الإشاريات والاستلزام الحواري في التداوليات
- الإشاريات الاجتماعية Social Deixis
وهي ألفاظ أو عبارات تشير إلى العلاقة الاجتماعية بين المتكلمين والمخاطبين من حيث هي علاقة رسمية formal، أو غير رسمية informal، أو علاقة حميمة intimacy أو غير حميمة non-intimacy أو غير ذلك من مستويات العلاقة.
والعلاقة الرسمية يدخل فيها صيغ التبجيل (honorific forms) في مخاطبة من هم أكبر سنا ومقاما من المتكلم كاستخدام vous في اللغة الفرنسية للمفرد المخاطب تبجيلا له، أو مراعاة للمسافة الاجتماعية، أو حفظا للحوار في إطار رسمي. أما الاستعمالات غير الرسمية والحميمة فتتخلص من هذه القيود جميعا.
الاشارات الاجتماعية في اللغة العربية تشمل صيغ
الألقاب مثل فخامة الرئيس، الأمام الأكبر، جلالة الملك، سمو الأمير، فضيلة الشيخ،
السيد، السيدة، الآنسة،
حضرتك، سيادتك، سعادتك، جنابك،
معالي الباشا، هانم.
- الافتراض السابق Presupposition
يعنى الافتراض السابق بالمعلومات المشتركة بين المتكلم والمتلقي، أي يوجه المتكلم حديثه إلى السامع على أساس مما يفترض سلفا انه معلوم له، فإذا قال رجل لرجل آخر (أغلق النافذة)، فالمفترض سلفا أن النافذة مفتوحة.
وأن هناك مبررا يدعو إلى إغلاقها، وأن المخاطب قادر على إغلاقها، وأن المتكلم في منزلة الآمر، وكل ذلك موصول بسياق الحال وعلاقة المتكلم بالمخاطب؛ وتتضح أهمية الافتراض السابق في تأسيس المتكلم حديثه وتواصله مع المتلقي على أساس المعلومات السابقة المشتركة بينهما.
- الاستلزام الحواري Conversational implicature
يرجع البحث في هذا المجال إلى الفيلسوف “جرايس” أن الناس في حوارتهم:
قد يقولون ما يقصدون،
قد يقصدون أكثر مما يقولون،
قد يقصدون عكس ما يقولون.
فحاول إيضاح الاختلاف بين ما يقال وما يقصد، فما يقال هو ما تعنيه الكلمات والعبارات بقيمها اللفظية الظاهرة، وما يقصد هو ما يريد المتكلم أن يبلغه إلى السامع على نحو غير مباشر، اعتمادا على أن السامع قادر على أن يصل إلى مراد المتكلم بما يتاح له من أعراف الاستعمال ووسائل الاستدلال فحاول إقامة معبرا بين المعنى الصريح explicit meaning والمعنى المتضمن inexplicit meaning ومن هنا نشأت فكرة الاستلزام implicature.
ورأى جرايس أن من أهم مبادئ لحل مشكلة سوء التفاهم الذي تنشأ بين الناس مبدأ التعاون ومبدأ التأدب في الكلام.
- مبدأ التعاون Principle of co-operation
يعد من أهم المبادئ التي تهتم به التداولية لأنه مهم في إنجاح المحادثة، أي أن المتحادثين يتعاونون لاستمرار الحديث من خلال المساهمة والمشاركة في الحدث الكلامي المتواصل.
وهو أن تجعل اسهامك في التخاطب بحسب الحاجة؛ أي يقع في الحال التي ينبغي أن يقع فيها، وفقا للغرض المقبول، ووفقا لاتجاه المبادلة الكلامية. ومبدأ (التعاون) يتجسد في أربعة مبادئ فرعية هم:
مبدأ الكم Principle of quantity: هو أن تجعل إسهامك في الحوار بالقدر المطلوب دون أن تزيد عليه أو تنقص منه.
مبدأ الكيف Principle of quality: هو ألا تقل ما تعتقد أنه غير صحيح، ولا تقل ما ليس عندك دليل عنه.
مبدأ المناسبة/ العلاقة Principle of relevance/ relation: هو أن تجعل كلامك ذا علاقة مناسبة بالموضوع؛ ولهذا المبدأ مظهران وهما أن اسهامك يرتبط بمحور بعينه ويكون لهدف بعينه.
مبدأ الطريقةPrinciple of manner: هو أن تكن واضحا ومحددا؛ فتجنب الغموض واللبس، وأوجز، ورتب كلامك.
ولكن الملاحظ أن الناس كثير ما يخالفون هذا المبدأ، فرأى كثير من الباحثين أن مبدأ التعاون تعبير عن فردوس الفلاسفة وإنه لا يمت إلى الواقع بصلة، وهذا الانتهاك للمبادئ هو الذي أدى إلى الاستلزام الحواري.
- مبدأ التأدب في الكلام
وهذا المبدأ لا يقل أهمية عن مبدأ التعاون، يفرض على المتحدثين أن يحترم بعضهم بعضا في الكلام كأن يحاول شخص الأعتذار أو تهوين تبليغ خبر أو مؤلم أو مزعج.
ويختلف مبدأ التأدب في الكلام من بلد لبلد ومن حضارة لحضارة أخرى؛ فنجد مثلا اختلاف طرق “الاعتذار” بين البلاد العربية وكوريا؛ فيبدأ الكوريون بالاعتذار مباشرة ثم قول الأسباب ولكن الاعتذار عند العرب غير مباشر، فيبدأ العرب بقول الأسباب ثم الاعتذار، وأحيانا قد يؤدي هذا الاختلاف بين الثقافات والحضارات إلى سوء التفاهم بين الشعوب.