الدراسات الأمازيغيةالدراسات الثقافية
سكان شمال إفريقيا: الأصول الحضارية
ينتمي سكان شمال إفريقيا إلى حوض حضاري يقع بين المحيط الهندي والمحيط الأطلسي، وسكان هذا الحوض أصولهم واحدة ، فعلم الإناسة يؤكد ذلك ، فالجماجم التي اكتشفت في اليمن، وفلسطين (نيانتردال) ، وليبيا (هواأفطيح]، والجزائر (مشتى العربي)، متشابهة ، ويقدر العلماء عمرها بثلاثة وأربعين ألف سنة. [ 1]
وأنا أتناول الانتماء الحضاري لسكان شمالي إفريقيا، لأن الحضارة تحمل في طياتها معالم القدم الذي لم يسجله التاريخ.
- هجرة الإنسان من الجزيرة العربية وتعميره لحوض البحر المتوسط:
اختلف المؤرخون حول مصدر الهجرات البشرية فالبعض يرى أن أول تجمع بشري حدث في الصحراء الكبرى التي كانت بحرا ، ثم تحولت إلى بحيرات تجمّع على شواطئها [الجنس الليبي البربري Race Lybico-Berbere] ]،
وعندما زحف الجفاف على الصحراء الكبرى وجفت البحيرات، هاجر الإنسان إلى العالم، وهو احتمال ضعيف ، يقول المؤرخ الفرنسي غوتييه في كتابه : ماضي شمال إفريقيا ص 23 طبع باريس 1964 : “الاحتمال الكبير هو أن الإنسان الذي عمر وادي النيل هاجر من الصحراء الكبرى” [ 2 ].
والاحتمال الأرجح هو أن مصدر الهجرات بجنوب البحر المتوسط وجنوب أوروبا متأت من الجزيرة العربية، فقبل أربعين ألف سنة كانت حضارة بالجزيرة العربية دامت عشرين ألف سنة، ويوضح ذلك المؤرخ العراقي أحمد سوسة فيقول : “إن حضارة العرب القديمة مرت بثلاث مراحل في خلال تطورها عبر التاريخ: المرحلة الأولى أقدمها تبدأ في حوالي أربعين ألف [40000 ] سنة قبل الميلاد، وتنتهي في حوالي 18000 سنة قبل الميلاد.
وقد عاشت هذه الحضارة ضمن حدود جزيرة العرب. ففي هذه الفترة التي دامت حوالي عشرين ألف سنة (الدورة الجليدية الرابعة) كانت أوروبا مغطاة بالثلوج في حين كانت الجزيرة العربية تتمتع بجو معتدل رطب تكثر فيه الأمطار في كل المواسم شتاء وصيفا، مما ساعد على نمو الغابات الكثيفة في المنطقة تحولت فيما بعد عصر الجفاف نتيجة للضغط إلى طبقات نفطية،
كما ساعدت هذه الظروف الملائمة إلى تكوين حضارة نهرية لا تقل شأنا عن حضارة وادي النيل وحضارة وادي الرافدين، وكان هناك نهران كبيران يخترقان جزيرة العرب من أقصاها إلى أقصاها، تقوم عليهما الزراعة التي تعتمد على الري الدائم. لذلك فلا سامية ولا جاهلية ولكن هناك عروبة وحضارة عاشتا في جزيرة العرب منذ أن عرف الإنسان القومية والتمدن قبل عشرين ألف سنة” [3 ]
(والذي يؤكد كلام احمد سوسة اكتشاف نهر جوفي يمر قرب مدينة الرياض ويمتد مئات الكيلومترات على عمق يتجاوز الألف متر حفرت به آبار أورتوازية، قدر العلماء عمر هذا النهر بثمانين ألف سنة، تكوّن في نفس الفترة الزمنية التي تكونت فيها البحيرة الألبية الضخمة الجوفية في صحراء الجزائر، وبحيرة صحراء ليبيا التي يمتد منها النهر الأخضر في اليبيا)”
ويستمر أحمد سوسة فيقول : “وهناك دلائل تشير إلى أن الماشية بما فيها الجاموس والماعز والضأن، دجنت واستخدمت اقتصاديا في اليمن وبلاد العرب القديمة قبل أن تدجن في مصر والعراق، كما أن القمح والشعير كان ينبت فيها بشكل طبيعي دون أن يزرع.. لذلك فقد أجمع العلماء على أن شبه الجزيرة العربية هي مهد الحضارة العربية،
لأن قرائن عديدة دينية ولغوية وتاريخية وجغرافية تشير بوضوح إلى أن جزيرة العرب هي مهد الحضارات السامية ووطن الساميين الأوائل. فالأكاديون والعموريون والكنعانيون والأراميون والأشوريون والعمونيون والأدوميون والنبطيون والصابئة والأحباش والعرب (والأمازبغ االبربر طبعا) ، يعدون من الأقوام السامية التي تشترك في أسرة اللهجات السامية.
وقد اعتبر البعض المصريين من الأقوام السامية في الأصل وأن وطنهم الأصلي هو جزيرة العرب، هاجروا منها واختلطوا هناك بزنوج وادي النيل، فنتج منهم ومن السكان الأصليين المصريين كما نعرفهم في التاريخ”. [ 4 ]
وقبل عشرين ألف سنة دخلت الكرة الأرضية المرحلة الدافئة الثالثة ، فراح الجليد يذوب في أوروبا وشمال إفريقيا، ويزحف الجفاف على الجزيرة العربية فهاجر الإنسان منها إلى بلاد الرافدين فالنيل فشمال إفريقيا بل وإلى أوربا. يقول أحمد سوسة: “أنه عندما دخلت الكرة الأرضية المرحلة الدافئة الثالثة Wurm3 في 18000 سنة قبل الميلاد، زحف الجفاف على الجزيرة العربية، وذاب الجليد في أوروبا راح الإنسان يهاجر وينتشر عبر الرافدين والهلال الخصيب ومصر وشمال إفريقيا”.
بل إن بعض المؤرخين الغربيين يرون أن هذا الإنسان العربي استوطن جنوب أوروبا، فويليام لانغر William Langer المؤرخ الأمريكي في كتابه [موسوعة تاريخ العالم يقول: “وانتشر فرع من عناصر البحر المتوسط والصحراء، الطويلة الرؤوس وأقاربهم من العرب والبربر وغيرهم في جنوب أوروبا وشمال إفريقيا والشرق الأدنى”، ويقول عن هجرة الإنسان: “فقد كان الاتجاه العام للحركة الحضارية من الجنوب إلى الشمال ، ومن الشرق إلى الغرب، ولهذا كانت المناطق الجنوبية والشرقية في أي وقت مضى تتمتع بحضارات أكثر رقيا من حضارات المناطق الهامشية في الشمال الغربي”[ 5 ]
ويتفق مع سوسة وِل ديورانت Well Diorant في أن مصدر الحضارة جزيرة العرب ، فيقول في كتابه الموسوعي [قصة الحضارة] : “إن الحضارة ـ وهي هنا زراعة الحبوب واستخدام الحيوانات المستأنسة ـ قد ظهرت في العهود القديمة غير المدونة في بلاد العرب، ثم انتشرت منها في صورة [مثلث ثقافي] إلى ما بين النهرين ( سومر وبابل وأشور) وإلى مصر]”. [ 6 ]
- هجرة العرب لشمال إفريقيا :
حدثت هجرات عربية عديدة لشمال إفريقيا لم يسجلها التاريخ، ويقر هذا حتى بعض المؤرخين الأوروبيين كويليام لانغر، وغابرييل كامبس الذي يعيدها إلى ما قبل الألف الثامنة قبل الميلاد ، وبوسكويه . G.H Bousquetالذي يقول : “وعلى كل حال يوجد ما يجعلنا نقتنع بأن عناصر مهمة من الحضارة البربرية ، وبخاصة اللغة أتت من آسيا الصغرى عن طريق منخفض مصر، في شكل قبائل تنقلت في هجرات متتابعة، على مدى قرون عدة، في زمن قديم لم يبتّ في تحديده” [ 7].
لقد حدثت هجرات قحطانية من جنوب الجزيرة العربية، قبل آلاف السنين، والذي سجله التاريخ هجرة الكنعانيين الفينيقيين في منتصف الألف الثانية قبل الميلاد، حضروا فأقاموا مدنا ساحلية تجارية، وأخرجوا عن طريقها بني عمومتهم الأمازيغ من العصر الحجري وأدخلوهم التاريخ، وأسسوا إمبراطورية قرطاج الذي يعتبر تأسيسها تزاوجا بين الكنعانيين والأمازيغ.
فهي إمبراطورية كنعانية أمازيغية. فملحمة حنّا بعل العابرة لجبال الألب ساهم فيها الأمازيغ ، فقد كان سلاح الفرسان بجيشه أمازيغي، يقوده الفارس الأمازيغي مهر بعل. وحضارة قرطاج هي مكتشفة الحروف الهجائية وناشرتها بالقرن الثامن قبل الميلاد في أوروبا، فالحروف باللغات الأوروبية تسمى حتى الآن [ألف باء] .
قال ويل ديورانت عن الكنعانيين الفينيقيين العروبيين ورسالتهم الحضارية بالعالم: “أقاموا لهم حاميات في نقط منيعة علي ساحل البحر المتوسط، أقاموها في قادز، وقرطاجنة، ومرسيليا، ومالطة، وصقلية، وسردانيا، وقورسقة، بل وفي انكلترا البعيدة. واحتلوا قبرص، وميلوس، ورودس، ونقلوا الفنون والعلوم، من مصر، وكريت، والشرق الأدني، ونشروها في اليونان، وافريقيا، وايطاليا، واسبانيا؛ وربطوا الشرق بالغرب بشبكة من الروابط التجارية والثقافية، وشرعوا ينتشلون أوروبا من براثن الهمجية”. [ 8 ]
- اللغة العنصر الحي الباقي بين أيدينا:
عنصر اللغة هو العنصر الحي الباقي بين أيدينا، وهو يؤكد ما نقوله، يقول أحمد سوسة: “إن اللغة العربية (لغة جزيرة العرب الأمّ) حافظت على نسبة كبيرة من خصائص اللغة السامية الأصلية أكثر من أية لهجة من اللهجات السامية الأخرى، لأن بلاد العرب لم تخضع يوما من الأيام للأجنبي وسلطانه”. [ص19 ].
ويوضح أحمد سوسة موقفه من مصطلح سامي وسامية، فيقول: “إن تسمية سامية أطلقت على شعوب تزعم أنها انحدرت من صلب سام بن نوح، وكان أول من أطلقها بهذا المعنى العالم النمساوي شلوتزر عام 1781 للميلاد فشاعت منذ ذلك الحين وأصبحت عند علماء الغرب علَما لهذه المجموعة من الشعوب، وسرت إلى المؤرخين العرب وباحثيهم بطريق الاقتباس والتقليد، على الرغم من أن هذه التسمية لا تستند إلى واقع تاريخي أو إلى أسس علمية عنصرية صحيحة أو وجهة نظر لغوية.
لذلك يرى بعض الاختصاصيين وجوب تسمية هذه الأقوام بالأقوام العربية لتشمل كل من سكن الجزيرة العربية وهاجر منها لأن العرب والساميين شيء واحد” [ 9 ]
ويتفق مع أحمد سوسة العالم الفرنسي بيير روسيه Pierre Rossi في كتابه [وطن إيزيس تاريخ العرب الصحيح] فيقول: “إن التسمية السامية خالية من كل معنى، لدرجة أن [الموسوعة الإسلامية] نفسها ـ التي نسبت العرب للساميين ـ لم تفرد لكلمة سامية مادة في فهرس موادها.. إن كلمة سامية لا أثر لها في المعجم اليوناني ولا في المعجم اللاتيني..
لو أن اليونان لم يتكون في الثقافة العربية لما ظهر البتة أرسطو إلى الوجود، إن اليونان لم يكن سوى شرفة أو ملحق للبناء العربي بالشرق.. إن روما أسست في بوتقة الثقافة العربية.. لا بد أن نحدد العروبة كثقافة وحيدة للشرق..” [ 10 ]
العالم اللغوي الجزائري عبد الرحمن بن عطية في كتابه الأخير بالفرنسية، المعنون بـ “العرب والهندو أوروبيون : هل تكلم الهندو أوروبيون العربية في الأصل”، والصادر في الجزائر سنة 2008 ، يثبت فيه من خلال المؤرخين الأوروبيين والنقوش المكتشفة بأوروبا، بأن اوروبا قبل غزو القبائل الهندو أوروبية في نهاية القرن الثاني قبل الميلاد، كانت تتكلم اللغات العروبية، (أي السامية وفقا للمصطلح الغير العلمي).
فقد انتشرت اللهجات العروبية ابتداء من الأكادية، فالبابلية ، فالكنعانية وغيرها. ويذكر: “أن لاروس الكبير الموسوعي يضع النقوش الفينيقية ابتداء من الألف الثالثة ق.م ويحدد أن نقوش النصوص الهوريغليفية البابلية تحمل تواريخ بين 2100 و 1600 ق. م ، المحفوظة على حجارة أو برونز بحروف توحي بالهوريغليفية المصرية وأخرى بالأبجدية الفينيقية”.
ويذكر بن عطية أن وادي الهندوس يضم شعوبا تحمل اسم [عربيتا] ، كما تحمل شعوبا بالبنجاب بباكستان اسم [عربي] مثلما أورد المؤرخ L.de la Vallée-Poussin الذي يؤكد أن هذه الشعوب ليست هندو أوروبية. ويقول بن عطية بأن اللغة العروبية الأمازيغية كانت منتشرة بالقوقاز وإيبيريا ويسميها اللغة البربرية الإبيرية.
ومن الغريب أنه عندما كنت طالبا بجامعة القاهرة سمعت أرمنية تقول لرفيقتها (أوقور) فسألتها ما معناها فقالت : تعالى ، ونفس الكلمة بنفس النطق تعني بالأمازيغية اذهب. اسكندر المقدوني يلقب في القرآن الكريم بذي القرنين، الحروف الثلاثة لاسم اسكندر (إسك) وتعني بالأمازيغية القرن. [ 11 ]
ولقد وجد نقش كنعاني فينيقي في البرازيل في [ بارايبا ] سنة 1874 م ، ويذكر المؤرخون بأنه كتب في القرن السادس قبل الميلاد. وقد تمكن العالم السوري المتخصص في الخطوط العروبية أي العربية القديمة الأستاذ الدكتور بهجت قبيسي من قراءة للنقش وتحويله إلى حرف الجزم العدناني. [ 12 ]
- الكنعانية اللغة الفصحى بالمغرب :
أدت اللغة الكنعانية الفينيقية قبل الإسلام بالمغرب العربي دور اللغة الفصحى، محاطة باللهجات الأمازيغية العروبية القحطانية الشفوية، كانت اللغة المكتوبة : لغة الحضر ، والعبادات، ودواوين الدول الأمازيغية، فموسوعة يونيفرساليس الفرنسية تقول : “صارت اللغة البونيقية اللغة المشتركة لا يتحدث بها القرطاجيون فحسب ،
لكن يتكلم بها سائر سكان المدن، بل كانت لغة الملوك الأفارقة أنفسهم ، مثلما تشهد على ذلك العملة المضروبة في عهد مِسَنْ سِنْهثمْ [ماسينيسا] وسيفاكــس” [13].
دمر الرومان مدينة قرطاج سنة 146 ق . م واستمروا يحكمون المغرب العربي ثمانية قرون دون أن تتمكن لغتهم اللاتينية من التغلغل في الذات المغاربية، واستمرت اللغة الكنعانية هي السائدة بشمالي إفريقيا ، حتى الفتح الإسلامي، حيث حدث الربط بين الكنعانية والعدنانية التي أتى بها القرآن الكريم، وهذا هو الذي يفسر لماذا انتشرت اللغة العربية بسرعة بالمغرب العربي.
ويحدد سيطرة اللغة الكنعانية على الحضر والساحة الثقافية قبل الفتح الإسلامي العالم الفرنسي هنري باسيهH.Basset بسبعة عشر قرنا يقول : “إن البونيقية لم تختف من المغرب إلا بعد دخول العرب، ومعنى هذا أن هذه اللغة بقيت قائمة هذه المدة بالمغرب ، سبعة عشر قرنا ، وهو أمر عظيم”. [ 14 ]
يمثل أبو ليوس المولود سنة 80 ميلادية في مدينة مداوروش بالشرق الجزائري، والمقيم بليبيا والمتزوج بسيدة ليبية، الكاتب العروبي الأصيل، كان يكتب بالكنعانية وباللاتينية ، وما وصلنا من كتاباته باللغة اللاتينية، أشهر كتاب له [الحمار الذهبي ] الذي ترجمه الدكتور علي فهمي خشيم تحت عنوان [الجحش الذهبي] ،
والكاتب الجزائري أبو العيد دودو تحت عنوان [الحمار الذهبي] ، وهي أول رواية في تاريخ الرواية بالعالم، وتروي قصة إنسان مُسخ حمارا، واستمر يناضل إلى أن استعاد صفته البشرية.
وقد حللت ذلك في كتابي [الجزائر في التاريخ] ، بما يلي: “المثقف المغاربي المترومن تحول بالرومنة إلى حمار ، ويقصد سائر مظاهر الثقافة الرومانية باحثا عن عودته لأصله البشري، فتفشل ، فيقصد في النهاية الربة الشرقية المصرية إيزيس فتتمكن من إعادته إلى بشريته”.
ومعنى هذا أن المثقفين المغاربة المترومنين تحولوا بثقافتهم إلى أحمرة، وأن عودتهم لأصلهم البشري لا يتحقق إلا بعودتهم لمشرقيتهم. وقد أدرك الرومان ما يرمي إليه أبو ليوس فحاكموه ودافع عن نفسه في كتاب عنوانه [دفاع] اعتبره النقاد في مستوى واحد مع كتاب شيشرون اللاتيني. [ 15 ]
والمثل الثاني هو الأب دونا الذي عاش بالقرن الرابع الميلادي ، المولود بمدينة نقرين شرقي الجزائر الحالية، كان أكبر قسّ مسيحي ولمدة أربعة عقود، ثار على استغلال الرومان للمسيحية في تثبيتهم لاستعمارهم بشمالي إفريقيا، فقال قولته المشهورة “لا علاقة للمسيحية بالإمبراطوية، الله ارسل المسيح لإنصاف المظلومين من الظالمين”، فنفاه الرومان إلى إسبانيا حيث مات في سجونهم سنة 355 م .
وكون أتباعه مذهبا مسيحيا سموه باسمه (الدوناتية) ناضل ضد الاستعمار الروماني، ونشر الثورة بين الفلاحين الأمازيغ الذين سرق منهم أرضهم الكولون الإقطاعيون الرومان وكونوا منها اللوتيفوندات وهو اسم المزرعة الرومانية. كان الدوناتيون يصلون بكنائسهم بالكنعانية الفينيقية، بينما يصلي الرومان في كنائسهم الكاثوليكية باللاتينية،
وهذا يؤكد عروبة الأمازيغ وسكان المغرب العربي عبر التاريخ، الأب دونا كان يصلي بالكنعانية ويخطب في الجماهير بالأمازيغية .
ومن الغريب أنه في نفس القرن ظهر قسّ أمازيغي اسمه أريوس في برقة بليبيا التي كانت تسمى قورينا CYRENAIE ، وكون مذهبا مسيحيا نسب له (الأريوسية) ، توفي سنة 336 م، أي قبل تسعة عشر عاما من وفاة دونا، ومن غير شك فإن تنسيقا ما كان قائما بين أريوس ودونا الأمازيغيين، هذا بالجزائر الحالية وذاك بليبيا الحالية ثم بالإسكندرية تحت الاستعمار الروماني.
وتتفق الأريوسية، مع الدوناتية في الطبيعة الواحدة للمسيح، أي في نكران صفة الألوهية عن المسيح، ويرتبط المذهبان بمذهب الأنطاكية مذهب بولس الأنطاكي السميساطي الموحدة أيضا. وفي أثناء بعث الإسلام في القرن السابع الميلادي، كانت الأريوسية منتشرة بالشام وبشمال الجزيرة العربية،
وفي مراسلة محمد صلى الله عليه وسلم لهرقل، إمبراطور الرومان، ذكر سيد المرسلين الأريوسية. من أراد الاستزادة عن الأب دونا فليطلع على بحث مطول عنه نشره المؤلف في حولية مجمع اللغة العربية الليبي العدد السادس [ 16 ]
ومالنا نذهب بعيدا فسبطيم سفير الإمبراطور الروماني العروبي الذي حكم العالم من مدينة لبدة بليبيا في القرن الثاني الميلادي، كان يتكلم في بيته الكنعانية، وغيره من الأباطرة الرومان العرب التسعة، الذين كانوا كنعانيين يتكلمون الكنعانية.
- علاقة اللغات العروبية وبالعربية الأم:
لم يبق بين أيدينا الآن قائما وواضحا إلا اللغات العروبية (أي السامية) فمنها نعرف جذورنا كعرب وعددها كبير وهي في أربع مجموعات: المجموعة الشرقية ومنها الأكدية والبابلية والأشورية؛ والمجموعة الشمالية ومنها العمورية والآرامية؛ والمجموعة الجنوبية ومنها المعينية والحميرية والسبئية والأثيوبية والعربية والأمهرية ؛ والمجموعة الغربية ومنها الكنعانية والفينيقية والموابية والعبرانية والأمازيغية البربرية.
وقبل التطرق في هذا المجال أود أن أوضح أن الوطن العربي من عُمان إلى موريتانيا هو عبارة عن حوض حضاري وليس حوضا عرقيا، وفق ما عبر عنه سيد المرسلين محمد صلى الله عليه وسلم عندما قال: ( ليست العربية فيكم بأب ولا بأمّ وإنما هي في اللسان فمن تكلم العربية فهو عربي). وقد سبق بأربعة عشر قرنا ماركس وغيره من محاربي النزعات العرقية.
وأبدأ بالمصرية القديمة: فقد أجمع العلماء مؤخرا أنها لغة عروبية، بدأ في البحث في عروبيتها حتى المتشرقون، فعالم المصريات الألماني هينريش بروجش أورد في مقدمة كتابه ( المعجم الهيروغليفي ـ الديموطي) الصادر بالألمانية في سبعة مجلدات في القرن التاسع عشر ما يلي: “أتنبأ مقدما أن الدهشة ستعم ذات يوم مجال البحث اللغوي لدى تبيّن مدى عمق الوشائج العائلية الوثيقة التي تربط اللغة المصرية بأخواتها الساميات”.
وقد حقق ذلك تلميذه المصري العالم أحمد باشا كمال الذي يكتب فيقول: “إن المصريين القدماء أرادوا تخليد ذكرى أصلهم فأثبتوه بالحفر على آثارهم المنقوشة على جدران معبد الدير البحري في طيبة الغربية بمدينة الأقصر قائلين أن أجدادهم يدعون الإعناء ( جمع عنو) ، أي أنهم أقوام من قبائل شتى اجتمعوا في وادي النيل.
وأسسوا فيه مدنا كثيرة منها مدينة عين شمس… إن اللغة المصرية أي لغة قبائل الإعناء التي سكنت مصر وما جاورها من الأقاليم هي أصل اللغة العربية بلا مراء بنص النقوش المذكورة…
إعلموا أيها السادة أن كثرة مطالعتي في اللغة المصرية القديمة منذ كنت في الثامنة عشرة من عمري، إلى أن بلغت الستين مهدت لي سبل الوصول إلى اكتشاف غريب مفيد ألا وهو أن اللغة العربية واللغة المصرية القديمة من أصل واحد وهي لغة الإعناء ، وفي أثناء دراستي كنت أرى للألفاظ العربية مثيلا في اللغة المصرية القديمة وكنت أدونها شيئا فشيئا حتى كثرت” .
وقرر أحمد باشا كمال تحرير قاموس يثبت عروبة اللغة المصرية القديمة واستمر في تحريره أكثر من عشرين سنة اكتمل سنة 1923 في 22 جزءا عنوانه: ( الفرائد البهية في قواعد اللغة الهيروغليفية )، فحجم الشين مثلا وحده أخذ 368 صفحة. وظل هذا العمل الكبير مخطوطا لم يطبع طيلة ثمانين سنة.
وطبع جزؤه الأول فقط بالقاهرة سنة 2002 ضم حرف الألف المصرية [طائر العقاب الهيروغليفية] ويقع في 238 صفحة. ونتمنى أن يطبع المعجم كاملا. وقد عبرت سورية عن طبعه كاملا على حسابها..
وقد كتب دراسة قيّمة حول المعجم المذكور الأستاذ لؤي محمود سعيد شارك بها في ندوة (الوحدة والتنوع في اللهجات العروبية القديمة) التي أقامها مجمع اللغة العربية في طرابلس ليبيا سنة 2004 وقد استمددت هذه المعلومات منه. وهذه الحقائق هي رد على بيزنطية الكتاب العرقيين الفرعونيين بمصر.
وقد أصدر العالم الليبي الدكتور علي فهمي خشيم (معجم البرهان على عروبة اللغة المصرية القديمة) من 912 صفحة نشره مجمع اللغة العربية ليبيا سنة 2007 .
- عروبة اللغة الأمازيغية البربرية:
أنا أمازيغي أنتمي إلى أكبر قبيلة أمازيغية هي قبيلة اللمامشة، أملك اللغتين العربية والأمازيغية ـ البربرية. مثلما وجد بمصر لويس عوض وسلامة موسى وغيرهما يقولون بلا عروبة مصر، وجد بالجزائر مولود معمري وسليم شاكر وغيرهما يقولون بالمغرب البربري بدل المغرب العربي، تحت توجيه الأكاديمية البربرية في فرنسا، التي أسسها الفرنسيون مباشرة بعد استقلال الجزائر لمنع تأسيس دول عربية بالمغرب العربي.
أصدرتُ عدة كتب آخرها ( معجم الجذور العربية للكلمات الأمازيغية ـ البربرية ) الصادر سنة 2007، الذي كلفني سنوات من البحث قمت خلالها بتفريغ كلمات أكبر خمس لهجات أمازيغية، اثنتان من الجزائر وثلاث من المغرب الأقصى، وأعدت كلماتها إلى اللغة العربية المستعربة العدنانية والعاربة القحطانية الحميرية من خلال المعاجم العربية القديمة والحديثة، ضم هذا المعجم تسعة آلاف كلمة، جذورها عربية تثبت أن تسعين في المائة من الكلمات الأمازيغية عربية عاربة أو مستعربة.
فمثلا العمود الفقري للغة الحميرية القديمة باليمن وزن [ أفعول ] وهو العمود الفقري للغة الأمازيغية، وهذا الوزن غير موجود في العدنانية، فمثلا مدينة [ أسيوط ] بمصر على وزن أفعول سميت لأن الأمازيغ عندما هاجروا من اليمن سلكوا الطريق المار بها فسميت بهذا الاسم، وتوجهوا للغرب وبقي أثرهم في واحة سيوة غربي مصر التي يتكلم سكانها الأمازيغية، هذه الواحة التي زارها إسكندر المقدوني واستمد منها عقيدة التوحيد.
ومن الغريب أن الإسكندر لقب في القرآن الكريم بذي القرنين وأن القرن في اللغة الأمازيغية اسمه [ إسِكْ ]، ويرى الكثير من العلماء أن البربرية واللغات العروبية كانت سائدة بأوروبا قبل هجرة القبائل الهندو أوروبية لها. ويشهد العلماء الغربيون النزيهون بعروبة الأمازيغية فوليام لانغر الأمريكي يقول: “وتتصل اللغة المصرية القديمة واللغات السامية ولغات البربر بأصل واحد” [ 17 ]
ويقول المؤرخ الفرنسي جابرييل كامبس Gabriel Camps في كتابه [البربر ذاكرة وهوية] الصادر بباريس سنة 1995 صفحة 11 : “إن علماء الأجناس يؤكدون أن الجماعات البيضاء بشمال إفرقيا سواء كانت ناطقة بالبربرية أو بالعربية، تنحدر في معظمها من جماعات بحر متوسطية جاءت من الشرق في الألف الثامنة بل قبلها، وراحت تنتشر بهدوء بالمغرب العربي والصحراء” [ 18 .]
والمستشرق الألماني أوتو روسلر Otto Rossler يسمي الأمازيغية النوميدية فيقول في كتابه ( النوميديون أصلهم كتابتهم ولغتهم) : “إن اللغةالنوميدية لغة سامية انفصلت عن اللغات السامية في المشرق في مرحلة مغرقة في القدم “.
وتعتبر اللغة الأمازيغية البربرية اللغة العروبية أي السامية الباقية حية متداولة ، ويقرأ بها الباحث اللهجة التي اشتقت من اللغة العربية الأم. فمثلا صانع الأحذية بالأمازيغية اسمه [ أخرّاز ]، وفي العربية : خرز إذا خاط الجلد، والكلمة الأمازيغية أفصح من الإسكافي.
والجمل يسمى بالأمازيغية [ آلغم ] وفي العربية : اللُّغام الزبد الذي يخرج من أفواه الإبل. الأرض تسمى بالأمازيغية [ إمّورَثْ] وفي العربية : أرض ممرّثة إذا أصابها غيث قليل. والمرأة تسمى بالأمازيغية [ تامطّوث ] وفي العربية الطمث العادة الشهرية للمرأة، والطامث الحائض، ويبدو أن الاسم الأول للمرأة في العربية الأم كان طامطوث أي الكائن البشري الذي يحيض، ثم تطورت فصارت المرأة. على هذا المنوال يتكون قاموس الأمازيغية.
وقد اعتز الشعراء الأمازيغ بأصلهم القحطاني اليماني الحميري، فقال الشاعر الحسن بن رشيق المسيلي، المتوفى سنة 463 هـ ، مادحا الأمير الأمازيغي ابن باديس الصنهاجي :
يا ابنَ الأعزة من أكابر حِميـــر وسلالةَ الأملاك من قحطان
ويعتز الشاعر ابن خميس التلمساني المتوفى سنة 708 هـ بأصله الحميري ، فيقول:
إذا انتسبتُ فإنــني من دَوحـة يتفيّـأ الإنسان برْد ظلالهـا
من حِميرٍ من ذي رُعَينٍ من ذوي حَجْرٍ من العظماء من أقيالها
وفي بيتين يفتخر شاعر أمازيغي طرقي بانتساب قبائل الطوارق الأمازيغ إلى حمير فيقول:
قوم لهم شرف العلى من حميــر وإذا دُعوا لمتونة فهمُ همو
لِما حوَوا علياء كل فضيلــــة غلب الحياء عليهم فتلثموا [ 19 ]
وحتى السومرية التي يزعم المستشرقون أنها جاءت من أوربا فقد حدد هويتها وعلاقتها باللغة العروبية العالم العراقي أحمد سوسة، فقال : “وقد اعتاد الباحثون وأكثرهم من الأجانب مثل بريستد وغيره أن يعتبروا الحضارة السومرية التي نشأت في جنوبي العراق أقدم حضارة وجدت في العراق..
والحقيقة أن الحضارة السومرية الرئيسة ظهرت متأخرة ، ولم تزدهر وتبلغ أوج تقدمها إلا بعد أن اتصل السومريون ( سكان الأهوار) بالساميين ( سكان الريف )، وأخذوا يمارسون مع الساميين الزراعة التي تعتمد على مشاريع الريّ فاقتبسوا منهم الخبرة الفنية التي تتطلبها هذه المشاريع، وانتقلوا من ممارسة الزراعة البطائحية المقتصرة على تجفيف الأهوار، إلى طريقة الزراعة على جداول الريّ السّيْحية التي كان يمارسها الساميون في السهول، أي أن الحضارة السومرية الرئيسة لم تكتمل في تطورها إلا بعد أن واكب السومريون حياة الساميين ( 2351 ـ 2159 ق م ) فكونوا نتيجة اتصالهم بالساميين المملكة السومرية الثانية ( 2116 ـ 2003 ق.م ) التي ظهرت فيها سلالة أور الثالثة (2111 ـ 2003 ق. م ).
.. وهذه الحضارة لم تدم أكثر من 113 سنة عاش السومريون فيها مع الساميين ، ثم كانت نهاية السومريين وانقراضهم سنة 2003 ق. م بعد تغلب الساميين عليهم”. بهذا بحدد تحديدا علميا هذا العالم الكبير مفهوم السومرية… [ 20 ] أحمد سوسة مرجع سابق ص 163
وقد تناول العالم الليبي الأستاذ عبد المنعم المحجوب المسألة السومرية في كتابه القيّم [ما قبل اللغة]. وفي اجتهاد يشكر عليه، وأثار نقاشا طويلا بالوطن العربي، فهمه البعض فهما خاطئا، وفهمته أنا بأنه عروبي في تفكيره.
- بيير روسي الفرنسي والعروبة:
أروع ما كتب في أوروبا كتاب العالم الفرنسي بيير روسي Pierre Rossi( وطن إيزيس : تاريخ العرب الصحيح:) La Cité D’Isis : histoire Vraie des Arabes ) الذي طبع سنة 1976 بباريس : فقد تعقب الحضارة الإنسانية من خلال اللاهوت والمعتقدات الوثنية والمنزلة منذ آلاف السنين ، وأثبت حقيقة أن جذور الحضارة الإنسانية وبخاصة في مهدها بالبحر المتوسط كانت عربية: فهو يقول : “أن الثقافة اليونانية والثقافة الرومانية اللاتينية ما هما إلا شرفة صغيرة في صرح الثقافة العربية الكبير، وأن النزعة التعصبية الأوروبية أخفت هذه الحقيقة لتبرز زورا أن جذور الحضارة الأوروبية يونانية”.
ومن الغريب أنه يتفق مع العالم الكبير العراقي العربي أحمد سوسة في كتابه (حضارة العرب ومراحل تطورها عبر العصور ) الذي طبع ببغداد سنة 1979 والذي تتبع فيه جذور الحضارة الإنسانية العربية عبر الآثار الأركيولوجية في بلاد الرافدين . وعندما كنت سفيرا بالعراق سألت سوسة سنة 1974 ، إن كان قد اطلع على كتاب روسي، فعلمت أنه لا يعرف عنه شيئا بسبب اللغة فلغته الأجنبية الإنجليزية. وأنصح الشباب العربي أن يقرأ هذين الكتابين.
سأحاول أن أورد فقرات من كتاب روسي، من الترجمة العربية الجيدة التي تمت وطبعت بالجزائر سنة 2006 والتي قام بها الأستاذ مولود طياب. لأن روسي ينصف التاريخ العربي أفضل من المؤرخين العرب أنفسهم، ويعتبر أن أصل الثقافة البشرية عربي، وأن جذر اللغات بالدنيا هي اللغة العربية، وإلى المستمعين مقتطفات من الكتاب حيث أنني سأطيل فيه نوعا ما:
جذرالحضارات: ومع هذا فإن تاريخ الشرق وتاريخ الغرب بأجمعه، إنما تم وجرى تحت سيل نور آسيا ـ أمّ الشعوب ـ وتحت سماء النيل وفي رحابه، وأن مصر وبابل قد جمعتا الإيحاءات الجبارة التي تولدت عنها الحضارة العربية الكبرى التي أذاعت، منذ فجر العصور ، معارفها وأسلوبها في الحياة، في جميع الأقطار الواقعة بين الهندوس والتاج والنيل الأزرق والبلطيق، ولم تكن أثينا وروما إلا صدى وانعكاسا لهذه الحضارة…
إن أوروبا ليست هي مركز العالم، ولا هي مرآة الخير الأسمى، إنها بصفتها بنتا للشرق الإفريقي الآسيوي لا تمثل في هذا المحيط من الفضاء والزمان إلا منطقة تعمل فيها طاقات ذات جذب نحو الشرق المذكور. ( ص 9 ـ 10 من المقدمة )
إن هذه الأمم المسماة بالسامية زعما وتضليلا هي عربية في الأصل .. إن المشرق بلاد إمبراطوريات قد عاش على وتيرة منسقة وحياة خمس إمبراطوريات هي: الإمبراطورية المصرية، والبابلية، والرومانية، والبيزنطية، والخلافية الإسلامية.. (ص 37 ) .
لقد نشأت حضارتنا خلال العصور في مثلث محصور بين البسفور والنيل وسوز عاصمة العيلاميين، وقد أنجبتها شعوب مصر وكنعان والأناضول والأشوري البابلي التي تنتمي إلى أسرة واحدة هي الأسرة العربية.. (ص 38 ) , ولنتأمل خريطة تمثل بلاد المشرق حضارات كبرى تظهر وتمّحي وفقا للمأساة التي ترجع إلى الألف الخامسة قبل الميلاد ، إذ لا يسمح لنا جهلنا بالرجوع إلى أبعد من ذلك،
هذه الحواضر التي سطعت أسماؤها أربعة: ممفيس ، وصور، وبابل، وسوز، وقد خلَفتها ستُّ حواضر أخرى هي الإسكندرية، وقرطاج، وروما، وأنطاكيا، وبيزنطة، وسلوقية، وأخيرا ثم اسم يسطع وحده هو بغداد، الحاضرة التي تعتبر خاتمة لانفجار ثقافة جذبت وراءها من قبل أثينا وقرطاج، وسراكوز، وكوم Cumes.
ولكن مراكزها الكبرى بقيت في مصر وبلاد ما بين النهرين. وباستثناء هذه المدن المشهورة فإن باقي خريطة المشرق يسود فيها الظلام، فلا نتبين فيها لا تيماء في شمال الحجاز، ولا مأرب في اليمن اللتين تشهدان مع ذلك على أنه كانت توجد في تلك العصور البعيدة وحدة ثقافية تضم سكان الصحراء العربية والممالك النهرية الغنية، أعني بين “الساميين الجنوبيين والساميين الشماليين كما يمكن أن يقول علماؤنا الذين يتخوفون من النطق بكلمة العرب”.. (ص 39 ) .
وفقا لتتبع الأديان الأرضية والمنزلة: الأسطورة تقول بأن الإله ممنون ولد في سوريا ، أو الأناضول، أو في مصر العليا، إنه بطل عربي، معروف، وكان له ضريح على الضفة الآسيوية من الدردنيل، ويقال إن أسرابا من الطيور المجسدة لأرواح رفاقه الخالدة تحضر كل سنة وتتفرق إلى جمعين متعارضين لتتقاتل في الختام ، وتطلق بكاء على رفاة ممنون.. (ص 45 ).. إن تفسيرنا لأشياء المشرق سيتحرر من سلطان الأحكام الشائعة، عندما نعدل عن استمداد علم التاريخ من التوراة.. (ص 49)
ويتعرض للملك الفارسي الكبير دارا الذي غزا نينوى بابل ، (ومن المعلوم أن الغازي يفرض لغته على المغزو، لكن حدث العكس فقد أخذ اللغة الآرامية لغة أرض الرافدين ورسمها في المنطقة الواسعة التي سيطر عليها: مقدم البحث.)، يقول روسي : “ألم يحرر دارا في الخمسمائة سنة قبل الميلاد القانون المصري بالآرامية لتطبيقة في سائر بلاد الإمبراطوربة ؟” (ص 43 ) .. الآرامية حظيت باستعمال واسع فصارت ابتداء من القرن السابع ق. م ، لغة الحديث المشتركة Koine في سائر البلاد الآسيوية من حدود النيل إلى الهندوس في الفضاء العربي بالتحديد..
إن اليونانية كانت لغة ناقلة، فالمدد الثقافي والعلمي والديني الكبير، إنما جاء من العرب، فلا يجوز على هذا أن نقلب الأدوار، وأن نجعل من اليونان الذين كانوا ورثة فقط، آباء لأسلافهم الروحيين.. إن اليونان كانوا يسمون نجوم [الدب الأصغر] مجموعة فونيكة لأنها هي التي كان يسترشد بها بحارة صور وصيدا.. (ص62 ـ 63) .
يقول هرقليت اليوناني : “إنه توجد قطعا قوانين صدفة ويضيف الرواقيون Stoiciens أتباع زينون قائلين : إن كل شيء يجري طبقا لإرادة الرب الأعلى ، فهنا كمــا في مصـر اعتقاد بالرب الأبدي المهيمن المجيد ويدعى( إلْ) التسمية التي تطورت بعد ذلك إلى الله، وإلى هِل في اليونانية البدائية وإلى هيلوس في اليونانية الكلاسيكية ، أي الشمس .. (ص 73 ـ 74 ). ( في لسان العرب لابن منظور كلمة الإلُّ تعني الله: مقدم البحث ) .
كانت إزيس المصرية تقابل عشتار البابلية .. هيرودوت يقول : “بأن الفرس سموا عشتار باسم مثرا” ومعنى هذا أن جميع الآلهة البابلية كانت في المعبد الفارسي فبل عهد سارا ، كما كانت قبل ذلك في المعبد المصري.. (ص77 ).. إن التنقيبات بصدد الانطلاق في شبه الجزيرة العربية ولنراهن على أنها ستؤدي بنا إلى مفاجآت وستكشف لنا العلاقات المتينة المختلفة التي ألفت شبكة العروبة منذ أقدم العصور.. ص 65 . عشتار : الربة النجمة . ص 71.
يرى المؤلف أن الآلهة اليونانية منحدرة من الآلهة العربية: “إيزيس المصرية تقابل عشتار البابلية.. وفينوس وأفروديت التي تسميها الأساطير اليونانية باسمها البابلي وهو سلامبو ص 86، كلها صدى لطبيعة عشتار . الإله الغالي بيليم هو بعل.
كلها مستمدة من الإله الأكبر إلْ العربي..إن بعل الكنعاني هو رب سائر الطاقات الأرضية وهو معبود في كل مكان: بعل هرمون، بعل فيقور، بعل ستور، بعل سيدونو، بعل بك، إلخ.. وهو يدعى باسم أدوناي وهو أدونيس العربي ص 86 وهي أسماء عربية كلاسيكية وليست عبرية.. رب البحر زبيل يمّْ [اليم بالعربية بحر: مقدم البحث) المتحالف مع نهار أي النهر.. زيوس تزوج بالفلسطينية سميلة أو شملة بالعربية بنت كدموس ملك صيدا ..( ص 91 )
في الفلسفة: جميع فلاسفة اليونان بدون استثناء ، يعترفون بانتمائهم إلى المشرق، وبكونهم من تلامذته. كلهم تقريبا قد ولدوا بالمشرق أو جالوا فيه مدة طويلة.. ص 119 . إن الفلسفة اليونانية تبينت وتهيكلت ابتداء من القرن السادس ق. م ، خارج حدود شبه جزيرة اليونان، في آسيا في المراكز الفلسطينية بإيطاليا الجنوبية ، وكان فيثاغورس ساموس ، وهرقليت إيفيز وبرمنيد إيلي [ فيلسوفان يونانيان بالقرن الخامس ق. م]، ، هم كبار الممثلين لها..
وعلى كل حال فقد وجدت فلسفة بلغة آرامية لدى اليونان قبل أن تسلك الطريق بلغة اليونان… ص 120 . إن آسيا لم تأخذ شيئا من الهلينية، بل إنها أمدتها بكل شيء ، إن أثينا قد أخصبت روما، لكن لم تخصب لا الإسكندرية، ولا بابل، ولا مكة، ولم يقدم أفلاطون أي شيء إلى العالم العربي، كما لم يفعل أرسطو..
ولكننا نحن الذين جعلنا من اليونان بلادا مصدرة للمعرفة البشرية، لا هم. كان أفلاطون يعترف بكل تواضع بأنه تلميذ مطيع. وقد ذكر في التيمي أن قسا مصريا قال لصولون كأب نصوح: “إنكم أيها اليونان أطفال لا غير” ، فلنقدر الأمور حق قدرها ولا نكن أحرص على سمعة اليونان من اليونان… اليونان هم الذين نشروا أسرار الشرق.. ص 121 .
ماذا كان يعلم فيثاغور بالضبط؟ إنه كان يعلم ما كان أهل المشرق يعرفونه منذ رمن طويل: وهو “أن الله ليس له جسم ولا رأس كالبشر، ولكنه عقل مقدس لا يمكن وصفه”.. ص 123 . إن أحسن تفسير لفيثاغور وهرقليت، النصوص المقدسة الفلسطينية والبابلية.. ص 129 . إن حياة أفلاطون أكثر فائدة من غير شك، قصد إلى مصر لاستكمال دراسته، وقد أقام بها مدة طويلة، ثم رحل إلى ليبيا واستقبله في قرنية (برقة) تيودور الفيثاغوري..
ومنها إلى البلدان العربية وإلى البلدان المتأثرة بقوة بالفكر الفلسطيني والسياسة الفلسطينية. وقد بيع كعبد رقٍّ أثناء الحرب بين إيجين وأثينا فاشتراه ليبيّ وأعتقه.. ص 130 . إن أرسطو تلميذ للمشرق.. ولم لا نحاول البحث عن كفلاء أرسطو في آسيا بدل اليونان؟ ومثل هذا السؤال هو السؤال الذي يجب طرحه بدون عناء، على من يريدون أن يحصروا التاريخ في السُّرَّة الأوروبية ويتركون في الخفاء هذه الفضاءات والبلدان التي جادت لآوروبا بنورها.. ص 137 .
فخلفاء أرسطو ابرزوا الطبيعة الفيزيائية للفلسفة، بينما أكد آخرون السمة الأخلاقية. وقد عنيت المدرسة العربية في ليبيا بقيادة أنتستان وأرستيب القرني (البرقوي) بإبراز دور الحواس واللذة والألم المحددين للسعادة بأنها التوازن بين الأجزاء المختلفة من جهاز بدننا.. ص 138 . وفي مقابل المدرسة العربية الليبية التي أحيت الفيزياء الذرية، كانت مدرسة عربية أخرى، هي مدرسة الفلسطيني زينون دوستيوم الذي كان حوالي 315 ق.م ، يسيّر في قبرص مؤسسة توريد وتصدير ويعتبر مؤسسا للرواقية Stoisme . ص 139 .
إن الفلسفة اليونانية انطلقت من المشرق وآلت إلى المشرق، لتسود في مصر وسوريا وفلسطين. وابتداء من القرن الأول المسيحي أحيا السوريان ليبانيوس ونومينيوس دايامي فلسفة فيثاغور والأفلاطونية، وأذاعاها، بينما اشتهر في مصر أربعة أسماء في أفق الفلسفة العالمية؛ وهي فليون اليهودي، وأمونيوس سيفاس، وفلوطين الأسيوطي في النيل الأوسط، وبرفير .
وهذا من غير إدراج أنتدور دوكانا أستاذ الإمبراطور أغوسط ، ودوجين البابلي، وأبو لودور العراقي السلوقي ومن دجلة، وسوسوس الأسكلوني ، إلخ… وأخيرا إن التوراة والإنجيل قد حررا وشرحا باللغة اليونانية، كشاهد على انسجام واستمرار ثقافة كانت عربية في بدايتها، ثم انقلبت عربية إيجية ابتداء من منتصف الألف الثانية ق. م ، وغزت بعد ذلك غربنا أي أوروبا..
إن كل ما هو أساسي في ثقافتنا، إنما نشأ باستمرار في البلاد اليونانية الآرامية لا في غيرها من البلاد، وإن غربنا أي أوروبا المستهلِك الناقل لهذه الثقافة لم يكن هو المبدع لها ( ص 140 ـ 141 .)
في الفلك: كان اليونان يعترفون دائما. في مجال العلوم بأنهم تلاميذ مصر وبابل، وأفاد أفلافيوس جوزيف “بأن علوم الكلدان انتقلت إلى المصريين بواسطة إبراهبم، ومن المصريين انتقلت إلى اليونان”.
وحسب الأساطير إن الاكتشافات الكلدانية الفلكية الأولى ترجع إلى أربعة آلاف وسبعين سنة (4070) قبل الميلاد.. إن سرجون الأول الذي ملك سنة 3800 ق. م ، عمل على تكوين مكتبة فلكية ، وقد عرفت بابل في ساعة مبكرة مبادرة الاعتدالين، ودورات خسوف القمر ، ومكان ااكواكب القارة ، والسنة المؤلفة من 365 يوما وربع اليوم.
ونظام الحساب العشري أو الإثني عشر، مجموع الستين، فالدائرة مقسومة إلى 360 درجة، والدرجة مقسومة إلى 60 دقيقة، والدقيقة مقسومة إلى 60 لحظة.. لم يملك اليونان قط مرصدا فلكيا، كما أنه لم يكن لروما مرصد، بينما كانت البلدان العربية من النيل إلى الهندوس مجهزة بها. كانت اليوميات الروزنامات اليونانية الرومانية غير سليمة حتى صححت في عهد قيصر.. وقد كلف سوسيجنس وهو عربي من الإسكندرية بإصلاح التقويم الروماني (المناخ).
فاليومية التي دعيت بيومية جوليان ينبغي أن تسمى يومية الإسكندرية.. ص 143 ـ 144 ـ 145 . الأرقام العربية التي وصلت لنا من واحد إلى تسعة، وقد كان اليونان قبلها يستعملون الحروف الأربعة والعشرين التي تتألف منها أبجديتهم بترتيبها، وأخذوا عن الفلسطينيين ثلاثة أرقام على الأقل: رقم ستة Episomon والكوبا ، وقيمة تسعون..
الموازين والمكاييل أخذه اليونان عن العرب تدريجيا ولم تكتمل لديهم إلا بعد أن أقام صولون الأثيني بمصر وأحضرها معه.. ص 148 ـ 149 . من المضحك أن المستشرقين عندنا أثنوا على العرب وشكروهم على أنهم نقلوا لنا علوم اليونان وتقاليدهم، بعد أن ترجموا لنا نصوصهم الدينية أو الفلسفية. ونراهم على أنه لا بد من فترة جيل لمحو هذا الخطأ من علمائنا.. (ص 153 ).
اليونان والعالم الآرامي والآرامية: عمل الإسكندر الأكبر المقدوني على ـ ولنفكر في ذلك جيدا ـ ضمِّ اليونان إلى العالم الآرامي، بعد أن كانت لا تنتمي إليه إلا ثقافيا. كان الإسكندر على هذا مرتبطا مع أغلب المسؤلين المدنيين والعسكريين في الإمبراطورية البالبلية..
كان من حرصه أن زار سائر مقاطعات الولابات المتحدة الآرامية.. كان ينوي أن يتقدم بزياراته إلى ليبيا وقرطاج وإيبيريا لكن الوفاة فاجأته..كانت اللغة الآرامية لغة الإدارة إما بالكتابة المسمارية أو بالحروف الهجائية الفينيقية أو المصرية..
إن الإسكندر بصفته ملكا آراميا، ينتمي إلى التقاليد التاريخية العربية، لكن أغلب المعلقين يتجاهلون ذلك، يرتكب تلامذتنا نفس الخطأ، فالإسكندر تسمية آرامية قديمة اكتسبها اليونان وحولوها إلى ألكسندروس Alexandros ، فإذا كان العرب يسمون الإسكندر فليس ذلك تقليدا لابن فيليب المقدوني،
بل إنه هو المدين لهم بذلك .. (ملاحظة من مقدم البحث: يلقب الإسكندر بذي القرنين كما ذكر في القرآن الكريم، واسم القرن في الأمازيغية ـ إسْـكْ ) .. ترى النهضة العصرية القائمة اليوم باسم العروبة أو “الأمة العربية” في هذه الوحدة هدفها الأسمى ، فالمفكرون المدافعون عن العروبة ليسوا سوى منفذين لوصايا دارا والإسكندر.. (من ص 176 إلى ص 187 ).
العمارة: بعد أن تكلم روسي عن اليونان يفرد فصلا في كتابه عنوانه: (روما المستعمَرة المصرية: لقد بيعت روما للمشرق) . يتكلم عن العمران فيقول: بينما أخذ اليونان من العمارة المشرقية الخط المستقيم الجاري به العمل في العهود الكبيرة ، فإن روما التي لحقت أخيرا بالركب، استوحت النموذج الجديد ونقلت عن العمارة الآرامية الميل إلى الخط المنحني، وأكثرت من القبب والأقواس ذات العقد الكامل، وقلدت حتى القبة نصف الدائرة البابلية في فن العمارة.
ولم يكن المسافر القادم من بلاد النيل أو من ضفاف الفرات يجد نفسه غريبا عندما يصل إلى روما.. وقد ثبت أنه كان بروما منذ ساعة مبكرة معماريون عديدون سوريون متخصصين في البناء والتزيين.. إن روما كانت خاضعة للشركات التجارية والمالية التي نعرفها اليوم باسم الشركات المتعددة الجنسيات وكان أصحابها من الفلسطينيين والمصريين واليونان والليبيين يسيطرون على نظامها المحكم.
وعلى كل فإن روما تفكر وتعمل وهي متجهة للمشرق مستنيرة بالمشرق مجذوبة إليه.
يختم بيير روسي كتابه الرائع بفصل عنوانه: سلام الإسلام: نجاح محمد (صلى الله عليه وسلم) معناه أنه كان منتظرا، وقد تظافرت إلى تلقائية ما نزل عليه من الوحي ما كان يترجاه الشعب الآرامي، فانتصار الإسلام هو على هذا تجاوب محتوم بين دعوة ورجاء.. المهزوم في معركة القادسية هي أسرة الساسانيين، أما الشعب الفارسي فقد استقبل العرب بالأفراح ، فانتصر التضامن الآرامي على العدو البيزنطي.. وابتعث (صلى الله عليه وسلم ) والخلفاء من جهة أخرى اللغة الآرامية إذ أن القرآن ارتقى بلغة الشعب النيلي البابلي القديم إلى أسمى كمال في مبانيها ومعانيها وقواعدها.
وبالفعل إن اللغة العربية هي أول لغة منظمة من لغات بشرية البحر المتوسط قبل لغة هومير، وهي التي منحت لها قوانينها. ذلك أنها منذ دعوة الرسول (صلى الله عليه وسلم) الذي ابتعثها لحياة عصرية، انتهضت من عهودها القديمة نقلت أصداءها العجيبة، ففرضت نفسها على ملايين البشر. وباللغة العربية يمكن لنا نحن الأوروبيين ، أن نعيد قراءة كتبنا الدينية وتاريخنا،
وسنرى الأشياء على أوضح ما يمكن. إن معرفة اللغة العربية سيعيننا، لا على تجاوز أفق أثينا وروما الضيق فقط ، لكن على المساهمة الواسعة في مستقبل المجتمع الجديد، الذي يخلص من ظروفنا الغامضة. إننا على يقين من ذلك.. إن الغاية الحقيقية من الحملة الصهيونية في المشرق مفهومة بكل يسر، فما هي إلا حرب صليبية جديدة، تستجيب لأهداف استراتيجية واستلائية هيمنية..
لكن كان يهب باستمرار من المشرق تيار منعش يبعث الحياة في الفنون، المختلفة والتأملات الفكرية بأرض الغرب [أوروبا] ، لقد بقينا عربا بإيماننا ، كما بقينا عربا بشكوكنا، ففي الأوروفيوOrféo لمنتفردي التي تسبح فيها ألوهية الشمس ، وفي الغابة الجهنمية التي يجوس فيها فهد دانتي ، كما أن في العلم المعاصر الذي تسود فيه الذرة ، يصعد في خفوت وباستمرار همس منابعنا المشرقية،
ويكفي أن نعير الأذن لنعي ذلك.. وبالفعل ومن الصحيح أن المشرق يقترح على ذكائنا الخاطئ الواهي، وعلى النظرات الميكانيكية التي نتقمصها، وعلى صوابنا الحتضر، يقترح علينا الانبعاث وصعوده العسير. ويختم المؤلف كتابه الرائع بهذه الجملة: ( نعم إن الحياة تنتظرنا في بابِلون [بابل] ).( من ص 259 إلى 271 .)
في المسرح: المسرح اليوناني كان في بدايته ، وعلى صورته التي بقي عليها رغم التغييرات الخارجية، أعني نشيدا دينيا، ومأساة موسيقية دينية، أي صلوات لديونيسوس، وكل يعرف أن كلمة مأساة [تراجيدي] الذي يسمى بها هذا المسرح تتألف من تراغوس Tragos أي الجدي ، وأودْ أي النشيد ، ويمكن أن تترجم بـ [نشيد الجدي] او نشيد للجدي.
وهي إشارة إلى الإله الذي عاش مستخفيا في البلاد العربية السعيدة اليمن في صورة جدي.. (ص 93) . سوموتراس المكان المقدس الذي يوجد به معبد الكابير Cabires وهي تسمية عربية خالصة ويوم كيبور العبري هو اليوم الكبير ص 100 . هرقل مستمد من هملقار الاسم الكنعاني ص 85 . مؤلف البحث: اسم هملقار هو حامي القار لكنه حرف في النطق. (21 )
لقد أطلت في تقديم هذا الكتاب، لأنه أولا كاتب أوروبي، فلو قاله كاتب عربي لاتهم بالتعصب، لأن السكان بحصرهم كأعداد من البشر يعتبر تضييقا للمجالات السكانية المحصورة في أضيق نطاق زماني، فما نعرفه عن السكان لا يتعدى زمانه الخمسة آلاف سنة. وأن جذور السكان أو فلسفة السكان ـ إن صح التعبير ـ هو العمق الحضاري فمعالم الحضارة الإنسانية نكتشف في السكان ما خبأه الزمن.. وهذا ما قصدته.
- الخلاصة: