قبيلة “بنو عاد”
بنو عاد؛ ويقال لهم “عاد” باسم أبيهم، قبيلة عربية منقرضة، ذُكرت في القرآن في أكثر من موضع. أرسل الله إليهم نبيًا منهم اسمه “هود” عليه السلام، ليرشدهم إلى الطريق المستقيم.
إذ كانت أول الأمم الذين عبدوا الأصنام بعد طوفان نوح، فكفروا بما جاءهم به، فنزل عليهم عقاب رباني تمثل في عاصفة شديدة البرودة، ولم ينج منهم أحد باستثناء النبي “هود” وقلة ممن آمن به، وبقيت مساكنهم شاهدة على هلاكهم وما حل بهم من عذاب إلى اليوم.
أما عن نسبهم؛ فإن أوثق الأقوال تنسِبُهم إلى عاد بن عوص بن إرم بن سام بن نوح.
قيل في وصف أجسامهم أنهم كانوا؛ عظام الأجرام طوال القامات أقرب لصفة آدم من بقية البشر، كان يأتي أحدهم على الصخرة العظيمة، فيحملها ويلقيها على الحي فيهلكهم.
قال معمر: كان الرجل منهم طوله خمسمائة ذراع والقصير منهم طوله ثلاثمائة ذراع، وزعم قتادة أن طول الرجل منهم اثنا عشر ذراعًا، وقال أبو عبيدة: ذات العماد ذات الطول يقال: رجل مُعمد إذا كان طويلًا، قال ابن عباس طول الرجل منهم سبعين ذراع.
قال ابن العربي مُعلقًا على قول ابن عباس: وهو باطل لأن في الصحيح إن الله خلق آدم طوله ستون ذراعًا فلم يزل الخلق ينقص إلى الآن. وقد ذُكرت صفة قوم عاد في القرآن في عدة مواضع:
أَوَعَجِبْتُمْ أَنْ جَاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَلَى رَجُلٍ مِنْكُمْ لِيُنْذِرَكُمْ وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ وَزَادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَسْطَةً فَاذْكُرُوا آلَاءَ اللَّهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ، فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ ، سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَى كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ ، تَنْزِعُ النَّاسَ كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ .
لم يُحسم الأمر في تحديد النطاق الجغرافي الذي عاش به قوم عاد حتى الآن، حيث تُشير النصوص القرآنية إلى المكان الذي أنذر فيه النبي هود قومه، وهو الأحقاف، مما يجعل جميع أحقاف العالم العربي خيارات محتملة، مثل التي في مصر وشمال ووسط وجنوب شبه الجزيرة العربية وغيرها ما بين صحراء النفود الكبير شرقًا حتى دلتا النيل غربًا.
كما أن الأحقاف ليست نتيجة للعاصفة التي عذبهم الله بها والتي ذكرها في القرآن الكريم: {وَاذْكُرْ أَخَا عَادٍ إِذْ أَنْذَرَ قَوْمَهُ بِالْأَحْقَافِ وَقَدْ خَلَتِ النُّذُرُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ}.
- إرم ذات العماد
وذهب بعض أهل الأخبار والمفسرين إلى القول بأن إرم ليست قبيلة؛ بل هي مدينة سكن بها قوم عاد، وقيل عن هذه المدينة أنها تسير في الأرض كما يسير البشر، واختلفوا في تحديد موقع هذه المدينة على أقوال كثيرة: فقيل أنها في مصر.
وقيل هي دمشق والذي بناها جيرون بن سعد بن عاد، وقيل بل هي في نواحي بادية الشام في صحراء حسمى، وقيل بل هي الإسكندرية، وقيل بل هو جبل في الشام وهذا قول ابن عباس، وقيل بل هي في صحراء الربع الخالي دفنت تحت كثبانه الرملية إثر العذاب الذي أنزله الله بقوم عاد.
وهذا القول يتعارض مع النص القرآني الذي يخبرنا أن الله أبقى مساكن قوم عاد ظاهرة مُشاهدة قابلة للسكن من بعدهم.
- قصة هلاكهم:
بعث الله رسوله هود إلى قوم عاد، وذلك ليدعوا قومه إلى عبادة الله تعالى وحده وترك عبادة الأصنام لأن ذلك سبيل لإتقاء العذاب يوم القيامة. لكنهم احتقروا هودًا ووصفوه بالسفه والطيش والكذب، ولكن هودًا نفى هذه الصفات عن نفسه مؤكدًا لهم أنه رسول من رب العالمين لا يريد لهم غير النصح.
تابع هود مخاطبة قومه محاولاً إقناعهم بالرجوع إلى الطريق الحق مذكراً إياهم بنعم الله عليهم، فقال: «هل أثار عجبكم واستغرابهم أن يجيئكم إرشاد من ربكم على لسان رجل منكم ينذركم سوء العاقبة بسبب الضلال الذي أنتم عليه؟
ألا تذكرون أن الله جعلكم وارثين للأرض من بعد قوم نوح الذين أهلكهم الله بذنوبهم، وزادكم قوة في الأبدان وقوة في السلطان، وتلك نعمة تقتضي منكم أن تؤمنوا بالله وتشكروه، لا أن تكفروا به». ويحدث القرآن أن قوم هود لم يقوموا بحق الشكر لنعم الله عليهم، بل انغمسوا في الشهوات، وتكبروا في الأرض،
ونلاحظ أن آيات القران أشارت إلى أن قوم عاد كانوا مشهورين في بناء الصروح العظيمة والقصور الفارهة. ولما عصوا رسولهم أنزل الله عليهم العذاب وذلك بأن أرسل عليهم ريحًا شديدة البرودة عصفت بهم سبع ليال وثمان أيام، فأهلكهم الله ولم يبقى عدا مساكنهم وبناياتهم، وهود والذين آمنوا معه.