أهم خصائص الرومانسية في المذهب الغربي – (4)
1- الاحتجاج على سلطان العقل، والاتجاه إلى القلب بما يجيش فيه من المشاعر الملتهبة والأحاسيس المرهفة، والعواطف والقلق والاندفاع نحو الجمال، والتغني بالحب الأفلاطوني، والعفوية والتمرّد على القيود الاجتماعية.
2- العودة إلى المصادر والأجواء الشعبية المحلّية وإعادة الاعتبار إلى العصر الوسيط المسيحيّ وما يتصل به من حكايات وأساطير وملاحم، إنها التفاتة إلى الماضي القومي فيها الكثير من التأمل والأحلام والحنين، وكأنما هي عزاءٌ عما أصاب أوربا من الكوارث.
وقد دعم هذا النزوعَ المؤرخ (ميشليه) بأسلوبه الخطابي المفعم بالاعتزاز بماضي الأمة الفرنسية في العصر الوسيط وما خلفته من الأوابد والكنائس والمنجزات الحضارية، ونلمس تجسيداً لهذا التيار في كتابات (شاتوبريان) و(هوغو) و(ولتر سكوت) و(بوشكين).
3- تمرَّدَ الرومانسيون على جميع الأنظمة والقواعد والقوانين الاجتماعية، وراحوا ينشدون الحريّة، ومع هذا التمرّد والتحرّر كان يوجد بناءٌ لعالم جديد قوامه الحقّ والخير والعدل والمساواة كما يعتقدون، ومن أبرز شعراء الثورة والتمرّد (بايرون) و(وردزورث).
4- العزوف عن الأساطير اليونانية والرومانية والاغتراف من مَعين الدين ومصادره كالتوراة والإنجيل وما فيهما من شخصيات ونماذج، وقد وجد الرومانسيون في الدين ملاذاً ترتاح فيه نفوسهم الحائرة المعذَّبة وتسمو فوق الغرائز الماديّة.
5- العودة إلى الطبيعة واتخاذها إطاراً للمشاهد القصصيّة، فقد اكتشف الرومانسيون ما في الطبيعة من الجمال والعظمة، فأخلدوا إلى ما فيها من سكونٍ ووحشةٍ وعزلةٍ، فناجوها كأم رؤوم، ونشدوا في أحضانها ملاذاً للأشقياء وبلسماً وعزاءً للمعذبين، ولكنهم وجدوا فيها من ناحية أخرى الكائن الجبار الغامض المخيف الذي لا يبالي بالإنسان.
6 – الولع بالتغُّرب والغريب والفرار إلى عوالم جديدة والترحال في بلاد بعيدة، واكتشاف الجديد من الأفاق والغريب من الأقوام والعجيب من الأمور، سواء في أوربا أو في الشرق والقارات الأخرى، وقد ظهر ذلك في أدب القصة والرحلات والمغامرات الذي تجلت فيه نزعة الإغراب.
فهذا (شاتوبريان) يصف عاصفةً في صحراء رملية في مصر، وهذا (لامارتين) يرتحل إلى الشرق ويزور سورية ولبنان وفلسطين، أما (الفرد دوفينيي) فإنه يستوحي الأجواء التركية في مسرحياته، إنها النفوس التي تأبى أن يحدّها مكان، والتي تودّ أن تنداح في الكون الفسيح وتكشف المجهول.
7 – حين عزفت الرومانسية عن تصوير خوارق اليونان والرومان كالمردة والعمالقة والأبطال الخارقين، أبدعت لنفسها أبطالاً استمدوا شخصياتهم وملامحهم من التاريخ الوسيط أو المحلي المعاصر أو الحياة الاجتماعية بأسلوب شاعري محلّق في أجواء المثاليّة والعظمة.
فهنالك البطل العاشق اليائس البائس، والبطل الممثل للعظمة الملحميّة والعبقرية، والبطل المعذّب شديد الحساسية، والبطل الطيب الشجاع، والبطل الذي تضافرت عليه مظالم المجتمع، إنها نقلةٌ وسيطة نحو الواقعية.
8 – اتّجه أدباء الرومانسية صوب المرأة، فأعطوها منزلتها وأعادوا إليها اعتبارها الاجتماعي، ولكن روحهم الشاعريّة اختلفت في النظر إليها، فبينما وجد فيها بعضهم الحبيبة والملهمة، رأى فيها آخرون مجلبةً للشقاء والألم، ورأى فيها آخرون كلا الوجهين المتناقضين، أما الحبّ فقد سما عندهم سمواً كبيراً.
9 – الفكر الجريء اللّماح المدرك للمفارقات والتناقضات والميّال إلى الحدس أكثر من الوعي والتفكير الموضوعي، إنه فكرٌ أقربُ إلى التأمل الشاعريّ.
10- إطلاق العنان للمواهب المبدعة خلف التصورات والأخيلة التي تصل إلى حدّ أحلام اليقظة والأوهام والشخصيات الغريبة كملهمات الشعر والأشباح.
11- غلبة الكآبة والحزن والصراع النفسيّ الدراميّ، وانتشار نغمات البكاء واليأس والانفصام عن المجتمع، والشعور بهشاشة الحياة ودنو الموت.
12- حرص الأديب الرومانسيّ على حريته التامة في الإبداع والتعبير، فجاءت آثار الرومانسيين متنوعة الألوان ضمن إطار الوحدة، وموحّدةً في إطار التنوع الفردي، فلكلّ كاتبٍ لونه الخاص المميّز، وكان (هوغو) لا يفتأ ينادي بالحريّة للفنّ كما ينادي بالحرية للمجتمع.
وقد أثارت هذه الحريات الفردية كثيراً من المعارضة بدعوى أنّ الإفراط فيها يؤدي إلى إضاعة المعايير وتهديم الأدب، وقد ظهرت في الرومانسية بادرة البيانات والمقدّمات التي يعمد فيها الأديب إلى عرض معالم منهجه وبسط آرائه وقناعاته الفنيّة، كما فعل لامارتين في مقدمة (التأملات)، وهوغو في مقدمة مسرحية (كرومويل)، فكانت هذه المقدمات روافد مهمة في بلورة ملامح النظرية الرومانسية.
13- العزوف عن اللغة الكلاسيكية المتعالية النبيلة المتميزة بالجزالة والترفّع والتصنّع والدقة والاختصار والوضوح، والنزول بالأدب إلى اللغة المحليّة الطلقة المأنوسة التي يرتضيها الجميع، بصرف النظر عن النخبة الحاكمة والأوساط العلميّة والأكاديميّة.
إعــــداد : الوسائط الثقافية للنشر الإلكتروني.