاف بينها (الخطابات السابقة) تتجسد أساسا في تصور كل منها لهذه المعرفة ثم للأدوات المصطنعة في إنجازها وتأويلها دون تناسي الخلفيات الثاوية خلف كل تصور من هذه التصورات.[59]

انصب تهجم الفقهاء وعلماء الكلام على التصوف بسبب إسقاطه ـ في مرحلة من مراحل تطوره- للقيم الأخلاقية التي شدد عليها المتصوفة الأوائل،واستبدالها بنظريات غريبة خارجة عن الأطر المتداولة في التصور الإسلامي من مثل نظرية الحلول والاتحاد ووحدة الوجود ،هذا فضلا عن تأويل المتصوفة “للنصوص القرآنية والأحاديث النبوية تأويلا يخالف المعهود من تفسير وبيان،

وربما كان صادما للفهم السائد للنصوص آنذاك”.[60] ويعزو ابن الجوزي ـ نموذج الفقيه المناهض للتصوف ـ سبب هذا الانحراف الصوفي إلى العدول عن العلم والتركيز على المقامات العلمية والإسراف فيها إلى حد جعلها سننا وقواعد للسلوك.[61]

وسيرا في نفس الاتجاه ، انتقد ابن تيمية نقدا لاذعا مجموعة من الصوفية الكبار كابن عربي وابن سبعين والقونوي والتلمساني ، مركزا نقده على فكرة وحدة الوجود، التي محض نفسه لتبيان تناقضها المنطقي وتهافت مرتكزاتها الفلسفية ، التي تفضي بحسبه إلى نتيجة سلبية هي نفي الخلق والخالق في آن واحد، ليخلص إلى أن أصل ضلال هؤلاء الصوفية “المتفلسفة” أنهم لم يعرفوا مباينة الله لمخلوقاته ومفارقته لها وعلموا أنه موجود فظنوا أن وجوده لا يخرج عن وجودها بمنزلة من رأى شعاعا فظن أنه الشمس نفسها.[62]

وقد انتهى ابن تيمية _شأنه في ذلك شأن الكثير من الفقهاء_ إلى حد تكفير المتصوفة ـ وابن عربي خاصة ـ ورميهم بالزندقة والإلحاد وذلك نتيجة مخالفة أفكارهم للأصول النظرية والعقائدية للإسلام ، فضلا عن تشبعهم بالنظريات الفلسفية والشيعة والغنوصية والباطنية.                                                                            

          إن هذه المواقف الفقهية النقدية المعارضة للتصوف تستند إلى معيار أخلاقي يرتكن إلى دوافع إيديولوجية بحسب رؤية الباحث منصف عبد الحق،[63] كما تستند إلى معيار ديني يكشف عن مأزق التأويل سواء في الفكر الديني القديم أو ثقافتنا المعاصرة. يقول نصر حامد أبو زيد في هذا الشأن:”ولعل في كل ما عرضنا من خلاف الباحثين حول حقيقة ابن عربي وحقيقة فلسفته

ما يؤكد قضيتنا الرئيسية ونظرتنا إلى معضلة التأويل وتصورنا لخطرها لا في الفكر الديني القديم فحسب بل في ثقافتنا المعاصرة بشكل خاص وفي معضلة المعرفة بوجه عام، فقد هاجم ابن عربي المهاجمين على أساس موقف ديني خاص لا يخلو من موقف تأويلي يفهم الدين فهما خاصا، من خلال هذا الموقف اعتبر ابن عربي خارجا عن إطار الدين ودخيلا على الإسلام ومخربا لعقائده”[64].

لم يفت ابن عربي،في معرض نقضه لنقاده ، التفطن إلى الوظيفة التاريخية والإيديولوجية للخطابات السائدة: الفقه وعلم الكلام ،فالغاية من ظهور هذا الأخير لم تكن معرفية”أي لم يكن هدفه هو إنشاء نسق معرفي حول الله والإنسان وإنما هدفه الأساس الحجاج والدفاع،إن وظيفته إيديولوجية بل سياسية في العمق”[65]،وهو ما جعله يتحول إلى سلطة ترفض كل معرفة ممكنة لا تتقيد بحدود النص.

 لقد كرس ابن عربي جهدا كبيرا في جل كتبه لنقد الأدوات المنهجية المعتمدة من قبل علماء الكلام كالبرهان القائم على الحجاج والإقناع ،وكمبدأ قياس الغائب على الشاهد ، مبرزا محدودية هذه الأدوات من الناحية الإبيستيمولوجية خاصة في الأمور المرتبطة بالعلم الإلهي، يقول: “ولا تقس،فإن طريق الله لا تدرك بالقياس، فما كل أمر يشبه أمرا له حكم ذلك المشبه […] فاحذر من القياس في العلم الإلهي بل إن تحققت الأمور لم يصح وجود القياس أصلا ،وإنما هو من الأمور التي غلط فيها أهل النظر في أن حملوا حكم المقيس عليه على المقيس.[66]  

وفي نقده للفلاسفة ركز ابن عربي أيضا على أداة المعرفة المتمثلة عندهم في العقل،كاشفا محدودية هذه الأداة في بلوغ حقيقة الذات الإلهية وتكوين معرفة ميتافيزيقية بها على اعتبار أن “الحق سبحانه لا حد له،إذ كان الحد مركبا من جنس وفصل،وهذا ممنوع في الحق لأن ذاته غير مركبة من أمر يقع فيه  الاشتراك،فيكون به الجنس،وأمر يقع به الامتياز.

وما ثم إلا الله والخلق ولا مناسبة بين الله والعالم”[67] ،وعلى هذا الأساس سينبني الاختلاف بين العقل الفلسفي والكشف الصوفي:” الأول يلتقط  المعاني في تجريدها العقلي الصرف والثاني يكشف الدلالات الرمزية في كثافتها ولا نهائيتها وتركيبها المتعدد لأن الوجود ليس فضاء للأشياء ولكنه فضاء للصور ومجاليه. إن هذا التحويل في مفهوم الوجود هو الذي يفسر التحويل الذي يمارسه ابن عربي على المعرفة، ثم استبعاده للعقل وارتباطه بما بعد – العقل إنه القلب باصطلاح الصوفية”[68] .

والقلب ، بالمفهوم الذي أرساه المتصوفة عامة وابن عربي بصفة خاصة، يمتلك قدرة عجيبة على مسايرة نسق التجليات وإيقاعها ، ومن ثم كانت له تلك الطاقة التحولية التي تسمح له بامتلاك صور هذه التجليات .على هذا الأساس بين ابن عربي حدود العقل الكلامي والفلسفي القائم على الضبط والتقييد ، ليستبدل به أداة إدراكية لها التجاوز والتقاط الأشكال الوجودية باعتبارها صورا ومرايا للتجلي الإلهي،

يقول أحمد علي زهرة:”إن معرفة العالم معرفة عقلية ومعرفة الصوفي معرفة قلبية، فقد يتوقف العقل عن العمل عندما يعمل القلب، والقلب مستودع العواطف، وأهم هذه العواطف عاطفة المحبة،والحب هو طريق المعرفة، ومن لا يعشق لا يعرف ” [69].

إنها المعرفة التي تتعدى طريق الإدراك الحسي لترتاد أفقا معرفيا غاية في الانفتاح ،ألا وهو الكشف الصوفي الذي ينفذ بالإنسان عبر النفس الإلهي الذي يتخلل الوجود لتغدو كل الصور المحسوسة تجليات للألوهية ؛ يقول ابن عربي على لسان الحق في كتابه “التجليات”: 

“حبيبي…كم أناديك فلا تسمع، كم أتراءى لك فلا تبصر، كم أندرج لك في الروائح فلا تشم، وفي الطعوم فلا تطعم لي ذوقا، مالك لا تلمسني في الملموسات؟ مالك لا تدركني في المشمومات؟ ما لك  لا تبصرني مالك لا تسمعني؟[…]”[70]

      هكذا يتأسس نمط المعرفة القلبية المباشرة القائمة على العاطفة الملتهبة في حالة تغلب فيها النفس على أمرها[71] ، بخلاف نمط المعرفة النظرية الذي”يحول الدين إلى أشكال طقوسية من عبادات ومعاملات كما هو الشأن في المنظور الفقهي”[72]،

ولإدراك الفروق الموجودة بين هذين النمطين ننصت لمارتن لنكس Martin Lings:” إن المعرفة عن طريق الحواس باعتبارها عالم الإدراك المرتب في الأدنى هي مغروسة عميقا في الفضاء، الزمن والشرائط الأرضية الأخرى، ولذلك فهي أكثر هروبا من المعرفة الفكرية، في حين أن “الذوق” الداخلي ينفلت من هذه الشرائط بسبب سموه، ولذلك فهو يتأسس من كل التجارب الأكثر اتساعا والأكثر ديمومة.” [73]

على هذا السمت ترتحل أداة المعرفة من عقال العقل والمنطق لتحل في القلب، هذا الذي يتبدى مفارقا لبقية الجسد على الرغم من أن مادته مكونة كباقي الجسد من لحم ودم،إن الأحوال التي ترد عليه تجعله” يعيش حالة نشوة وذوق، حالة فناء المتناهي في اللامتناهي كما في الحديث القدسي:”ما وسعني أرضي ولا سمائي تسعني ووسعني قلب عبدي المؤمن “[74].

إنها الطريق إلى المعرفة الحقيقية المؤسسة على التجربة والمعاناة والمتجاوزة لمنطق الإقناع والاستدلال، وهي” وقوف القلب بدوام الانتصاب بين يدي من آمن به”[75]،على هذا النحو تتم مجاوزة الظاهر إلى الباطن لأن المعرفة الحقيقية لا يمكن أن تكون إلا باطنية، لكن ليس معنى هذا أن التصوف يلغي الظاهر كلية،

فالظاهر بدءا هو أحد الأسماء الإلهية، وما يلغيه التصوف حقيقة هو” الظاهرية، المستقلة للمدنس حيث الأنا لا يعير اهتمامه لأشياء هذا العالم في حد ذاتها، لكن بالنسبة للمنهج بمجرد ما تتحول ظاهرية شبيهة لدى الإنسان إلى” طبيعة ثانية” سيكون ربما من الضروري إقامة التوازن عن طريق الإقصاء المؤقت لكل ظاهرية في حدود الإمكان”.[76]  

وعليه لن يكون الذوق بديلا عن العقل وحسب بل سيغدو نقيضه بما هو اتصال و”حركة احتراق الذات بحرارة العشق حالة انصهار الظاهر في الباطن”[77] ،إنه في نهاية المطاف ذلك” الكشف المباشر الذي يتم عبر حال تتلبس الصوفي فتبدل صفاته وتقوده في حركة تتجاوز الشريعة إلى الحقيقة متجهة نحو الكشف عن الله جوهر العالم والفناء فيه.”[78]

إن العبور من الظاهر إلى الباطن للوصول إلى التوحد بالله هو ما يعنيه الصوفيون بالسفر”والمسافر هو الذي سافر بفكره في المعقولات والاعتبارات”[79] وللسفر مقامات وأحوال تفضي إلى الفناء في الله، ذلك أن الصوفي يصل من رياضاته إلى حالة نفسية معينة لا يعود يشعر معها بذاته أو بإنيته، وإنما يشعر ببقائه مع حقيقة أسمى مطلقة، وأنه قد فنيت إرادته في إرادة المطلق،[80]إذ الحب هو” فناء عن الذات أو الأنا وبقاء الأنت أو بالله”[81]والمحبة كما يعرفها ابن الخطيب:

            ” دعوى ما لم يقم دليل لم يثبت بمجردها حق،فنحن نذكر الدلائل والعلامات ومنها ذاتية المحبة ولازمة لها كالرضا بفعل المحبوب والشوق إليه والوجدان فيه والغيرة والهيبة والتعظيم والقبض والبسط وإدامة ذكر المحبوب”[82]يقول الحلاج معبرا عن درجة حبه لله التي استحالت إلى فناء وإتحاد فيه:

 أنا من أهوى ومن أهوى أنا                نحن روحان حللنا بدنا

          فإذا أبصرتني أبصـــرته          وإذا أبصرته أبصرتنا[83].


      إن الحب الإلهي لا يحصل إلا عبر ألوان عنيفة من الزهد والرياضة والمجاهدة النفسيتين، تصل بالصوفي إلى حال تتجرد فيها النفس عن أهوائها، وبذلك تحصل المعرفة ولا يسمى الصوفي عارفا إلا بالفناء في الله، وفي نهاية التحليل تصبح المحبة معرفة والمعرفة محبة. وفي هذا النص لعبد الكريم القشيري عرض لأسس هذه المعرفة وأسرارها عند المتصوفة،

يقول: «وعند هؤلاء القوم –يعني المتصوفة- المعرفة صفة من عرف الحق سبحانه بأسمائه وصفاته ثم صدق الله في معاملاته، ثم تنقى عن أخلاقه الرديئة وآفاته، ثم طال بالباب وقوفه ودام بالقلب اعتكافه فحظي من الله بجميل إقباله وصدق الله تعالى في جميع أحواله وانقطع عن هواجس نفسه ولم يصغ بقلبه إلى خاطر يدعوه إلى غيره .

فإذا صار من الخلق أجنبيا ومن آفات نفسه بريئا ومن المساكنات والملاحظات نقيا، وأدام في السر مع الله تعالى مناجاته، وحق في كل لحظة إليه رجوعا، وصار محدثا من قبل الحق –سبحانه- بتعريف أسراره في ما يجريه من تصاريف أقداره، يسمى عند ذلك عارفا وتسمى حالته معرفة، وفي الجملة فبمقدار أجنبيته عن نفسه تحصل معرفته بربه عز وجل»[84] .


            هكذا تتأسس المعرفة بالله عن طريق الاغتراب عن النفس  وعن الخلق وليس هذا الاغتراب سوى تصفية للقلب من الأدران وتهيئته لمعرفة الله سبحان وتعالى، إنه الباب المفضي لمشاهدة أنوار حضرة الحق “فالعارف لاستشرافه على هذه المعارج وتعلق نفسه بتلك العوالم المقدسة يرتقي من العمل إلى الحال حتى يكون همه وهمته الوصول إلى الله، فلا يلحظ ثوابا ولا غيره، وإنما سعيه في استفتاح أبواب حضرة الله و إبدال حين ذاته في قدس الله.”[85].

            ملاك الأمر إذن إن المعرفة الصوفية كما بلورها ابن عربي ينبغي أن تفهم في الإطار العام الذي يحكم فلسفته الصوفية الوجودية عامة،وقد أشار الدكتور نصر حامد أبو زيد إلى أن ابن عربي كان” دائم التنبيه إلى تعدد المستويات في عباراته وألفاظه،وهولا يفتأ يحذر قارئه من مهاوي الوقوع في السطحية نتيجة لطبيعة اللغة العرفية التي لا مفر أمامه من أمامه من استخدامها”[86]،والتي لن يفك طلاسمها ويكتنه أسرارها إلا من غشا النور قلبه،وإليكم هذه الأبيات التي تترجم اغتراب الشيخ الأكبر واغتراب قوله،يقول:

   خصصـت بعلم لم يخص بمثله           *  سواي من الرحمن ذي العرش والكرسي

وأشهدت من علم الغيوب عجائبا          *   تصــان عن التذكار في عالـم الــحس

       فيا عجبا إني أروح وأغتــدي       *         غريــبـا في الوجــود بلا جــنس

   لقد أنكر الأقوام قولي وشنعـوا      *        علي بعــلم لا ألــوم به نفـــسي

       فلا هم مع الأحياء في نورما أرى    *     ولا هم مع الأموات في ظلمة الرمس

     فسبحان من أحيى الفؤاد بـنوره      *         وأفقدهم نــور الهداية بالطــمس[87]

 

     وإجمالا يمكن أن نختم القول –في هذا البحث- بما خلص إليه الباحث عبد الجليل سالم حينما قدم دفاعا موضوعيا عن مذهب ابن عربي مبينا تغافل المناوئين له (لابن عربي) عن الجوهر الروحي الذي يكتنف تجربته، يقول:

          “إلا أنهم غفلوا أو تغافلوا عن تلك القيم والمعاني الروحية التي يتضمنها هذا المذهب بالزندقة وعدوه كافرا ومارقا مخالفا للشرع، مع أنه كان حازما في إتباع الشرع، ولكن لطبيعتهم العقلية المتمسكة بالظاهر جهلوا أو تجاهلوا ذلك المصطلح الصوفي الرمزي إنه ليس بالمارق ولا بالزنديق، ولكنه صوفي مرهف الحس والوجدان، لم يخف الحقيقة الإلهية، فجعل منها وجودا عقليا صارما ولكنه وجد فيها وجدانا ساريا في الكل.

ولهذا لم يجبن من أن يجد لذلك الحبيب الكل والحب الفلسفي الكبير سندا في القرآن الكريم، وكان مفتاحه في ذلك التفسير الباطني لآيات الكتاب، الذي هو أقرب إلى التفسير الرمزي منه إلى التأويل الصارف للفظ عن معناه، ووجد في معانيه الباطنية كمالا وتماما وتفهما لمعانيه الظاهرة التي لم يلغها من حسابه فوقف ما بين الشريعة والحقيقة”[88] .

                  إن فرادة الخطاب الصوفي تنبع من كونه يفتح أفقا واعد للتأويل ويستدعي متلقيا عاشقا مخصوصا ، عدا عن كونه استطاع أن يحدث تصدعا في بنية المعرفة  العربية الإسلامية، مما تولد عنه صدمة لدى المتلقين الذين لم يستطيعوا إيجاد نقط تلاق واشتراك بين أفقهم وآفاق المتصوفة التي عكستها عباراتهم المستغربة وأخيلتهم الجامحة، التي أشرت لطرائق جديدة في التعبير عن علاقتهم بالله مثلما أشرت لاغتراب المعنى لديهم.


  • خاتمة:

         تأكد لنا في ختام هذه الدراسة أن الخطاب الصوفي مكون أساس من مكونات الثقافة العربية الإسلامية، وهو خطاب تتواشج في بنائه عدة  مجالات معرفية: شعر، نثر، قرآن ، حديث ، فلسفة… مما يجعل النص الصوفي  قطعة فسيفساء متعددة الأبعاد وطافحة بالجمالية والإبداع.

أما الصوفي فقد نجح في إثبات وضعه الاعتباري  كمثقف مخصوص له رؤيته الخاصة للذات والعالم. ومن هنا أصبح من اللازم حث وزارات التعليم والتربية في البلدان العربية والإسلامية على إدراج التصوف ضمن مناهجها التعليمية وإعطائه حيزا أكبر. مع إحداث كراسي في الجامعات العربية والإسلامية تعنى بالتصوف وذلك قصد إعادة الاعتبار لهذا الخطاب وقراءته قراءة موضوعية بعيدا عن النظرة الأخلاقية والأيديولوجية.


[1]  د. و عزيز ،الطاهر : المفاهيم طبيعتها ووظائفها ضمن مجلة المناظرة  عدد 1/يونيو1989ص17.

[2]  د. جودة نصر ،عاطف :شعر عمر الفارض دراسة في فن الشعر الصوفي دار الأندلس – بيروت.ب.ت.ص10.

[3]  . شعر عمر الفارض: دراسة في فن الشعر الصوفي ص 20.

[4]  ابن خلدون، المقدمة، ط1 دار القلم بيروت 1981ص468.

[5]  الجندي، درويش: الرمزية في الأدب العربي دار النهضة القاهرة .ص334. وانظر كذلك الشابي ، جاكلين الموسوعة العالمية .م.س.ص357. و نيكلسون، ارنولد في التصوف الإسلامي وتاريخه. ترجمة عفيفي أبو العلا طبع لجنة التأليف والترجمة والطبع مصرص46.

[6]  التفتازاني أبو الوفا الغنيمي: مدخل إلى التصوف الإسلامي دار الثقافة . مصر1974 ص104.

[7]– اليوسف  يوسف : الصوفية حركة يسار الفكر العربي ضمن مجلة الآداب البيروتية عدد يناير 1975 السنة 23ص5.

[8] – الصوفية حركة يسار الفكر العربي.ص 8/*يقصد بهما ابن الفارض و ابن عربي.

[9]  – في التصوف الإسلامي و تاريخه.ص20.

[10] – الرمزية في الأدب العربي.ص:

[11]  ابن عجيبة، أحمد بن محمد : إيقاظ الهمم في شرح الحكم ، ج1، ط1، ص5-6.

[12] Chebbi Jackline, E,U, , p357

[13]  الجابري، محمد عابد ، الهرمسية والمواقع التي احتلتها في الثقافة العربية والإسلامية، ضمن مجلة كلية الآداب والعلوم الإنسانية، عدد14 /1988الرباط،.ص116.

[14]Lings Martin: Qu’est ce que le soufisme  traduit de l’anglais par: Roger de Pasquier, Ed: seuil1977.France p :16 et 58.

[15] Qu’est ce que le soufisme p58

[16]  الرمزية في الأدب العربي.ص 329.

[17] Qu’est ce que le soufisme  p :58

[18]  القشيري ، عبد الكريم: الرسالة القشيرية طبعة 1376ه/1948.ص126.

[19] Qu’est ce que le soufisme .p :57

[20]  المقدمة ص467.

[21]  شعر عمر بن الفارض.ص17

[22]  – أدونيس،أحمد علي سعيد: الصوفية والسوريالية، الطبعة الأولى دار الساقي بيروت، 1992، ص26.

[23] –  يرى بورديو، بيير أن «فعل المأسسة يعني إعطاء جوهر، قدرة ، إنه فرض حق للوجود هو واجب الوجود (أو واجب الوجود)، إنه يقوم  على أن يحدد للمرء ما هو عليه وبالتالي يعين له حدود تصرفه والدال في هذه الحالة هو الآمر(l’impératif)  » انظر كتابه:

CE Que Parler Veut Dire,  Librairie Artheme Fayard – 1982p126.

    وكذلك كتابه : الرمز والسلطة ، ترجمة عبد السلام بن عبد العالي، ط2، 1990، دار توبقال للنشر، الدار البيضاء، ص29

[24] – ابن خلدون، عبد الرحمن: المقدمة، دار الفكر –بيروت، ب.ت.ص، 467.

[25]  د. الغرميني عبد السلام ، الصوفي والآخر، دراسات نقدية في الفكر الإسلامي المقارن، ط1، 2000، شركة النشر والتوزيع

                المدراس البيضاء،ص159.

26-   مكارم ، سامي :الحلاج : في ما وراء المعنى والخط والنون،ط2 2004 –دار الريس للكتب والنشر،بيروت ض 29

27- الحلاج،ص:34

  28- للتوسع أكثر قي حيثيات و ملابسات هذه المحاكمة التي انتهت بإعدام الحلاج راجع:

  • ابن الأثير،علي بن محمد: الكامل في التاريخ، الجزء الثامن منشورات أحمد الحلبي ومحمد مصطفى 1303هـ ص 40
  • مسكويه،أحمد بن محمد، تجارب الأمم وتعاقب الهمم، الجزء الأول، مطبعة شركة التمدن الصناعية 1332 هـ /1914م ص 81
  • البغدادي ،الخطيب ، تاريخ بغداد أو مدينة السلام، الجزء الثامن مكتبة الخانجي ومطبعة السعادة بغداد 1349 هـ /1931م ص 127

[29] – العلوي ، هادي: مدارات صوفية، تراث المشاعية في الشرق،دار المدى للثقافة والنشر دمشق1997 ص:221

[30]  – عصفور، جابر، بلاغة المقموعين، ضمن مؤلف مشترك : المجاز والتمثيل في العصور الوسطى ،ط 2 1993 البيضاء ص : 6و9.

[32] – ابن الفارض،عمر: الديوان، دار صادر بيروت ص 22-97

[33]  -ابن عربي،محيي الدين: الاسرا إلى المقام الأسرى أو كتاب المعارج، تحقيق الدكتورة سعاد الحكيم ط 1 1988 دار ندرة للطباعة والنشر لبنان  ص 57-59 حيث ترد هذه الأبيات ضمن قصيدة على لسان أحد الملائكة وصون السر يكاد يكون لازمة في إبداع الشيخ الأكبر من  ذلك قوله:          فافهم فديتك سرا لله فيك ولا             تظهره فهو عن الأغيار مكنـــون

                                  وغر عليه و صنه ما حييت به            فالسر ميت بقلب الحر مدفون (د33)

                         (ديوان ابن عربي شرح أحمد حسن بسج الطبعة2 دار الكتب العلمية بيروت2002  ص:33).

[34] – ينظر ابن خلكان، أبو العباس شمس الدين، وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان، المجلد6 تحقيق إحسان عباس دار صادر، بيروت 1977 ص 271

[35]– الشعراني،عبد الوهاب: الطبقات الكبرى، مكتبة محمد المليجي الكتبي وأخيه، مصر1315 هـ، الجزء1 ص:13

[36] العدلوني الإدريسي ، محمد ، التصوف الأندلسي: أسسه النظرية وأهم مدارسه، دار الثقافة،  ط1-2005 البيضاء ص:63- أنظر  

     كذلك ابن الفرضي،  تاريخ  علماء الأندلس، المكتبة الأندلسية، مصر1966، ص39.

[37]– تاريخ علماء الاندلس.ص:39

[38]  – ابن الآبار،  أبو عبد الله محمد بن عبد الله: المعجم في أصحاب القاضي، دار الكتاب العربي القاهرة 1968 ص 18و19

[39]–  ابن الخطيب، لسان الدين: أعمال الأعلام  في من بويع قبل الاحتلام من ملوك الإسلام ، طبعة بيروت 1956 ص:

          249 

[40]  – ابن الآبار، أبو عبد الله محمد بن عبد الله: الحلة السيراء، الجزء الثاني، تحقيق حسن مؤنس القاهرة 1963 ص 197

[41]  – من بين أهم الشخصيات التي انخرطت في ثورة ابن قسي نذكر محمدا بن يحيى الشليشي وأبا الوليد بن عمر بن منذر  

       انظر :أعمال الأعلام، مرجع سابق ص 250.

[42]  – الغرميني ، عبد السلام ، الصوفي الآخر، مرجع سابق، ص176.

[43] –  الذهبي،أبو عبد الله: العبر في  أخبار من غبر ،الجزء الثالث ص22نقلا عن الغرميني .مرجع سابق ص171

[44] – المراكشي، عبد الواحد : المعجب في أخبار المغرب ،الطبعة 7 البيضاء/1978 ص400

[45] – كيكاوس:حاكم بلاد الروم وبلاد يونان في زمن ابن عربي.

[46]  – ابن عربي،محيي الدين: الفتوحات المكية، الجزء 4 مرجع سابق ص 596. التشديد من عندي.

[47]  – هكذا تكلم ابن عربي، ص 69

[48]  الفتوحات المكية، ج4 ص 595-596

[49]  راجع في هذا الصدد مقال مفتاح ، محمد ،  مفهوم الجهاد والإتحاد في الأدب الأندلسي، ضمن مجلة عالم الفكر

     مجلد12عدد1 /1981- الكويت ص 196-199 

[50] – سرور ، طه عبد الباقي ،محيي الدين بن عربي ،مكتبة الأنجلو المصرية ،الطبعة 2-القاهرة .ص:14

[51] – مقدمة للنفري ص:8

[52] – هكذا تكلم ابن عربي ،مرجع سابق .ص:69

[53]  فلسفة التأويل، ص37

[54] – انظر: علي زيعور،رافعات وتجريحات التصوف في الذات العربية ،ضمن مجلة دراسات عربية عدد4 ،1980.

[55] – أدونيس،علي أحمد سعيد: الصوفية والسوريالية،الطبعة الأولى دار الساقي بيروت 1992 ص:26

[56] – نظرية الحب و الإتحاد في التصوف الإسلامي،  ص33.

[57]  د. حسين عودة، ناجي ، المعرفة الصوفية: دراسة فلسفية في مشكلات المعرفة، دار الهادي، ط1 2006، ص32.

[58]  العطار ، سليمان : الخيال والشعر في تصوف الأندلس، دار المعارف القاهرة،ط1 1981، ص25.

[59]– نشير هنا إلى الملاحظة المهمة التي سجلها منصف عبد الحق بخصوص ما انتبه إليه ابن عربي من كون التأويلات ليست سلطة معرفية فقط ولكنها سلطة سياسية أيضا إذ يعتبر أن المفكرين قد جعلوا من تأويلاتهم وسيلة لتمشية أغراض الملوك والحكام (انظر الفتوحات،الجزء3.م.س.ص69) الكتابة التجربة الصوفية.ص159هامش127.

[60]  – ابن الجوزي ،أبو الفرج ،تبليس إبليس،دار الكتب العلمية،الطبعة الثانية بيروت1368 ص164و170-171.

[61] – الحداد ،عباس يوسف : العاذل وتجلياته في الشعر الصوفي،ضمن مجلة نزوى، عدد42-أبريل 2005،سلطنة عمان ص:39.

[62] – ابن تيمية،  ابو العباس أحمد بن تقي الدين: مجموعة الرسائل والمسائل، الطبعة الأولى1983بيروت، الجزء الثاني:ص163-165الجزء الرابع ص:69

[63] الكتابة والتجربة الصوفية، ص:331-334.

[64]– فلسفة التأويل ص24.

[65] – الكتابة والتجربة الصوفية ،ص225.

[66] – الفتوحات المكية،ج1 ص193-.194.وجبت الإشارة إلى أن ابن عربي والمتصوفة لا يهاجمون العقل الذي يعتمد

    على القوة المفكرة أو لنقل إنهم يهاجمون مبدأ استقلاله عن تلقي النور أو التجلي الذي هو سبيل المعرفة اليقينية أساسا. 

[67] – يرى ابن عربي أن القلب” معلوم بالتقليب في الأحوال دائما،فهو لا يبقى على حالة واحدة {…}فإنه لا يتقيد{…}فهو يتقلب بتقلب التجليات و العقل ليس كذالك،فالقلب هو القوة التي وراء طور العقل” الفتوحات،ج 1. ص:189.

[68] – الكتابة والتجربة الصوفية، ص: 223

[69] – الصوفية و سبيلها إلى الحقيقة، ص:141.

[70] -ابن عربي،محيي الدين:كتاب التجليات ضمن رسائل ابن عربي،ج2،الطبعة الأولى 1376.ص42.

[71] – ميتز ، أدم ،الحضارة الإسلامية،ترجمة عبد الهادي أبي ريدة، الجزء الثاني الطبعة 2 لجنة التأليف والترجمة والنشر

        مصر.ب.ت.ص11

[72] – أدو نيس،أحمد علي سعيد، الثابت والمتحول، الجزء الثاني،الطبعة الثالثة دار العودة بيروت 1982ص91

[73] – Qu’est ce que,le soufisme p: :70             

-[74]  الفتوحات،ج1.ص:90

[75]  – الطوسي، أبو نصر السراج ،اللمع في التصوف،تحقيق نيكلسون،المطبعة ليدن 1914 ص336

[76]  – Qu’est ce que,le soufisme  p :122.

[77] – أبو شوار ، إبراهيم ،الخطاب الصوفي والتجاوز الممكن للغة، ضمن مجلة الوحدة ،عدد21يونيو 1986ص131.

[78] – الثابت والمتحول،الجزء الثاني، ص92.

[79] – مبارك، زكي:التصوف الإسلامي في الأدب والأخلاق،الجزء الأول،الطبعة 2 دار الكتاب العربي مصر 1954ص72.

[80] – التفتازاني ، أبو الوفا : مدخل إلى التصوف الإسلامي،دار الثقافة،القاهرة 1974ص7-8.

[81] – الثابت والمتحول،الجزء الثاني ص54.

[82] – ابن الخطيب،لسان الدين ، روضة التعريف بالحب الشريف،عارضه بأحواله وعلق على حواشيه وقدم له محمد

       الكتاني،دار الثقافة،البيضاء.ب.ت.ص640-641.

[83] – الحلاج،الحسين بن منصور، الطواسين،طبعة باريس 1913.ص134

[84]  – القشيري، عبد الكريم ، الرسالة القشيرية، طبعة بولاق 1284هص183-184.

[85] – روضة التعريف ،ص428.

[86]– فلسفة التأويل ص31.

[87]– ابن عربي ،محيي الدين: الديوان، شرح أحمد حسن بسج ،الطبعة 2-دار الكتب العلمية بيروت 2002ص49.

[88] – عبد الجليل سالم،وحدة الوجود عند ابن عربي،الطبعة الأول2002،مطبعة:”بوبلسيتي”تونس ص64.

علي كرزازي

علي كرزازي: حاصل على دكتواه في الآداب سنة 2010 في موضوع:" شعرية الاغتراب الصوفي بالأندلس: ابن عربي نموذجا". وعلى دبلوم الدراسات العليا في اللغة العربية وآدابها سنة 1998 في موضوع:" الشعرية العربي بين المركز والهامش: أبو نواس نموذجا". له عدة مقالات نقدية وقصائد شعرية منشورة، مُعد لبرامج إذاعية ثقافية، عضو اللجنة الموسعة لأكاديمية المملكة المغربية المشرفة على جمع دواوين موسوعة الملحون.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

الإعلانات هي مصدر التمويل الوحيد للمنصة يرجى تعطيل كابح الإعلانات لمشاهدة المحتوى