المذهب الواقعي – (الواقعية الأصلية – الأم) – (1)
ثالث المذاهب الأدبية
- الواقعيّة الناقدة (الأوربية) :
يقصد بها المدرسة الواقعية الأصلية التي انتشرت في فرنسا ودول أوربا عند معظم الكُتَّاب بشكلها العام، مع التركيز على الاختلافات المحلية والفردية وتعدُّد الأطياف ضمن الاتجاه الواحد، وهي الواقعية الأم التي تتمتع بنهج أدبي ذي معالم خاصة، شملت الآداب الأوربية أكثر من نصف قرن، ولا تزال آثارها مستمرةً في القرن العشرين.
1 – الانطلاق من الواقع الاجتماعي والطبيعي من خلال الارتباط بالإنسان وصراعه مع هذا الواقع، فالكاتب الواقعي ينزل إلى الواقع ويستمد منه موضوعاته وحوادثه وأشخاصه، ويصرف النظر عما سوى ذلك من المثاليات والخياليات،
فما يعنيه هو الأمور الواقعة التي يعيشها الإنسان ويعانيها.. الإنسان المشخّص الحيّ الذي يضطرب في سبل الحياة والمعيشة، والذي هو المحور الأساس في الواقعية، وليس الإنسان المثاليّ المجرد الذي كان محور الكلاسيكية، ولا الإنسان المنعزل الهارب من المجتمع الذي كان محور الرومانسية.
إلا أن الفرد في المدرسة الواقعية قد يكون نموذجاً، لكنه نموذج نوعيٌّ يضم كل الأفراد الذين هم على شاكلته، والمجتمع الغربي يتألف من نماذج كثيرة، منها الإقطاعي والرأسمالي والعامل والفلاح والبورجوازي والتاجر والمرابي ورجل السلطة… وقد حرص الروائيون والمسرحيون الواقعيون على رسم هذه النماذج من الواقع.
وقد ابتعدت الواقعية عن التعامل مع عالم الأشباح والأساطير والأحلام والأوهام، فالذي يعنيها فقط هو الإنسان بلحمه ودمه ومشاعره وحاجاته ومطامحه وأفراحه وأتراحه.. الإنسان المرتبط بالأرض وما حوله من الناس وما يحيط به من الظروف، وهي تنطلق من جميع طبقات المجتمع، من أدنى الطبقات إلى أعلى الطبقات، لها كلها يكتب الكاتب لا لأجل فئة معيّنة يبتغي رضاها وعطاءها.
وقد أسهم في هذا الانقلاب التطورُ الذي نجم عن الدراسات الاجتماعية والآداب والثورات وما حمله من مبادئ الحرية والعدالة والمساواة وقيمة الفرد ودوره في المجتمع.
2 – العناية بالتفصيلات الدقيقة والثانويَّة مما يتعلَّق بوصف الملامح والأصوات والألبسة والألوان والحركات والأشياء إمعاناً في تصوير الواقع وكأنّه حاضر.
3/ التركيز على الجوانب السلبيَّة في المجتمع كالأخلاق الفاسدة والاستغلال والظلم والإجرام، حتى دُعيت الواقعية بالمتشائمة، رغم أن هذا التشاؤم ناشئ عن الرغبة في الرّصد والمعالجة، لا عن الرغبة في التشاؤم لذاته.
4/ حياديّة المؤلف التي تعني العَرْض والتحليل وَفْق واقع الشخصية بشكلٍ موضوعي لا وفق معتقدات الكاتب ومواقفه الخاصة، فالكاتب الواقعي مجرد شاهد يدلي بشهادته حسب منطق الحوادث، ولكن هذا لا يعني أن الكاتب غير مبالٍ بما يجري حوله، بل يعني أنه لا يريد أن يفرض آراءه وميولَهُ على القارئ. والأدب الواقعي ليس عابثاً بل له غاية نبيلة إذا تجرد منها سقط في الفراغ والعبث والخداع.
وبراعة الكاتب الواقعي تتجلى من خلال أنه يُؤَثِّرُ في القارئ ويقوده إلى أن يتخذ موقفاً أو رد فعل معيَّناً، فالقصة مؤثر يستثير عفوياً موقفاً من القارئ نفسياً أو سلوكياً، فهو يضع القارئ مثلاً في موقف رفض فيرفض من تلقاء ذاته، ويثير إعجابه بأمرٍ إيجابي فيُقْبِل عليه، ويُولِّدُ لديه نوعاً من التعاطف مع النموذج الإنساني فإذا به يحبه ويقدّر فيه فضائله أو يكرهه ويمقت مخازيه.
5/ تحريض الفكر وشحذ الإرادة وتقوية الشخصية وإشعار القارئ بأنه مسؤول عن مصيره ومصير مجتمعه ومشارك للكاتب في البحث عن الأسباب والدوافع وإيجاد الحلول.
6/ التحليل الذي يتجلى في البحث عن العلل والأسباب والدوافع والنتائج، فلكل ظاهرة اجتماعية سبب، والأديب الواقعي لا يعرض الظاهرة أو المشكلة مجردة، بل يبحث عن سببها ويوجه النظر إليه ليصل بالقارئ إلى القوانين المحركة للمجتمع، وبهذا يزداد وعي القارئ واستبصاره وقدرته على التحليل والتأمل والملاحظة والاستقراء ويصبح مؤهلاً لوعي الواقع وتفسيره وقادراً على تغييره.
إعــداد : قحطان بيرقدار، أديب وشاعر سـوري،