العبثية – آخر المذاهب الأدبية
ظهرت العبثية في الأدب بعد المدرستين (التجريدية والسريالية) في الفن التشكيلي، والعبثية مذهب أدبي يستخدم في الرّوايات والمسرحيات والقصائد التي تركزّ على تجارب الشّخصيات في الأوضاع التي لا يستطيعون فيها إيجاد هدفٍ أصيلٍ في حياتهم. وغالباً ما تتمثل هذه الأوضاع بأحداثٍ وأفعالٍ لا معنى لها مطلقاً.
ويتم استخدام السّخرية، والكوميديا السّوداء، والتّناقض، وتحقير المنطق والجدل بشأن الحالة الفلسفية بأنها “لا شيء” كأساليب للتعبير عن هذه الأوضاع. ويعالج هذا الأدب موضوعات عدمية.
وعلى الرغم من أنّ قدراً كبيراً من هذه النّصوص الأدبية التي تنتمي لهذا المذهب تشتمل على روح الدّعابة واللاعقلانية في الطّبيعة، إلا أن السّمة المميزة لها ليست الكوميديا ولا الهراء، وإنّما دراسة السّلوك الإنساني تحت ظروف تظهر وكأنها بلا هدف، وعبثية فلسفياً، سواءً كانت هذه الظّروف واقعية أم خيالية.
ولا يحكم هذا المذهب الأدبي على الشّخصيات، ويترك هذه المهمة للقارئ حيث أن المغزى “الأخلاقي” من النّصّ الأدبي غير محدد. كما أن المواضيع التي يطرحها هذا الأدب واعتقادات الشخصيات -إن وُجدت- تتسم بالغموض في طبيعتها.
بالإضافة إلى ذلك، فإنّ هذا الأدب لا يتبع بالضّرورة بناء الأدب التّقليدي من حيث وجود حبكة (على سبيل المثال: تسلسل الأحداث، العقدة، الحل).
انبثق هذا المذهب الأدبي من الأدب الحداثي أواخر القرن التّاسع وأوائل القرن العشرين كاتجاهٍ معارضٍ للأدب الفيكتوري الذيّ كان مهيمناً في تلك الفترة بشكل مباشر. وقد تأثر هذا الأدب بحركات الفلسفة الوجودية والعدمية والداداية أو (الدادائية) والحركة السّريالية في الأدب.
جاءت المدرسة العبثية كمرآة تعكس ما يعاني منه إنسان النصف الثاني من القرن العشرين عن طريق تجسيده في أعمال مسرحيةٍ وروائية وشعرية، لعله ينجح في التخلص من هذا الانفلات في حياته ويفتح الطريق أمام ثورة هائلة في الإمكانات، وفي تجديد وسائل التعبير فيتولد لديه الانسجام.. فيفهم ما يحدث.
نشأ مذهب العبث في الأدب الأوروبي وانتقل إلى الآداب العالمية المعاصرة بصفة عامة، والدول التي عانت من الحرب العالمية الأولى والثانية بصفة خاصة، وهي الدول التي فقدت ثقتها في مجرد المسلك العقلي المنطقي الذي يمكن أن يدمر في لحظات كل ما يبنيه الإنسان من مَدَنِيَّة عندما تَحْكُمُه شهوة السيطرة والتدمير؛ كما فعل هتلر في الحرب العالمية الثانية.
- أبرز أعلام المذهب العبثية
من أبرز شخصيات مذهب العبث:
(صَمُويل بيكيت: 1906 – 1989م) وقد ألف في جميع الأشكال الأدبية، ومنح جائزة نوبل عام 1969م.كان روائياً وكاتباً مسرحياً وشاعراً أيرلندياً. استقر في فرنسا عام 1937م، وبعد انتهاء الحرب العالمية الثانية بدأ بكتابة أعمال مهمة باللغة الفرنسية منها ثلاثيته (ملوي 1951م، وفاة مالون 1951م، غير القابل للتسمية 1953م).
ثم استمر في الكتابة باللغتين الإنكليزية والفرنسية مترجماً أعماله من إحدى اللغتين إلى الأخرى. وقد كان لمسرحيته في (انتظار جودو) التي كتبها عام 1953م أكبرُ الأثر في اعتباره الشخصية الرئيسة في دائرة رواد الأدب والمسرح العالمي. وتلت ذلك العديد من المسرحيات الشهيرة، منها: (نهاية اللعبة 1957م، الأيام السعيدة 1961م، لست أنا 1973م).
وقد كانت مؤلفاته دائماً تجريبية متطرفة، ثم أصبحت رواياته ومسرحياته أكثر بساطة بصورة متزايدة، وذلك بحذف الكثير من التفاصيل والإبقاء على القليل منها فقط.
والصورة الرئيسة التي تتضح في كتاباته هي لشخص (امرأة أو رجل) كبير السن يعاني صراعاً داخلياً مع مفهومه للبيئة المحيطة به. وبينما تدور ذكريات الماضي في مخيلة تلك الشخصيات، تبدأ في التساؤل عن ذاتها وعن حقيقة وجودها.
- أمثلة في العبثية في الأدب:
– فرانز كافكا : المسخ (1915)، والمحاكمة (1925)
– لويجي بيرانديلو: ستة شخصيات تبحث عن مؤلف (1921)
– ألبير كامو : الغريب (1942)، والطاعون (1947)، والسقطة (1956)
– أوجين يونسكو: سوبرانو الأصلع (1950)،و وحيد القرن (1959)
– صمويل بيكيت: في انتظار غودو (1952)
– هارولد بنتر: حفلة عيد الميلاد (1958)
– إدوارد ألبي: الحلم الأمريكي (1961)
– جوزيف هيلر: الصيد (1961)
– كورت فونيجت: مهد القطة (1963)
– توم ستوبارد: روزنكرانتز وجلدنسترن أموات (1966)