فكر وفلسفة

فكر وفلسفة شوبنهاور

لاحظ شوبنهار أن الوجود يقوم على أساس من الحكمة والخبرة والغائية، وأن كل شيء في الوجود دليل صادق على إدارة الفاعل وقدرته وحكمته وخبرته وإتقانه.


دفع مزاج شوبنهاور به إلى اختيار نوعية معينة من الكتب، وكان اختياره منصباً على دراسة بوذا ثم كتب الديانة الهندية، وتعمق لديه الإحساس بأن الحياة شر، وأن الحياة ليس فيها إلا الألم والمرض والشيخوخة والموت. والديانة الهندية تقوم على أن الحياة قائمة على أنواع من الشرور الطبيعية والخلقية.


في الحديث عن غريزة الجنس، لشوبنهاور موقف خاص جداً من هذه الغريزة، وموقفه هذا كان أساساً لمواقف بعض الفلاسفة، وسنداً لمذاهبهم، وتحديداً مذهب فرويد في علم النفس ومدرسته التي قامت على أساس من التركيز على دافع الجنس.


إن شوبنهاور يعلي من شأن الدافع الجنسي لدى الإنسان والحيوان، ويجعل منه الركيزة الأساسية التي تدور عليها حياة الفرد والجماعة، بل يجعل منه الأساس الأوحد الذي تدور عليه الحياة عند كل الكائنات، وبخاصة الإنسان، ومن ثم فإن الجنس هو مفتاح السلوك الإنساني، وعلى أساس منه يمكن تفسير كل سلوك إنساني من الألف إلى الياء.


قامت فلسفة شوبنهاور على الأسس الآتية:

أن الوجود عبارة عن المادة المطلقة، فليس في الوجود سوى المادة
أن العلم عبارة عن (إرادة وفكرة).
الإرادة الكلية في الطبيعة عنايتها تنصب على الحفاظ على الحياة في الأنواع، ولذلك تهتم بالإبقاء على الأنواع في النبات والحشرات والحيوان والإنسان، وهي في اهتمامها بالنوع، لا تلقي بالاً إلى الأفراد الذين تطحنهم الآلام، ويعذبهم الشقاء، ويغرقون في بحار المآسي والشرور.


الموت هو عدو الإرادة الكلية، وهو الذي يحاول أن يقضي على الحياة والأحياء، ولكن الإرادة الكلية تهزمه عن طريق غريزة الجنس التي تدفع الأحياء إلى التزاوج والتناسل، وبذلك تعوض الإرادة عن طريق النسل ما يأخذه الموت، وتبقي الحياة والأحياء تحقيقاً لرغبة الإرادة الكلية.


الحياة كلها، بل الوجود كله شرور وأحزان ومشقات وآلام، وليس في الوجود كله خير قط، ولا يعرف معنى السعادة, وأقصى ما يتصور من خير في الوجود، أن تقل شروره نوعاً أو تخف آلامه هوناً. الشر والشقاء والتعاسة هي جوهر الحياة، وحقيقة الوجود، وهذه الأشياء هي الجانب الإيجابي في الحياة.


أما ما يسمى بالسعادة، أو اللذة، أو الخير أو غير ذلك، فليست أموراً إيجابية، بل هي أمور سلبية، بمعنى أن السعادة ليست إلا سلب الآلام، واختفاء الشقاء أو التخفيف منه قليلا، ومن ثم فلا وجود لشيء اسمه السعادة أو اللذة، ولكن هناك شقاء وتعاسة وآلام، قد تكون شديدة، وقد تخف قليلاً أو كثيراً, فيسمي الناس هذه الحالة سعادة أو لذة.


وسيلة الإرادة الكلية في تنفيذ غايتها من بقاء النوع في الإنسان أمران: العقل، والغريزة الجنسية.
عودة إلى ما قرره فيلسوف التشاؤم، من أن الوجود كله شر.فالوجود شر، لأن الألم والتعاسة هما الشيء الإيجابي، وأما ما نسميه سعادة ولذة، فهو أمر سلبي، فلا يزيد عن كونه سلباً للألم أو تخفيفاً منه للحظة، ثم تنتهي تلك اللحظة ليأتي الألم من جديد.


لكل ما تقدم من أدلة على أن الحياة آلام، والوجود شر – فيما يزعم شوبنهاور – فإن الفيسلوف يدعو إلى نبذ الحياة – ويرغب في الانتحار تخلصا من شقاء الحياة وشرورها.


والفيلسوف – وهو يرَغب في الانتحار ويدعو إليه – يبين أن الموت في ذاته لا يسبب للإنسان ألما قط، ولكن الناس يتألمون من فكرة الموت أكثر مما يتألمون من الموت نفسه ؛ لأن الإنسان لايلتقي بالموت أبدا، فكيف يتألم منه ؟ إن الإنسان طالما هو حي لم يمت.


فهو لا يرى الموت ولا يلتقي به ومن ثم لا يتألم منه، فإذا ما انتحر الإنسان ومات، فإن الموت حين يجيئ يكون الإنسان قد ذهب، وعلى ذلك فالإنسان يخاف من فكرة الموت، لكن الموت حين يجيئ ويقع يكون الإنسان قد استراح من شقاء الحياة وآلامها.


وتخلص نهائيا من الإرادة الكلية العمياء الشريرة التي لا عمل لها إلا ترغيبه في الحياة وإغراؤه بها ليظل يصلى شقاءها وآلامها.

بالعربية

بالعربية: منصة عربية غير حكومية؛ مُتخصصة في الدراسات والأبحاث الأكاديمية في العلوم الإنسانية والاجتماعية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى