ألبير كامو: عن المضادات الثلاثة لعبث الحياة
‹‹في عالمٍ يبدو فيه العبث عصيًّا على الهزيمة، يجب علينا، ببساطة، أن نصل إلى درجةٍ أسمى في فهم أنفسنا كبشر، أي إلى درجة أسمى من الصدق››.
أيُّ وجهة نظر قد يمتلكها فيزيائي فلكي لمدح “الرحلة المذهلة” التي نخوضها. حيث يعيشها البقية ببساطة وعبث لا حدود له، بشكل غير متحكم به، و لا يمكن سبر أغواره.
ماذا نفعل أو نتصرّف مع العبث المحيط بنا كل يوم؟ يعتقد “أوليفر ساكس” أن أقصى شيء يمكننا فعله هو أن نكتب؛ بذكاء، وبإبداع، وبإحساس عمّا يعنيه العيش في هذا العالم.
وإن تفسير جملة “ما يعنيه العيش” قد يقودنا إلى القنوط، لذا دعونا نفسرّها أنه “يجب علينا العيش في هذا العالم”.
قبل أكثر من عقد من حصول كامو على جائزة نوبل للأدب ليصبح ثاني أصغر حامل للجائزة، حيث كرّمته لجنة الجائزة لعمله “الذي أضاء بجديّة متبصرة على مشاكل الضمير الإنساني في عصرنا”.
تأمّل كامو العلاقة بين العبث والفداء في مقابلة عام (1945) أجراها معه الصحفي الفرنسي “جان ديبليش” نَصّ المقابلة متضمّن في خاتمة كتابه “مقالات نقديّة وغنائيّة”؛ المجموعة الرائعة التي نُشرت بعد وفاته حيث أعطانا فيها كامو طريقة تقوية شخصيتنا في الأوقات العصيبة، والسعادة، والقنوط وحب الحياة.
قبل ثلاث سنوات من المقابلة، أذهل كامو صاحب الثمانية والعشرون ربيعًا العالم بمقالته الفلسفيّة الثوريّة “أسطورة سيزيف” وكشف فيها عن مفارقة العبث في الحياة. يقول كامو في المقدمة: ‹‹أجترح من العبث ثلاثة عواقب؛ حريتي، وثورتي، وشغفي››.
شيءٌ ما حثَّ الصحفي الذي أجرى معه المقابلة على سؤاله عمّا إذا ما كان هذا تنبؤٌ فلسفي عن العبث الذي سيشجع الناس على اليأس من الحياة.
جاوب كامو والذي أكد قبل ذلك أن لا يوجد حب للحياة دون اليأس من الحياة:
‹‹كل ما أستطيع فعله هو الإجابة من وجهة نظري، مدركًا أن ما أقوله نسبيٌ. إن تقبل عبث كل ما يحيط بنا هو خطوة وتجربة ضرورية لا يجب أن تصبح نهاية مسدودة.
إنها تثير الحماسة التي من الممكن أن تصبح مثمرة. إن تحليل فكرة الحماسة يمكن أن يساعدنا على اكتشاف أفكار قادرة على إعادة معنى نسبي للوجود، إلا أنه معنى سيبقى دائمًا في خطر.››.
لقد تحدث كامو عن قرب البشاعة العبثيّة للحرب العالميّة الثانيّة قبل ست سنوات من بلورة أفكاره حول التضامن وما يعنيه حتى يصبح مقاومةً.
اعتبر كامو أن الفعل الوحيد للشجاعة والمقاومة هو لاذي يستحق الأخذ بعين الاعتبار، حيث يقول: ‹‹في عالم يبدو فيه العبث عصيًّا على الهزيمة، يجب علينا.
ببساطة، أن نصل إلى درجةٍ أسمى في فهم أنفسنا كبشر، أي إلى درجة أسمى من الصدق، علينا أن نصل إلى ذلك أو نهلك، ولفعل ذلك يجب أخذ عدة ظروف بعين الاعتبار، يجب على البشر أن يكونوا صريحين (الكذب يشوّش الأشياء)، أحرار (التواصل مستحيل بين العبيد)، وأخيرًا يجب أن يشعروا بعدالة مطلقة من حولهم.››.
لطالما تساءلت إذا ما كامو قد قرأ قصيدة أودِن “الأول من سبتمبر 1939” والتي كتبها عام 1940 والتي تحتوي على هذا المقطع الرقيق الذي يشابه تصريحات كامو:
صوتي كل ما أملك
لأغيّر كل ذلك الكذب الذي يحيط بي
الكذبة الرومنسيّة في العقل
لرجل الشارع الشهواني
وكذب السلطة
التي تحجب أبنيتها السماء
لا شيء يشبه الدولة
ولا أحد يوجد وحيدًا
لا يتيح الجوع خيارًا
للمواطن أو للشرطي
علينا أن نحب بعضنا أو نفنى.
تهافتت المدائح على كامو وكتابه ذو الشهرة الواسعة “مقالات نقديّة وغنائيّة” من ألبرت أينشتاين حول مواجهتنا الأشد ضد الظلم، ومن ناعومي شيهاب ناي حول تفضيل الحب على الخوف، ثم إعادة النظر حول أفكار كامو عن السعادة، والتعاسة، والسجون التي نضع أنفسنا فيها.
والسؤال الأهم عن الوجود، والثغرة بين الحقيقة والمعنى، وعن الرسالة الامتنان المؤثرة التي أرسلها كامو إلى معلم طفولته بعد وقت قصير من استلامه جائزة نوبل.