- تمهيد:
مثّلت المقتضيات موضوع اهتمام الدراسات الدلاليّة والدراسات اللسانيّة والتداوليّة. وكشف هذا الاهتمام مركزيتها في البحوث التي اهتمت بالمعنى . وإنْ كنّا نقتصر في مقالنا على دراسة المقتضيات تداوليّا انطلاقا من التداولية المندمجة، فإنّنا نمّهد لذلك بالإشارة إلى بداية تشكل الوعي بالمقتضيات في البحث اللساني قبل التداولية المندمجة.
1- المقتضيات قبل التداولية المندمجة:
ونقتصر في دراسة المقتضيات قبل التداوليّة المندمجة على :
– دراستها في مستوى دلالي، وهو مستوى درسَ المقتضيات باعتبارها معلومة تأخذ من القول أي باعتبارها عنصرا من عناصره الدلالية.
– دراستها مستوى تداولي حدّد المقتضيات في علاقتها بمعتقدات المتخاطبين.
1-1- المقتضيات في التصور الدلالي المنطقي:
درست المقتضيات في البحث الدلالي المنطقي باعتبارها معلومة تأخذ من القول وعنصرا من عناصره الدلالية. وتعلّقت الدراسة بالمقتضيات تعريفا وتصنيفا وبحثا بقضايا الإحالة.، وتداخلت مع دراسة الاستلزام المادي.
تكون المقتضيات من وجهة نظر منطقية مؤسسة على الشروط الصدقيّة شرط استعمال القول، فتكون صادقة من قبل المتكلم ليكون استعمال القول استعمالا ناجحا. فالمقتضيات الوجودية عبارة عن شروط مسبقة لاستعمال القول.
تردد المقتضيات في التصور المنطقي الدلاليّ بين اعتبارها علاقة دلاليّة بين القضايا مع فريجه وراسل علاقة دلاليّة بين الأقوال عند ستراوسن . ولكن الفكرة الأساسيّة في التصور الدلاليّ تتمثل في إشار ة ستراوسن أنّ المتكلم هو المسؤول الأول عن توليد المقتضيات، وهي فكرة طريفة فتحت مسارب البحث في التصورات التداوليّة.
1-2- المقتضيات في التصّور التداوليّ :
فتح مقترح سترواسن المجال لتطور البحث في المقتضيات تداوليّا في اتجاهين مختلفين:
– اتجاه يعتبر المقتضيات مجموع الاعتقادات الخلفية لأقوال المتكلّم(التداولية الصورية غير الشكلية)، فتمّ ربط المقتضيات بالاعتقاد.
– اتجاه يعتبر المقتضيات أعمالا لغويّة، ويعدّها مجموع الشروط التي يجب توفّرها لتحقيق انسجام الخطاب .
وإن كنا سنخوص في اتجاه دون آخر، فإنّ تطور الوعي بالمقتضيات في البحث التداولي وفي التداولية المندمجة بالخصوص يحتّم علينا تتبع إسهامات ستالنكر في دراسة المقتضيات.
لستالنكر تمثل نوعيّ لاتجاه دلاليّ غير شكلي في التداولية قام على استثمار البحوث التأسيسية لغرايس. ولا تعرّف المقتضيات في تصوّره بالنظر لمحتوى القضايا المعبّر عنها، ولكن بالنظر إلى المقامات التي ينجز فيها القول. ف”للاقتضاء دور رئيسي في تعريف الأعمال اللغوية” . ونفهم بواسطتها المواقف القضوية ومقاصد المتكلّم والمخاطب.
تعتبر المقتضيات في هذا المستوى اعتقادات خلفيّة بالنظر إلى القضايا الصادقة المستخلصة من قبل المتكلم انطلاقا من السياق. ففي”كل تواصل لسانيّ ينطلق المتحاورون من افتراضات أو مقتضيات معترف بها ومتفق عليها ومشتركة. وتشكّل هذه الفرضيات الخلفيّة(Fond)المعرفيّة التواصليّة الضروريّة لتحقيق التواصل الناجح. وتكون محتواة ضمن السياقات والبنية النحويّة للقول “.
وفي هذا المستوى تكون المقتضيات مقدمات الخطاب المنطقية، بل إنّ”المقتضيات المشتركة بين المتخاطبين تمثّل المكوّن الأكثر أهمية للسياق[…]فمفهوم الاقتضاء التداولي يجب أنْ يلعب دورا هاما في تحديد مختلف الأعمال اللغوية مثل الإخبار[…]وفي تحديد القواعد الدلالية التي تربط الجملة إلى القضايا المرتبطة بالسياق” . وبهذا الفهم يكون الاقتضاء هو السياق نفسه، وهو ما يجعل منه ظاهرة تداوليّة. وهذا ما يقوّي الحدس في اعتبار المتكلم هو المقتضي. ذلك أنّ الاقتضاء هو افتراض المتكلم لمعلومات قبل أن ينجز القول، فالمتكلمون هم الذين يقتضون وليست الجمل” .
لا تقدّم العلاقة القائمة بين الأعمال اللغوية والفرضيات الخلفية في التخاطب دفعة واحدة، ولكنّها تقوم على علاقة دينامكية. فكل معلومة تثبت أو تقتضى تضاف إلى الفرضيات الخلفيّة التي تؤسس وضعية الخطاب. وكل قول يولّد سياق القول اللاحق له.
قام الطرح التداولي غير الشكلي لستالنكر عل اعتبار المقتضيات خلفيات واعتقادات مؤسسة للتواصل. وهي علاقة بين الأقوال وليس علاقة بين القضايا. فالمقتضيات التداولية”كل المعلومات التي ينقلها القول والتي تتعلق بشروط النجاح التي يجب توفرها أو استيفاؤها ليكون العمل اللغويّ الذي يزعم القول إنجازه ناجحا على صعيد التأثير القولي” .
ولعل اعتبار المتكلم هو الذي يقتضي فكرة أساسيّة مهدت لاعتبار الاقتضاء عملا لغويا عند ديكرو. وهو فكرة ستستثمر لاحقا في الدراسات التداولية مع كازدار.
2- المقتضيات في التداولية المندمجة
ننظر في مقاربة ديكرو في مؤلفاته مستلهمين تصوّر أوركيوني كلما دعت الحاجة إلى ذلك.
2-1- الاقتضاء عمل لغويّ عند ديكرو:
استوجب اعتبار الاقتضاء عملا لغويّا مراجعة التصوّرات اللسانية والتداولية السابقة في كثير من المستويات لعل أهمها:
– نقد التصوّر السوسيري للغة باعتبارها مجرّد نظام مغلق من العلامات تكمن وظيفته في نقل المعلومات. حيث تقصر الدراسة اللسانية على الجانب الصريح من القول مهملة الجانب الضمني . ويولي هذا التصوّر الأخبار أهمية فيعتبرها أصل الأعمال اللغويّة، وما الأعمال الأخرى إلا أعمالا ثانوية تدور في فلكه ولا تحدد إلا انطلاقا منه.
– الاهتمام بدراسة التلفظ اقتداء ببنفنيست وما يطرحه التلفظ من مسائل تتعلّق بالجانب الضمني في التواصل وهو ما كان مهملا في التصوّر التقليدي. فالتلفظ كان منطلقا لعديد أبحاث ديكرو ، وكان مدخلا لمقاربة الاقتضاء والحجاج وقضاياه ودراسة الضمني عموما .
– إثبات ديكرو أنّ المقتضيات لا تكون شرط استعمال للقول ولا شرط محتوى ، ولكنّها تكون شرطا للتخاطب. إذ تفترض كلّ الأعمال اللغويّة تحقّق عمل الاقتضاء الذي تكون وظيفته بناء الإطار الداخلي للخطاب. فالشروط التداولية للاقتضاء ليس لها اتجاه عرفاني أو ابستيمي، ولكنّها ذات طبيعة خطابية، .
– لئن اعتبر ديكرو في لحظة أولى الاقتضاء شرط استعمال، وهو يستوجب الإقرار أنّ صدق أو كذب المقتضى شرط جوهري وضروري لكي نعالج الأقوال من منطلق الشروط الصدقيّة، ونحكم على القول بالصدق أو الكذب إذ”نسمي مقتضيات الشروط التي يجب أن تتوفر ليقبل القول لغويا” ، فإنّه سرعان ما تراجع عن ذلك في مؤلفاته اللاحقة ، فاعتبره محتوى من محتويات القول. بل إنّه ذهب إلى أبعد من ذلك بقوله”نهدف إلى إبراز أنّ الاقتضاء عمل لغويّ خاصّ، وأنّ المقتضيات محتويات دلالية موسومة في القول. ونهدف إلى البرهنة على ما به نستطيع تعريف الضمني بين المتكلم والمخاطب باعتباره نوعا من أنواع العلاقات الإنسانية الموجودة في اللغة”.
قدّم ديكرو نتيجة مراجعاته ونقوده تصوّره للاقتضاء، فاعتبره عملا لغويّا لا يختلف عن الأعمال اللغويّة الأخرى معتمدا عديد المقاييس.
2-1-1- الاقتضاء عمل لغوي مسجّل في بنية القول:
لا يمكن فهم معنى القول في إطار التداولية المندمجة إلا بعمليّة توليف بين البنيّة النحويّة وسياق التلفظ وملابسات القول. فالبنية النحويّة للقول ليس بمعزل عن سياقات تلفظها، لذلك يولي ديكرو عناية خاصة بالتلفّظ معتبرا أنّ اكتشاف الأعمال الإنشائية من طرف أوستين وسيرل كان بمثابة فتح”لمرحلة أولى من مراحل المصالحة بين اللسان والكلام” . وقد مثل ذلك الفتح مرتكزا نظريّا وإجرائيّا درس انطلاقا منه ديكرو الاقتضاء خاصة والأعمال اللغوية عامة.
تناول ديكرو الاقتضاء ضمن ما هو غير خطابي( Implicite non-Discursif )في إطار تصنيف مراتب الدلالة الضمنيّة إلى ما هو خطابي(Implicite Discursif )و ما هو غير خطابي(Implicite non-Discursif ) . فاعتبر الاقتضاء عملا مسجّلا في البنية النحوية المجردة. وقد كان هدفه التكهّن من داخل النظام (اللسان)بوجود”عمل الاقتضاء الذي يحيل على العلاقات الجدلية بين الذوات” .ونختزل تصوّره للاقتضاء ضمن مراتب الضمني بالمشجّر التالي:
الضمني Implicite
الضمني الخطابي الضمني غير الخطابي
Implicite discursif Implicite non- discursif
الخاص بالقول الخاص بعملية التلفظ الاقتضاء Présupposition
درس ديكرو صنف غير الخطابي مركزا في دراسته ما سماه”الاقتضاء اللساني”(la Présupposition linguistique) .
1- يظنّ زيد أنّ الدرس سهل.
2- يشك زيد أنّ الدرس سهل.
3- تخيّل زيد أنّ الدرس سهل.
تحتوي الأقوال(1)و(2)(3)المكوّنات الدلاليّة التاليّة:
4- أ- الاعتقاد في سهولة الدرس.
ب- الدرس سهل.
ت-ليس الدرس سهلا.
فالمحتوى الدلالي”الدرس سهل”أمر مسلم به أو معلومة معروفة مشتركة بين المتكلم والمخاطب وهو ما يسمّى”مقتضى”.
يشك زيد أنّ الدرس سهل >> “الدرس سهل.”( ب) مقتضى.
يستنتج ديكرو أنّ”الاقتضاء ظاهرة تمكننا من قول شيء ما بصورة ضمنية” . وتختلف عن أشكال الضمني الأخرى كالمستلزم أو المضمر لما يتميز به الاقتضاء من خصائص نظاميّة.
راجع ديكرو التعريف الكلاسيكي للعمل اللغوي فعرّف العمل المتضمّن بالقول”باعتباره حالة خاصة للعمل القانوني” يسعى من خلاله المتكلم إلى تغيير الواقع، ويكون مسجلا في البنية النحوية، وتوكل مهمة احتسابه إلى المكوّن النحوي. ويقابل العمل المتضمّن في القول عمل التأثير بالقول الذي يرتبط بملابسات القول، وتوكل مهمة احتسابه إلى المكوّن البلاغيّ.
ولعل هذه الدقة في التمييز بين مكوّنات العمل اللغوي وبين مداخل الدراسة والتحليل ستتضح معالمها في دراسة ديكرو للاقتضاء باعتباره عملا لغويّا .
( أ ) (م)
المكوّن(1)
الوصفي الدلالي اللساني
( أ’) المكوّن(2) البلاغي
معنى(أ) في(م)
ميّز ديكرو بين أعمال لغويّة نجد لها مؤشرا مباشرا في بنية القول، ويدخل فيها ما يستمد إنشايته من المؤسسات الاجتماعيّة والقانونيّة ومن التواضع وأعمال ضمنيّة لا يوجد لها واسم في البنية النحوية للجملة. واعتبر بناء على ذلك الاقتضاء عملا متضمّنا في القول”لا وجود لواسم له في بنية الجملة” .
هدف ديكرو البرهنة على اعتبار”الاقتضاء عملا لغويّا خاصا والمقتضيات محتويات دلاليّة موسومة في القول والبرهنة على ما به نستطيع تعريف الضمني بين المتكلم والمتلقي باعتباره نوعا من أنواع العلاقات الإنسانية الموجودة في اللغة” . وسعى إلى إثبات أنّ عمل الاقتضاء عمل ينجزه المتكلم ضمنيّا، وهو عمل مقنن اصطلاحيّا في اللغة دون أن يوجد واسم له في بنية القول .
يمثل الاقتضاء عند ديكرو عملا لغويّا خاصا(Acte de parole particulier ). ولكن إذا اعتبرنا الاقتضاء عملا لغويا ألا يستوجب هذا وجود فعل إنشائي”يقتضي أنّprésupposée que مثله مثل بقية الأعمال اللغويّة الأخرى آمر، أستفهم، أنفي…. على ما يزعمه منظرو نظرية الأعمال اللغوية؟
لتجاوز هذا الإشكال راجع ديكرو مسلمات نظرية الأعمال اللغوية وأقر بوجود أعمال لغوية لا تحتاج إلى واسم في قوتها المقصودة بالقول، و تنجز دون التلفظ بقول ما. وبناء على ذلك قرّر أنّه حتى في حالة عدم وجود عمل القول أو وجوده ضمنيا، فإنّ المقتضى يعتبر مكوّنا دلاليّا حاضرا في بنية القول الدلاليّة.
فكل عمل لغويّ يسبقه عمل اقتضاء مما يجعله مشابها لتصوّر التوليديين من أمثال لايكوف وقوله بالفرضية الإنشائية التي توجد في نظره في القول بالقوة. وبهذا الفهم يكون المقتضى مكوّنا ضمنيّا يصاحب الأعمال اللغويّة ويمثل إطارا خطابيّا وقانونيّا لها يوجّه المخاطبين.
لترسيح فرضية نظاميّة الاقتضاء باعتباره عملا لغويّا سعى ديكرو إلى البحث عن ركائز نحويّة معجمية انطلاقا من عدة اختبارات.
2-1-2- اختبارات تحديد الاقتضاء باعتباره عملا لغويّا
أدرج ديكرو الاقتضاء ضمن اهتمامات المكوّن النحويّ اللسانيّ فأقام في هذا الإطار تمييزا بين اختبارات الاقتضاء في مستوى الجملة التي ورثها عن التصوّر المنطقي الدلالي واختبارات تحديد الاقتضاء في مستوى القول.
– اختبارات تحديد الاقتضاء في مستوى الجملة: تدرس الجملة باعتبارها”وحدة لغوية مجردة بمعزل عن المقام” تضم اختبار النفي واختبار الاستفهام(اختبارات التصوّر الدلالي المنطقي)واختبار التعليق(Subordination)(اختبار جديد).
– اختبار تحديد الاقتضاء في مستوى القول وقانون التسلسل (Loi d’enchaînement)فحوى قانون التسلسل”إذا ارتبط ق1 بـالقول ق2 في سياق ما، فإنّ الترابط بين القولين لا يقوم على أساس المقتضى وإنّما يقوم على أساس المقول” ويمثل قانون التسلسل محددا أساسيا يدخل في تعريف الاقتضاء،ف”فمقتضيات قول ما هي المؤشرات (Les Indicateurs )التي يحتويها القول ولكنّ المتكلّم لا يعتمدها في التسلسل” وتتكفل هذه التعليمات بوظيفة إلزام قانوني للمخاطب بالقبول بالمقتضى”دون أن يمتلك الحق في مواصلة الكلام انطلاقا منه” .
فالاقتضاء في هذا التصوّر هو الإطار القانوني الإلزامي التي يسيّر التحادث ويلزم المخاطب بالالتزام بالمقتضى دون استئناف القول انطلاقا منه وإنّما انطلاقا من المقول.
غير أن ديكرو تراجع عن هذا، ولعلّ ذلك يعود إلى وعيه بعدم كفاية هذه المقاييس لتعريف الاقتضاء والتمييز بينه وبين المكوّنات الدلالية الأخرى للقول. ورأى أنّ تطبيق هذه المقاييس لا يحافظ دائما على المقتضيات.إذ لاحظ وجود سياقات عديدة تخرق فيها “فلا يمكن اعتماد قاعدة النفي كاختبار عملي لتعريف الاقتضاء” .
ويعود ذلك إلى تفاوت درجات القوة في أصناف النفي في المحافظة أو في إبطال المقتضيات إضافة إلى ما تطرحه المقتضيات من مشاكل نظرية وإجرائية في علاقتها بقضية الإسقاط وتحليل المقتضيات في الجملة المركبة ومسألة تعدّد مولدات الاقتضاء وعلاقة الاقتضاء بالاستلزامات وقضية علاقة الاقتضاء بالبنية الإخبارية وبالتبئيرFocalisation .
إنّ التراجع الذي وسم بحوث دكرو متولد في تقديرنا عن الفصل الذي أقامه بين مستويات دراسة الاقتضاء(مستوى الجملة و مستوى القول). وهو فصل لم يأخذ في الاعتبار كون القول إنجاز مقاميّ للجملة، ولم يتفطن إلى أنّ مقتضيات القول ما هي إلا تخصيص مقاميّ لمقتضيات الجملة.
2-2- علاقة المقتضى بالمكوّنات الدلاليّة الأخرى:
نتج عن هذه المراجعة اعتماد ديكرو منهج التحليل الدلاليّ في وصف الاقتضاء وتنزيله ضمن دراسة المكونات الدلاليّة للقول. فاعتمد”المعارف التي بناء عليها نتكهن بأنّ معنى القول(أ)من لغة ما في مقام ما هو خلاصة ل(أ) في المقام” . نقترح المشجر التالي المحدد للمكونات الدلالية القول عند ديكرو .
القول énonce
المحتوى الصريح المحتوى الضمني
contenu explicite contenu implicite
المقول/المنطوق pose المقتضىprésupposée المفهوم sous-entendu
رافق التمييز بين مكوّنات القول الدلاليّة التمييز بين مداخل التحليل أي بين المكوّن اللساني والمكوّن البلاغي . فالجملة تحلّل باعتماد المكوّن اللساني ويحلّل المكوّن البلاغي القول ويحدد معناه في المقامات التواصلية .
اعتبر ديكرو المقتضى دلالة غير حرفيّة تتنزل ضمن الدلالات الضمنيّة لا يوجد في بنية القول الظاهرة ما يؤشر عليها مقابل الدلالة الحرفيّة الصريحة المقولة. ولكننا نلاحظ اضطرابا متأت من غموض التصنيف، فديكرو تارة يقر أنّ المقتضى عمل ضمنيّ ويعتبره دلالة غير حرفية يتوصّل إليها انطلاقا من الدلالة الحرفيّة، وتارة أخرى يوهمنا أنّ الاقتضاء دلالة حرفيّة يوجد في بنية القول ما يؤشر عليها. ولعلّ ذلك يعود في نظرنا إلى اختلاف زوايا النظر لمسألة الاقتضاء. وهو ما نوضّحه في الرسم التالي:
بنية القول
- الدلالة الصريحة الدلالة الضمنية
الاقتضاء المقول (المقتضى) المفهوم/الاستلزام
إذا كان ذلك كذلك، فإنّ الاقتضاء يكون مفهوما متغيّرا متقلّبا يصعب حصره. ولعلّ ذلك يعود إلى تعدّد مستويات دراسته واختلاف وجهات النظر وتنوّع مولداته، و يعود أيضا إلى عدم الوعي بمستويات التحليل عند ديكرو رغم تأكيده على أنّ احتساب المقتضيات مهمة توكل للمكوّن النحوي باعتباره مكوّنا نظاميّا منغرسا في البنية النحوية و مستوياتها النحويّة الإعرابية والصرفية والمعجمية” ، واعتماده مقاييس تخصّ الجملة ومقاييس تخصّ القول ووعيه باختلاف مستويات دراسة الجملة عن مستويات دراسة القول.
إنّ الدلالة الحرفية-المقولة هي الركيزة النحويّة التي تمكننا من الانتقال إلى الدلالات الضمنيّة باستحضار آليات استدلاليّة واستعمال المؤول كفايات متعدّدة في التحليل الدلاليّ للأقوال. فالوصول للمقتضى لا يكون إلا انطلاقا من النظر في خصائص المقول أو المنطوق” . لكن هناك اختلاف إذ”لا يكون المقتضى مثل المقول قابلا للنقاش والشّك من قبل المخاطب ” . فالمقتضى إطار قانونيّ في التعامل القولي بين المتخاطبين في عملية التلفظ ويوجّه فضاء التخاطب الوجهة المحددة” .
يعتبر ديكرو أنّ كل المستويات النحوية للقول أو الجملة مسرح لبروز المقتضيات، ويقدّم مثال لتولّد المقتضيات عن بعض الوحدات المعجمية من قبيل الأسوار الدالة على الكميات(quantificateur)والأفعال التحقيقية(les verbes factives)وأفعال الرأي والاعتقاد والوحدات المعجمية التي تعبّر عن جهات اعتقاد المتكلم(les Modalités) . ونقترح توضيح كلام ديكرو حول نظامية الاقتضاء بتحليل الأمثلة التالية:
5- أ- أسفت مريم لأنّ زيدا خانها. >>(أ’) خان زيد مريم.
ب- يعرف زيد أنّ محمدا سيأتي. >> (ب’)سيأتي محمد.
ت- كدت ترسب . >> (ت’) نجحت.
ث-بعض التونسيين يؤيدون النظام البرلماني.>> (ث’) بعض التونسيين لا يؤيدون النظام البرلماني.
يمكن التمييز في مولدات الاقتضاء بين مولدات تركيبيّة و مولدات معجميّة وأخرى مقامية تداوليّة وتظهر مجتمعة في البنية النحوية وحسب درجة التنبير) frape l’acent). وتؤكد في مجملها أنّ المقتضى مكوّن نظاميّ دلاليّ يقوم في بنية القول ما يؤشر عليه خلافا للمستلزم والمضمر اللذين يرتبطان بالظروف الحافة بالقول.
نأخذ مثال المقتضى المعجمي المتولد عن الفعل “واصل”
6- واصل زيد القراءة.
فالفعل”واصل” يقتضي الاستمرار في القيام بحدث كان يحدث قبل زمن التلفظ .
إنّ العلاقات التي تقوم بين المقتضى والمقول من ناحية وبينه وبين المضمر والمستلزم من ناحية أخرى دفعت ديكرو إلى الحسم بتنزيل الاقتضاء ضمن الدراسة النحويّة وأوكل للمكوّن النحوي مهمة احتسابه.
7- أ- انقطع زيد عن التدخين.
ب-لا يدخّن زيد حاليا. المقول
ت-لم ينقطع زيد عن التدخين.النفي
ث-هل انقطع زيد عن التدخين.الاستفهام
ج-كان زيد يدخّن سابقا.
ح-زيد أقوى عزيمة منك:الاستلزام/ما وسمه ديكرو بمصطلح المضمر(Sous-entendu ) .
رغم اتفاقهما في البنية الإخباريّة والحمولة الدلاليّة في القول يختلف حضور المقتضى في القول عن حضور المقول. فالمقول هو الدلالة الحرفية الصريحة التي يحملها القول للمخاطب سواء أكانت هذه المعلومة جديدة، وهي في الأغلب أو كانت معلومة قديمة. بينما يكون المقتضى معلومة قديمة مشتركة بين أطراف التخاطب، غير قابلة للنقاش أو الاعتراض من قبل المخاطب.
وهذا ما ينزّل المقتضى ضمن الدلالات الضمنية”تقدّم معلومة في شكل مقتضى معناه أنّه لا يمكننا أنا ومخاطبي الاعتراض عليها و إذا كان المقول ما أثبته لمخاطبي…فإنّ الاقتضاء ما أقدمه باعتباره مشتركا بيني وبينه وباعتباره متواضعا عليه يربط المشاركين في التواصل” . لكن هل يكون المقتضى دائما معلومة قديمة مسلما بها من طرف المخاطب؟
يتضح من خلال تحليل الأمثلة التي قدمها ديكرو أنّ منطلق دراسة الاقتضاء النظر في المقول، فالاقتضاء معنى مشتق من المعنى المقول. لذلك نجده يقيم مقابلات بينه وبين المحتويات الدلاليّة الأخرى من قبيل المقول(Pose)”فالمقتضى لا ينتمي إلى القول بنفس الكيفية التي ينتمي إليه المقول، ولكنّه ينتمي إليه بكيفية أخرى” ، والمضمر(Sous-entendu).
فالمقول معلومة جديدة تظهر في بنية القول بينما يكون المقتضى عنده معلومة قديمة”تمثل إطار التحادث” ، فتكون موجودة في البنية النحوية، إذ”يوجد اختلاف في الطبيعة بين المقتضيات والمضمرات، فالأولى تكون مسجلة في الجملة، وتكون الثانية مسجلة في مستوى القول” .
و ما يميّز الاقتضاء بوصفه إطارا أنّه”غير قابل للجدل أين يكون ضروريا لتسجّل المحادثة بوصفها عنصرا من الفضاء الخطابي” .
ولتمييز المقتضى من المقول يقدم ديكرو الأمثلة التالية:
8- أ- انقطع زيد عن التدخين.
ب-المقول:لا يدخن زيد حاليا.
ت-المقتضى:كان زيد يدخّن.
فالمتكلم من خلال القول(أ)أنجز:
عمل الإثبات(المقول)”لا يدخن زيد حاليا”.
عمل الاقتضاء:”كان زيد يدخّن”
يكشف التمييز بين مكوّنات القول الدلاليّة تمييزا بين القول والجملة والمعنى والدلالة وبين المكوّن النحويّ اللسانيّ والمكوّن البلاغيّ. وبناء على ذلك تكون الدلالة نتاج للجملة باعتبارها وحدة لغويّة مجرّدة، ويكون المعنى نتاج القول باعتباره الإنجاز المقامي للجملة ، وإنْ جوّز ديكرو أن تتضمّن دلالة الجملة في معنى الأقوال .
نلاحظ أنّ أسبقية المقتضى ضرورية في تحليل الأقوال اللاحقة وفهمها(المقول والمضمر والمستلزم). فيمكن للمخاطب أن لا يكون عارفا بالمقتضى فلا يستمر التخاطب ذلك أنّ إنجاز أي عمل لغويّ من قبل المتخاطبين يشترط إطارا تخاطبيّا يؤسس له المقتضى، وفي ظل غياب المقتضيات تصعب عملية تأويل الأقوال واستخراج مستلزماتها. إذ نجد حالات لا يكون فيها المقتضى معلومة مشتركة مسلما بها من طرف المتخاطبين ، بل إنّه قد يقدّم في الأقوال باعتباره معلومة جديدة:
9- لقد غيّرت أختي سيارتها القديمة.
لا يقتضي القول(9)معرفة المخاطب أنّ أخت المتكلم”تمتلك سيارة سابقا”وفي هذه الحالة لا توكل مسؤولية إنجاز عمل الاقتضاء إلى الصوت الجماعي”نحن”ويتهافت تصور ديكرو في نظرية تعدد الأصوات ويغدو المتكلم هو المقتضي وهو المسؤول عن عملية القول.ف” قائل المقتضى يكون في آن واحد المرجع الجمعي والشخص الفردي .
يكون المقتضى معلومة مسلّما بها غير قابلة للنقاش إذ يعلم المخاطب أنّ المتكلّم يفضل ألاّ يعارضه في المقتضى وأنّ يكون عارفا بالمقتضى ولا يستأنف القول انطلاقا منه وإنّما انطلاقا من المقول،ولعلّ هذه الفرضية تصحّ في الخطابات المثالية التي اقترحها ديكرو ولكنّ الأمر يغدو صعبا في خطاباتنا العادية اليومية وفي الحوارات السياسية وفي النقاشات الدينية في أيامنا هذه.
لئن كان قبول المخاطب بمقتضيات قول المتكلم يسهّل عليه انخراطه في المحادثة التي يحكمها مبدأ التعاون وقوانين الخطاب التي لا تعدو أن تكون مقتضيات، ويمكنه من أن يفهم كلام المتكلم ومعانيه المستلزمة، فإن ذلك لا ينفي في أحيان كثيرة تحوّل المحادثة إلى مواجهة وصراع(حجاج) يعمد فيها المخاطب بسبب عدم مطابقة المقتضيات مع اعتقاداته وتصوّراته عن علاقة القول بالعالم إلى نفي مقتضيات المتكلم.
فإذا رفض المخاطب”مقتضى المتكلم يجب عليه أن يحمل النقاش إلى الحجاج ويتحوّل الحوار إلى صدام” . لكن رغم اعتقاد المتكلم والمخاطب في صدق المقتضى، فإنه توجد حالات كثيرة تحد من صحته. وهي حالات تبطل فيها المقتضيات ويمكن التمييز بين مبطلات نظامية ومبطلات تداولية، ترتبط بمعارفنا حول العالم،ف”شرط الصدق يتعلّق بمعرفتنا ببعض الحقائق الثابتة حول العالم .
ما نلاحظه في مقاربة ديكرو للاقتضاء أنّها مقاربة اجتهدت في وصل التداولية بالنحو من خلال البحث عن أسس نحويّة لما قيل. لكنّ فصلها بين المكوّن اللغوي والمكوّن البلاغي حدّ من ذلك، وأوقعها من حيث لا يدري صاحبها في فصل البنية النحوية عن دلالتها، وفصل النظم عن النظام.
2-3- إبطال المقتضيات:(des présuppositions Annulabilité)
من المشاكل المطروحة في دراسة المقتضيات إمكانية إبطال المقتضيات في بعض السياقات وخاصة في السياقات التي تمر فيها المستلزمات من ناحية.وعدم مرورها في السياقات اللسانية التي تمر فيه المستلزمات خلافا لما ننتظره من ناحية أخرى.
الإبطال خاصية تسم المقتضيات والمستلزمات ففي بعض الوضعيات(السياق اللساني، السياق الخطابي…)تبطل المقتضيات التي تكون مرتبطة بتعبير أو ببنية لسانية. ونقترح أمثلة لإبطال المقتضيات ونحدد سبب ذلك:
– الفعل”علم” وهو فعل تحقيقي يقتضي صدق متممه، ولكنّ تحقق الفعل”علم”يبطل في حالة إسناده إلى المتكلم المفرد في المضارع المرفوع. فتغيّر الضمائر يمكن أن يكوّن عامل إبطال للمقتضيات وهو إبطال تداولي:
10- أ- يعلم زيد أنّ عليا جاء.
ب-لا يعلم زيد أنّ عليا جاء.
ت- >>جاء علي.
فالجملة المثبتة والجملة المنفية التي يسند فيها الفعل التحقيقي إلى ضمير الغائب تقتضيان الجملة المصدرة بالموصول الحرفي”أن “”جاء علي”. وهذه الحالة تختلف عن حالة الإسناد إلى المتكلم المفرد، فالجملة المثبتة(أ)هي التي تقتضي وحدها صدق متممها(ت)بينما لا يمكن للجملة المنفية(ب)أن تثبت حدثا ملغى ومقتضى معلوما من طرف المتكلم.
11- أ- أعلم أن عليا جاء.
ب-لا أعلم أن عليا جاء.
ت-جاء علي.
– في بعض الوضعيات التي لا يكون فيها السياق اللساني هو المسؤول عن إبطال المقتضيات، وإنّما تعود مهمة الإبطال إلى المعارف المشتركة بين المتكلم والمخاطب . لنفترض أن(أ)أبلغ(ب)أنّ زيدا حُرِمَ من التسجيل في الدكتوراه وأنّ(ب) يمكن أن يثبت في(12) دون أن يقتضي قوله(13)الاقتضاء الذي يرتبط بالفعل التحقيقي”أسف” مثلما يثبت في(14) و(15) التي تقتضي(16).
12- على الأقل،لا يأسف زيد على مواصلة بحثه.
13- واصل زيد بحثه.
14- يأسف زيد على عدم قدرته إتمام كتابة بحته.
15- لا يأسف زيد على عدم قدرته إتمام كتابة بحثه.
16- لم يتم زيد كتابة بحثه.
– في حالة أخرى لا تكون المعارف المشتركة الخاصة والسياق اللساني هما المسؤولان عن الإبطال، وإنّما تبطل معارفنا حول العالم المقتضيات. فالقضايا التي يتقدمها الرابط الزماني”قبل أن” تقتضي عموما مثلما يثبت(17)نسبيا(18)بينما لا يحافظ على المقتضى(18)في السياق(19).
17- بكت مريم قبل أن تنهي بحثها.
18- أنهت مريم بحثها.
19- ماتت مريم قبل أن تنهي بحثها.
في مقارنة(17) و(19)يقع إبطال المقتضى(18). و يعود سبب الإبطال إلى معارفنا حول الكون، فمن مات لا يستطيع أن يفعل شيئا. وفي هذه الحالة ليس بإمكان المخاطب الإدعاء بصدق المقتضى و الاعتقاد فيه.
– يقع تعليق الاقتضاء داخل القول المنفي عندما يثبت تبرير النفي نفي الاقتضاء مثلما توضحه الأمثلة التالية:
20- لا آسف أن يكون زيد قد مات بما أنه خلّد باعتباره بطلا.
21- لم يحاول زيد اجتياز الامتحانات:كل ما حدث أنه لم يحضر.
22- ليس لزيد أربعة أطفال،بما أنّ ليس له أي طفل.
في هذه الأقوال تعلّق أو تبطل المقتضيات التالية.
23- مات زيد.
24- حضر زيد الامتحان.
25- لزيد أطفال.
ما يصل المقتضيات بالمستلزمات لا يتوقف على خاصيّة الإبطال وإنّما يطرح في إطار مشكلة الإسقاط التي تولّد عن اعتماد مبدإ التأليفيّة في حساب المقتضيات والمستلزمات.
2-4- مشكلة الإسقاط:( le problème de la projection)
طُرِحت مشكلة الإسقاط في إطار الدلالة الشكليّة، ويعود ذلك إلى فشل الفرضيّة التراكميّة من ناحية ومراجعة الفرضية التأليفية لـ Frege. وتخصّ مشكلة الإسقاط مقتضيات الجملة المركبة.
تقوم الفرضية التراكميّة على اعتبار أنّ”معنى الجملة المركبة هو حصيلة تأليفية لمعاني أجزائها”. وقياسا تكون مقتضيات الجملة المركبة هي حصيلة تأليفية لمقتضيات أجزائها(الفرضية التراكمية)” . ومع ذلك نجد بعض السياقات التي لا تحافظ فيها الجملة المركبة على مقتضيات أجزائها. ف”مقتضى جزء ما لا يحافظ عليه في المجموع التأليفي للمقتضيات في الجملة” .وهو ما اصطلح عليه بمشكلة الإسقاط.
وإذا ربطنا ذلك بالمقتضيات، فإنه يمكن أن نعيد صياغة قانون الإسقاط على النحو التالي:
“مجموع مقتضيات الجملة المركبة هو الحصيلة التأليفية لمقتضيات القضايا(الأجزاء)المكوّنة لها.”
فإذا كانت الجملة ج0 حيث:
ج0 تتكون من متتالية من الجمل ج0= ج1+ج2……+ج ن
إذن مقتضيات ج0 = مجموع مقتضيات ج1،ج2….ج ن
لكنّ مبدأ الإسقاط الخاص بالمقتضيات لا يطبّق دائما، وقد قدّم التداوليون حالات عديدة يكون فيها الأمر مرهونا بثقب وسدادات ومصاف:
– نجد حالات تمر فيها المقتضيات بينما يتعطّل مرور الاستلزامات في هذه الحالة ترث الجملة مقتضيات الجمل المكوّنة لها وتسمى هذه الآليّة ثقب(trous) . وتوجد بعض السياقات اللسانية التي يمكن أن نعتبرها ثقوبا من ذلك حالات الفعل التحقيقي، النفي والجهات:
26- أوقف المفتش محمد ثلاثة أشخاص.
27- يوجد مفتش يدعى محمد.
28- أوقف المفتش محمد شخصين.
29- لم يوقف المفتش محمد ثلاثة أشخاص.
– توجد سياقات يتوقّف فيها مرور المقتضيات وتسمح بمرور المستلزمات وفي هذه الحالة لا ترث الجملة المركبة مقتضيات الجمل المكوّنة لها وتسمى الآليّة” السدادات”(blogs).
نأخذ مثال أفعال المواقف القضوية مثل اعتقد،طلب،ظنّ،حلم…وأفعال القول مثل قال،حكى…تعمل باعتبارها سدادات لا ترث الجملة المركبة مقتضيات المتممات المتصلة بها. فالقول(30)يقتضي(31)ولا يقتضي(32)
30- نفت الو.م.أ وجود محتشدات موت في العراق.
31- توجد محتشدات موت في العراق.
32- الناطق الرسمي لل و.م.أ قرر أن الو.م.أ نفت وجود محتشدات موت في العراق.
– توجد أبنية تسمح بمرور المقتضيات،في بعض السياقات،في حالات أخرى تعطّل مرورها. وتكون وراثة المقتضيات في هذه الحالة مرتبطة بالسياق، وتسمى هذه الآلية بـ”المصافي( filtres)
تعتبر العوامل(إذا)و(أو)الأبنية النوعية التي تعمل باعتبارها مصافي تسمح في بعض السياقات بمرور مقتضيات مكوناتها، ولكن في سياقات أخرى تعطلها. فالمصافي ترتبط بهذا العوامل التي تقوم تارة بدور الثقوب وطورا بدور السدادات. وقد اقترح كارتنن شروط التصفية التالية بالنسبة للعوامل (إذا) و(أو) .
التصفية “إذا”في جملة تتخذ الشكل إذا “ق” إذن “ض” ترث الجملة المركبة مقتضيات الأجزاء إلا إذا كانت “ض”لا تقتضي ” ر”و”ق” تستلزم”ر”.
33- إذا درس زيد اللسانيات،فإنه سيأسف.
نلاحظ أنّ نتيجة (33) هي “سيأسف زيد لدراسته اللسانيات” تقتضي “أنّ زيدا درس اللسانيات”، لكن هذا المقتضى لا يحافظ عليه في (33)، فهل يمكن للتصفية”إذا” تفسير هذا؟ قطعا إذا كانت”ق” = درس زيد اللسانيات”،و “ض” = أسف زيد لدراسته اللسانيات و “ر” = درس زيد اللسانيات فإننا نتحصل على العلاقات (34) يناسب أنّ التصفية تعمل وأن (33) لا تقتضي “ر”:
34- أ- “ض” تقتضي ” ر”.
ب-“ق” تستلزم ” ر”
التصفية “أو”في جملة تتخذ الشكل”ق” أو”ض” ترث الجملة المركبة مقتضيات الأجزاء إلا إذا كانت”ض” لا تقتضي “ر” و”لا ق” لا تستلزم “ر”.
لتفسير ذلك نأخذ المثال (119) حيث تكون:
35- ” ⌐ ق” مريم امرأة مرمونية “
“ض” توقفت مريم عن ارتداء لباس داخلي محترم.”
“ر” ارتدت مريم لباس داخلي محترم”
36- إما أن لا تكون مريم مورمونية أو أن تتوقف عن ارتداء لباس داخلي محترم.
يعمل المصفى (أو) لنرى أنّ (35)لا تقتضي (36) بما أنّ (35) تعطي شرعية للعلاقات في (37):
37- ارتدت مريم لباسا محترما.
أ- ” ض” تقتضي ” ر”
ب-“⌐ق” تستلزم ” ر”
نلاحظ أنه لكي تكون العلاقة(ب) مسلما بها يجب أن تفهم في سياق الجملة الاعتراضية، فكونها مورمونية يستلزم كونها ترتدي لباسا داخليا محترما.
- خاتمة:
إنّ النظر في التصوّر التداولي للمقتضيات انطلاقا من أنموذج التداولية المندمجة قادنا إلى عديد نتائج أهمّها:
– أنّ تصور ديكرو كان اختزالا لتاريخيّة الاهتمام بالمقتضيات وصفا ومراجعة ونقدا لذلك مهدنا لبحث المقتضيات في التداولية المندمجة بعرض موجز للعناية بها في البحوث الدلاليّة المنطقية الغربية. وهي عناية أشرنا إلى أهم تمفصلاتها ابتداء من تصور فريجه وتصور راسل وتصور ستراوسن.
– كانت البداية إشارة فريجه إلى المقتضى في مثاله الشهير”إنّ مكتشف شكل المدار الأهليجي مات معدما” ودراسته في علاقته بدراسة الشروط الصدقيّة في الأقوال واعتبر المقتضى شرط استعمال القول وبناء عليه تكون المقتضيات صادقة من قبل المتكلّم ليكون استعمال القول استعمالا ناجحا.
– أهم ما في التصوّر الدلالي إشارة ستراوسن إلى أنّ الاقتضاء علاقة تداولية بين الأقوال وتلميحه إلى أنّ المتكلم هو من يقتضي. وهي فكرة طوّر ت البحث التداولي في المقتضيات في اتجاهين مختلفين: اتجاه تداولي أول مع ستالكنر اعتبر المقتضيات مجموع الاعتقادات الخلفية لأقوال المتكلّم وتمّ ربط المقتضيات بالاعتقاد. واتجاه ثان “نحوي”وظيفي نظر إلى الاقتضاء بوصفه عملا لغويّا نظاميّا، وأقرّ بالدور الذي تقوم به المقتضيات في تحقيق انسجام الخطاب والقائلين.
– البحث التداولي في المقتضيات متعدد بتعدّد المدارس التداولية. وقد مهّد هذا التعدد لتنوّع في دراسة المقتضيات. وانتقل البحث مع ديكرو إلى اعتبار الاقتضاء عملا لغويا، والبحث عن ركائز نحويّة من خلال تحديد مستويات الدراسة بين مكونات العمل اللغوي، ووضع اختبارات تحديد المقتضى في مستوى الجملة ومستوى القول، ودراسة علاقة الاقتضاء بالمكونات الدلالية للقول. وطرحنا من خلال ذلك قضايا الإبطال والإسقاط في البحث التداولي عموما.
– إنّ التصوّر التداولي للمقتضيات على اختلاف الاتجاهات فيه تصوّر ارتبط في دراسته للمقتضيات بما هو منجز في المقامات التواصليّة ولم يسع- باستثناء مقاربة التداولية المندمجة وإن بكيفيّة أقل- إلى البحث عن أسس نحوية نظامية ترجع المنجز إلى النظام.
– إنّ تولّد مشاكل الإسقاط وتعدّد مولّدات المقتضيات وعدم معرفة من يقتضي وتداخل الاقتضاء مع المستلزمات الخطابيّة يكشف عن اضطراب نظري-منهجي متأت في تقديرنا من عدم الوعي بمستويات التحليل النحوي في الدرسين الدلالي والتداولي من ناحيّة وعدم الوعي بأنّ النظم صورة من النظام وأنّ العمل اللغوي صورة من العمل الإعرابي المجرّد وأنّ كل المقتضيات صورة من المقتضى الإعرابي المتحكم والحاضن للقول.
– ونفسّر الاضطراب الذي نجده في الدراسات الدلالية والتداولية بالاهتمام بالمنجز الذي لا يعدو أن يكون صورة من النظام وهو ما أسهم في فشل جلّ المقاربات في تقعيد ظاهرة المقتضيات وضبطها وأوقعها كل ذلك في مشاكل نظريّة وإجرائيّة.
– إنّ التصنيف الذي وسم الدراسات الدلاليّة والتداوليّة لمولدات المقتضيات أوقع أصحابها في خطأ اعتبار دراستهم للمقتضيات دراسة لسانيّة نحويّة تسعى إلى التقعيد والعلميّة وغيّب عنهم حقيقة أنّ ما اعتبروه مداخل نحوية تركيبية لا يعدو أن يكون مداخل معجمية ووقعوا في مأزق فصل معاني النحو عن معاني الكلم بل إنّهم عدّوا معاني الكلم التي هي أوضاع اللغة بعبارة الجرجاني معاني النحو،فغاب في تحاليلهم تناسق النظام وحلّت محله فوضى النظم.
- المراجع :
-Asher(R.E),(1994) ; « The encyclopedia of language and linguistics »,Oxford-New-York-Tork-
Seoul,Percumon Press.
– Ducrot(O);(1977) ; »Le roi de France est sage »
;(1969) » Présupposés et sous-entendus », Langue française, n°4, 1969. La sémantique.
(1972)(1998) ; (1): »dire et ne pas dire ;principe de sémantique »Hermann,Paris.
(1980)Les mots du discours ;Ed ;de Minuit,Paris.
(1984), »Le dire et le dit » ,les éditions de minuit,1984.
-Fauconnier Gilles ; (1984) »Projection de présuppositions et application à la négation ». In: Langue française, n°62, 1984. La négation. pp. 12-36;
– Frege (Gottlob)( 1892) »Ueber Sinn und Bedeutung «Sens et dénotation» in Zeischrift für Philosophie und philosophische Kritik 25-50.
-Gazdar( G) ; (1979) ; » Pragmatics, Implicature, Presupposition and Logical Form », New York, Academic Press.
-Grice(H.Paul),(1979) ; »Logique et conversation », communication, (trad de logic and conversation 1975)
(1991) ; »Logic and conversation » , (in)Conditionals,Edited by Frank Jackson,Oxford University Press,New York
-Karttunen(L) ; (1973) « Presuppositions of Compound Sentences in Linguistic Inquiry, 4, 169-193.
(1971) « Implicative verbs », Language, 47(2): 340–358.
–
– Levinson(S),(1983) ; » Pragmatics » ; Cambridge, Cambridge University, Press.
(2000) ; » Presumptive Meanings ; The Theory of Generalized Conversational Implicature » ; Cambridge (MA), The MIT Press.
-Martin(Robert) ;(1976) ; »Inference ;Antonyme et paraphrase,Element une théorie sémantique,librairie C ,Klincksieck.
-Moeschler et Reboul (1994) »Dictionnaire Encyclpedique du pragmatique » ,Editions du Seuil.
-Moeschler( J)et Auchlin(A) ;(-19972009) ; » Introduction à la linguistique contemporaine, Paris, Armand Colin, 3é edition.
-Oreccechioni-Kerbrate(C) ;(1986) »L’implicite »Armand Colin Paris .
– Russell( B) ; (1905) ; »On Denoting in Mind » 66, 385-389
-Stalanker(R) ;(1970) ; »pragmatics »pp300-400,in Davidson,D,Harman G(eds),semantics of nature langage,Rediel Publishing Company,Diordreclit-Hollond.
(1972) ; »présupposition,pp30-41,in Hockeney
-Strawson( P) (1950) ;On Referring in Mind LIX, 320-344.
( 1952 );”Introduction to Logical Theory”, London, Methuen
(1977);”Etudes de logique et de linguistique”,Seuil,Paris
-Zuber(Rezuard) ;(1972) ; »structure présupposition du langage »charge de cours à l’université de paris8,dunod Paris n17.
– Yule(george),(1996), »Pragmatics »H.G .Wtddowson,linguistics
لماذا نلجأ إلى الاقتراض من الأفق المنطقي أو توليد مصطحات وفي تراثنا اللغوي والبلاغي والأصولي ما يفي بالحاجة مفهوما ومصطلحا وهو مقتضى الحال أو مقتضى النص أو اقتضاء
مقال ممتاز، وجامع في تخصصه. غير اننا نختلف مع الكاتب في ترجمة présupposés بالمقتضيات. فالترجمة التي اختارها الكثير وهي الأنسب في نظرنا هي الافتراض المسبق