“إدوارد سعيد” والقضية الفلسطينية
يقول إدورد سعيد في سيرته الذاتية: «عام سبعٍ وستين، كان مدمراً لي ولكل شيءٍ عرفته، كنت وحيداً في أمريكا وقتها حيث شاع فيها إحساسٌ عارمٌ بالنصر -ليس فقط في أوساط اليهود وحسب- وإنما عند الجميع، لم أعد الإنسان ذاته بعد عام سبعةٍ وستين، فقد دفعتني صدمة الحرب إلى نقطة البداية، إلى الصراع على فلسطين».
شارك إدوارد سعيد طوال حياته في الجهد المبذول من أجل إقامة الدولة الفلسطينية، وكان عضواً مستقلاً في المجلس الوطني الفلسطيني في الفترة ما بين 1977 و 1991 ومن أوائل المؤيدين لحل الدولتين.
وقد صوت سنة 1988 في جلسة المجلس التي عقدت في الجزائر لصالح إقامة دولة فلسطين، ووضع للمؤتمر حينها -بالاشتراك مع محمود درويش– وثيقة إعلان دولة فلسطين، واستقال منه سنة 1991 احتجاجاً على اتفاقية أوسلو.
إذ اعتبر بنود الاتفاق وشروطه غير مقبولةٍ وسبق رفضها من قبلُ في مؤتمر مدريد 1991 ورأى أن اتفاقية أوسلو لن تقود إلى إقامة دولة فلسطينية حقيقية وهو ما ثبت فيما بعد، ناهيك أن مثل هذ الخطة رفضت سنة 1970 من قبل ياسر عرفات ذاته عندما عرضها إدوارد سعيد بنفسه عليه نيابةً عن حكومة الولايات المتحدة الأمريكية.
وعلّق على ذلك؛ بأن عرفات فرّط في حق العودة للاجئين الفلسطينيين إلى أراضي الـ48 وتجاهلَ تنامي الاستيطان. بلغت العلاقة بين إدوارد سعيد والسلطة الفلسطينية ذروة توترها سنة 1995 عندما حظرت السلطة الفلسطينية بيع كتبه في أراضيها، ولم تعد الأمور إلى مجاريها حتى عام 2000 عندما أثنى على رفض عرفات التوقيع على أي اتفاقيةٍ في قمة كامب ديفيد 2000.
كان «سعيد» من المفندين دوماً للادّعاءات الصهيونية، ففي مقال له بعنوان «الصهيونية من وجهة نظر ضحاياها» فنّد الادعاء بالأحقية في أراضي فلسطين والمطالبة بوطن قومي لليهود مطالباً بحق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره.
ألف «سعيد» العديد من الكتب في القضية الفلسطينية والصراع العربي الإسرائيلي مثل «القضية الفلسطينية» (1979) و«سياسة التجريد» (1994) و«نهاية عملية السلام» (2000) إضافة لكتابين يتناولان اتفاقية أوسلو هما «غزة أريحا: سلام أمريكي» (1995) و«أوسلو: سلام بلا أرض» (1995).
كما كتب تصديراً لكتاب المؤرخ إسرائيل شاحاك الذي علق على أن سلوك إسرائيل ضد الفلسطينيين راسخ ضمن العقيدة اليهودية بالتصريح بإجازة الأفعال الصهيونية للتغطية على الجرائم بما فيها القتل تجاه غير اليهودي.
وصف سعيد شاحاك بأعظم مؤرخ عرفه على الإطلاق وكتابه لاينقصه شيءٌ سوى موجزٍ عن اليهودية الكلاسيكية والحديثة لتكون ثمة منطقية في فهم إسرائيل الحديثة وامتدح شجاعته بوصفه إسرائيل بأنها دولة نازية يهودية.
التقطت في الثالث من يوليو/تموز سنة 2000 صورة لإدوارد سعيد مع ابنه وهو يرمي حجراً عبر الحدود اللبنانية-الإسرائيلية باتجاه إسرائيل ومالبث النقد أن وُجّه له بصفته «متعاطفاً مع الإرهاب». وقد علق على الأمر بوصفه بـ«رمزية الفرح» لانتهاء الاحتلال الإسرائيلي للبنان.
وأضاف «لم يكن هناك أحد، وأقرب مخفر كان على بعد نصف ميل»، وعلى الرغم من ادّعائه بأنه لم يستهدف أحداً إلا أنه وفقاً لشهود عيان لجريدة السفير البيروتية فإنه كان بعيداً حوالي تسعة أمتار عن جنودٍ إسرائيليين متموضعين على برج مراقبةٍ وأن الحجر الذي ألقاه ارتطم بالأسلاك الشائكة المحيطة بهذا البرج.
أدت هذه الصورة إلى انتقادات واسعة ضمن هيئة التدريس في جامعة كولومبيا وبعض الطلاب ورابطة مكافحة التشهير مما دعا رئيس الجامعة لإصدار بيانٍ من خمس صفحاتٍ للدفاع عنه معتبراً ما قام به نوعاً من أنواع حرية التعبير وقال في دفاعه عنه: «على حد علمي أن الحجر لم يكن موجهاً لأحد، ولم يتم بهذا الفعل كسر أي قانون، ولم يُوَجَّه أي اتهامٍ، ولم تتخذ أي دعوى جنائية أو مدنية بحق الأستاذ سعيد».
كان لهذا الأمر بعض التداعيات ففي فبراير/شباط 2001 ألغيت محاضرة كان لسعيد أن يلقيها في جمعية فرويد في فيينا وعلق رئيس الجمعية على ذلك بالقول إن الوضع السياسي في الشرق الأوسط أصبح أكثر تعقيداً وأدى إلى زيادة معاداة السامية، لذلك قررت الجمعية إلغاء المحاضرة تجنباً للصراعات الداخلية.
كما قام «سعيد» بعمل فيلم وثائقي لتلفزيون الـ«بي بي سي» بعنوان «في البحث عن فلسطين»، ولم تنجح الـ بي بي سي في عرضه في قنوات الولايات المتحدة.
علق سعيد على ذلك في «الثقافة المقاومة» الصادر سنة 2003 بتشبيه وضعه بوضع نعوم تشومسكي بوصفه عالماً لغوياً كبيراً ويلقى التكريم على ذلك، لكنه في الوقت نفسه مذموم ويلقى التهم بمعاداة السامية وعبادة هتلر ويتابع شرحه الأمر فيقول:
إدوارد سعيد من غير المقبول لأي شخص إنكار معاداة السامية والتجربة الرهيبة للهولوكوست، نحن لانريد طمس أو عدم توثيق المعاناة البشرية لأي أحد لكن في الوقت نفسه هناك فرق كبير بين الاعتراف بالمعاناة اليهودية واستخدامها لتغطية معاناة شعب آخر إدوارد سعيد.
ساهم إدوارد سعيد سنة 2003 مع حيدر عبد الشافي وإبراهيم الدقاق ومصطفى البرغوثي في تأسيس المبادرة الوطنية الفلسطينية والتي ابتغت تأسيس قوةٍ ثالثةٍ في السياسة الفلسطينية الديمقراطية منافسة لفتح وحماس.
حصل عالم علم الإنسان ديفيد برايس سنة 2006 على 146 صفحةٍ من أصل ملفٍّ مكونٍ من 238 صفحةٍ للإف بي آي تكشف أن «سعيد» كان تحت المراقبة منذ بداية 1971 (أي قبل أن يغدو عضواً في المجلس الوطني الفلسطيني، وقبل أن يرى كتابه «الاستشراق» النور) ولم يستطع الحصول على معلومات حول العشرين السنة الأخيرة من حياته.
- نقده للسياسة الخارجية الأمريكية
نقد إدوارد سعيد في الطبعة المنقحة لكتاب «تغطية الإسلام» الصادر سنة 1997 التقارير المنحازة للصحافة الغربية وخصوصاً وسائل الإعلام حول المؤامرات الإسلامية لتفجير المباني، وتسميم المياه وتخريب الطائرات التجارية.
وقد عارض السياسة الخارجية الأمريكية في الشرق الأوسط والعديد من الأماكن الأخرى، منتقداً مشاركة الولايات المتحدة في كوسوفو وقصف العراق أثناء ولاية الرئيس الأمريكي بيل كلينتون، كما كان الدعم الأمريكي لإسرائيل موضع نقد متواصل من قبله.
وعلى الرغم من تزايد معاناته بسبب مرض اللوكيميا فإنه أمضى العديد من أشهره الأخيرة في نقد ومهاجمة غزو العراق (2003). فعلى سبيل المثال قال في مقابلة له مع جريدة الأهرام في أبريل/نيسان 2003:
إدوارد سعيد اعتقادي الراسخ -على الرغم من عدم وجود أي دليلٍ بالمعنى التقليدي للكلمة- بأنهم يريدون تغيير الشرق الأوسط برمته والعالم العربي. ربما يتم تقسيم بعض الدول وتدمير ما يسمى مجموعات الإرهاب وتنصيب أنظمة صديقة للولايات المتحدة.
لكنني أعتقد أن هذا الحلم لا يوجد له سوى أساساتٍ قليلةٍ على أرض الواقع، فالمعلومات التي يملكونها عن الشرق الأوسط والتي حصلوا عليها من قبل من نصحوهم يمكن القول عنها إنها خارج التاريخ ومتضاربة بشكلل كبير.
لا أعتقد أن الخطط لمرحلة ما بعد صدام وما بعد الحرب كانت مرضية، فلم يملك سكرتير وزارة الخارجية وسكرتير وزارة الدفاع معلوماتٍ عن الهيكلية التي سينشرون الجند وفقها ولا فكرة عن المؤسسات الموجودة. أمام شهادتهم للكونغرس قبل بضعة أشهر على الرغم من أنهم يريدون المحافظة على مراكزهم.
وينطبق الشيء نفسه على موقفهم من الجيش، إضافة إلى نظرتهم التي لا ترى فائدة في المعارضة العراقية التي أنفقوا عليها الملايين، أما في نموذج أفغانستان فإنهم يأملون مساعدة الأمم المتحدة، لكني أشك بذلك نظراً للمواقف الروسية والفرنسية.