الدراسات الأمازيغيةسلالات حكمت في شمال إفريقيا

“مملكة كوكو” الأمازيغية في الجزائر

مملكة “كوكو” أو إمارة كوكو أو سلطنة كوكو؛ أُسست  (حوالي 1515-1638)، وهي مملكة بربرية أمازيغية في العصور الوسطى، حكمت جزءً كبيرا من منطقة القبائل الكبرى، والتي أسسها سيدي أحمد بالقاضي. امتدت سيادة المملكة في ذروتها من جبال الأطلس إلى السهول الجنوبية لمدينة الجزائر.


كانت عاصمتها كوكو، التي تستقر على رعنٍ، ويبلغ عدد سكانها حوالي 15,000 نسمة. وكان لدى المملكة قوات تتألف من 5000 جندي، و1500 فارس.


كانت كوكو واحدة من المملكتين القبايليتين العظيمتين، والأخرى هي مملكة أيت عباس.

يعد تاريخ مملكة كوكو جزءًا من حركة المعارضة السياسية في مناطق معينة من الجزائر (مملكة أيت عباس في منطقة القبايل، وسلطنة تقرت واتحادات مختلفة من الصحراء والهضاب العليا) خلال فترة إيالة الجزائر.


  • التأريخ والتسمية

مصطلح «مملكة» لا يعبر تمامًا عن نظام الحكم الذي قام في هذه الفترة، ولكنه موجود في النصوص الفرنسية عن منطقة القبائل. على سبيل المثال:

ذكرها لوسيان لوكلرك: «في زمن بربروس، نرى دولة صغيرة تظهر في منطقة القبائل [كذا] المعروفة في التاريخ باسم مملكة كوكو.»


وكتب لويس رين في عام 1891 في ملاحظة لعمله حول ثورة عام 1871: «تأسست مملكة كوكو عام 1510 على يد أحمد بن القاضي، الذي كان قاضياً في محكمة آخر ملوك بجاية.


عندما تم الاستيلاء على هذه المدينة في 6 كانون الثاني (يناير) 1509 ، لجأ إلى القبائل في آيت الغبري في أورير. لقد أصبح رئيسًا لاتحاد كونفدرالي قوي.».


  • مدة بقائها

يقدر لويس رين أن هذه الحالة تراجعت منذ بداية القرن السابع عشر:«منذ عام 1618، انقسمت الأسرة، وانحسر نفوذها، وتوقف استخدام اسم أولاد القاضي، الذي كان يحمله زعماء كوكو، واستبدل باسم أولاد بوختوش.


اليوم تم استيعاب الأسرة من قبل عنصر البربر وليس لها سوى تأثير ضئيل في السباو العلوي. كوكو هي تادرت [قرية] يبلغ عدد سكانها 600 نسمة مقسمة إلى ست قرى صغيرة. هو جزء من كسور إيمساحال من آيت يحيى، في منابع سباو».


قدر كميل لاكوست دوجاردان أن مملكة كوكو استمرت لقرنين من الزمان.


  • العاصمة

منظر لقرية كوكو في بلدية آيت يحي من ولاية تيزي وزو مأخوذة من تافراوت. وكوكو هي قرية قبائلية من بلدية أيت يحي من دائرة عين الحمام، من ولاية تيزي وزو الجزائرية.


تبعد حوالي 54 كم جنوب شرق مدينة تيزي وزو، تقع على الطريق الوطني رقم 71 بين بلدية عين الحمام وبلدية عزازقة.


بسبب موقعها بجبال جرجرة المعروفة بقمة لالة خديجة بارتفاع 2308م، فإن هذه القرية تطل على حوض وادي مسويا وواد سيباو وهذا ما جعلها تشرف على كل المنطقة الواقعة بين ايلولا ايمولا وواقنون وجعل منها موقعا عسكريا استراتيجيا وقد اتخذها أحمد ثم عمار من اسرة أولاد القاضي مركزا لامارة كوكو في القرن 16، ومنها اشتق اسم «مملكة كوكو».


تتنافس فرضيتان لشرح تأسيس مملكة كوكو.

الأولى أنها قد تأسست قبل سقوط بجاية الإسبان على بجاية عام 1510؛ في سياق إضعاف القوة الحفصية. هذه الفرضية غير مدعومة جيدًا لأنه من غير المحتمل أن يتسامح الحفصيون مع تشكيل هذه الإمارة قبل الاستيلاء على بجاية.


وتنسبه الأخرى إلى عائلة بلقاضي إمرابدن (سلالة مرابطية)، وهي عائلة علماء كانت في خدمة سلطان بجاية المنشق عن الحفصيين في تونس، وأصلهم من قرية أورير من قبيلة آيت غوبري بمنطقة القبائل الكبرى. وهم أيضًا من نسل أبو العباس الغبريني القاضي الكبير اللامع في بجاية من القرن الثالث عشر.


في خدمة الحفصيين، من الصعب أن نتخيل أنهم كانوا يشكلون إمارتهم قبل سقوط بجاية.
أثناء سقوط بجاية (1510) وأثناء استيلاء العثمانيون على جيجل في عام 1514، عهد الحفصيون (المقسمون بين سلطان في تونس وآخر في قسنطينة) إلى أحمد بلقاضي مهمة الدفاع عن الجزء الغربي من دولتهم، مانحين إياه لقب الخليفة وليس الأمير لأنه ليس حفصياً.


رغم أن لقب الخليفة هذا غير مؤكد، حيث تذكر التقاليد المحلية أنه كان سيشغل وظائف والي عنابة خلال الفترة الحفصية)، فإن هذه المسؤوليات على مستوى الجزء الغربي من الممتلكات الحفصية بعد الاستيلاء على بجاية منحته دور القيادة السياسة.


في الواقع، كان أحمد بلقاضي زعيمًا جمع القوى المحلية في “الحرب المقدسة “ضد الإسبان الذين استولوا على بجاية. اعتزم العثمانيون، الذين أصبحوا يتمتعون بالسيادة في الجزائر العاصمة ويمتلكون مدينة جيجل، ترسيخ وجودهم في منطقة المغرب الأوسط.


ربطت علاقة صداقة متينة بين عروج بربروس وأحمد بلقاضي الذين قادا معًا الحملات ضد الأماكن التي يسيطر عليها الإسبان عن طريق هجوم بلقاضي وفرقه القبايلية براً وعروج بربروس بحراً. في عام 1512، ناشد الأمير المحلي لبجاية، في المنفى، القراصنة لتخليصه من الإسبان، ووعد عروج، في حالة نجاحه، ليس فقط بالدفع له، ولكن ليجعله سيد بجاية، التي تمتلك ميناءً من شأنه أن يبقيه آمنًا طوال العام.


إلا أن حصار بجاية ‏ فشل، كما فقد عروج ذراعه اليسرى. احتفظ عروج بمحيط الجزائر العاصمة منطقةً خاصةً به وعين منطقتين، واحدة في الشرق والأخرى في الغرب. فترك بذلك الشرق معقلًا وراثيًا لبلقاضي وواصل حملة إلى تلمسان ضد السلطان الزياني المتحالف مع الإسبان.


كانت هذه الحملة كارثة بالنسبة للعثمانيين حيث انتهت بموت عروج. كسر بلقاضي تحالفه مع العثمانيين وأسس عاصمته في قلب بلد الزواوة (في أورير ثم في كوكو) وبذلك جذب الانتقام من خير الدين، شقيق وخليفة عروج بربروس.


كامت قبيلة آيت الغبري الداعم الرئيسي لعائلة بلقاضي حيث نشأوا فيها؛ لذلك صُنفوا، لا سيما في التأريخ الإسباني، ملوك كوكو (ريس دي كوكو) وزواوة (لوس أزواجوس).


وفقًا لهيو روبرتس، يجب أن يُنظر إلى مملكة كوكو على أنها امتداد للنظام الحفصي القديم الذي عمل على الدفاع عن مواقعه في المنطقة. وفي مواجهة انهيار هذا النظام، ثم السياسة العدوانية لإيالة الجزائر اقتربت المملكة من الإسبان لعقد تحالف.


تشير الرسائل المختلفة من المفاوضات بين إسبانيا وكوكو إلى عدة أشياء ومنها الرغبة في التحالف ضد العثمانيين، والذي يُعتبر عدوًا مشتركًا، ولهذا تدعي مملكة كوكو امكانية حشدها لما يصل إلى 100000 رجل، بدعوى أنها متفوقة على عدو.


ومن جهة أخرى تطلب إرسال مسحوق البارود والرصاص. قدم ملك كوكو عدة مزايا للملك الإسباني، ومنها إمكانية بناء قلعة قوية في وهران. رغب ملك كوكو في رؤية 50 قوادس راسية في أحد موانئه، خلال عام 1604، لكن محاولة تزويد فرقاطات من ميورقة بالإمدادات فشلت.


ذهب اثنان من أعيان المملكة (يُدعيان عمار الكبير وعبد الملك) إلى بلاط فيليب الثالث. وكانت الوساطة من خلال راهب فرنسيسكاني، وقد أقام سفراء مملكة كوكو لعدة أشهر في ميورقة عام 1603، وتحول أحدهم إلى الكاثوليكية.


  • السلطة والمجتمع

لا يمكن لطبيعة السلطة الملكية التي مارسها السلطان على القبائل، ولا سيما الزواوة، أن تأخذ شكل الإدارة المركزية. ولا يبدو أن أي قبيلة أو قرية مستعدة للتخلي عن الجماعة المحلية المنتخبة ديمقراطياً ولم يحاول سلاطين كوكو إصلاحهم. يظهر سلطان كوكو في الواقع، بصفته سيدًا عظيمًا بجيش قوي بما يكفي لإعادة النظام وكبح القلاقل على المستوى الداخلي والقيام بحملات إلى الخارج.


وفقًا لمارمول وكارجافال، كان للسلطنة في بداية تاريخها فيلق نظامي قوامه 5000 نشاب و1500 فارس، وقوات أخرى من الرجال من البلاد من الذين يعرفون كيفية التعامل مع الأسلحة. على مدار تاريخها، يبدو أن هذه القوات قد تعززت فعمار بلقاضي كتب للملك فيليب الثاني ملك إسبانيا أنه يستطيع حشد «100,000 رجل».


غالبًا ما يُوظف هذا الجيش، إما ضد إيالة الجزائر، أو على العكس من ذلك في إطار تحالفات لمساعدته في الغرب الجزائري أو ضد القوى المسيحية، أو ضد المملكة المنافسة آيت عباس. تشارك جميع قبائل السهول أو الجبال العالية في المجهود الحربي من أجل المكانة الدينية التي تلهمها سلالة بلقاضي.


وهي لعبة التحالفات القبلية، وليس لأسباب سياسية. يطالب بلقاضيون بالضرائب والرسوم والسخرة للحفاظ على قواتهم ومناطقهم الشاسعة في السهل. ومع ذلك، يتم تقديم هذه المطالب بصعوبة كبيرة، لا سيما بين قبائل الجبال العالية الذين يشعرون بالأمان من سلطتهم. لذلك فإن الحكام المحليين لديهم سلطة محدودة على مجتمعهم ولديهم منازل فخمة متواضعة في كوكو أو أورير.


  • أصول سلالة ملوك كوكو

يقول محمد بن مدور إن «مملكة كوكو» تناوب عليها 9 ملوك وهم من سلالة بني القاضي، سلالة بربرية من السلاطين حكمت في منطقة القبائل الكبرى وجبال جرجرة في الجزائر من 1511 – 1750م مقرهم جبل كوكو بجبال جرجرة بتيزي وزو.


ترجع هذه العائلة في نسبها إلى الصوفي سيدي محند السعيد بن القاضي الذي أسس بمنطقة الصومام الزاوية المشهورة باسمه، واستطاع ابنه أبو العباس أن يحتل مكانة كبيرة بين أهالي مدينة الجزائر العاصمة. كانت المدينة تحكمها أسرة الثعالبة (عربية)،


وهؤلاء السلاطين هم أبو العباس أحمد بن القاضي (1511 – 1527)، أحمد بن القاضي بن علي بن أحمد، قتل على يد أحد أتباعه، محمد بن القاضي (1527 – 1560) أحمد بن أحمد (1560 – 1583)، محمد بن أحمد (1583) عمر بن أحمد، عمر بن عمر (1598) أحمد بن عمر التونسي (1632 – 1696)، علي بن أحمد (1696 – 1750).


من أجل حماية التراث المادي وحفظه من الضياع والاندثار،تم تصنيف منطقة كوكو، مؤخرا، ضمن التراث الوطني المحمي، ولحماية الثروة الغابية من الحيوانات التي تعيش فيها تم إنشاء الحظيرة الوطنية لجرجرة بمقتضى مرسوم رقم 83460 المؤرخ في 23 جويلية 1983م، والتي تقدر مساحتها ب 18550 هكتار.

بالعربية

بالعربية: منصة عربية غير حكومية؛ مُتخصصة في الدراسات والأبحاث الأكاديمية في العلوم الإنسانية والاجتماعية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى