المذاهب الأدبية

الوُجوديَّة – عاشر المذاهب الأدبية.

 

الوجودية تيار فلسفي تطور عنه مذهب أدبي يقوم على الحرية التامة في التفكير بدون قيود ويؤكد على تفرد الإنسان، وأنه صاحب تفكير وحرية وإرادة واختيار ولا يحتاج إلى موجه. وهي جملة من الاتجاهات والأفكار المتباينة، وليست نظرية فلسفية واضحة المعالم، ونظراً لهذا الاضطراب والتذبذب لم تستطع إلى الآن أن تأخذ مكانها بين العقائد والأفكار.


وتكرس الوجودية في التركيز على مفهوم أن الإنسان كفرد يقوم بتكوين جوهر ومعنى لحياته. ولقد ظهرت كحركة أدبية وفلسفية في القرن العشرين، على الرغم من وجود من كتب عنها في حقب سابقة.

امتزجت الفلسفة الوجودية بالأدب، لاسيّما في الرواية والمسرحيّة، لأنها وجدت فيهما الوسيلة المثلى لتحليل واقع الإنسان والكشف عما يحدق به من التحديات، ومن ثم تحصينه بحريته الكاملة وإرادته لاتخاذ قراراته والنضال لإثبات وجوده واختيار مصيره.


ولقد كان معظم الفلاسفة الوجوديين أدباء عرضوا أفكارهم من خلال إبداعاتهم الأدبية عرضاً هو أشد تأثيراً مما تقدِّمه النظريات التي قد تتسم بالجفاف.

كما أن كثيراً من الأدباء ساروا وَفق النهج الوجودي في رسم رؤاهم وشخصياتهم، حتى تبلور في النصف الثاني من القرن العشرين ما يدعى بالأدب الوجودي، وكان من أبرز أدبائه (جان بول سارتر) الذي ترك عدداً كبيراً من القصص والروايات والمسرحيات مثل: (الأيدي القذرة، وموتى بلا قبور، والدوامة، والذباب)، ورِوَايَتَي (الحزن العميق، ودروب الحرية)، وعددٍ من القصص.


ومن الأدباء الوجوديين أيضاً (ألبير كامو) الذي كان يدعى فيلسوف العبث، ومن مسرحياته (سوء تفاهم، والعادلون، والحصار)، ومن رواياته (الطاعون، والموت السعيد)، ومن قصصه (المنفى).

ومنهم تلميذة سارتر (سيمون دي بوفوار – أو دوبوفوار) التي استطاعت أن تسهم في نشر الأفكار الوجودية في أعمالها الأدبية مثل رواية (المثقفون).

كما يُعَدُّ من أصحاب النزعة الوجودية أمثال (ت.س إيليوت، وصموئيل بيكيت، وجيمس جويس)؛ على احتفاظ كُلّ منهم بطابعه الخاص.


ولِتَلمُّسِ الخطوط العامة للأدب الوجودي لا نجد أفضل من المقالة التي كتبها (جان بول سارتر) عام 1945م وجعلها مقدمة لمجلّته (الأزمنة الحديثة)، ومن ثمَّ أصبحت كالدستور للأدب الوجودي، وتتلخص في أن لكلّ كاتب موقفاً في عصره ومسؤوليةً تجاه مجتمعه والإنسانية بصورة عامة، ولكلّ كلمةٍ صداها، حتى إنَّ الصمت موقف له دلالته، والأديب قادرٌ على التأثير في زمانه من خلال مواقفه.


وإن مستقبل العصر هو الذي يجب أن يكون محور عناية الأدباء، فالمستقبل يتكون من أعمال الإنسان ومشاريعه وهمومه وآماله وثوراته، والأديب يكتب عن عصره ومعاصريه، ويتحدث عن نفسه وعنهم في آن واحد وعلى حدٍّ سواء، فكلهم متساوون وأحرار، ولا يقتصر على طبقة معينة ولكن موقفه سيقوده حتماً إلى الوقوف في صف طبقته التي يشاركها المعاناة.


ويرى (سارتر) أنَّ الوجودية فلسفة الفرد والذات ضمن موقع خارجي، والكاتب يطمح إلى تغيير المستقبل من خلال إبداع مواقف مشابهة لموقفه، وتتراكم هذه المواقف وتتآزر لتحدث التغيير المنشود، وهكذا يتجلى التضافر بين الذات والمجتمع، وتصبح الآداب تعبيراً عن ذاتية ومجتمع في حالة ثورة دائمة، فلا مهادنة ولا إخاء مع القوى المحافظة التي تتمسَّك بالتوازن، ولأجل ذلك تضغط على الحريّة وتمارس القمع والظلم. ويرى أنه لابد من النضال لكل كاتبٍ ولكلّ إنسان.

ويظل موقف الأديب الوجودي إلى جانب المضطهدين، فيعمل لتحريرهم أولاً ثم يضعهم أمام ذواتهم وإراداتهم، ليحددوا مواقفهم ويتخذوا قراراتهم.

والفرد الوجودي الحرّ ملتزم بأن يختار موقفه الذي يقرر مصيره ومصير البشر، ولا يعرف الوجوديُّ سوى واقعٍ واحد لا يتجزّأ هو الواقع الإنساني، والجماعة لا تلغي الفردية بل عليها أن تحترم تفتحها الذاتي ما دامت لا تُصادر حرية الآخرين، ويعدّ الوجوديون كلُّ لجمٍ لحرية الفرد بآراء شمولية جاهزة يُعَدُّ ضَرْباً من الاستبداد.


والنثر عند الوجوديين أداة كشف وتغيير، ويؤثر في الناس عن طريق الإقناع، والناثر كاتب حرّ يخاطب أحراراً ولكن لا بد في النثر من الجمالية، وإلاّ فلا يكون أدباً، وجماليته ليست مقصودة لذاتها بل هي إضافية ومكمّلة ولا تنفصل عن الموضوع، والشخصيات بشر واقعيّون من لحمٍ ودم وروح، يعون قضايا الإنسان المعاصر بكثافة وعمق، ويُعانون الصراع في المجتمع لإثبات حريتهم والتمتع باختيار موقفهم، ومن ثم الالتزام الخاصّ وتحمّل مسؤولية القرار.

أما من حيث الشكل الفنّي للأجناس الأدبيّة، فالوجوديون شأنهم في ذلك شأنُ أدباء القرن العشرين لا يهتمون بالأطر القديمة والأشكال الشائعة بل يعيدون النظر في كلّ الطرائق والأساليب ويتجاوزون المألوفات السابقة ويحاولون إبداع تقنيات جديدة؛ لكنهم جميعاً متفقون على أن الجمالية عنصر مهم في الأدب شعراً ونثراً وتستمد من طبيعة الموضوع والمتطلبات الخارجية، ولذلك كثر التجريب، وولدت أنماط جديدة من المسرحية والرواية والشعر.


ويرى سارتر أن الشعر – مثل بقية الفنون – دائمُ التجدد والتحديث وهو يتبادل التأثير والمعطيات مع سائر الفنون، بل هو جانب من الرسم والنحت، والكلمات فيه “أشياء” وليست إشاراتٍ لغوية كما هو الأمر في النثر، إنها أشياء طبيعية تنمو كالعشب والأشجار، وللكلمة شكلها الصوتي ومظهرها البصري، وبهما تصبح أداة تشكيل، والكلمات تتجمع وتتعانق وتتداعى، وتشكل فيما بينها أشكالاً من التطابقات والتنافرات.

فالتعبير يتم من خلال الإيحاء والرمز وتغيُّر العلاقات اللغوية، وفي الشعر تمتزج عناصر من الرمزية والسرياليّة والفلسفة والغناء، والغاية منه الكشف عن أزمة الإنسان في وجوده روحاً وجسداً ضمن واقع شامل يعاني منه القلق والعذاب والخوف، لأنه واقع معادٍ كما يرون، ولذا يغلب على شعراء الوجودية طابع التشاؤم والسوداوية والحيرة والإحباط، كأشعار (ت.س إليوت) المعبّرة عن الضياع والخواء والكآبة.

بالعربية

بالعربية: منصة عربية غير حكومية؛ مُتخصصة في الدراسات والأبحاث الأكاديمية في العلوم الإنسانية والاجتماعية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى