الإسهامات المبكرة للأدباء نحو الرومانسية – (3)
- 1 – جان جاك روسّو: (1712م – 1778م) :
كان (روسّو) يؤمن بالعقل والفكر والجدل، ولكنه انعطف نحو الغريزة والإحساس الفردي وحسّ الطبيعة والأحلام والتملّص من القيود الاجتماعية، وكان يرى أن الإنسان طيّبٌ بفطرته، والمجتمع هو الذي يفسده، وأن التقدم يحمل معه شقاء الإنسان، ولا علاج له سوى الإخلاد إلى الطبيعة واللجوء إلى الدين، لقد كانت روح الرومانسيّة تسري في مؤلفاته من قبل أن تولد الرومانسية، ويبدو أثر ذلك في كتبه: (إيميل، الاعترافات، أحلام المتجول الوحيد).
- 2 – مدام دوستايل (1766م – 1817م) :
كان لها إسهامٌ مهم ومبكر في الدراسات الأدبية والنقدية التي شجعت الاتجاه نحو الرومانسية، ففي كتابها (من الأدب) بينت أن الحرية أساس التقدم، ولذلك كانت تبحث في كل عمل أدبي قديم أو حديث عن توهج الحريّة أو خمودها، وتهتم بالبحث عن تأثر الأدب بالفضيلة والخير والمجد والحرية والسعادة والعادات والأمزجة والقوانين، وعن تأثيره في هذه الجوانب،
وبذلك فتحت الباب للبحث في علاقة الأدب بالمجتمع، وتضمن كتابها (من ألمانيا) فصولاً نقدية في الشعر والرومانسية، وأخرى في النقد عند (ليسنغ) و(شليغل)، وعرّفت القراء الفرنسيين إلى الشعراء الألمان مثل غوته وشيلر، والأدباءِ الروس والإنجليز، وسبقت بأفكارها حول الرومانسية (شاتوبريان) وأكملت آراءه.
- 2 – شاتوبريان (1768م – 1848م) :
أسهم شاتوبريان في الاتجاه نحو الرومانسية في معظم ما تركه من كتب ومؤلفات، فقد وسع مفهوم الالتفات إلى الطبيعة بكثرة ما وصف من المشاهد الطبيعية التي شاهدها في البلدان الكثيرة التي طوّف بها من أمريكا إلى فلسطين، بما في ذلك البحار والغابات والجبال والأنهار التي عاشرها آناء الليل والنهار وأحسّ بما توحيه من العظمة والروعة والوحشة، وتعاطف الإنسان معها وامتزاج أحاسيسه بها.
أما الكآبة العصرية فكانت معروفة قبله في مؤلفات روسو في (هيلوييز الجديدة 1760)، ولدى غوته في (فيرتر) الذي ترجم إلى الفرنسية عام 1778م، ولكنها كانت ترِد لديهما في لمحاتٍ قليلة أو استثنائية وشخصية بخلاف ما هي عليه في كتاب شاتوبريان: (رونيه) الذي شخّص فيه كآبة العصر بكامله، وأبرز مآسيه الشاملة وما انتابه من كوارث الموت والدمار والخيبة في أثناء الثورة الفرنسية وما تلاها من الحروب، حيث لم يبق عزاءٌ إلاّ في الطبيعة والدين، مما جعل هذا الاتجاه أساساً للغنائية الجديدة بمعنييها السلبي والإيجابي.
أما تجديده في النقد الأدبي فيبدو في انتقاله من نقد الأغلاط والعيوب إلى النقد الجمالي، والربط بين الأثر الأدبي والحالة الحضارية والمزاجية العامّة، لأنه نتاج هذه الحالة والمعبر عنها والمؤثر فيها، وفي الحقيقة كانت مدام دوستايل قد سبقته إلى ذلك.
ولكن خصوصية (شاتوبريان) تكمن في حسمه الخصومة بين القديم والحديث لصالح الحديث، عندما بنى أحكامه وتقويماته الأدبية والفنّية على ذوق عصره وعقيدته أكثر من تعويله على النظريات المعرفية السابقة، وبمقارنته بين نماذج الرجل والمرأة والأم والزوجة والزوج والمحارب في الأدب القديم والأدب الجديد، وتأكيده أن أصالة الكلاسيكية لم تكن لتسطع في بهائها إلا فيما أضافه الكتَّاب من الإغناءات والتغييرات على نماذجهم البشرية من خلال النظرة النسبيّة.
لقد انتشر المذهب الرومانسي في ألمانيا وإيطاليا وفرنسا، ولكنه بقي في الأوساط الأكاديمية الرسميّة منظوراً إليه بشيءٍ من الريبة والاستنكار، واشتدت الخصومة بين أنصار القديم وأنصار الجديد، وكان من آثارها ظهور مقدمة مسرحية فيكتور هوغو: (كرومويل) 1827م، والجدل العنيف الذي ثار حول مسرحيته (هرناني) 1830م، ثمَّ تسربت ملامح هذا المذهب الجديد إلى البرتغال وروسيا وإنجلترا، وكان اللورد (بايرون – 1824م) قد دافع بحماسة عن نسبية الذوق الشعري وعلاقته بالتطور الزمني والاجتماعي، فأصبح بذلك رومانسياً دون أن يدري، وأصبح من أعلام الرومانسية فيما بعد كل من: سكوت وكولردج ووردزوُرث وشيلّي.
وهكذا عمت الرومانسية جميع أقطار أوربا وأصبحت مذهباً قوياً يناهض الكلاسيكية، ولكنها لم تَسُد فجأة بل تبعت منحى تطورياً بطيئاً مرّ بمراحل عديدة من الإرهاص والتجربة والتحضير والتعايش مع النظام الكلاسيكي في كثيرٍ من الشّقاق والتصادم حتى عمّ الاقتناع به أوربا كلها، وقد استغرق ذلك قرابة قرنٍ من الزمان.
إعــــداد : الوسائط الثقافية للنشر الإلكتروني.