- العولمة والاختراق الثقافي
“ليست العولمة نظاماً اقتصادياً وحسب، بل لقد أصبحت، وربما نشأت منذ أول الأمر، في ارتباط عضوي مع وسائل الاتصال الحديثة التي تنشر فكراً معيناً، لا بل ثقافة معينة، أطلقنا عليها في عمل سابق: “ثقافة الاختراق” – محمد عابد الجابري، قضايا في الفكر المعاصر.
يحلل الجابري العولمة باعتبارها ليست مجرد حركة اقتصادية بل مشروعًا ثقافيًا يهدف إلى اختراق المجتمعات بنموذج فكري محدد. وهذا التصور يعكس تأثر العولمة بوسائل الاتصال الحديثة، مما يجعلها قوة مؤثرة في تشكيل الوعي العام وتغيير المنظومات الثقافية للشعوب.
- المثقف والانتماء الاجتماعي
“المثقف أو المفكر أو السياسي لا يعبر عادة عن قيمة الخاصة بقدر ما يعبر بطريقة شعورية أو لاشعورية عن قيم جماعة اجتماعية أكبر ينتمي إليها، وفي كثير من الحالات عن طبقة اجتماعية يدافع عنها” – محمد عابد الجابري، إشكاليات الفكر العربي المعاصر.
يؤكد الجابري أن الفكر ليس معزولًا عن الواقع الاجتماعي، بل هو انعكاس لبيئة المثقف وانتمائه. فالأفكار ليست محايدة بالكامل، بل تعبر عن مصالح ورؤى طبقية محددة. هذا الطرح يدعو إلى قراءة النصوص الفكرية والسياسية ضمن سياقها الاجتماعي والتاريخي.
- الصراع من أجل الحق في الكلمة
“إن الصراع في الوطن العربي، وفي بلدان كثيرة أخرى، هو صراع من أجل السلطة والطرف الذي يتكلم، بل أقول الذي يحس ويشعر ويتألم من موقع المحكوم المضطهد المغلوب على أمره، يجب أن يبدأ من البداية، من المطالبة بحق «طلب الكلمة»، ذلك أن مأساتنا في الوطن العربي هي أننا لسنا فقط محرومين من الكلمة، بل وأيضا من حق طلب الكلمة، والحق الذي من دونه يفقد الإنسان هويته كإنسان” – محمد عابد الجابري، الديمقراطية وحقوق الإنسان.
هنا يشير الجابري إلى أن النضال السياسي والاجتماعي يبدأ بالمطالبة بالحق في التعبير، وليس فقط بامتلاك القدرة على الكلام. فغياب حرية التعبير هو ليس فقط قمع سياسي، بل إلغاء للوجود الإنساني ذاته. فالكلمة ليست مجرد أداة، بل هي جوهر الهوية الفردية والجماعية.
- العودة إلى الفلسفة كضرورة ديمقراطية
“العودة إلى الفلسفة إذن هي اليوم، كما كان الشأن بالأمس، ضرورة يفرضها فشل التدبير الذي تم بدون حكمة فأدى إلى الأزمة. العودة إلى الفلسفة حكمة، والحكمة تبدأ بالاعتراف بأن الوصول إلى الرأي السديد لا يمكن بدون مناقشة حرة، ولا بدون تدبير يساهم فيه المواطنون. بكلمة واحدة، العودة إلى الفلسفة تقتضي ديمقراطية حقيقية” – محمد عابد الجابري، قضايا في الفكر المعاصر.
يشير الجابري هنا إلى ضرورة استعادة التفكير الفلسفي كوسيلة لإعادة بناء الوعي السياسي والاجتماعي. فالديمقراطية الحقيقية ليست فقط آليات انتخابية، بل هي فضاء فكري للنقاش الحر وصياغة الرأي المستقل.
- الإسلام والقومية العربية
“عندما نتحدث عن “الأمة العربية”، كما تقوم اليوم في وجدان شعوب الوطن العربي، فنحن نتحدث عن كيان نشأ وتطور مع الإسلام وانتشاره. لقد بدأ هذا الكيان في التشكل “دستورياً” مع “الصحيفة” المعروفة بـ “صحيفة النبي”، وهي عبارة عن ميثاق “قومي” أبرمه النبي-صلى الله عليه وسلم-بعد الهجرة مع سكان “المدينة” من عرب ويهود. كان هذا الميثاق “قومياً” بالفعل لأنه أكد في أحد بنوده أن المهاجرين والأنصار واليهود هم جميعاً “أمة واحدة”، متضامنون متعاونون ضد أي اعتداء خارجي” – محمد عابد الجابري.
يُبرز الجابري أن مفهوم الأمة العربية لم يكن مجرد بناء سياسي لاحق، بل تَشَكَّل مع الإسلام كنظام حضاري شامل. فالميثاق النبوي كان بمثابة أول دستور يؤسس للوحدة المجتمعية، متجاوزًا الانقسامات القبلية والدينية.
- إشكالية الهوية بين العروبة والإسلام
“وقع الفصل مرة أخرى بين القومية العربية و”الإسلام السياسي” الذي كان يضم هذه المرة حكومات دول فضّلت مهادنة الدول الاستعمارية والسير في صف الليبرالية الإمبريالية ضداً على الاتحاد السوفياتي والكتلة الشيوعية من جهة، وابتعاداً عن حركات التحرير في العالم الثالث وضمنه الوطن العربي من جهة أخرى” – محمد عابد الجابري.
يرى الجابري أن الصراع بين العروبة والإسلام السياسي ليس مجرد خلاف أيديولوجي، بل هو نتيجة تحولات سياسية عميقة. فقد تم استغلال الإسلام أحيانًا كأداة سياسية، بينما سعت القومية العربية إلى الاستقلال عن البعد الديني، مما خلق فجوة بين الاتجاهين.
- جدلية التاريخ والهوية
“ستبقى مسألة الهويّة في كل قطر عربي مرتبطة بخريطتين: واحدة جغرافية قطرية، وقوامها مجموعة بلدان تفصل بينها حدود سياسية، و”خريطة” تاريخية فسيفسائية قوامها ممالك ودول متعاقبة متزاحمة متنافسة حيناً، متعاونة حيناً آخر…وفوق الخريطتين خريطة جديدة هادفة إلى دمج فسيفساء التاريخ في الجغرافيا، ودمج الحدود الجغرافية في العولمة المذيبة للحدود!” – محمد عابد الجابري.
يطرح الجابري رؤية نقدية للهوية العربية، حيث يرى أنها ليست مجرد انتماء جغرافي، بل نسيج معقد من العوامل التاريخية والثقافية. ومع العولمة، تتعرض هذه الهوية لضغوط تهدف إلى تفكيكها وإعادة تشكيلها وفق منطق جديد يتجاوز الحدود التقليدية.
المصادر والمراجع:
- محمد عابد الجابري، قضايا في الفكر المعاصر.
- محمد عابد الجابري، إشكاليات الفكر العربي المعاصر.
- محمد عابد الجابري، الديمقراطية وحقوق الإنسان.
- محمد عابد الجابري، مقالات في الهوية العربية والإسلام.