نقد

العقل السلفي المغربي يتحدى العِلم في تفسير جائحة كورونا

 

طغت تفسيرات غارقة في التسطيح الكبير والفهم الغارق في الدوغمائية لأسباب جائحة كوفيد – 19، من قبل بعض المنتسبين للتيارات السلفية، وغض الطرف عن اعتباره من الآيات الكونية التي أمر القرآن الكريم التدبر فيها والتعامل معها باستعمال العقل والروح معا، والبحث في حقيقته العلمية والطبية حتى نتجنّب آثاره المُعدية والمؤثرة سلبا على كل مناحي حياة الإنسان ومنها الحق في الحياة كونها من الكليات الخمس التي أمر الشرع الحنيف بالحفاظ عليها.

 

لم يختلف التيار السلفي المتشدّد بالمغرب، في توصيف وباء كورونا وأسبابه، وإنما تباعدت تياراته فقط في تدبيج خطابها المتطرف من ناحية المفردات، فهناك من اعتبر الوباء ناتجا عن “القدر الإلهي”؛ وكأن الأمراض المزمنة وحوادث الطرقات والشغل والكوارث ليست من قدر الله وقضائه، فيما اعتبر بعضهم كوفيد – 19 “بلاءً موجهاً للكفّار”، وقال آخرون إنه “جند من جنود الله”، وهناك من سمح لنفسه بالتأكيد على أن الوباء “رسالة من الإله”.

ولكي يكون مقنعا لأتباعه بتفسير العقل السلفي المنغلق لهذا الوباء، انبرى عمر الحدوشي، أحد قادة التيار السلفي بالمغرب، إلى القول إن “المرض أصاب الصين وانتقل من دولة إلى أخرى، رغم التطورات التكنولوجية التي تتوفر عليها الصين”، زاعما أن الوباء “جند من جنود الله”، وهذا الفهم يتعارض مع النص القرآني حسب العديد من الفقهاء وعلماء الدين.

وحتى يعطي لتفسيره وقعا خاصا لدى من يتابعه، اعتبر الحدوشي، أن “ما نزل بلاء إلا بذنب ولا يرفع إلا بتوبة، وأنه رسالة من الله إلى هؤلاء لأنهم لا يؤمنون بالله”، مبرزا أنه “فايروس قهر الدول العظيمة رغم التطور التكنولوجي. جنود الله لا يعلمها إلا هو”.

بالمقابل فالأمر مختلف عند رئيس منتدى تعزيز السلم، الشيخ عبدالله بن بيه، الذي قال إن هذه الجائحة تنبّهنا إلى حاجة الكون إلى ربط الصلة بالسماء، مشيرا إلى أن الإنسان وهو يقف متحيراً أمام هول الحدث، ومتسائلا عن أسبابه، يطرح مجموعة من الأسئلة؛ وهي أسئلة تتعلق بالبحث عن سنن الكون، كيف حدث هذا الوباء، وكيف يتعامل الإنسان مع هذه الأوبئة بإنتاج اللقاحات والعلاجات الملائمة، واستشراف حدوثها، والابتعاد عن المناطق الموبوءة؟

الأديان السماوية يجب أن تكون حاضرة في خضم هذه الجائحة لتقديم الأمل والحث على التضامن والتحلي بالأخلاق الإنسانية

 

لقد حثّ الدين الإسلامي في القرآن الكريم والسنة الشريفة على استعمال العقل والمنطق والقياس والتدبر في كل الظواهر التي تحيط به ومنها النفس الداخلية، فيما يقول الطب باتباع التعليمات الواردة في جميع توصيات العلماء والأطباء لاسيما حول غسل اليدين والحد من مخالطة الحشود الكبيرة أو ارتياد الأماكن العامة، والإنسان كما يعتقد الشيخ ابن بيه، يجتهد ويبحث ويستمد التوفيق من القوة العليا الممدة والملهمة.

وبالبحث في السنة النبوية نجدها تدعو إلى تعلم الطب والبحث عن الدواء، كما يقول الشيخ ابن بيه، مؤكدا أنه إذا كان الإنسان على يقين من وجود دواء للأمراض العضال، فضلا عن الأمراض الأخرى، فعليه أن يستقصي بحثا، فهو لا يبحث عن شيء معدوم، لكن عن شيء موجود لم يكتشف بعد، وهذه بشرى وأمل للباحثين.

لكن وبالعودة إلى العقل الدوغمائي نجد أن الشيخ السلفي عبدالحميد أبوالنعيم، لم يشذّ عن زملائه في المنهج المتشدد عند التعاطي مع أزمة كورونا، بتأكيده في شريط فيديو نشره على صفحته الرسمية بفيسبوك، أنه نقلا عن بعض العلماء فإن “البلد الذي تغلق فيه المساجد ولا تصلى فيه الصلوات الخمس، ارتد عن دينه، وكفر بعد إيمانه وأصبح دار حرب وليست دار إسلام”.

هذا السلوك من طرف أبوالنعيم، غير مبرر قانونا ولا دينيا ولا أخلاقيا كون البلاد تمر بحالة استثنائية، والدين الإسلامي يحث على التضامن في وقت السلم وبالأحرى في أوقات الأزمات والشدائد، لهذا كان للسلطات موقف حازم حيث تم اعتقاله وتقديمه للقضاء، وقضت المحكمة في حقه الجمعة 3 أبريل الجاري، بالسجن سنة حبسا نافذة وغرامة بألفي درهم.

الباحثون والعلماء يؤكدون من خلال هذه الجائحة أن نظرتهم للطب الحديث ستتغير بشكل تام، أما في نظر محمد العبادي، زعيم جماعة العدل والإحسان، فلا علاقة له بما يعانيه هؤلاء في مواجهة الفايروس الذي يعتبره “من جنود الله، خلقوا لخدمة الإنسان”، وهو ابتلاء من الله جرّاء ما يرتكبه الإنسان من ظلم وفجور، والمطلوب إذا أراد التخلّص من هذه الأوبئة التوبة إلى الله، توبة جماعية، ووصفة ضخمة من الأدعية.

أما السلفي المغربي حسن الكتاني، فيرى أن الفايروس طاعون بعثه رحمة للعالمين، ويتبنّى الرأي القائل إن الأوبئة من قدر الله تعالى وقدرته في هلاك من يريد هلاكه بأضعف جنوده، ناصحا بقائمة من الأدعية والأذكار التي تساعد في مواجهة الأوبئة وبالطبع دون أن يذكر أو يعترف بجهود العلماء والأطباء في كسر شوكة انتشار تلك الأوبئة والبحث لها عن علاج.

لا أحد يمنع من الاستعانة بالمتخيّل الديني الرصين، وبالنسبة إلى الشيخ عبدالله بن بيه، ليس هناك ما ينافي الاعتراف بقدرة الباري جلّ وعلا قدره، بل هو كما قال الخليفة الراشدي عمر بن الخطاب “نَفِرُّ مِن قَدَرِ اللَّهِ إلى قَدَرِ اللَّهِ”؛ بل إن الإسلام يحث على البحث العلمي للتوصل إلى الدواء.

بل هناك من السلفيين المغاربة من اعتبر الفايروس عقابا من الله ضد الصين بسبب اضطهادها لأقلية مسلمي الإيغور في إقليم تركستان الشرقية (تشنجيانغ)، رغم أن كورونا أصاب كذلك دولا إسلامية عديدة ومسلمين يمرون بمساجد الله ويقومون بواجباتهم ماتوا بسببه، ما يعني أن هذه الحجة داحضة من أساسها، وهذه التيارات تستغفل عامة الناس بسبب خوفهم من المرض والضعف وما يعجزون عن تفسيره حسب فهمه وتكوينهم.

 

وعندما نبحث في الجهة المقابلة من الآراء المتطرفة في تفسير الظواهر الطبيعية والأمراض والأوبئة، نجد الشيخ ابن بيه، يقدّم لنا رأيه بأن الأديان السماوية يجب أن تكون حاضرة في هذا التأمل البشري في خضم هذه الجائحة لتقديم الأمل والحثّ على التضامن والتحلّي بالأخلاق الإنسانية، التي تؤدي إلى التعايش السعيد بين سكان هذا الكوكب الذي نعيش فيه.

لكن هناك من السلفيين المغاربة من خرج عن الحدود الجغرافية لبلده المغرب عند تفسيره لأسباب انتشار كوفيد – 19، حيث اعتبر حسن الكتاني، الشيخ السلفي، أن “ما يحدث من تفريغ الحرمين وتعطيل العبادة فيهما يعدّ أمرا مريبا مفزعا، معتبرا أنه إذا لم توقف هيئة الترفيه أنشطتها وأوقفوا العمرة، فهذا يدل على نية سوء مبيتة”، رغم أن الشيخ قرأ في محكم التنزيل، الآية الكريمة من سورة الحجرات “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ”.

وبالنسبة إلى رأي الباحثين في علم الاجتماع فهو لا يختلف عمّا يراه فقهاء متنورون في ما يتعلق بفايروس كورونا، حيث يؤكد عياد أبلال، أستاذ علم الاجتماع وأنثروبولوجيا الثقافة، أن “لا علاقة للفايروس إطلاقا بالتصور الثيولوجي، الذي يرى انطلاقا منه بعض الفقهاء ورجال الدين أنه جند من جنود الله”.

“فالتصور القائل إن الله في حاجة إلى جند من الجنود ليساعدوه على إقرار إرادة ما هو إلا فهم خاطئ ومغالطة كبيرة في تصور الله سبحانه وتعالى اللامتناهي في القوة والكبر”، حسب اجتهاد الباحث المغربي عياد أبلال.

وحتى تعمّ الفائدة وتنتشر الرؤى المتنورة، دعا أستاذ علم الاجتماع وأنثروبولوجيا الثقافة، إلى استمرار النقاش حول هذا الموضوع ونقله إلى وسائل الإعلام، “ليتخلّص تفكيرُ وتديّن المغاربة من مثل هذه التصورات الخاطئة، وليَخضع الجانب التديُّني إلى خلخلة معرفية وتجريده من الجانب الفلكلوري والطقوسي الغارق في الخرافة والأسطورة”.

وهناك من اعتبر فايروس كورونا فرصة لإعادة تمثلاتنا الثقافية والعلمية والاقتصادية والسياسية والدينية أيضا، وهو ما ذهب إليه عياد أبلال، عندما أكد أن “هناك إمكانية كبيرة لمناقشة إشكالية علاقة الدين بالتدين في مجتمعاتنا، وينبغي أن يستمر النقاش حولها حتى نتمكّن من أن يرتقي المتدينون بتدينهم والابتعاد عن كل أشكال التدين الكرنفالي”.

وحرّض بعض الدعاة الناس إلى الخروج جماعات في بعض المدن للتكبير والتهليل في عز انتشار الفايروس، مخترقين حالة الطوارئ تحت مبرّر ديني، مستغلين ضعف الناس من خلال تفسيرات أسطورية خاطئة لنصوص دينية خلقت تشويشا في عقول الناس البسطاء أثّر على سلوكهم.


محمد ماموني العلوي / صحفي مغربي

 

بالعربية

بالعربية: منصة عربية غير حكومية؛ مُتخصصة في الدراسات والأبحاث الأكاديمية في العلوم الإنسانية والاجتماعية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى