الدراسات الثقافيةعلوم سياسية

“الاستبصار” أو “علم المستقبليات” .. المنجرة نموذجاً

  • علم المستقبليات

يُعَدّ المنجرة أول مفكر عربي اختص بعلم المستقبليات واستشراف المستقبل. ويوضح أنه علم “يهدف إلى تتبع توجهات الأحداث ودراستها، و(دراسة) مآلها في المدى البعيد.


فهو لا يتعلق بنبوءة ولا كهانة ولا رجم بالغيب، لأن القرآن الكريم – كما يقول المنجرة – مليء بالمصطلحات الداعية إلى الاستعداد للمستقبل العاجل أو الآجل والنظر في مآلات الأمور”.


ويضيف “أن العناية بالمستقبل ليست أمراً جديداً عندنا، فمن أجل فهم معنى الرؤية المستقبلية، يمكن الاستعانة بما كان يسميه الرسول، صلى الله عليه وسلّم، بالاستبصار“.


ويقول: “يسوؤني أن علم المستقبليات لا يزال إلى اليوم مشوشاً في الأذهان، غريباً في البلاد العربية، لا أهل له. وبعبارة أكثر دقة في التوصيف، هو منبوذ.


وبالتالي؛ معطل وممنوع من تقديم أي فائدة إلى مجتمعاتنا. كما يسوؤني أن الاهتمام بقراءاتي كثيراً ما ينحصر في التهليل لقدرتها التنبؤية. يقتل هذا النوع من “الاستهلاك” شُحنة أي “نبوءة” ويهدر طاقتها. ما نفعنا بنبوءة لا نحوّلها إلى طاقة فعل؟”.


  • الحرب الحضارية الأولى

يُعَدّ المنجرة أول من تنبأ بحدوث حروب حضارية، فأطلق على حرب الخليج الأولى “الحربَ الحضارية الأولى“. ويبيّن أنه: “في عام 1991، طلب مني مراسل لصحيفة “دير شبيغل” الألمانية إجراء حوار معه بشأن حرب العراق.


فقلت له إنها أول حرب حضارية عالمية في التاريخ، فوضعت الصحيفة الألمانية هذه العبارة عنواناً ببنط عريض، ومن هنا نضجت الأطروحة”.


ونجح المنجرة في تحويل فكرته، “الحرب الحضارية الأولى”، إلى مشروع كامل، فكان صاحب أول مقاربة بشأن صدام الحضارات قبل صمويل هنتنغتون.


واعترف بذلك هنتنغتون بقوله: “العلّامة المغربي، المهدي المنجرة، أطلق على حرب الخليج أنها الحرب الحضارية الأولى، وهي في الحقيقة الحرب الحضارية الثانية. الأولى كانت الحرب الأفغانية – السوفياتية 1979 ـ 1989.


كِلتا الحربين بدأت بغزو دولة دولةً أخرى، لكنها تحولت بصورة واسعة، وأُعيد تحريرها كحرب حضارية”.


وذكر المنجرة، في كتابه “قيمة القيم”، هذا الاعتراف قائلاً: “يعترف هنتنغتون، في الفصل العاشر من كتاب “صدام الحضارات”، بأنني كنت أول من استعمل عبارة الحرب الحضارية”.


على الرغم من هذا الاعتراف، يجب أن نوضح أن هناك فارقاً بين مقاربة المنجرة ومقاربة هنتنغتون، الذي يجعل الغرب في مقابل سائر العالم، وخصوصاً الإسلام والحضارة الكونفوشوسية (الصينية)، باعتبار كل منهما قوة كبيرة، قد تشكل تهديداً لقيم الغرب وحضارته في المستقبل.


يرى المنجرة أن مقاربة هنتنغتون تندرج ضمن الدراسات الاستراتيجية، وهي مقاربة تبريرية حتمية تنتمي إلى مدرسة السياسة الواقعية، التي تتبع خطاباً دفاعياً ذرائعياً، يطلق فيه إنذاره المدوّي بعد نهاية الحرب الباردة وسقوط الاتحاد السوفياتي.


ومفاده أن العالم، في ظل هذه المتغيرات الدولية والتحولات العالمية، مقبل لا محالة على صراع بين الحضارات، ويؤكد فيه هنتنغتون أن الخطر سيأتي من العالم غير اليهودي ـ المسيحي، وهو في الأساس “خطاب يستند إلى الدفاع عن النفس.


ويمكن فهمه في الأمد الطويل ضمن الدراسات المستقبلية”. وهنا، يؤكد المنجرة “خطورة تكريس القيم المسيحية – اليهودية على سائر الحضارات الأخرى، وعلى رأسها القيم الحضارية الإسلامية”.


إن أطروحة المنجرة مقاربة وقائية تحذيرية تندرج ضمن علم المستقبليات، وتستشرف المستقبل من أجل دفع الأخطار المحدقة، ومن أجل خلق حوار حضاري بين الشمال والجنوب، وتُراعي في الوقت ذاته هواجس الغرب ومخاوفه من العالم الآخر.


الغاية منها “ترسيخ قيم العدالة الإنسانية، وتفادي الكوارث اللاإنسانية في حق البشرية جمعاء في نبذ الكراهية والتحريض، وضمان استمرارية تاريخية للقيم المثلى”.

بالعربية

بالعربية: منصة عربية غير حكومية؛ مُتخصصة في الدراسات والأبحاث الأكاديمية في العلوم الإنسانية والاجتماعية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى