“جان بول سارتر” والوجودية العربية – الصدمة والقطيعة
نهاية سنة 2018، أصدر يوئاف دي كابوا، أستاذ التاريخ في الولايات المتحدة الأمريكية، كتابًا تحت عنوان: “لا يوجد مخرج.. الوجودية العربية، جان بول سارتر وزوال الاستعمار”. استحضر بين صفحاته تجربة لم يتم تقديرها بما يكفي، أرسى معالمها تيار الوجودية العربية.
استلهم الباحث من جديد تأثير كتابات سارتر في منطقة الشرق الأوسط، ويوضح كيف أن انحياز الفيلسوف إلى جانب إسرائيل خلال حرب يونيو 1967، أعلن نهاية مذهب الوجودية العربية.
خلال فترة طويلة، تمثلت علاقة جان بول سارتر مع العالم العربي في انخراطه مدافعًا عن القضية الجزائرية. التزام سياسي ومناهض للاستعمار، أعيد التذكير به ثانية أواخر سنة 2018، حينما بادرت دار النشر غاليمار إلى إصدار طبعة جديدة لكتاب سارتر مواقف، الذي تضمن مختلف كتابات الفيلسوف حول الجزائر.
غير أن الدراسة المنجزة من طرف دي كابوا انتقلت بنا أكثر نحو منطقة الشرق، حتى نكتشف مرة أخرى حقبة مهملة من التاريخ الفكري للعالم العربي، حينما ”هيأ الشرق الأوسط المجال الأكثر خصوبة للوجودية خارج أوروبا، واعتبرت الأنتلجنسيا العربية سارتر، بطلها المطلق”. فيما يتعلق بهذا التاريخ، تستعيد أساسا الذاكرة الجماعية تلك الصفحة الأخيرة، المتعلقة بالتمزق: موقف سارتر المساند لإسرائيل إبان حرب يونيو 1967.
لذلك أخذ العمل على عاتقه مهمة السفر ثانية عبر الزمان، كي يروي تفاصيل قرابة عقدين من قراءة وتمثّل وترجمة إنتاج وفكر سارتر، حتى يشرح سبب اعتبار المثقفين العرب آنذاك موقف سارتر خيانة، ثم الحقيقة السياسية التي ترجمتها القطيعة.
لقد شكلت زيارة جان بول سارتر، وسيمون دي بوفوار وكلود لانزمان، إلى مصر شهر فبراير 1967 ثم توالي أحداث تلك السنة المرعبة (باستعادة تعبير الكاتب)، إطارًا للسرد والتحليل التاريخيين للباحث يوف دي كابوا، ومنحت خاصية للكتاب. لأن تاريخ الوجودية العربية، بمثابة تاريخ لقاء بين الحقيقة السياسية والاجتماعية للشرق الأوسط ثم النصوص الوجودية، نصوص مارتن هيدغر في المقام الأول، ثم خاصة، المشروع الفلسفي والأدبي لسارتر.
في البداية، هناك السياق السياسي للمرحلة: إذا كان فكر سارتر قد شهد انطلاقته بعد الحرب العالمية الثانية، سواء فلسفيا انطلاقًا من كتابه الوجود والعدم أو أدبيًا وسياسيًا مع مؤلَّفه الآخر المعنون بـ: ما الأدب؟ ثم إصداره مجلة الأزمنة الحديثة، فقد تجلى أيضًا التفاعل في منطقة شرق البحر الأبيض المتوسط.
فعلاً، بدأ المسار النضالي ضد الاستعمار في الشرق الأوسط عقدًا من الزمان قبل بلدان المغرب، هكذا استقلت لبنان عام 1943، وعرفت مصر سنة 1946 إعادة انتشار الوحدات العسكرية البريطانية خارج المدن الكبرى (بقيت حاضرة في منطقة قناة السويس).
في إطار هذا السياق، ناقش عبدالرحمن بدوي، أبرز وأشهر وجودي عربي، شهر مايو 1944، أطروحة في جامعة القاهرة، دشنت انطلاقة الفلسفة العربية الحديثة.
بدوي المتشبع بالفلسفة الألمانية، لكن دون أن يغيب عن نظره رهان الأصالة الثقافية، من ثمة سعيه “الجمع بين الوجودية الظاهراتية لهيدغر ”والفلسفة الإسلامية. تكمن، بالنسبة إليه، نقطة الانطلاق بخصوص إشكالية الذاتية والحرية الفردية، بين مفاهيم الوجوب والإمكان من جهة، ثم الحرية ضمن سياق الآخر.
الانتقال من الفيلسوف الألماني وجهة الفرنسي، ومن الوجودية صوب الأدب الملتزم، حدث عندما شرح عبدالرحمن بدوي التصور السارتري قبل ترجمته إلى العربية، ورأى فيه إمكانية بالنسبة للفرد من أجل “بلورة ممكناته عبر الحرية الجذرية”.
غير أن سياق الحرية، المنطوي على تطلعات جديدة، اصطحبته كمية أحزان بالنسبة لشباب واجهته الصدمة الاستعمارية. لذلك كتب بدوي: “نحن جيل من الشباب ألقي به إلى غياهب عالم مجهول”.
عالم جديد اقتحمه هذا الجيل محمَّلاً بإرث ثقيل: “شعور مضن بالضياع، الإهانة، الخزي، الإحباط والهوان”، بينما في الجهة الأخرى من البحر الأحمر، يعاني الفلسطينيون النكبة”. جوابًا على وضعية كهذه، اعتنق البعض الوجودية، مثل فايز صايغ، العضو المستقبلي لمنظمة التحرير الفلسطينية واللاجئ الفلسطيني إلى بيروت: “نحن جيل في تعارض مع عالمه. لا ننتمي أبدًا إلى العالم الراهن، ولا نشعر قط بالانتماء”.
فكيف إذن لا يعثر على جواب لقلقه، مع الكلمات، التي افتتح بها سارتر العدد الأول من مجلة الأزمنة الحديثة: “لا نريد أن نخفق أي شيء من زماننا: ربما قد يكون أفضل، لكنه زماننا؛ فليس لنا سوى هذه الحياة كي نعيشها، في خضم هذه الحرب، وربما الثورة”.
تحقق انتشار الوجودية نتيجة مجهود هائل على مستوى الترجمة، والنقد والتأليف. شغل زوجان رمزيان، مركزية هذا المشروع: عايدة مطرجي وسهيل إدريس في بيروت، ثم ليليان ولطفي الخولي في القاهرة، مع عبور ضروري لمدينة باريس، بالنسبة لهذا الثنائي أو ذاك، حيث كتب سهيل إدريس روايته الشهيرة الحي اللاتيني.
تكمن إحدى الامتيازات الكبرى للدراسة التي أنجزها يوف دي كابوا، في حجم الأرشيف المعتمد وكذا استناده على بيبليوغرافية ثرية جدًا حلقت بنا ثانية نحو العالم الأدبي والفكري للحقبة، عبر استعراض أهم القضايا الأساسية التي طرحها نتاج سنوات الخمسينيات والستينيات.
في هذا الإطار، ورث سهيل إدريس لقب “الراهب الكبير للالتزام”، صيغة حددت سابقًا جان بول سارتر. هكذا، وكما فعل الأخير، لم يفصل سهيل إدريس الوجودية عن الالتزام.
أيضًا على منوال سارتر، أسس سهيل إدريس مجلة “الآداب”، منبر فلسفي وسياسي، شكل مقدمة لتأسيس دار النشر الشهيرة التي تحمل نفس الاسم في بيروت. أخيرًا، وعلى خطى سارتر دائمًا، لم تنفصل رمزيته وكذا متواليات عمله عن مسار رفيقة دربه عايدة مطراجي، التي ندين لها بفضل ترجمة العديد من مؤلفات سارتر، وأحيانًا في وقت قياسي.
من جهة ثانية، لا ينحصر التماثل عند حيثيات النشاط الذهني، بل جسدته أيضًا نماذج الحياة. فإذا ملأ سارتر، بوفوار ورفاقهما زوايا مقاهي سان جيرمان، سنجد مقابل هذا، تحول سطوح شارع الرشيد في بغداد، عاصمة الوجودية العربية، إلى فضاء للالتقاء.
بحيث ناقش المثقفون هناك، مثل نظرائهم الباريسيين، جل ما يهم أحوال البلدان العربية، لأن الوجودية تركز على اليومي. هكذا، كتب دي كابوا، كما الشأن في باريس فترة ما بعد الحرب، صارت الوجودية “كلمة يبدو أن الجميع يفهمها، وحركة فلسفية يفترض أن الجميع يستوعبها، إنها أفق يومي فضفاض وسديمي بدا أن الجميع قد تبناه”.
مع ذلك، يطرح أحيانًا تصنيف دي كابوا للمثقفين الوجوديين، سؤالاً، قدر ما يبدو أنه يدرج تحت هذا التصنيف رافدًا من روافد الأدب العربي الحديث، دون تعليل لمستويات تأثره بالوجودية.
هكذا حينما يستحضر التأسيس العراقي لـ”القصيدة الحرة” (بالمعنى النظري للكلمة) مع نازك الملائكة وبدر شاكر السياب. أن يكون عمل هذين العظيمين العراقيين، مجدِّدا للقصيدة العربية ثم ملتزمًا سياسيًا، فلا ريب في ذلك، لكن عن أي تأثير للوجودية يمكننا حقًا أن نتكلم؟.
من يقول حداثة ونهضة، يتحدث عن قطيعة. بحيث بدأ سارتر كتابه/البيان: ماالأدب؟ بلهجة ساخرة: “سيكشف ناقد قديم عن شكواه مفصحا بلطف: ”تتوخون اغتيال الأدب؛ يتسع مدى ازدراء الآداب الجميلة بوقاحة بين صفحات مجلتكم”.
وفي مكان ثان، سيهاجم أندري جيد من خلال روايته ثمار أرضية، التي رأى فيها نموذجا ناجزا عن الرواية البورجوازية.
فيما يتعلق بالسجالات، تجاوزت موضوع الشرق الأوسط. بحيث اضطلع سهيل إدريس بدور سارتر للدفاع عن أدب عربي ملتزم متحرر من عبودية الاستعمار، كي يحاكم ضمنيا بجانب أشياء أخرى طه حسين، صديق أندري جيد والمدافع المستميت عن نظرية الفن للفن وكذا أوروبا باعتبارها نموذجًا ثقافيًا.
مع ذلك، انصب أساسًا اهتمام دي كابوا على الوجوديين ”غير المتسيسين” إلى أبعد حد. أشاد الباحث بحماسة على التفاعل وكذا السعي إلى التجديد، لكن خاب أمله حينما انتهى استدلاله على تبيّن خيوط الارتباط بإيديولوجية سياسية، سواء القومية العربية أو الشيوعية.
استعاد دي كابوا، تفاصيل المؤتمر الثالث للكتّاب العرب سنة 1957، وتحديدًا مداخلة محمود المسعدي، الكاتب التونسي والمناضل من أجل استقلال بلده واصفا إياه بـ”العقل الحر” (يفهم من ذلك، عكس رفاقه). بحيث حذر المسعدي في مداخلة عنوانها ”حماية الكاتب العربي والقومية العربية”، رفاقه المصريين من كل أشكال إذعان الكاتب أو هيمنة السياسي على الثقافي.
لكن المسألة التي أغفلها دي كابوا، أنه بعد انقضاء ستة أشهر، من دعوته تلك، سيتولى محمود المسعدي منصب وزير التعليم في الحكومة التونسية، خطوة أولى ضمن مسار سياسي طويل، كما الشأن بالنسبة لأندري مالرو في ظل حكم شارل دوغول، قاده إلى الإشراف على وزارة الشؤون الثقافية ثم رئاسة مجلس النواب خلال أواخر حقبة الرئيس الحبيب بورقيبة.
أبدى دي كابوا، تقييمًا شديد اللهجة في حق المثقفين العرب الذين أشادوا بـ”الامتثال للدولة القومية العربية، لأنها تمثل النموذج الصائب للالتزام”، دون التفكير في بداهة البعد المناهض للإمبريالية الذي يبرر اختيار هذه الإيديولوجية.
ثم يتطرق في خضم ذلك– صوابًا- إلى موضوع قمع النظام الناصري لمثقفي اليسار، مستدعيًا فقط بانعطافة جملة لا غير، إحدى أكبر المنجزات، يعني تأميم قناة السويس، دون إثارة الانتباه إلى مجمل البعد المناهض للاستعمار.
تسارعت وتيرة الترجمة بداية سنوات الستينات، أصدر سارتر كتابه نقد العقل الجدلي، بحيث توخي فصله الأول التوفيق بين الوجودية والماركسية.
هنا أيضًا، هاجم دي كابوا تفسيرا وُجِّه إيديولوجيا من طرف مترجمي سارتر، بالإشارة مثلاً إلى ترجمة جديدة لكتاب المادية والثورة (نص 1946) أنجزها المفكر السوري جورج طرابيشي، الذي وظف “عنوانا مخادعا” هو ”الماركسية والثورة”، كي “يخلق الانطباع بأن الماركسية، الاشتراكية والوجودية السارترية تشكل نفس النسيج الثوري”.
بالتالي، لا أثر لترجمة طرابيشي، ليس فقط جراء عدم إحالة دي كابوا عليها، بل لأن طرابيشي نفسه، تكلم عن هذا النص وفق عنوانه الأصلي في كتابه سارتر والماركسية .
أكثر من ذلك، ليس طرابيشي من فكر تلقائيًا في الاشتغال على هذا التقارب بين الفلسفتين، لكن سارتر نفسه، جوابًا على انتقادات جورج لوكاتش: “من المضحك أن لوكاتش، في العمل الذي أشرت إليه، اعتقد بتميزه عنا حين تذكيره بالقاعدة الماركسية للمادية: “أولوية الوجود على الوعي”، لأن الوجودية – مثلما يدل عليها اسمها جدًا- جعلت هذه الأولوية موضوع إقرارها الجوهري”.
عثر المثقفون العرب في كتابات سارتر حول الجزائر– لاسيما مقدمة كتاب “معذبو الأرض” لصاحبه فرانز فانون- المترجمة آنذاك إلى اللغة العربة صدى نظريًا لواقعهم، ومنذئذ تطلع هؤلاء المثقفون صوب: “كونية الموضوع الإيتيقي لليسار”، إطار يجعلهم: “متحرِّرين من عبئهم الاستعماري”.
انخراط سارتر في قضايا بلدان كثيرة منتمية إلى العالم الثالث، جعل الرؤية المثالية أكثر تحققًا بتأثير من الوجودية، لاسيما في العالم الثالث الذي شكَّل مسرحًا لنضالات حركات تحررية، في بلدان الجزائر، والكونغو وفيتنام…أو فلسطين، بحيث أعيدت قراءة الواقع على ضوء وجهة نظر تحليلات سارتر للحقيقة الاستعمارية، وأكد مفكرون مثل فايز صايغ على رمزيتها الأممية بالنسبة للسياق الاستعماري الجديد.
كان منتظرًا حينئذ من المثقفين العرب تبني قضية الفلسطينيين. لكن، مثلما طرح دي كابوا، السؤال التالي: “هل كان سارتر سارتريا؟”.
بداية سنة 1967، حاول كل طرف استمالة الفيلسوف لصالح قضيته. استحضر الإسرائيليون ثانية لصالحهم الخطاب الليبرالي القومي والاشتراكي الرائج. تجاذبات وجهة نظر سارتر، وتردداته ثم تأثير محيطه نتيجة تأثر موقفه بتوجيهات محيطه القريب (سواء تعلق الأمر ب سيمون دو بوفوار، كلود لانزمان أو أرليت إلكايم ابنة سارتر بالتبني)، فقد رصد دي كابويا سياق ذلك بدقة، معتمدًا على مصادر من الأرشيف أميط عنها اللثام لأول مرة.
سافر سارتر وبوفوار ولانزمان إلى إسرائيل دون أي اهتمام يذكر من طرف مسؤولي الدولة العبرية، مما أجبر سارتر على إلغاء مختلف لقاءاته التي بُرمجت سابقًا مع العسكريين الإسرائيليين لاسيما إسحاق رابين. وتردد في الاستجابة لدعوة بن غوريون.
مع ذلك، أبان عن نفوره فيما يتعلق بالإفصاح عن موقف واضح- للمرة الأولى- مميزًا بين الإشكالية الصهيونية ثم وجود إسرائيل، مع تأكيده على حق الفلسطينيين اللاجئين في العودة إلى غزة، لكنه دون تطرقه أبدًا إلى المسألة الإسرائيلية-الفلسطينية، من زاوية الهيمنة الاستعمارية.
انتهى السياق بعنصرين لتحديد الموقف: أول لقاء سارتر في إحدى الكيبوتزات مع الناجين من الإبادة، ثم تحرك اليهود في فرنسا، إبان الحرب، والذين: ”أحيوا ثانية تلك اللحظة المؤلمة حينما سلمت الحكومة الفرنسية اليهود الفرنسيين إلى النازيين”.
سيبرر سارتر موقفه بين صفحات إحدى أعداد مجلة ”الأزمنة الحديثة” الصادر إبان حرب 1967، كما لو يتشابه سياق سنتي 1940 و1967. يقول بهذا الخصوص: “أريد فقط التذكير، بأن هذا التحديد العاطفي، لدى العديد منا، ليس بلا أهمية فيما يخص ذاتيتنا، بل يعكس مفعولاً عامًا لظروف تاريخية وموضوعية تمامًا غير مهيئين لنسيانها.
هكذا تنتابنا حساسية مفرطة نحو جل ما يمكنه أن يشبه، من قريب أو بعيد، معاداة السامية. يكون جواب العديد من العرب بالكيفية التالية: نحن لا نعادي السامية، بل إسرائيل” .ربما تبريرهم صائبًا: لكن هل بوسعهم أن يحظروا علينا اعتبار هؤلاء الإسرائيليين، يهودًا أيضًا؟”.
بالنسبة للذي تأمل الاضطهاد بمفاهيم الغيرية، فقد انتهى التقابل بين هذين المتباينين، الإسرائيلي والفلسطيني، إلى تدرج أعطيت في إطاره الأسبقية للمرجع التاريخي الأوروبي وليس الإتيقا الكونية، مما ألغي فجأة كل إمكانية للاختيار.
لا يتجاهل سارتر معاناة الفلسطينيين ولم يتوقف عن تجديد تعاطفه معهم. بيد أنه يعمل من خلال موقفه على تحيين جديد لكلمات إيمي سيزير الواردة في كتابه: خطاب عن الاستعمار. حين استحضاره لمسألة إبادة اليهود وكذا السخط الذي تثيره: “ليست الجريمة في ذاتها، الجريمة ضد الإنسان،
ولا إذلال الإنسان في ذاته، بل هي جريمة ضد الإنسان الأبيض، إهانة الإنسان الأبيض، وفكرة معاناة ”الإنسان الأبيض بسبب أشخاص بيض آخرين”، حسب صيغة دافيد بن غوريون. تأويل من هذا القبيل، وجَّه في نهاية المطاف سارتر، على حساب حقيقة فلسطينية ملموسة جدًا.
إذن، تجلت خيبة الأمل بذات مقدار الإعجاب، هكذا ارتفعت أصوات في العالم العربي، من بينها صوت سهيل إدريس، تطالب بأن يُستبدل سارتر بمفكرين آخرين، لاسيما البنيويين خلال تلك الحقبة. حظرت بغداد أعماله، وأحرقت كتبه في الجزائر.
هكذا، وقبل الإعلان عن هزيمة حرب يونيو 1967، شكلت الوجودية العربية أول ضحاياها. ثم أغلق المثقفون العرب الباب أمام توجه كوني جراء تنكره لهم.
* مرجع المقالة:
Orient xxi :20 Aout 2019.