اقتباسات فلسفية

فلسفة الجابري – خلاصات مركزة جدا (1)

“نحن لا نمارس النقد من أجل النقد، بل من أجل التحرر مما هو ميت أو متخشب في كياننا العقلي وإرثنا الثقافي” – عابد الجابري.

يُجسِّد هذا الاقتباس، جوهر مشروع الجابري في نقد العقل العربي، إذ يرى أن النقد ليس مجرد تفكيك للتراث، بل هو أداة للتحرر من الأنساق الفكرية الجامدة. يعكس هذا التصور موقفا عقلانيا يرفض التقليد الأعمى، ويسعى إلى إعادة إحياء الفكر العربي عبر تنقيته من المفاهيم المتخشبة التي تعيق تقدمه. فالنقد عند الجابري ليس غاية في حد ذاته، بل وسيلة لاستعادة الديناميكية الفكرية وتحقيق الحداثة.

“إن صداقة الأطفال؛ تنطوي على أسرار لا يعرفُها الكبار” – عابد الجابري.

هذا الاقتباس يُبرز البعد الفلسفي للعلاقة بين البراءة والتجربة. فالأطفال يمتلكون قدرة فطرية على الصداقة غير المشروطة، حيث تغيب عنهم الحسابات والمصالح. يرى الجابري أن عالم الكبار، المُثقل بالتجارب والتوقعات الاجتماعية، يعجز عن فهم بساطة هذه العلاقة، مما يجعله مفتقدا لنوع من الصفاء الإنساني الذي تحمله صداقة الأطفال.

“الإسلام ليس كنيسة كي نفصلَه عن الدولة” – محمد عابد الجابري.

يناقش الجابري هنا إشكالية العلاقة بين الدين والدولة في العالم العربي. فهو يرفض تطبيق مفهوم الفصل بين الكنيسة والدولة، كما حدث في التجربة الأوروبية، على الإسلام، نظرا لاختلاف بنيته الفكرية والتنظيمية.

الإسلام، وفقا للجابري، لا يتمحور حول مؤسسة كهنوتية مستقلة عن المجتمع، بل هو نسق متكامل يشتبك مع الواقع السياسي والاجتماعي. لذا، فإن أي مقاربة للعلمنة يجب أن تنبع من السياق الإسلامي ذاته، وليس من استيراد نماذج غربية.

“إن النهضات الفكرية التي عرفها التاريخ؛ لم تخطط لها الحكومات. بل كانت في الغالب من عمل نخبة تحمل هم الحاضر والمستقبل” – محمد عابد الجابري.

يبرز هذا الاقتباس دور المثقفين والمفكرين في قيادة النهضات الفكرية، بعيدا عن السلطة السياسية. يرى الجابري أن الحكومات غالبا ما تكون متمسكة بالحفاظ على الاستقرار السياسي، مما يجعلها متحفظة تجاه التغيير الجذري.

وبالتالي، فإن التجديد المعرفي يأتي من نخب تحمل مشروعا فكريا يهدف إلى تغيير البنية الثقافية والاجتماعية. هذا المفهوم يؤكد أن النهضة تبدأ بإرادة فكرية قبل أن تتحول إلى سياسات رسمية.

“في “ميكانيزم الدفاع”، تلتجئ الذات إلى الماضي وتحتمي به، لتؤكد من خلاله وبواسطته شخصيتَها، ولذلك يعمد الإنسان إلى تضخيمه وتمجيده مادام الخطر الخارجي قائما. أما في “ميكانيزم النهضة”؛ فالإنسان لا يطلب الماضي لذاته بل يختزله في “أصول” يعيد إحياءها على صعيد الوعي كذلك، والانطلاق إلى المستقبل، تفكيرا وممارسة”.

يميز الجابري بين طريقتين للتعامل مع التراث: الأولى، ميكانيزم الدفاع، حيث يتحول الماضي إلى ملجأ نفسي يواجه به الإنسان تحديات الحاضر عبر تمجيده. أما الثانية، ميكانيزم النهضة، فتتعامل مع الماضي بطريقة نقدية، حيث يتم استخراج عناصره الحيوية وإعادة توظيفها في سياق الحداثة. هذا التمييز يُبرز رؤية الجابري للتجديد الفكري القائم على الاستمرارية الواعية، وليس القطيعة أو الجمود.

“الفقهاءُ؛ خصومُ الفلسفة، وإنما كانوا يستمدون سلطتهم من مناصرتهم للدولة والسير في ركابها” – محمد عابد الجابري.

يناقش هذا الاقتباس الصراع التاريخي بين الفقهاء والفلاسفة في الفكر الإسلامي، حيث يرى الجابري أن الفقهاء لم يعارضوا الفلسفة بسبب محتواها المعرفي فقط، بل لأنهم كانوا مرتبطين بالسلطة السياسية التي كانت تخشى التفكير النقدي والتأويلي الذي تمثله الفلسفة.

هذا الصراع يعكس إشكالية العلاقة بين الدين والسياسة والمعرفة، حيث استخدم الفقه كأداة للحفاظ على الاستقرار السلطوي، بينما شكلت الفلسفة تهديدا لهذا الاستقرار نظرا لطبيعتها التساؤلية والنقدية.

“هنا في الثقافة العربية الإسلامية، يُطلب من العقل أن يتأمل الطبيعة ليتوصل إلى خالقها: الله. وهناك في الثقافة اليونانية – الأوروبية؛ يَتخذ العقل من الله وسيلة لفهم الطبيعة، أو على الأقل ضامناً لصحة فهمه لها. هذا إذا لم يستغن عنه بالمرة, أو لم يوحد بينهما.” – محمد عابد الجابري.

يشير الجابري إلى الاختلاف الجوهري بين المنظورين الإسلامي والغربي في توظيف العقل. في الثقافة الإسلامية، العقل وسيلة لفهم الخالق عبر الطبيعة، بينما في الغرب، يُنظر إلى الله كضامن لفهم الطبيعة أو يتم الاستغناء عنه تمامًا. هذا يعكس تباينًا في الأسس الفلسفية التي شكلت كل ثقافة، ويبرز أهمية إعادة التفكير في العلاقة بين العقل والإيمان.

“إن ما ننشده اليوم من تحديث للعقل العربي وتجديد للفكر الإسلامي، يتوقف ليس فقط على مدى استيعابنا للمكتسبات العلمية والمنهجية المعاصرة… بل أيضا على مدى قدرتنا على استعادة نقدية ابن حزم، وعقلانية ابن رشد، وأصولية الشاطبي، وتاريخية ابن خلدون” – محمد عابد الجابري.

يرى الجابري أن تحديث الفكر العربي لا يكون باستيراد المناهج الغربية فقط، بل باستعادة الإرث النقدي للعقل الإسلامي وتطويره. فالعقلانية والتاريخية وأصول الفقه تشكل دعائم يمكن البناء عليها لصياغة فكر حداثي متجذر في الثقافة الإسلامية.

  • خلاصة:

يقدم محمد عابد الجابري في اقتباساته هاته؛ رؤية نقدية شاملة للعقل العربي، تجمع بين تفكيك الموروث الثقافي وبناء نهضة فكرية تستند إلى الاستمرارية والتجديد الواعي. نقده لا يسعى إلى الهدم، بل إلى التحرر من الجمود، واستعادة الدور الفاعل للفكر في صناعة المستقبل.

بذلك، يصبح مشروعه أحد أهم المشاريع الفكرية العربية المعاصرة التي تعيد صياغة علاقتنا بالتراث والمعرفة والحداثة.

المصدر: محمد عابد الجابري، كتاب: بنية العقل العربي.

بالعربية

بالعربية: منصة عربية غير حكومية؛ مُتخصصة في الدراسات والأبحاث الأكاديمية في العلوم الإنسانية والاجتماعية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

الإعلانات هي مصدر التمويل الوحيد للمنصة يرجى تعطيل كابح الإعلانات لمشاهدة المحتوى