- مقدمة
يتوخى النحو الوظـيفي وصف اللغات الطبيعـية و تفسيرها بطريقة كافـية تداوليا و نفـسيا. نفهم من الكفاية التداولية مدى رصد الوصف اللغـوي لمعطى استعمال اللغات لمقاصد تواصلية في التفاعل الكلامي. و نقصد بالكفاية النفسية مـدى تلاؤم الوصف اللساني مع ما يعرف عن الإجراءات الذهنية المتضمنة في تأويل التعابير اللغوية و إنتاجها.
يمكن أن نختزل متطلبات الكفاية التداولية و النفـسية في وجوب اعتبار النحو الوظيفي مكونا في نموذج متكامل لمستعـملي اللغة الطبـيعية (م ل ط)، حيث يعـمل مع قوالب أخرى على جعلـنا ندرك قدرة مستعملي اللغة الطبيعية على التواصل فيما بينهم عبر التفاعل الكلامي.
لا يتكلم مستعـملو اللغة الطبيعية بعبارات أو جمل معـزولة، بل يؤالـفون فيما بينها، في إطار تمـديدات أطول و أعقد و هي ما يمكن أن ننعتها عمـوما ب ” الخطاب ” .إن الخـطاب هو أكثر (بكثير) من متوالية اعتباطية من الجمـل.
ينتج عن ذلك أنه و لو امتلكنا أفضل نـظرية للجملة، فإن هذه النظرية سيـنقصها الكثير، إذا أردنـا اعـتبارها مكونا في نظرية أشمل للـقدرة التواصلية لمستعملي اللغة الطبيعية. أضف إلى ذلك أنه ما دامت الجـمل، في بنـيتها الداخلية، تـتأثر بعوامل خطابية متنوعة، فإن نـظرية ” أفضل ” للجملة (المعزولة) هي ببساطة مستحيلة.
بناء على ذلك ينبغي لنظرية النحـو الوظيفي، إذا وافقـناها في ما تطلبت من أنماط الكفـايات، أن تدرس في نهاية المطاف النحو الوظيفي للخطاب . بعبارة أخرى، ينبغي أن تبين كيف تتآلف الجمل في تمـديدات متلاحمة لحديث أو حوار أو نص مكتوب. في الآن نفـسه، يبدو هـذا الأمـر غاية أسمى لنظرية النحو، و نحن لا نمـلك إلا القليل عما يمكن أن تكون عـليه نظرية الخطاب. لهذا سأقتصر في هذا الفصل عـلى تـقديم بعض الخطوط العريضة لبعـض العناصر الضرورية لتشكيل نحو وظيفي للخطاب.
18-1- القصد و المحتوى و التأويل و المعرفة:
في ن .ن. و 1 قدمت نموذجا للتفاعل الكلامي على الشكل التالي:
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المعلومة التداولية المعلومة التداولية
م ت م م ت س
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المتكلم يصوغ : السامع يبني:
القصد ــــ ـــ ــ يتوقع ــــ ـــــ ــــ ـx التأويل
xـــ ــ يعيد بناءبناء ـــ ـــ ــ
بيان 1- نموذج التفاعل الكلامي
تتمثل العناصر الهـامة فيما يلي : في أي شكل من أشكال التفـاعل الكلامي، يصوغ المتكلم قصدا تواصليا محددا، يرمز بعد ذلك جـزئيا في محتوى العبارة اللغوية. قد يكون الـترميز أكثر أو أقل وضوحا. تتداخل المعلومة التداولية للمتـكلم و مجموع معـارفه أو محتوى ذهـنه وقت التكلم في تحـديد درجة الوضوح. تتضمن هـذه المعـلومة التداولية في أحد أجـزائها الفرعية فرضية حول درجة اهتـمام المتكلم بالمعـلومة التداولية للسامع و تقديره للكيفية التي قد يؤول بها العبارة اللغوية.
أما مهمة المخاطب، من جهة أخرى، فهي محاولة إعادة بناء قصد المتكلم في تأويله النهائي للمحتوى. للقيام بذلك يستعـين السامع، من جهته، بمعـلومته الـتداولية التي هي الأخرى تضم فرضية بخـصوص المعلومة التداولـية للمتكلم باعتبارها جزءا فرعيا لها. تتفرع المعلومة التداولية إلى (أ) معلومة عامة (ب) معلـومة حالية (ج) معلومة سياقية .
إن هـذا النموذج باعتباره نموذجا عاما للتـفاعل الكلامي مناسب أيضا لإنتاج الخـطاب و تأويله. ما يهم أكثر بهذا الخصوص هو أن أي خطاب يتم إنتاجه من- و إسقاطه داخل حدود كل من المعـلومة التداولـية للمتكلم و السامع على الـتوالي، و بالتالي فـإن الخطاب غير قابل للتأويل انطلاقا من محتواه الضمني وحده. رغم أن بعض أنماط الخـطاب تابعة بشكل أقـل للمعـرفة خارج- خطابية بالنظر إلى أنماط أخرى، فإن أي خطاب يرتبط في تناميه بالمعلومة السياقية و بحجم المعرفة العامة التي يملكها المتكلم و السامع ويشتركان في جزء منها في إطار المعرفة المشتركة أو المتقاسمة.
بالنظر إلى أهمية المعلومة التداولية في إنتاج الخطاب و تأويله، فإنه من المفـيد منذ الـبداية أن ندقـق قليلا في مخـتلف أنماط المعرفة المتضمنة في المعلومة التداولية. يمكن أن نميز في إطار المعلومة التداولية على الأقل الأنماط التالية:
1 – المعرفة الطويلة الأمد: المعرفة التي يكون المتكلم و السامع متوفرين عليها قبـل الحـدث التواصلي.
1-1- لغوية (معرفة متعلقة باللغة).
1 -1 -1- معـجمية: (معرفـة المحمولات المعجمية للغـات و خصائصها الصرف- تركيبية و تعالقاتها المتبادلة).
1-1 -2 – نحـوية: (معـرفة القـواعـد و المبادئ المحـددة للبنـيات النحوية التحتية للغة والقواعد و المبادئ التي عبرها يمكن التعبير عن هذه البنيات التحـتية في العبارات اللغوية).
1-1- 3- تداولية:(معرفة القواعد و المبادئ (المسلمات و الاصطلاحات) التي تحكم الاستعمال الصحيح للعبارات اللغوية في التفاعل الكلامي).
1 -2- غير- لغوية: (معرفة العالم و باقي العوالم الممكنة).
1-2-1- حالية:(معرفة الوحدات كالأشخاص و الأشياء و الأمكنة الخ).
1-2-2- عرضية: ( معرفة الوقائع (أعمال، أحداث، أوضاع، حالات الخ) التي دمجت/ أو تدمج فيها الوحدات).
1-2-3- عامة: (معرفة القواعد العامة و المبـادئ (الـقوانين، الميول) المتحكمة في العالم و باقي العوالم الممكنة).
2- معرفة قصيرة الأمد (معرفة مشتقة من الحدث التواصلي و الوضع الذي تقع فيه).
2-1- حـالية: (مـعرفة مشتـقة مـما يمـكن تصـوره في – و الاســتدلال عـليه من الوضع النواصلي، بما في ذلك الوسائط الأساسية لـ “الوضع الإشاري” للحدث التواصلي).
2-2 – نصية: (المعرفة المشتـقة من المعلومة الكلامية المنقولة في الحـدث التواصلي).
2- 2 -1- إحالية: (المعلومة الخاصة بالـوحدات، كما يشار إليها في النص ” الوحدات الخطابية/ البؤر”).
2- 2- 2- عرضية: ( معرفة تهـم الوقائع مثل هذه الوحدات تدمج، كما وصفت في النص).
2- 2 -3- عامة: (معرفة القـواعد العامة و المبادئ، كما هو مشار إليها في النص).
يمكن أن يقوم أي نمط من هذه الأنماط المعرفية بدور هام في إنتاج الخطاب و تأويله. تتفاعل العديد من هذه الأنماط دائما في تحديد التأويل الصحيح للخطاب أو الصياغة الصحيحة لما يقوله المتكلم.
18-2- نماذج الخطاب الدينامية
الخـطاب ظاهـرة دينامية تتطور عبر الوقت. إنه يـطور و يفعل باستمرار و بطرق مختلفة بقدر ما يكشف عن المعلومة التداولية للمتكلم و السامع . في المقام الأول ، يفعل المتكلم و السامع بعض أجزاء معرفتهما الطويلة و يسترجعانها في حدود كونها تناسب إنتاج و تأويل هذا الخطاب الخاص. ثانيا يبنيان نموذجا ذهنيا قصيرا لما ينقل في الخطاب ذاته (نموذج خطابي). ثالثا يمكن للمشاركين التواصليين أن يحينوا معرفتهم الطويـلة الأمد انطلاقا من المعـلومة المـؤولة المستقاة من الخطاب. و ذلك إذا قرروا(بشكل واع أو غير واع ) أنه من المهم تخزين المعلومة المحصل قصد استعمالها لاحقا.
إن النموذج الذي يبـنيه المـشاركون التواصـليون نموذج ذهنـي و جزئي و دينامي.إنه جزئي بمعنى أنه لا يتضمن أبدا (و لا يمكن أن يتضمن) كل ما تنبغي معرفـته بخصوص العـوالم الممكنة، إنه دينامي بمعنى أنه يحـين باستمرار عند كل إجراء خطابي. و هذا ما يفسر إمكان ارتباط الأجزاء اللاحـقة للخطاب بالمعلومة السياقية التي سلف تقديمها في السياق السابق.
غير أن السـياق اللاحـق يـقوم أيضا بدور أساسي: إن أي خـطوة في الخطاب تسـقط نمطـيا البـنية داخل الخـطاب اللاحق،إن أي نقلة تخلق نموذج ترقب للخطوات اللاحقة التي ستأتي. يمكن للمتكلم أن يشير بوضوح إلى هذه الإسقاطات المـتدرجة، كـما في ( أحب أن أقص عليك ما حدث لي هذا الصباح، لي ثلاثة تعليقات على مقترحك)، و إذا لم يكن الأمر كذلك فإن المعرفة التداولـية الطويـلة الأمد للمخاطب تتضمن معرفـة الاستمرارات المحتملة لمختلف أنماط الخطاب.من هـنا نستنتج أيضا أن بعض التأويلات المؤقـتة التي سبق أن قـيم بها في مرحلة معينة من تطور الخطاب قد توضح، بل قد تعدل بواسطة المعلومة المعطاة في التطور اللاحق للخطاب.
يشكل نموذج الخطاب إذن، مذكرة لما أنجزه الخطاب في السابق و ما ينجزه في الحاضر و ما قد يلي ذلك، إنه يتيح للمتكلم و السامع بلوغ تأويل نهائي متكامل للخطاب عند الانتهاء منه، و قد قيم بعـدة محاولات لفـهم هذه الأشكال من تمثيل الخطاب الدينامي .
18- 3 – ثلاثة منظورات في نحو وظيفي للخطاب:
يمكن مقاربة المشاكل التي يطرحها إنـتاج و تنظيم و تأويل الخطاب رغم صعوبتها، من زوايا مختـلفة. سأقـارب في هذا الفـصل هذه المشاكـل من ثلاثة منظورات متمايزة و متكاملة في الآن ذاته.
يتبنى المنظور الأول مقاربة بنائية للمشكل، و يمكن اختزاله في السؤال التالي:
س1 حينما نبدأ حدثا خطابيا أو ننهـيه، ما هي القـرارات التي يتخذها المتكلم بخصوص امتدادات الجـمل كلها، و ليس فقط [بخصوص] الجمل الـفردية المؤسسة للخطاب؟
مثـلا، حينما يـقرر المتكلم -ة الحـديث عن حـياته -ها ، فهـذا الـقرار سيؤثر شكـلا و مضمونا و بشكل كبير على الخطاب ككل، و ليس فقط على جملة واحدة. يستحيل على نحو الجملة تـقديم أي مقاربة عن البنية الكبرى ( فان ديك 1980 ) التي تنطلق من هذا القرار .
يهم المنظور الثاني التنظيم العام للخطاب بوصفه نتاجا منتها .سأصوغ ذلك في التساؤل التالي:
س2 حينما نعـتبر الخطاب إنتاجا منتهيا، ما هي مختلف النماذج البنيوية التي يمكن تمييزها في إطاره ؟ ما هي مخـتلف مستويات تنظيم الخطاب؟ ما هي الوحدات التي يمكن إقامتها في مختلف المستويات هاته و كيف تتآلف هذه الوحدات المختلفة داخل مجموعات الوحدات ككل ؟
يهتم المنظور الثالث بمفهوم التلاحم الخطابي و يمكن إجماله في السؤال التالي:
س3 ما هي العوامل التي تسهم في درجة التلاحم الخطابي محليا، حيث نهتم بمختلف الطرق و الوسـائل التي تشير إلى الاستمرارية العالية عـوض التقطع بين الجمل المتتالية و بشكل أعم، في اتجاه يمكن من القول إن كل مراحل الخطاب هي متلاحمة أو غير متلاحمة ؟
سنناقش هذه الأسئلة الثلاثة في 18-4 و 18-5 و 18-6 على التوالي.
18- 4 – القرارات الخطابية الشاملة: حيز الظاهرة في الخطاب:
18- 4- 0- مقدمة
لبناء الخطاب، يتخذ المتكلم عدة قرارات لا تؤثر في جملة واحدة لاحقة [فقط]، بل في مجموعات من الجمل على تنوع طولها. تأخذ هذه القرارات الخـطاب أو جزءا مـنه في حيزها. من هـذا المنظور، يمكن تشبيه الخطاب في أوجه مختلفة بقطعة موسيقية.
فـي بداية الـقـطعة الموسيقـية قـد يوجـد، قـبل كـل شيء، عـنــوان يكشـف شيئا، عن نمــط أو نوع القـطعة ،مثلا
فهذا يكشف أن القطعة تمثل أو تتأسس على نمط واحد من موسيقى الفلامنكو ، بالنسبة Alegriasإذا كان العنوان هو
(” الأفراح ) يكشف أيضا عن نبر القطعة. ثانيا هناك مفتاح القطعة ،Alegrias للذين يعرفون الإسبانية ، فإن العنوان
إذا كان هذا مفتاح مثلا، مفتاحا كبيرا فإن هذا ستشير إليه مخـتلف المنحـنيات التي ترمـز إلى مختلف التعـديلات المعـيار للنغمات المناسبة التي تكون في حيزها. هذا الحيز- و هذه مسـألة أساسية- يـمتد عبر القطعة كلها و يظل قائما في حدود عدم تقديم أي معلومة تتعـارض مع ذلك.(حينما تصبـح التعديلات المحلية مطلوبة داخل القطعة، فإن هذه التعـديلات ” العرضية ” تؤثر فقط في الخط الذي ترد داخله : هـناك تعديلات قصيرة تـؤدي إلى المفتاح الشامل بمجرد انتهاء حيزها المحدد)،
بالإضافة إلى ذلك هناك معـلومات حـول توقـيت الخـط و بنـيته الداخلية مثلا 3-4 ستشير إلى أن هناك ثلاثة أرباع نوتة للخـط. ما هـو أساسي هـو أن هذه المعـلومة أيضا، تعـد مناسبة للقطعة ككل طالما أنه لم تـقدم أي معلومة محلية مناقضة. ثم إن القطعة تقسم دائما إلى أجزاء فرعية متعددة بعـضها يمكن تحديده باعتباره تكرارات جزئية أو كـلية لبعضها البعض. يمكن للقطعة ككل أو لأحد أجزائها أن تتضمن علامات عن الإيقاع و العلو و الإنجاز، و ذلك بواسطة كلمات ” قوي ” “عال “، أو “عاجل “حركي”، “حيوي” التي تمتد عبر كل الجزء الفرعي الذي هو في حيزها.
قد يكشف العنوان (” Sonnet””) أو إدراج ( هـل تعرف هذا ؟ ) في الخطاب بالطريقة نفسها الكثير عن نوع الخـطاب
الذي يليه و يثبت عدة أوضاع للخطاب ككل، بدءا من الأساسي منها إلى الثانوي. يقسم الخطاب دائما مثله في ذلك مثل القطعة الموسيقية إلى أجزاء فرعية (حلقات و أجزاء و فـقرات) قد تتوفر على أوضاعها المحلية الخاصة الممـتدة فقـط عبر الحيز المخصص لها، مؤدية إلـى أوضاع عليا عـند نهاية الحيز.أخيرا قد تكشف عدة عـناصر في الخطاب عن النبر المقصود تبليغها به.
نـقصد بالقرارات الخـطابية الشاملة الأوضاع المـناسبة للخطاب ككل أو لأحد فروعه، و ليس فقط لصياغة جملة معزولة.لنتأمل بعضا من هذه القرارات بطريقة تنازلية.
18- 4 -1- إدراج حدث خطابي
في المستوى الأعلى نجد القرار الأولي: الدخول أو عدم الدخول في حدث خطابي ما. يستتبع اتخاذ القرار مجموعة من النتائج الناجمة عن هذه الخطوة الأولى .
يدرج كل خطاب في حدث خطابي ( أو حدث كلامي، بالمعنى الضيق ، هيمز 1972 ) يشكل إطارا لإنجاز المحتوى الخطابي ( أو الخطاب بمعناه الأضيق ). عبر الخطاب كله نظهر أقواسا داخل الحدث الخـطابي ، و ينتمي عدد من الأنشطة التي نقوم بها طوال مدة إنجاز محتوى الخطاب الحالي إلى الحدث لا إلى طبقة المحتوى.
إن الحدث الخطابي حدث اجتماعي و تـفاعلي تحدده المواضعات و المؤسـسات التي تضبط على الأقل الوسائط التالية (انظر هيمز1972):
(أ) المشاركون المتكلم(ون ) و السامع(ون) و علاقاتهم المتبادلة.
(ب) حقوق و واجبات المشاركين، سواء الخاصة بالتفاعل (من يمكنه التكلم و متى و أين؟) أو الخاصة بالمحتوى (من يمكنه قول ماذا و متى و أين).
(ج) زمن و مكان و وضع التكلم.
يتضح إذن، أن الدخول في حدث خطابي لا يمكن أن يتم عادة بإنتاج جملة مفردة فقط.
18- 4- 2- انتقاء نوع الخطاب
حينما نسـتعمل حد ” الخطاب ” بمعناه الـعام الذي سبق إدراجه، تتضح مباشرة ضرورة إقامة تمييز بين عدة أنماط خطابية. يمكن تصنيف هذه الأنماط أو الأنواع عبر جملة من الوسائط أهمها:
(أ) الواسطة: خطاب منطوق – خطاب مكتوب.
(ب) المشاركة: حوار أحادي أو حوار ثنائي أو حوار جماعي.
(ج) علاقة المشارك: مباشرة ( وجها لوجه ) أو نصف – مباشرة ( أي بواسطة التلفون و قراءة نص مكتوب) أو غير مباشرة (كما هو الحال في كتابة أو قراءة نص مكتوب).
(د) الشكلية : درجة مأسسة الحدث الخطابي و درجة شكلية أسلوب التفاعل.
(هـ) الهـدف التـواصلي مثلا تزجية الوقت أو [هدف ] حكـائي أو حـجاجي ، أو ترفيهي أو توجيهي أو جمالي.
نمثل للأنواع الدالة على هـذه الحدود المستعملة هنا بالحـوار و المقابلة و القـراءة و المكالمة الهاتفية و القصيدة و اللقاء و الرسالة و القصة الخيالية.
إن انتقاء النوع له متطلبات هامة تخص الطريقة التي يمكن أن يبنى بها لغويا، سواء بشكل شامل (في مستوى البنية الكبرى) أو محلي، في مستوى البنية الصغرى للجمل الفردية، بل أيضا في مكونات المستوى الأدنى.
18-4-3-انتقاء أسلوب الخطاب
يفرض انتقاء نوع معـين بعـض الحدود على الأسـلوب الذي يمكن استعماله. مثلا لن يشرع المتكلم في القراءة عادة ب :
Well.boys and girls let s have some fun
مرح بعض ملك دع بنات و أولاد حسنا
حسنا يا أولاد و يا بنات لنمرح قليلا!
لكن في إطار الحدود التي يفـرضها النوع، هناك دائما اختيارات تهم الأسلوب الذي تنقل به. بهذا المعنى يمكن تحديد ” الأسلوب ” بكونه متوالية من الانتقاءات، عبر الخـطاب، لوسائل تعبيرية ذات قيم متجانسة داخل الأبعاد الثنائية، من نحو شـكلية- لا شـكلية، تأدب – تعـود، اختصار- استطراد. تـحدد مـثل هـذه القرارات أوضاع الخطاب كله، أو على الأقل جزءا جوهريا منه (قد يتغـير الأسـلوب أثناء الخـطاب، لكن أيضا في هـذه الحالة، لا تحـدد تـغيرات الأسلوب بواسطة الجملة و إنما [تحدد ] بواسطة المرحلة الخطابية أو الحلقة.
18- 4- 4 – نمط عالم الخطاب
يبني المتكلم و السامع عبر الخطاب نموذجا خطابيا، عالما ذهـنيا يتم انطلاقا منه تأويل الجـمل المتتالية. إن العالم الذهني لا يطابق أبـدا الواقع الموضوعي : رغم أن الخطاب يزعـم أنه يـقدم صورة موضوعية عن العـالم الخارجي ، فإن ذلك لا يتـم بالضرورة إلا انطلاقا من تصور المتكلم لهذا العالم الخارجي، لكن هناك عـدة أنماط خطابية لا تزعم أبدا أنها تصف العالم الخارجي. إنها تتشكل من خلق عالم لا يمكن أن يكون له إلا وضع متخيل أو افتراضي أو ممكن أو حتى متناقض. يرتبط نمط العالم الذي تم خلقه في الخطاب بالنوع المختار.
إنه يتحدد في جـزء منه بواسطة الطريقة التي ينمي بها المتكلم هذا النوع. إن انتقاء خاصية عالم الـخطاب الذي تم خلقه يهم الخطاب كله أو مرحلة أو حلقة منه.إ نه يـؤثر بشكل أساسي في الطرق التي نتحدث بها عن الأشياء داخل هذا العالم.
مثلا ، إذا بدأ المتـكلم ب: اللـيلة الماضية حلمت حلما مزعجا …، فإن السـامع سيعرف أن عالم الحلم خلق داخل حيز يترقب أن تحدث فيه أشياء كثيرة، سواء من حيث المضمون أو التعبير اللفظي لا يترقب حدوثها في نقل معطى أو في الواقع.
مثال ثاني، لاحظ إدراج المتكلم لموضوع فرضي، كما في :الآن إذا كان س كذا يمكن أن نتـوقع ي…لكن ي ليس كذا، إذن يمكن أن نستـنتج أن س ليس كذا.إن الشرط المضاد للمعطى في البداية يفتح قوسا يخلق له عالما افتراضيا يرتبط وجوده بوجود الموضوع الافتراضي.
أيضا يؤثر نمط العالم الذي تم خلقه في محتوى ما سيندرج في حيزه و في صياغته.
مثال ثالث،ل احظ إدراج محيلات الخطاب (كارتن1976). حينما تدرج وحدة داخل الخطاب في صيغة محددة أو خاصة، فإنها تتلقى وضـعا وجوديا داخل عالم الخطاب و يمكن الإحالةعليها أيضا بواسطة وسائل عائدية معرفة.
1- John wants to buy Peter s Volkswagen / a Volkswagen (specific). Although second hand it is still in good condition. John will get the car next week.
– أراد جان أن يشتري فولسفاكن بيتر/ فولسفاكن (مخصص). رغم أنها تباع لثاني مرة، فهي ما زالت جيدة. سيحصل جان على السيارة الأسبوع المقبل.
من جهة أخرى، إذا أدرجت الوحدة في صيغة غير مخصصة، فلن تتوفر، مطلقا، على وضع وجودي.
2- John wants to buy a Volkswagen) non specific).* It is in good condition *the car will be available next week.
– أراد جان أن يشتري فولسفاكن (غير مخصص).*إنها في وضع جيد* السيارة ستكون متاحة الأسبوع المقبل.
لكن، وهذا أمر أساسي هنا، بقدر ما نبقى في العالم الذي حددته رغبات جان، يمكن أن نحيل على الوحدة غير- المخصصة كما لو أنها تتوفر على وضع وجودي داخل هذا العالم.
-3John wants to buy a Volkswagen) non specific( .It should be in good condition. The car should be available next week.
أراد جان أن يشتري فولسفاكن (غير مخصصة). يجب أن تكون جيدة. يجب أن تكون السيارة متاحة الأسبوع المقبل.
إذن يمكن القـول: تقيم الوحـدة المدرجة في صيغة غير- مخصص محيـلا خطابيا بقدر بـقائنا داخل أقواس العالم الذي أدرجت داخله. يبين المـثال (3) أن طبيـعة العالم المتخيلة يعاد تأكيدها في كل جملة موالية (…Should be …)
و لذلك تؤثر في صياغة الجمل داخل حيزها. بعد ذلك يخـلق العالم المتخيل تـقويسا يمكن من إقامة علاقات إحالية غير متاحة خارج الأقواس.
18- 4 – 5- إنجاز الخطاب
تنفرد كل جملة بقـوة إنجازية معـينة (انظر الفصل11حول إنجاز الجملةّ*).لكن في الواقع، لا تتبث القيمة الإنجازية للخطاب بشكل اعتـباطي حسب الجملة. مثلا إذا قرر المتـكلم أن يحكي قصة خيالية، فإن هذا النوع سيتضمن توزيعا حكائيا، و بالتالي سيغيب الإنجاز الخبري عن الخطاب كله. يمكن تعليق غياب الإنجاز الخبري مؤقتا حينما ينتقـل المركز الإشاري داخل المحكي إلى أحد المشاركين في القـصة الخيالية، حيث الأفعال الكلامية تنقل في صيغة الكلام المباشر. لكن حينما نغـلق الـتقويس ، فإن الإنجاز سـيؤول إلى غـياب الخـبر. رغم أنه يمكن تمـثيل القيـمة الإنجازية في مستـوى الجملة كما في (4 أ)، فإن هذا الإنجاز الخـطابي يأخـذ في الواقع كل (فقرة من) الخطاب في حيزه ، كما يتضح من (4 ب) :
(4) أ – إنج (قضية).
ب- إنج (خطاب- حلقة).
و هكذا يمكن عد إنجاز الخطاب مـفتاحا يثبت بشكـل قبلي الإنجاز الجملي لكل السلاسـل الجملية.
تبدو طبيعة تقـويس التمييزات الإنجازية أيضا في بعض الـظواهر مرتبطة بالإدماج . .يهـم الإدماج الظاهرة التي يدمج فيها الحد المتضمن لبنية حملية أو جملية أو قضوية في موقع موضوع أو لاحق بنية جملية أعلى ، ننظر دائما إلى البنيات المدمجة انطلاقا من الجمل المدمجة (انظر الفصل 5 – 7)، لكن الإدمـاج يرد أيضا في المستوى الخطابي. هـذا ما يمكن معاينته من خلال المعطيات التالية:
(أ) الكلام المباشر:
في نـقل الكلام المباشر يمثل للخطاب كـله، و ليس جملة واحدة فقط، باعتباره مدمجا. مثلا حينما نقرأ:
(5) بعد اللقاء قال الوزير:” س “.
لا نتوقع دائما أن يتضمن س فقط جملة واحدة. يمكن أن ينقل س كلام الوزير كله. بالتالي يمكن أن يدمج الخطاب في نقل الكلام المباشر.
(ب) الكلام غير المباشر
أيضا، في نقل الكلام غير المباشر، يمكن إدماج مجموعة من الجمل كلها و ليس الجمل المفردة. في مثل هذه الحالة، إما أن تتسق الجمل المنقولة اللاحقة مع الجمل غير المباشرة السابقة، و إما أن تأخـذ خصائص صـور الكلام غير المباشر الـحر. قارن
(6) a –Peter :״ I don t consider this a sound proposal. The budget deficit is not going
to diminish through this expenditure Therefore, I believe we should make do
with the old machines.״
بيتر: ״لا أعتـبر هذا اقـتراحا جيدا. العجز المالي لن يتقلص بهذا الإنفاق. لهذا أعتقـد بأن علينا أن نتدبر أمرنا بالآلات القديمة
b- Peter said that ] he didn t consider this a sound proposal, that the budget deficit
was not going to diminish through this expenditure and that, consequently, one
should make do with the old machines[.
ب- قال بيتر إنه [ لا يعتبر هذا اقتراحا جيدا و إن العجز المالي لن يتقلص بهذا الإنفاق و إنه نتيجة لذلك ينبغي تدبر الأمر بالآلات القديمة.]
c –Peter said that ] he didn t consider it a sound proposal, the budget deficit was not
going to diminish through this expenditure . Therefore one should make do with the old machines
ج- قال بيتر إنه [ لا يعتبر هذا اقـتراحا جيدا. العجز المالي لن يتقـلص بهذا الإنفاق. لهـذا ينبغي تدبر الأمر بالآلات القديمة.]
يمكن نقل ما قاله بيتر في (6 أ) بصورة غير مباشرة في ( 6 ب)، حيث تم تجـميع عدة جمل بشكـل يمكن من جعـلها جمـلة واحدة مركبـة (قابلة للإدماج). لكن في (6 ج) تحولت الجمـلة الأولى وحدها إلى جمـلة تابعة تماما، أما الجـمل الأخرى المسـتقـلة فـ[بقيت] لها خـصائص(مـثلا صيغة المضي) تكشف عن أنها ما زالت تنتمي إلى الكلام الذي قاله بيتر، لكن أيضا فـي هـذه الحـالة علينا أن نفسر لماذا تم إدماج الجزء التقويسي كله. يتضمن هذا الجزء عدة جمل. إذن ، يمكن إدماج الخطاب كله في الكلام غير المباشر أيضا.
يمكن أن نبين الأمر نفسه بواسطة القواعد الخاصة بالكلام غير المباشر( oratio oblica ) في اللاتينية.
قارن ما يلي
7 a- Ariovistus respondit : Prius in Galliam, veni quam populus Romanus ; Quid tibi vis ? Cur in meas possessiones venis?
7 أ- أجاب أريوفيستوس :” جئت إلى كول قبل الشعب الروماني .ماذا تريد؟ لماذا تقتحم ممتلكاتي؟”
b- Ariovistus respondit [se prius in Galliam, venisse quam populus Romanus ; Quid sibi vellet ? Cur in suas possessiones veniret ? ]
ب- أجاب أريوفيستوس [إنه أتى إلى كول قبل الشعب الروماني .ماذا يريد ؟ لماذا يقتحم ممتلكاته؟
حافظ الموازي غير المباشر في (7ب) للكلام المبأر المنقول في (7أ)، و الجملتان الأخـيرتان من كلام أريوفيسـتوس على وضع مستقل، لكن في الآن نفـسه تحولت الأفعال في هذه الجمل من الزمن الحاضر إلى صيغة المضي و من صيغة الإخبار إلى صيغة التذييت. هذه الصيغة ضرورية للاستفهام التابع في اللاتينية. نرى أيضا أنه من الممكن بالنسبة لمجموعة من الجمل أن تدمج في محمول فعل كلامي أعلى، و بالتالي تكون الوحدة المدمجة جزءا من خطاب ما عوض أن تكون جملة مفردة.
يمكن أن نربط دمج وحدات الخطاب هذه بمفهوم “خلق العالم “، الذي ناقشناه فيما سبق: حينما ننقل ما قاله شخص آخر، نفتح عالما فرعيا تحمل فيه مسئولية المحتوى إلى ذاك الشخص، عوض متكلم الخطاب ككل. أيضا نرى أن البدء في عالم النقل هذا يفتح تقويسا له انعكاسات على صورة ما سيكون بداخله و محتواه.
18- 4 – 6- القرارات المؤقتة
حينما نتأمل امتداد الخطاب نجد غالبا امتدادات- فرعية لها التخصيصات الزمنية نفسها، كما في :
(8) مضي (س).مضي (ي):مضي (ز)…..
يتضح أن مثـل هذه المتواليات لا ترتبط بالقرارات المتبناة بخصوص الجملة، و إنما تكون تابعة للقرار المتعلق بجزء الجملة الذي ينبغي أن نربط به بعض متواليات الأحداث الماضية. لذا يمكن، في مستوى الخطاب، أن نمثل (8) كالتالي:
(9) مضي ((س).(ي).(ز)…)
حـيث تورث تخصـيصات عامل الزمن في الجـمل المتتالية من القـيمة الزمنية التي سـبق تتبيثها من أجل الوحـدة الخطابية كلها، بهذه الطريقة يمكننا الحديث عن قرارات الزمن في مستوى الخطاب التي تتجاوز تخصيصات الزمن في الجمل المفردة.
18- 4-7- إدراج بؤر الخطاب و المحافظة عليها
كـما سنرى في 18- 6- 3 ،لا تدرج البـؤر الجديدة، لتبقـى في الجـمل المـفردة فحسب، و إنـما لتظهر مناسبة و صحـيحة باعتبارها بؤرا معطاة عبر الوحـدة الخطابية كلها، بل أيضا عبر الخطاب كله. حينما يبدأ الخطاب ب:
(10) ذات يوم، كان هناك ذكر بط بشع.
نعرف أنه ليس فقـط هذه الجملة أو التي ستليها هي التي سـتتحدث عن ذكر البط، و إنما كـل القصة الخـيالية التالية. ستكون هناك استمرارية بؤرية في الوحدة الخطابية ترتفع أو تنخـفض بحسب أهمـية الوحـدة المعنية داخل وحدة الخطاب.(انظر كيفن 1983) أي سـتتكرر الإحـالة إلى الوحـدة بواسطة أدوات إحالية عبر امتداد الجمل كلها. بهذه الطريقة تتشكل السلاسل العائدية، و هذا يمتد عبر الوحدات الخطابية كلها و يسـهم كثـيرا في تلاحم هذه الوحدات. ناقشنا بعضا مـن الاستمرارية البؤرية في الفصل 10.*
18- 5 – البنيات الشاملة في الخطاب
18-5-1- بنية الخطاب السلمية
18- 5 – 1 – 0. رأينا في 18 – 4 أن المتكلم يتخذ، في تشكيل الخطاب، عدة قرارات تفتح تقويسـا ندمج فيها أشياء و نقصي أخرى، ما تعلق بالشكل أو ما تعلق بالمعـنى. إن الأقواس العـليا هي تلك التي تتضـمن الخطاب كله :إن إدراج حدث خطابي و اختيار نوع و تحـديد أسلوب يضع الأقواس دائما حول الخـطاب ككل. يمكن أن نخلق داخل هذه الأقواس الخطابية ككل وحدات خطابية فـرعية لها دورة حياة صغـيرة، و تؤدي إلى أوضاع أعـلى بمجرد إغلاقها. يتضح أنه حينما نعـتبر الخطاب منتجا منتـهيا، فهـذا يـؤدي إلى بنينات سلمـية على الشكل التالي:
(11) أدخل1
أدخل 1.1
أدخل 1. 1 .1
اترك 1. 1 .1
أدخل 1. 1 .2
اترك 1 .1 . 2
اترك1.1
أدخل1. 2
اترك1. 2
أدخل1. 3
اترك 1. 3
اترك1
يمكن أن نستنتج أن الخطاب يتوفر على بنية منضدة سلميا. طبعا ينبغي لهذه البنية المنضدة أن تنظم في رتبة خطية تظهر، فعليا، الخطاب. لكن في متوالية الجمل الملموسة يقام فرق مهم يحدد انتماء الـجملة إلى الوحدة 1 أو الوحدة 1.1 أو الوحدة 1.1.1. كيف سيعمل م و س على الحـفاظ على أثر لهذه المستويات؟ يظهر أن هناك ثلاثة عـوامل ذات أهـمية قصوى في مراقبة البنية السلمية للخطاب عبر المتوالية الخطية للجمل المؤلفة لها.
(أ) ظاهرة التحول: يمكن ل م أن يشير بوسائل مختلفة إلى أن تحولا سيتم من مرحلة معينة في الخـطاب إلى مرحلة أخرى. يمكن لهذه الوسائل أن تشير أيضا إلى فعل إدراج وحدة خطابية خاصة أو تركها.
(ب) مظاهر داخل-الأقـواس. كما رأينا فـي عـدة أمثـلة في 18- 4 يسمح، من حيث الشـكل و المضمون، ببعض الأشياء داخل أقواس الوحدة الخطابية، و التي لا يسمح بها خارجها. بقدر ما تكون هذه المظاهر حاضرة في مجرى الخطاب بقـدر ما يعرف المتـكلم و السامع أنهما ما زالا داخل هذه الأقواس.
(ج) التوضيح الميتا تواصلي. يمكن أن يحيل المشاركون بوضوح على نوع البنية السلمية التي تنشأ أو نشأت في الخطاب. يمكن أن يسقط المتكلم البنية داخل الخطاب بمساهـمات ميتا تواصلية مثل: لي سـؤالان و تعـليق واحد على ورقتك، أو يمكن أن أفكر في ثلاثة أسباب جعلتك لا تتمكن من الذهاب إلى ذاك الحفل.
يمكن للسامع من ناحيته أن يتساءل عـن بعض مظاهـر تنظيم الخطاب في مثـل هذه الإسهامات الميتا تواصلية: هل حدث هـذا في المـنزل الصيفي ؟ ما هو السبب الثالث؟ الخ.
يمكن مقارنة البـنية السلمية للخطاب ككل من أوجه عدة ببنية الجملة، يمـكن أن نميز داخل بنية الجملة بين نوعين من التعقيد. أولا نفترض أن بنية الجملة ككل تتألف من مخطط منظم سلميا تدرج فيه تنضـيدات المستوى الأعلى و تأخذ، تبعا لذلك، تنضيدات المستوى الثـاني في حيزها.
ثانيا يمكن أن توجد عـدة أشكال من التكرار داخل الجملة. نتحدث عن التكرار، حينما نبدأ، داخل جملة من نمط س بنية (مدمجة) جديدة من نمط س. يمكن أن نبين أن هذين النمطين من التعـقيد مناسـبان لمسـتوى الخـطاب. يمكن ، في هـذا المســتوى أيضا، أن نميز مختلـف تنضيـدات التنظيم المتـمايزة وظيفـيا، بحيث تأخـذ التنضيدات العـليا التنضيدات الدنـيا في حيزها. ثانيا نجد بعـض أشكال التكرار في مستوى الخطاب. سننظر إلى هذين الـنوعين من التعقيد كل على حدة.
18- 5-1- 1 – التنضيد الخطابي: يمكن بسهولة توضيح فكرة التنضيد الخطابي باللجـوء إلى تحلـيل مقـابلات التشغـيل التي تقدمها كمطر (1987، 1990 ). تحلل كمطر مقـابلات التشغـيل بواسطة بنية ” علب داخل علب” ذات الشكل العـام التالي:
12) ……………. طقوس الافتتاح
……… إجراء
…. حالة معرفية
[1] [2] [3] [4] تبادل المعلومة
…. حالة معرفية
………. إجراء
……………. طقوس التوديع
تهـم البنية الخارجية [1] نقلات الفتح و الإغلاق داخل و خارج الحدث الخطابي ككل. ينظر [إلى الحدث الاجتماعي] بوصفه مناسبة اجتماعـية. في هـذا الإطار، توجد في التنضـيد[2] خطوات إجرائية ضرورية لتهيئ أرضية لمقابلة التشغيل و ما يتعلق بها باعتبارها كذلك.
في هذا الإطار، نجـد في التنضـيد[3] موازنة للمعـلومة التداولية للمشـاركين الخاصة بمحـتوى مـقابلة التشغـيل : في البداية السؤال هو : هل الجانبان معا يعرفان ما ينبغي معرفته لإجراء المقابلة بشكل صحيح؟ّ ” في الختام السؤال هو : هل لدى أي واحد منا ما يقـوله أو لديه استـفـسار قبـل أن ننهي المقـابلة ؟ يتعـلق التنـضيد الأعمق [4] بموضوع المقابلة الذي تم تناوله. طبعا يمكن ل [4] بدوره أن يتضمن حلقات مختلفة تدرس فيها بؤر خطابية و بؤر فرعية مختلفة.
ترى كمطر في هذا النمط من البنـية نموذجـا دوريا في عـدة أنـواع من مقابلات التشغـيل و ترى بالإضافة إلى ذلك ،بأن هذه البنية ليست مجرد منتـوج الملاحظ ، و إنما تعكس باستمرار السلوك الفعلي للمشاركين. كل نـقلة توجه المشاركين نحو المرحلة الخاصة التي يصـلون إليها، و بالتالي تسهـم في إنشاء بنية الحـدث الخـطابي و المحافـظة عليها (كمطر 1987 : 25). تكتسي النقلات التي تسهم في الانتقال من مرحلة إلى أخرى أهمية خاصة في بنينة الحدث الخطابي.
مثلما ميزنا مختلف التنضيدات الوظيفية داخل بنية الجملة، يمكن أيضا أن نميز مختلف التنضيدات في الوحدات الخـطابية ذات المسـتوى الأعـلى. يمكن أن نقـيم عـدة أنماط من التمييزات تهم تنضـيد الخطاب و قد أقيمت [بالفعل] . سأقيم هنا التمييزات التالية:
(13) 0. الحدث الخطابي
1. التنضيد التشاركي
1.1 .تـفاعلي: يهـم كل مظـاهر الخطاب المرتبـطة بالتـفاعل بين المتكلم و السامع.
1.2. موقـفي: يـهم كل مـظاهر الخـطاب المرتبطة بالمـوقف (الانفـعالي أو النقدي) أو تقويم المتكلم أو السامع للخطاب.
2. التنضيد التمثيلي
2. 1.تنظيمي: يهم كـل مظاهـر الخـطاب المرتبطة بالطريـقة التي نظم بها المحتوى.
2. 2. مضموني: يهـم كل عـناصر الخـطاب التي تنـقل المحتوى الفعلي أي المعطيات و الوقـائع المتضمنة في الخطاب، بما في ذلك المشاركيـن في هذه المعطيات و الوقائع.
لنوضح هـذه التنـضيدات المختلفة و التنضـيدات- الفرعـية بالمثال التالي. لنفرض أن جاري ألحق ضررا بسيارتي و لم يخبرني بذلك و أردت اختباره. إذن المهمة الأولى التي سأقـوم بها هي خلـق الشروط التـفاعلية المطلوبة لبلوغ الهدف التواصلي. مثلا يجب أن أخلق وضعا تواصليا أثير فيه انـتباه جاري باعتباره مخاطـبا. حينما أتبـث وسائـط التـفاعل، المشكل الـتالي الذي ينبغي حله يهـم “النبرة” الانفعالية التي ينبغي اختيارها لهذه المناسبة: هل سأوجه توبيخي الناقـم بصـفة مباشرة و انفعالية ( معرضا نفسي لمشاجرة عنيفة مع جاري)؟.
أو سأقـدم المعطيات و متطلباتي بطريقـة لبقة و مرنة مع أقل ما يمكن من الانفعالات. إن الاختيار بين هذين السلوكين المختلفين ستكون له نتائج هـامة على بنية الخطاب و نتيجته. المشكل الموالي هو كيف سأنـظم المحتوى الملموس لما أود قوله. قارن بين هاتين المقدمتين الممكنتين:
(14) أ- البارحة كسرت سيارتي.
ب- البارحة رأيتك تكسر سيارتي.
في (14أ)، قدمت الحـدث الرئيسي تاركا لـجاري فرصة تحمل المسؤولية، بينما في (14ب) اتهمت مباشرة جاري بما حصل. يمكن أن تكون للاختيارات المختلفة التي انطلاقا منها أنظم ما أود قوله نتائج هامة على بنية و تأثيرات الخطاب الموالي. فقط حينما أتخذ القرارات الضرورية في هذه المستويات المختلفة يمكن أن أبدأ بإنتاج المحتوى الملموس لما أريد الحديث عنه.
بالموازاة مع مـختلف التنضيدات الممـيزة في (13)، يمكن أن نميز مختلف الاستراتيجيات التي يمكن للمتكلم عرضها في إنشائه لخطاب ما (انظر فان ديك – كينتش 1983).
(15) (1) الاستراتيجيات التشاركية
(1.1) إدارة التـفاعل: الاستراتيجـيات التي تستخدم لخلق الشروط التفاعلية التي ينبغي توفيرها لتحقيق الحدث الخطابي.
(1. 2) تخصيص الحالة : الاستراتيـجيات التي تنـتمي إلى السجـل الانفعالي – الحالي الذي يتموقع فيه الخطاب.
(2) الاستراتيجيات التمثيلية
(2. 1) تنظيم الخطاب: الاستراتيجيات التي توظف لتتبـيث تنظيم المحتوى الخطابي و تقـديمه.
(2. 2) إنجاز الخطاب: الاستراتيجـيات التي توظـف للتعـبير عن المحتوى الملموس للخطاب.
18-5-1-2- التكرار في بنية الخطاب: بالموازاة مع التعـقيد الحاصل عبر تنضـيد الخطاب، (حيـث وحدات المستـوى الأدنى تنضوي تحت وحدات المستوى الأعلى من نمـط مختلف نوعيا). يمكن أن ينجم التعقـيد في الخطاب عن التكرار أيضا، (حيث قد تضم وحدات المستوى الأعلى وحدات المستوى الأدنى من النمط النوعي نفسه يوجد التكرار في أي وضعية قد تضم فيها وحدة من نمط و وحدة- فرعية من الوحدة نفسها، بشكل يجعل التنظيم النمطي ل وقابلا لأن يعود داخل و. مثلا القـصة الإطار هي قصة تضم عـددا من القصص باعتبارها أجزاء- فرعية.
يجب تثبيت القصة الإطار ككل باعتبارها حدثا خطابيا، و كذلك يجب تثبيت كل قصة- فرعية بالكيفية نفسها. كذلك قد يضم الموضوع عددا من الموضوعات الفرعية، كل واحد منها يتبع الخطوات نفسها التي يتبعها الموضوع ككل. بالإضافة إلى ذلك يمكن أن تضم المتوالية المغيرة Turn sequence متـوالية فرعـية، و هذه الأخيرة قد تضم أيضا متوالية فرعية الخ. بهذه الطريقة يخلق التكرار بنيات ذات الصورة العامة الموضحة في (11) أعلاه بشرط أن تكون الوحدات الفرعية المدرجة أو المتروكة من النمط النوعي نفسه.
كما أشرنا أعلاه، يمكن أن توسم الانتـقالات إلى داخل هذه الوحدات الفرعية و [إلى] خارجـها بأدوات مختلفة. في حالة تنظيم الـخطاب المكرر يتحدث بولانيي – سشا (1983) عن الأوسام الدافعة Push markers ( التي تسم الدخول في روتين- فرعي) و الأوسام الطاردة Pop markers (التي تسم الخروج من روتين-فرعي).
في دراسة التكرار ينبغي إقامة تمييز بين التكرار الوظيفي و القطع interruptionفي مثال القصة – الإطار، التكرار وظيفي : تضم القصة – الإطار بالتحديد، عددا من القصص – الفرعية. يعني القطع، على الأصح، أن وحدة في مستوى معطى تقطع بواسطة وحدة (يمكن أن تكون من المستوى نفسه) هي عنصر غريب بالنظر إلى الوحدة المقطوعة، أي ليس لها أي عـلاقة معها، سواء من حيث التـفاعل أو المضمون. يقدم بولانيي- سشا (1983) بعض الأمثلة عن التكرار الذي ينبغي أن يعتبر على الأصح، قطعا.
مثلا حين تقاطع خدمة بأخرى في متجر ( مثلا لمـساعدة رب العمل الذي يحـتاج زمرة أو زمرتين)، فالحدث الخـطابي المقاطع لا يقوم بأي دور في الحدث الخطابي المقاطع. تتحدث كمطر (1987) هنا عن المتدخلين. مثال على ذلك، لقاء عمل يقاطع بوصول منظف النوافذ. ما يهم في حد ذاته، أن الـمشاركين يتمكنون من التحكم في مثل هذه الأوضاع المقاطعة، و ذلك بتعلـيق تفاعـلهم الجاري للـحديث مع الداخـل.
ثم بعـد ذلك، يعودون إلى التفـاعل الأساسي الذي تركوه ( أحيانا بعد الحلقـة القصـيرة أين كنا؟). لكن هذا النوع من المقـاطعة لا نحتاج إليه في تحـديدنا الأولي للوحـدات المؤسـسة للأحداث الخطـابية و محتـوى الخـطاب، تماما كـما هـو الأمر فـي دراسة الجمل ، لا نحـتاج إلى أن نأخـذ بعـين الاعتبار معـطى كون تلفـظين غير- مترابـطين، يمكن أن يـتلـفظ بهما شـخصان مختلـفان في آن واحد.
18- 5 -2- وحدات الخطاب
يمكن تقسيم الحدث الخطابي إلى أنماط مخـتلفة من الوحدات ذات مستويات سلـمية مخـتلفة، سـواء، من حيث التفاعل أو من حيث المضمون. يبدو أن التمييزات الأساسية هي كالتالي:
الحدث الخطابي
I I
تشاركي تمثيلي
I I
I
متواليات محولة I
I I
تحولات حلقات خطابية
I I
متواليات كلامية I
I
أفعال كلامية قضايا
ليس من الضروري أن تـتلاقى مختلف وحدات المسـتوى التـشاركي و التـمثيلي بشـكل متوازي، مثلا في حوار ما يمكن التعامل مع بعض حلقات الخطاب في متوالية التحولات، حيث يتعاون المتكلم و السامع لمعالجة بعض بؤر الخطاب (الفرعية). من جهة أخرى يمكن التعامل مع حلقة خطابية في تحول واحد للمتكلم، أو قد تتآلف مثل هذه الحلقات المختلفة في تحول واحد. يظهر إذن، أن بنية التفاعل وبنية محـتوى الخطاب هي جزئيا مستقلة. في المستوى الأدنى أيضا، يمكن أن يتضمن فعل كلامي واحد قضية واحدة أو قضايا مختلفة في تعالق العطف أو التبعية نفسه .
18- 5-2 – الوحدات التشاركية: في المستوى التـفاعلي يعد الفعـل الكلامي أصغر وحدة تمثلها الجملة الواحدة (بسيطة أو مركبة). يمكن أن تؤالف الأفعال الكلامية في متواليات أفعال الكلام العليا، متواليات من فعلين كلاميين أو أكثر، تخضع لبعضها البعـض بطريقة أو أخرى.لاحظ المثال التالي :
(17) هل أنت مريض؟ إنك جد شاحب.
يقدم الفعل الكلامي الثاني هنا السبب الذي جعل المتكلم يطرح السؤال السـابق، و بالتالي، فإنه غير قابل للفهم (بمعناه المقصود) خارج سياق هذا السؤال. تتكلم كرون (1989)، في مثل هذه الحالات عن أفعال الكلام ” النووية ” م ” الثانوية “.
حـينما يشكل فعلا كلام أو أكثـر متوالية فعـل كلام، يمكن أن نقـول إن هناك نوعا مـن التعالق الوظيفي بينها. في (17) فعـل الكلام الأول هو سؤال و فعل الكلام الثاني هو الحافـز على السؤال. إن التعالق بين أفعال الكلام المتفرقة المنتمية إلى متوالية فعل الكلام هو في حالات عديدة قريب مما يمكن أيضا التعبير عنه بواسطة فعل كلامي معقد. قارن (17) ب :
(18) هل أنت مريض؟ السبب إنك جد شاحب.
حيث توظف الجـملة التابعـة لاحقـا إنجازيا (انظر ن ن و1 : 12. 3. 3) للجـملة الرئيسية.
يـمكن أن يتضمن التحول، باعتباره تـمديدا لحـديث المتكلم نفـسه، فعلا كلاميا واحدا أو أيضا مجموعة (أو متوالـية) من الأفعـال الكلامية. حينما يترابط تحولان لإتمام الوظيفة الخاصة بهما، نتحدث عن زوج التلاصق .إن متوالية سؤال تحول + جواب تحول، مثال نموذج لزوج التلاصق : يسقط السـؤال ترقب الجواب، و يمكن أن يفهم الجواب فقط بشكل صحيح، في السياق الذي خلقه السؤال. من ثم يؤسس السؤال + جواب وحدة تفاعلية تعلو التحول الواحد.
بينت أعمال أخرى حول بنية الحوار، أنه يغـلب أن تتوافـق المتواليات عوض أزواج التحـول بهذه الطريقة. لهذا تتركب بعض متواليات التلاصق من ثلاثة أو خمسة تحولات. مثلا، يحلل هوتكوب (1987) متواليات أقيم فيها نوع من التطابق نحو متواليات من أجزاء- خمسة، كما هو مبين في :
(19) أ- هل تريد تناول العشاء معنا؟
ب- هذه فكرة جيدة.
ج- نعم؟ّ
د- نعم!
هـ – موافق.
لاحـظ بأن متواليات الخطاب هاته، تستخدم نمطيا في إقـامة حلـقة خطابية واحدة. في هـذه الحالة ” إقامة توافق على الدعوة للعشاء”.
18 -5- 2- 2- الوحدات التمثيـلية.
ينجز الخـطاب الملموس (المحتوى) باعتباره نموذجا للتفاعل الاجتماعي ، داخل الحدث الخطابي ، من منظور المحتوى أيضا، يتوفر الخطاب على بنية منظمة سلميا نميز في إطارها ” تنضيدات” مختلفة.
إن أصـغر وحدات تنظيم محتوى الخـطاب هي القضايـا و الحـمول المتضمنة في الجـمل البسيطة و المركبة. تضبط القضايا المعطيات الممكنة التي يتحدث عنها المتكلم و المخاطب، بينما تضـبـط الحمول الوقائع ،التي تشكل محتوى هـذه المعطيات. تستعمل الحمول و القضايا معا لبناء النموذج الذهني الذي يعيد بناء عالم الخطاب.
يمكن تقسيم محتوى الخطاب ككل، إلى حلقات مختلفة و حلقات- فرعية، كما الكتاب يقسم إلى أبواب و الأبواب إلى أقسام و الأقـسام إلى فقرات و الفقرات إلى جمـل. من بين طرق تمييز سلاسل الخـطاب اللجوء إلى الأدوار التي تؤديها في بناء محتوى الخطاب التام. مثلا، حينما يدخل المتكلم في حدث خـطابي يتعلق ب ” الإخبار بقصة “، فإنه سيمر بحلقات مختلفة تـشكل مجتمعة القصة الملموسة. حاول العديد من الباحـثين وضع نماذج عامة لكيف تبنى القصص بغض النظر عن الاختلافات بين هذه النماذج المختلفة. يمكن تقديم الصورة العامة التالية لشكل القصة :
(20) 1- فتح
2- ملخص
3- توجيه
ـ وضع: زمن، مكان، ظروف.
– خصائص
– مشكل
4- أحداث و تقويم
5- حل
6- خاتمة: خلاصة
7- إغلاق
18- 5 – 3 – العلاقات الخطابية:
في الأقسام السابقة نظرنا إلى بنية الخطاب من منظور بنيوي : ما هي أنماط الوحدات المكونية التي يمكن حصرها في الخطاب، و كيف تتتابع هذه الوحدات في الزمن؟ يمكن أيضا أن ننظر إلى بنية الخطاب من منظور علائقي أو وظيفي انطلاقا من السؤال : ما هي العلاقات الوظيفية القائمة بين الوحدات في الخطاب و كيف تستخدم هذه العلاقات الوظيفية لتحديد التكامل المحلي و الشامل للخطاب؟
تبلور هذا المنظور الوظيفي في ” نظرية البنية البلاغية “(مان- طمسن 1987 متـيسن – طمـسن 1988 ). يمكن أن نلخص بإيجاز هذه النظرية كالـتالي.: كل وحـدة خطابية أساس ( إجمالا: كل جملة) تقيم علاقة وظيفية معينة مع الوحدة التي تسبقها أو تليها. هناك علاقتان أساسـيتان : العطف و التبعية. في العطف [تعد] وحدتان أو أكثر شريكـتين متعـادلتين فـي لائحة. تقيـم [هذه اللائحة] ككل علاقـة وظيفية، مع الوحدات المحيطة.
في التبعية تحدد وحدة واحدة النواة و تحدد الوحدة الأخرى اللاحق. هناك عـدد محـدود من العـلاقات الوظيفـية التي يمكن أن تقيـمها اللواحق مع الوحدات السابقة أو اللاحقة. يمكن أن تقام هـذه العـلاقات بين الوحدات الأساسية، لكن أيضا[يمكن أن تقام] بين وحدات المستوى الأعلى التي يمكن بدورها أن تفكك في النهاية إلى وحدات أساسية إذن، البنية العلاقية للخطاب هي بنية سلمية. يمكن أن تنتمي العلاقات الوظيفية إلى مستوى الفعل البلاغي (المستوى التشاركي) أو إلى مستوى الموضوع (المستوى التمثيلي).
لإعطاء انطباع على هذه العلاقات الوظيفية المختلفة، تأمل الأمثلة التالية :
(21) المستوى التشاركي
أ – و1 تحفز و 2
ب- و1 تشكل خلفية ل و 2
ج- و1 تقدم نقيض و 2
د- و1 تقدم حلا ل و 2
(22) المستوى التمثيلي
أ- و1 تفصل و 2
ب- و1 تمكن و 2
ج- و1 تخصص شرطا ل و 2
د- و1 تخصص هدفا ل و 2
هـ – و1 تخصص ظرفا ل و 2
و- و1 هي مسلم بها في علاقة و 2
يتضح من هـذه الأمثلة، أن العلاقات الوظيفية في مستـوى الخطاب تتلاقى مع الوظائف الدلالية للواحق في مسـتوى الجملة، و هـذه ليست صدفة ما دامت النـظرية تدرج فـكرة كون الوحدات التي تعد دائما جملا تابعة توظف أيضا في مستوى الخطاب.
لن أفصل كثيرا فكرة أن اللواحق الجملية و القضوية و الحملية لا ينـبغي أن تعـد تابعة أو مدمجة في المستوى الجملي ، لكن أعتقد أنه من المحبذ افتراض أن العلاقات الوظيفية ما بين– جملية من هـذا النوع، يمكن أن تسقط داخل مستوى الخطاب.
كما نتحدث عن النواة الجملية التي يمكن أن تعدل و تخصص بواسطة عـدد من اللواحق الجملية يمكن أن نتحـدث عن النـواة الخطابية التي تـعـدل و تخصص بواسـطة عـدد من اللواحـق الخـطابية. لكي نمـيز هـذه الأخـيرة عن الأولى، يمكن أن نتحدث عن ” نواة – خ ” و ” لاحق- خ “. عموما يمكن أن نجد علاقات نواة – لاحـق ما بين جملية أيضا في المستوى مابين- جملي، حيث يمكن توسيعها بعـدد من العلاقات الوظيفية التي تخص مستوى الخطاب. بهذا المعنى، أيضا، يمكن اعتبار نموذج بنية الجملة نموذجا جزئيا للخطاب ككل.
18- 6- التلاحم الخطابي
18 – 6- 0 – مقدمة
المنظور الثالث الذي نقارب بواسطته الخطاب هـو مفهـوم التلاحم (انظر هاليداي – حسن 1976، هاليداي1985، لنكاكر 1983). فيما سلف رأينا مسألة بديهية هي أن الحـدث الخـطابي يبنين في عـدة تنضـيدات أو مستويات تنظيـمية. حينـما يبنى الخطاب بشكل مناسب يكون متلاحما، بمعنى أن مختلف الأجزاء المؤسـسة ستتابع بطريقة طبيـعية و مفـهومة. يصدق هـذا على التوالي المحلي للـجمل (التلاحم المحلي)، كما يصـدق على وحدات الخـطاب الأشمل (التلاحم الشامل).إذا لم نلاحظ في المستوى المحلي أو الشامل مبادئ التوالي الطبـيعي، فإن الخطاب سيكون، تبعا لذلك،غير متلاحم و بالتالي صعب أو مستحيل التأويل.
في دراستنا لمفهـوم التلاحم، ينبغي أن نتذكر بأن السامع مؤول فاعل للمعلومة الكلامـية التي تخصص التـأويل النهـائي الذي ننتهي إليه. إنه يهدف إلى الوصول إلى تأويل متلاحم للنص.إذا كان النص يتيح علامات تلاحمه الخاصة به، فذاك أفـضل، لكن إذا لم يكن الأمر كذلك، فسـيحاول السامع ربط قـطعه و أجزائه بما يسمى ب ” الفرضيات الجسور”، بشكل يمكنه من الوصول إلى تأويل متلاحم في النهاية. فقط حينما تفشل الفرضيات الجسور في خلق التلاحم يمكن آنذاك ،أن نعتبر هذا النص غير متلاحم.
سنحاول في هذا القسم الوقوف عند العوامل التي تسهم في تلاحم الخطاب. لن أقيم في مناقشتي تمييزا قاطعا بين الآليات الـتي تستعمل لإقامة التلاحـم المحلي و تلك التي تقيم التلاحم الشامل مادام يظهـر عموما، أن الآليات نفسها توظف في المستويين معـا. مثلا، إن الرابـط الذي يربط محليا جملة بجملة سابقة يمكن استعماله أيضا لربط الجملة اللاحقة بوحدة خطابية سابقة منتمية إلى المستوى الأعلى. إذا لم يكن الأمر كذلك فسنشير إليه.
18- 6 – 1- الأطر مصدرا للتلاحم.
لنفـترض أنني في غرفة محـاطة بمكتبات، أخذت كـتابا من الرف و ذهبت إلى طاولة قرب الباب و دخلت في حوار مع شخص ص
(23) أنا: هل يمكن أن أقترض هذا الكتاب أسبوعا؟
ص: سيدي، هذه مكتبة و ليست خزانة.
الآن، أجد نفسي في موقف مماثل تماما، أيضا أذهب إلى الطاولة، و هذا ما سيقع:
(24) أنا: أريد شراء هذا الكتاب.
ص: سيدي، هذه خزانة و ليست مكتبة.
في كلتا الحالتين، لا تندرج نقلتي في السياق الذي وجدت فيه نفسي. هذا الوضع قد يكون، في الحالتين معا، متشابها تماما ماديا بل[قد يكون] متماثلا، لكن مؤسـساتيا هو مخـتلف تماما : وجـدت نفسي في مكتبة ، في الحالة الأولى، و فـي خزانة في الحالة الثانية.
تحدد مؤسسات من هذا النوع، ما ينبغي أن يفعل و يقال و ما لا ينبغي أن يفـعل و يقال. أغلب الناس يعرفون جيدا الوضع المؤسسي الذي يتواجدون فيه، و بالتالي التواصل الخاطئ من قبـيل (23) و(24) نادرا ما يرد. إن الأشـياء التي يمكن أو لا يمكن القـيام بها داخل وضع مؤسسي خاص مرتبطة بالمعرفة المشتركة: لن أسأل عن المسموح به أو الممنوع داخل خزانة أو مكتبة، إلا إذا وجـدت نفسـي في بلد غريب أو محيط غـير مألوف.أعرف هذه الأشياء. على أساس هـذه المعرفة أستطيع توليـد السلـوك المقـبول في هـذا الوضع و أملـك نموذج توقع عما يمكن للآخرين قوله أو فعله في ذاك الوضع.
يمكن أن نسمي المعرفة المنظمة التي تهم ما يمكن أن يفعـل و يقال في وضع مؤسساتي معين ” إطارا ” بمعنى مانسكي(1977). بالتالي يمكن عد الإطار تمثيلا ذهنيا مبنينا للأعمال والأحداث الكلامية المقبولة في علاقتها بوضع مؤسساتي معطى. ينظم الإطار بطريقة تجعل تفعيل جزء من الإطار يؤدي إلى تفعيل الباقي كذلك، أو على الأقل إمكان تفعيله.
يمكن أن نميز بين مختلف أنماط الأطر.إذا تعلق الإطار ببنية مؤسسية تتكون من متوالية معيار للأحداث نسميها غالبا مرسوما Script مثلا لتهيئ الحلوى ، يجب أن أمر عبر متـوالية من الأعمال بترتيب معين لا يمكن الإخلال به. فقـط حـينما تتخذ خـطوات معـينة بترتيب معـين سيكون الناتج النهائي حلوى .إذا كان بإمكاني تهيئ حلوى أكون عارفا لمرسوم تهيئ الحلوى. إذا لم أستطع تهيئ الحلوى أستـطيع تعـلم مرسوم من كتاب الطـبخ، بعبارة أخرى، الوصفة تمـثيل لمرسوم.
أيضا، يمكن تقسـيم الأطر إلى أطر بنيات و أطر مضـمون. يمكن أن نرى الفـرق كالتالي : طلبت من شخص نظم قصيدة عن حب من طرف واحد. يحتاج الشخص، في القصيدة ، إطار بنية يحدد عدد الأبيات مقسمة عـلى عـدد المقاطع مع تحديد أنواع بيانات الإيـقاع بين الأبيات لكي تعد قصيد ة جيدة التكوين. يسمح إطار البنية بدرجة معينة من التنوع داخل حدود ما نعتبره قصيدة، و لكنه يستثـني عـدة متـواليات من الأبـيات لأنـها، بالتأكـيد غير- قـصيدة.
فيما يخـص المضـمون أيضا، يولد محور حب من طرف واحد بعض التوقـعات الخاصة بالموضـوع الموصوف أو المشار إليه في الـقطعة الشعـرية : يكشف الموضوع عن إطـار مضمون يمكن أن تنـجز داخله أشـياء أو تقال، لكن تستثـنى أشـياء أخرى.
يمكن افـتراض توفـر المشاركين في الخـطاب عـلى مخـزون من أطـر البنية و أطر المضمون مخزنة في ذاكرتهم العامة الطويلة الأمد. يمكن استعمال مثل هذه الأطر لغايتين:
(أ) تقويم تلاحم خطاب معـين انطلاقـا من تلاؤمه مع الـشروط التي تفرضها الأطر المناسبة.
(ب) إنشاء تلاحم خطابي بواسـطة ملء الفرضيات الجسور من الإطار الخاص بالأشياء التي لم توضح في النص.
18- 6-2 التوالي الأيقوني
من بين مصادر تلاحم الخطاب ما تقدمه بعض مبادئ الضمنية للتوالي الأيقوني. تقول هذه المبادئ إنه، بـدون إشـارة واضحة إلى العكس، يفترض أن تعكس الرتبة التي تذكر بها بعض الزمر رتبة هذه الزمر في الواقع أو في تصورنا للواقع.
تعني الأيقـونية الزمنـية أنه، بدون إشـارات إلى العـكس ، حينـما نشـير إلى حدث ح1 قـبل الحدث ح 2 ، يفترض أن ح1 قد وقع زمنيا، قبل الحدث ح2. قارن الأمثلة التالية:
(25) أ- أكلت ماري محارا و مرضت.
ب- مرضت ماري وأكلت محارا.
(26) أ- مرضت ماري . إنها أكلت محارا.
ب- قبل أن تمرض ماري، أكلت محارا.
يمكن تأويل (25) فقط بمعنى أن ماري قد أكلت أولا المحار ثم مرضت ([هذا التأويل]ناتج عن مبدأ عام هو : اربط هذا السبب بذاك، سيؤول الأول بسهولة بوصفه يقدم سببا للآخر).لا يمكن تأويل (25 ب) باعتبارها تصف مجرى الأحداث نفسه، مادام ليست هناك إشارة واضحة إلى أن الرتبة المذكورة لا تعكس الرتبة الزمنية.
يمـكن تأويل ( 26 أ- ب) على هـذا المنوال، لكن في الحالتين معا، هناك موانع استعمال واضحة : في ( 26 أ) الواسم الزمني أكلـت يضع الحدث الثاني زمنيا قبل الحدث الأول و في( 26 ب) أشير إلى هذا بوضوح بواسطة قبل. يمكن تقويم نمطي التركيب موسومين بالمقارنة مع (25 أ) الذي طبق فيه الترتيب الضمني.
يمكن للـترتيب الأيقـوني أيضا، أن يرتـكز على مبـدأ معـرفي أو تصـوري طبيعي. مثلا يحدد المبدأ التالي ضمنيا الترتيبات الضمنية المؤسسة معرفيا.
(27) سبب ← أثر.
حدث ← نتيجة.
شرط ← ناتج.
عمل ← غاية.
إذن، بقـدر ما يكون الترتيب داخل الخطاب متوافـقا مع هـذه الأحكام بقـدر ما يـضيف تلاحما كاملا. إذا تغيرت هذه الرتب، ينبغي أن ننبه المؤول، بأوسام صريحة، إلى هذه الوضعية الموسومة.
18- 6 -3- الاستمرارية البؤرية
هناك عامل هـام يحـدد درجة تلاحـم النص هـو درجة استمراريـته البؤرية ( انظر كيفـن و آخرين 1983 ). في ن. ن. و1: 13 – 1 – 3 ناقشـت مفهـومي ” البـؤرة ” و ” البؤرية ” من منـظور خطابي. تم التميـيز بـين الاستراتيـجيات الأساسية التالية:
(أ) إدراج بؤرة جديد (بؤجد) في الخطاب.
(ب) المحافظة على البؤرة حين إدراجها باعتبارها بؤرة معطاة (بؤ مع).
(ج) الاستدلال على بؤرة- فرعية (بؤ- فع) من البؤرة.
(د) إعادة البؤرة باعتبارها بؤرة مستأنفة بؤ مس.
تسهـم الاستراتيجـيات الثـلاث الأخـيرة بشكل خاص في الاستمرارية الـبؤرية للخـطاب، و بالتالي في درجة تلاحمه.
تتم المحافظة على البؤرية بوسائل متعددة :
– مختلف أشكال الإحالة العائدية.
– التوازي التركيبي.
– آليات إحالة الإبدال.
– الاستدراك.
يمكن فـهم هذه الوسائل المختلـفة (في اللغات التي تستعملها) باعتبارها تؤشـر إلى أن المتـكلم ما زال يتحدث عن الأشياء نفسها.
تسهـم البـؤرة المعطاة و الـبؤرة الفرعية أيضـا في الاستمرارية البؤرية، لكن بطريقـة أقـل مباشرة، [و ذلك] بواسطة أطر تتاح للفرضيات الجـسور التي يعاد فيـها بناء الروابـط المفـقودة. تؤول متوالـية البـؤرة المعـطاة– البؤرة الـفرعية باعتبارها متلاحمة إذا استطاع المـؤول بالاسـتناد إلى معرفته الإطار،إعادة بناء الخطوات التي تسمح للمتكلم بافتراض أنه، بمجرد إقامة البؤرة المعطاة، تعد البؤرة الفرعية هي الأخرى متاحة.
قد تقوم العلاقات بؤرة معـطاة و بؤرة– فرعية هي أيضا بدور منظم للخطاب في مسـتوى أعلى من التحليل. افتـرض أننا طلبنا من شخص أن يصف شقـته ( انظر لاند – لايبف 1975، لاند 1974 ). تتطـلب هـذه المسألة إطارا ترد فيه الوحدات نحو غرفة المعيـشة و غرفـة الـنوم و المطبخ الخ، باعـتبارها بؤرا فـرعية مترقـبة.
إذن يمكن أن نـترقب وصفا تكون فيه الحلقة- الفرعية مخـصصة لكل من هذه البؤر- الفرعية، التي هي بدورها تدرج كما لـو أنها قـدمت بشكل صحيح منذ البداية. كشف لاند و لايبوف نقطة أخرى مهمة، هي أنه حينما يطلب من المتكلمين أن يقوموا بهذا النوع من المهام، فهم لا يكتفون بتقديم جرد عشـوائي لمختلف البؤر الفرعية و إنما يقدمون هذه الأخيرة، انطلاقا من مبدإ منظم.
من بين المبادئ المنظمة التي تساعد الأوصاف البنايات على ترتيب الوصف كما لو أن المـتكلم قد قـدم للسامع جولة موجـهة في هـذه الشقة البناية. إذن يقدم المبدأ المنظم إطارا مبنينا ينجز فيه إطار المحتوى.
أورد بنكستر (1988: 377) مثالا يشـبه تماما هذا النوع من التنظيم الخطابي من المؤلف اللاتيني ل Archictura (في الهندسة) حيث يصف فطروفيوس بناء سباحة روماني . في الحالتين معا تسقط بؤرة الخطاب مع إطار البـنية و أطر المحتوى تنظيما طبيعيا داخل الخطاب.
18. 6. 4. المحورية.
للمحورية دور في تحـديد تلاحم الخطاب، من زاوية أن الخـطاب يكون متلاحـما- محوريا. كمثال بسيط، لاحظ هذه المتواليات سؤال جواب ( س- ج):
(28) س : بمن سيلتقي كوهل في كدانسك؟
ج 1 : سيلتقي كوهل بواليزا في كدانسك
ج 2 : * سيلتقي كوهل بواليزا في كدانسك.
لاحظ أنه، في سياق ( س28 ) يكون الجواب ( ج 1 ) متلاحما، في حين أن (ج 2) غير متلاحم. إن المحورية التي حددت مسبقا في السؤال بواسطة أداة الاستفهام من يجب أن تنعكس في الجـواب بواسطة إسنـاد بؤرة موازية سيعبر عنها تنغيمـيا، كما في (ج 1). إن الأزواج س – ج الممـاثلة لـ (28س) – (28 ج 1) هي أزواج متلاحقة جيـدة التكـوين، في حيـن أن الأزواج مثل (28س)- (28 ج 2) رديئة التـكوين. إذن يسهم الإسناد و التعبير الصحيحين لوظيفة المحور في التكوين الجيد للخطاب.
عموما، قد يؤثر الوضع الـبؤري و المحوري للعناصر الخطابية في بناء الجمل الـفردية بالطرق التالية :
(أ) قد يسهم في تحديد انتقاء الإطار المحمولي الذي تبنى حوله الجملة.
(ب) قد يسهم في تحديد انتقاء نمط التركيب في الجملة.
(ج) قد يسهم في تحديد تعبير البنية التحتية.
18 – 6- 5- الربط ذيل- رأس
من بين أدوات خلق تلاحم في الخطاب، سواء في المستوى المحلي أو الشامل ما سمي بالربـط ذيـل – رأس ( انـظر دو فـريس 1989 مـع الإحالـة على تورمـان 1975). في الربـط ذيل – رأس تبدأ الجملة بمكون يجمل بإيجاز جزءا أساسيا من الجملة أو السياق السابق. يمكن القيام بذلك بواسطة عنصر محيل ، كما في :
(29) بعد رحلة طويلة وصلـوا إلى قرية صغيرة . في هذه القرية – حيث وجدوا مكانا يمكنهم قضاء الليلة فيه.
أو أيضا بواسطة ملخص مجمل للواقـعة التي وصفت في الجملة السابقة :
(30) عبروا النهر بمجهود كبير. بعبورهم النهر- بفعلهم ذلك، وجدوا الطريق الأساسي.
بين دو فرييس (1989) أن هذا النمط من الربط الفعلي مألوف بالخصوص في الحكي في البابوانية. مثلا، نسوق ترجمة لجزء من قصة من الكومبية، ناقشها دوفريس (1989: 206):
(31) …التقوا في مـنزل الرئيس. التقوا و بدأت زوجة الرئيـس الحديث ناقـمة على زوجـها. تكلمت بغضب و بدأ الرئيـس يضرب زوجـته. بـدأ يضرب و سقطت مغـشيا عليها باسطة أطرافها….
تتوفـر الكامبية على فعل إحالي ” نوعي” خـاص بمعنى ” بفـعل ذلك “، الذي يستعمل غالـبا لهذه الوظيفة، كما في المثال
التالي (دو فرييس 1989 : 202)
(32) Khumolei – na ifamano
جمع غائب- دفن فا م.را ف لا- مس- مفرد غائب- مات
” مات و دفنوه.”
Ma-na khwaimigi mene luwano.
” حينما فعلوا ذلك ، تكلم الغرباء هكذا :…”
يوضح هـذا المثال وظيفة إضافية لمثل هـذه المكونات الأولية، كما أشار إلى ذلك دو فرييس: لاحظ أن الأفعال غـير المنتهية توسـم للإحالة الـبديلة في الكمـبية (ف م = الفعل الموالي سـيتوفر على بؤرة مختـلفة عن الفـعل الحـاضر)، لكن الأفعال المنتهية مثلifamano لا تحمل مثل هذه المعلومة. بإجمال محتوى الفعل داخل الفعل الوسيط في بداية جملة جديدة يصبح التعبير عن (اللا) استـمرارية البـؤرية ممـكنا. نعـرف الآن أن ” الغرباء”Khwaimigi لا يشبهون أولئك الذين دفنوا الميت في الجملة الأولى.
[هناك ] استراتيجيات مـماثلة مألوفـة في لغات أخرى. مثلا اللاتيـنية تستعمل بكثرة المطلق الظرفي في مـثل هذه التعابير الجـملـية – الأولية نحـو Hoc facto ” بفعل ذلك” أو his verbis dictis ” ” بقول هذه الكلمات”. لاحظ مع ذلك ،أن هذه التعابير تربط غالبا الجملة بالحلقة الخـطابية السابقة عـوض الجملة السابـقة.(بنسكتر1988: 373).إذن ستستعمل His verbis dictis ” نمطيا بعـد أن يبلغ بطل الرواية كلاما لكي يشير أولا إلى أن نقل الكلام انتهى، و ثانيا إلى أنه ينبغي البدء في حلقة الخطاب الموالية.
18- 6- 6- الروابط
الروابط هي وسائل أخرى لخلق التلاحم، و هي ترد في نماذج ذات الصورة التالية:
(33) جمل(ة) سابقة . رابط ، جملة جديدة.
حيث تكون للرابط الأدوار الأولى في ربط الجملة الجديدة بالجمل(ة) السابقة، في الوقت نفسه الذي تخصص فيه العلاقة الدلالية-التداولية بين الاثنتين. سيكون المثال التالي هو :
(34) كان امتحانا صعبا. رغم ذلك اجتازه بتميز.
يمكن هنا أن نصف العلاقة الدلالية التداولية كالتالي :
(35) توضح “رغم” أن الجملة الجديدة مناقضة لما سيستدل عليه السامع منطقيا من الجملة السابقة.
تعرف هذه العناصر تحت أسـماء جد مختلفة في الأدبيات. سأسمـيها تبعا لبنكستر (1988) ” الروابط “. يقسم بنكستر الروابط إلى الأنماط الدلالية التالية:
(أ) الإضافي ( و، أيضا).
(ب) الاستدراكي (لكن، رغم ذلك).
(ج) الفاصل (إلا).
(د) السببي (لهذا،لأن).
(هـ) الناتج (لهذا، إذن)
(و )استمراري (و إذن).
من الضروري أن نفهـم بأنه لا ينبغي أن نـوازي بين الروابط و حروف العطف التي توظف بين الجمل ، رغم أنها مقطعيا مماثلة للروابط.
18- 7- خلاصة
حـاولنا في هـذا الفصل أن نصف نسـقيا مخـتلف مظاهر الخطاب التي ينبغي أن تؤخذ بعيـن الاعتـبار في خلـق نموذج نحوي يأخذ مدخلا له الخطاب برمـته عـوض الجمل . ينبغي للنحو الوظيفي أن يتـطور في إطار هذا النموذج، بالنـظر إلى معايير الكفـاية الخاصة به. من البديهي أن هذا هدف بعيد تطمح نظرية النحو إلى بلوغه و ما قدمناه هنا ليس إلا نقطة بداية. لكن الأعمال المعاصرة في النحـو الوظيفي بينت بأن التحدي الذي وضعته بنية الخطاب على نظرية النحو قد تنوول بجدية. نحيـل القارئ على كونولي و آخرين للاطـلاع على النتـائج الأولى في هـذا المجال.
هوامش
* هذه ترجمة للفصل الثامن عشر من كتاب سيمون ديك 1997 المعنون ب نظرية النحو الوظيفي- الجزء الثاني. يناقش سيمون ديك في هذا الفصل ضرورة الانتقال من الاهتمام بالجملة إلى الاهتمام بالخطاب . تحقيقا لهذا الغرض يضع الأسس الضرورية التي ينبغي الالتزام بها لتأسيس نحو الخطاب الوظيفي و بالأخذ بعين الاعتبار أنماط الكفايات التي سيلزمها بناء النظريات اللسانية.
1- انظر فان ديك (1990) الذي يقدم دليلا جديدا على هذا الأثر..
2- قارن فـان ديك – كيـنتش (1983) بخصوص الاقتـضاءات المعـرفية و السياقية العديدة المتضمنة في فهم الخطاب.
3- استعمال المتكلم (م) يشمل إدراج الكاتب، و استعمال المخاطب ( مخ) يشمل إدراج القارئ.
4- طبعا، لا يكون قرار المشاركين المتعلق بإدراج المعلومة أو حذفها دائما قرارا واعيا.
5 – انظر بخصوص مفهوم ” النموذج الذهني” جونسن- ليرد (1983) و فان ديك – كينتش (1983).
6 – نسمي العناصر المحيلة أو المرتبطة بالسياق السابق عائدية قبلية ، بينما نـسمي الأدوات التي تشير إلى العناصر التي سـترد فيما بعد في الخطاب عائدية – بـعدية. انظر في هذا الاتجاه كل أدوات الخـطاب التي تسقـط البـنية و التوقعات على ما سيأتي لتمثيل استراتيجيات الخطاب العائدية البعدية.
7 – انظر خاصة عمل فان ديك و كينتش (1983). إن أفكار جونسن- ليرد (1983) حول التكوين الدينامي للنماذج الذهـنية واردة هنا. طور كمب (1984)، من منظور ذي توجه منطقي أكثر” نظرية تمثيل الخطاب”. انظر أيضا داخل سياق ن. و فيت (1986).
8- للاطـلاع عـلى بعـض المنظورات التي نناقــشها هـنا ، انظر كمطر (1987، 1990) و بولانيي – سشا (1983).
*ـ ناقش سيمون ديك في هذا الفصل ظاهرة العائدية ، و قد ركز في مقاربته لهذه الظاهرة على الكيفية التي ينبغي أن تدرس بها التعالقات العائدية في النحو الوظيفي منطلقا في ذلك من محاولة تحديد بعض المفاهيم الأساسية مثل مفهوم العائدية و مفهوم العائدية الخطابية و العائدية الجملية و الحد العائدي، لينتقل بعد ذلك إلى الوقوف عند بعض القضايا المرتبطة بهذه الظاهرة ، كالإحالة العائدية و أنماط العلاقات التي يمكن أن تكون قائمة بين العنصر العائدي و سابقه في البنية الجملية العميقة و الطرق المختلفة التي يمكن أن نعبر بها صوريا عن العناصر العائدية و غيرها من القضايا الهامة. للمزيد من التفصيل انظر الفصل 10 من الكتاب. ( المترجمة).
9- أبسط قليلا بالأخذ خاصة من بعض العناصر الأكثر ارتباطا بالحدث التواصلي ” مقابلة تشغيل”.
10 انظر هاليداي (1985) و شفرن (1987) للإطلاع على مختلف الاقتراحات الخاصة بالتـنضيد الخـطابي. تستـعمل دراستي مصطـلحات بوهلر ( 1934 ) و هاليداي (1967) بـطريقة أكثر أو أقل من الطريقة التي أدرجها بها هنجفلد (1989) في ن. و.
تقـيم كرون تمييزات مماثلة لتلك الموجودة في (13). يتناسب عمل كمطر (1987،1990) الخاص ببنية مقابلات التشغيل أيضا مع فكرة تنضيد الخطاب.
11-انظر بالخصوص بولايني- سشا(1983) و بولايني (1988) لاحظ أيضا أن المتوالـيات الدائـرة قـد تضم ” المتواليات الجانبية ” (جفــرسن1972) أو المتواليات– الفرعية (وجدما و آخرون (1982).
12- أدرج مفهوم مركزي في تحليل الحوار.
13 – انظر مـثلا، لايبف – ولـتزكاي (1967) و لايبوف (1972) و روملـهارت (1975) و كلارك- كلارك (1977: 168 – 170 ) و لالمان (1986).انظـر أيضا، مارشيز (1988) بخصوص البنيات الحكائية في الكودية. انظر جونسن- ليرد في انتقاده ل” أنحاء القصة “.
14- انظر التمييزات بين ” البنيات العليا ” (الصورية) و ” البنيات الكبرى” التي يوجهها المحتوى، في فان ديك- كينتش (1983).
15-انظر ن ن و 1: 13- 3 للاطلاع على المزيد من الوصف.
16 – لا- مس= لا- مستقبل،فا م= فاعل مختلف،را= رابط.
17- للأمثلة على الربط ذيل- رأس في الكودية ( كرو الشرقية،كواست الافورية)، انظر مارشيز(1988).
-من كويك و آخرين (1972 : 523).
19 – مثلا ،”الروابط” عند كويك و آخرين (1972)، و “الأوسام الخطابية” عند شيفرن (1987). إن تطبيق هذه الحدود ليس مزدوج- الاتساع عند هؤلاء الباحثين المختلفين.
20- لتصنيف آخر متداخل جزئيا، انظر كويك و آخرين.(1972 : 520-523).
21 قارن شفرن (1987: الفصل6 ) في تحليلها للعلاقات بين الواو و لكن و أو باعتبارها أدوات عطف في نحو الجملة و استعمالاتها بوصفها أوساما خطابية.
- أهم المصطلحات
Additive إضافي
Adjency pair زوج التلاحق
Adversative استدراكي
Attitudinal موقفي
Causal سببي
Co-extensive مزدوج الاتساع
Consecutive ناتج
Contentive مضموني
Disjunctive فاصل
Episodes حلقات
Episodic عرضي
Interaction تفاعل
Interpersonal تشاركي
Interruption قطع
Pop markers أوسام طاردة
Push markers أوسام دافعة
Reported منقول
Script مرسوم
Situational حالي
Strech تمديد
Structure frame إطار بنية
Turns تحولات
Turn sequence متوالية محولة
- لائحة المراجع المستعملة في هذا الفصل
Buhler. Karl
1934 Sprachtheorie .Jena : Fischer.
Clark, Herbert H-Clark, Eve.V. Clark
1977 : Psychology and language ; an introduction to
psycholinguistics. New York : Harcourt Brace Jovanovich.
Dijk, Teun.Van
1990 : Issues in Functional Discours Analysis. in : Pinkster-Genee
(eds), 27-46.
Dijk, Teun Van-Walter Kintsch
1983 : Strategies in discourse comprehension. New York : Academic
Press.
Givon ; Talmy
1983 : Topic continuity in spoken English, in : Givon (ed.) ,347-363.
Halliday, M.A.K.
1967 : Notes on transitivity and theme in English, Journal of
Linguistics 3 :37-81 and 199- 244. , Journal of linguistics
4 :179-215.
1985 : An introduction to Functional Grammar. London : Arnold.
Hengeveld ; Kees
1989 : Layers and operators in Functional Grammar .Journal of
Linguistics 25 : 127-157(= WPFG 27)
Hymes ; Dell
1972 : On communicative competence. In J.B.Bride –J .Holmes
(eds) ; Sociolinguistics, 269-293.Harmondsworth : Penguin.
Jefferson, Gail
1972 : Side sequences, in : David Sudnow (eds). Studies in social
interaction, 294- 338. New York : The free Press.
Johnson-laird, Philip N
1983 : Mental Models. Cambridge : Cambridge University Press.
Kamp, Hans
1984 : A theory of truth and semantic representation, in J.
Groenendijk –T.M.V. Janssen –M. Stokhof (eds) .Truth,
interpretation and information, 1-41.Dordrecht : Foris.
Komter, Martha
1987 : Conflict and cooperation in job interviews : a study of talk,
task and ideas. [Ph .D .dissertation.University of Amsterdam]
1990 : The discourse structure of job interviews, in Pinkster –Genee
(eds),165-181.
Kroon, Caroline
1989 : Causal connectors in Latin ; the discourse function of
nam, enim, igitur and ergo, in : M.Lavency – D. Longree
(eds), Actes du V colloque de linguistique latine , 231 –
243. Louvain – la- Neuve : Peeters.
Labov, William
1972 : Where the grammars stop, Georgetown Monograph on
languages and linguistics 25 :43- 88.
Labov William – Joshua Waletzky
1967 : Narrative analysis, in : June Helm (ed.), Essays in verbal and
visual arts, 12 -44.Seattle : University of Washington Press.
Lalleman, Josine A
1986 : Dutch language proficiency of Turkish children born in the
Netherlands. Dordrecht : Foris.
Linde, Charlotte
1974 : The linguistic encoding of spatial information. [Ph .D
thesis, Colombia University.]
Linde, Charlotte –William Labov
1975 : Spatial networks as a site for the study of language, Language
51 :924 – 939.
Mann, W, Sandra A.Thompson,
1987 : Rhetorical structure Theory : a framework for the analysis of
texts,Papers in Pragmatics.1 : 79-105.
Marchese, Lynell
1988 : Sequential chainaing and discourse structure in Godié, in :
Haiman –Thompson (eds) ,247-273.
Matthiessen, Chr-Sandra A Thompson
1988 : The structure of discourse and « subordination »,in :Haiman-
Thompson (eds) ,275-329.
Polanyi, Livia
1988 : A formal model of the structure of discourse, Journal of
Pragmatics 12 :601-638.
Polanyi, Livia –Remco Scha
1983 : On the recursive structure of discourse, in : K.Ehlich-Henk van
Riemsdijk (eds.).Connectness in sentence, discourse and
text, 141-178.Tilburg : Tilburg University.
Quirk, Randolph- Sidney Greenbaum-Geoffrey Leech-Jan Svartvik 1972 : A grammar of contemporary English.London : longmans
Rumelhart, D.E
1975 : Notes on schema for stories ; in : D.G Bobrow-A.Collins
(eds), Representation and understanding : studies in cognitive
science ,211-236.New York : Academic Press.
Schiffrin, Deborah
1987 : Discourse markers.Cambridge.cambridge University
Press.
Thurman, R.C
1975 : Chuave medial verbs, Anthropological Linguistics 17 :342-
352.
Vet, Co
1986 : A pragmatic approach to Tense in Functional Grammar,
WPFG16
Vries, Lourens de
1989 : Studies in Wambon and Kombai ; aspects of two Papuan
languages of Irian Jaya.[Ph.D. dissertation , university of
Amsterdam.]
Weijdema, Willy –Simon C.Dik – Margo Oehlen-Clara Dubber-Akke de Blauw.
1982 : Structuren in verbale interaktie ; strategieёn van sprekers en hoorders in het taalgebruik.Muiderberg : Coutinho.