حصاد 2021: كيف يجعل الشعر عالمَنا أقل بشاعة
تأثر الشعر هذا العام، كما تأثر العالم أجمع، بتداعيات كوفيد 19. فعلى الرغم من فرط الإخلاص في الدعاء، ظلت الكارثة تحوم على رؤوس الجميع، محرضة الشعراء على استحداث تعبيرات جديدة.
ويعتبر ديوان مايكل روزن عن مواجهة الموت وتعافيه اللاحق من الفيروس “أنواع مختلفة من الحب Many Different Kinds of Love”، من أول المجموعات الشعرية التي تناولت الوباء:
“طبيب يقف بجوار فراشي
يسألني ما إذا كنت سأوقع الورقة
ما يسمح لهم بتنويمي
وضخ الهواء في رئتي.
“هل سأستيقظ؟”
“هناك فرصة 50 بالمائة”
أقول لنفسي “إذا قلت لا؟
ستصبح فرصتي صفر”.
وأوقع الورقة”..
يستكمل روزن قصائده برسائل كتبها موظفو الصحة الوطنية في أثناء عنايتهم به في غيبوبته. لقد تم إنقاذه بالفعل وكان عليه أن يخوض فترة عصيبة للوقوف على قدميه مرة أخرى وخلال تلك الفترة قامت الممرضات بكتابة رسائل دعم وأمل لمايكل في كراسة كانت قرب سريره وبمجرد استيقاظه، أصبح مستعدًا لبدء كتابة قصته الخاصة في كتاب للأطفال وفي ديوان شعر.
- الفردوس المفقود
شهدت أزمة المناخ بدورها، وصول الشعراء إلى تعبيرات جديدة بشأن التحدي الذي نواجهه جميعًا. في كتابها “قديم الزمان: شعر من طوارئ المناخ”/ Out of Time: Poetry From the Climate Emergency قامت البريطانية كيت سيمسون بتحرير 50 قصيدة لشعراء من أمثال كارولين بيرد، وإينوا إيلامز، وباسكال بيتيت، وكارين مكارثي وولف، وراشيل ألين، وريموند أنتروبوس، وماري جان تشان.
قسمته سيمسون إلى حالات الطوارئ والحزن والتحول والعمل وإعادة البناء، وألوان من الديستوبيا والدمار، متنقلة من الغضب والفوضى والارتباك إلى الحزن واليأس والخمول، وصولًا إلى أنماط التحول والخرافة واليوتوبيا وكذلك طقوس المرور والنشاط والعمل. تتفاعل هذه المختارات القوية في الوقت المناسب مع قوة الشعر في طرح الأسئلة وتقويض التوقعات وزيادة وعي القارئ.
في سياق مماثل، ترسم بينيلوب شوتل في ديوانها الثالث عشر “ليونيس Lyonesse”، صورة رائعة للأراضي الأسطورية المغمورة تحت البحار وما يتبعها من خسائر شخصية وبيئية. كانت ليونيس تقع – كما يُعتقد- عند حدود كورنوال في الأسطورة الآرثرية قبل أن تغرقها الأمواج في العصر البرونزي. وترتبط بشكل خاص بقصة تريستان وإيزولت، موطن البطل تريستان ابن ملك ليونيس.
“تخيل الحياة بدون حزن
لقد نسيت كيف تكون الحياة هكذا
مواسم صيف جميلة ومبهجة
مثل قصور قديمة مكسوة بالورود البرية
تنجرف بتلاتها على أرضٍ خشبية”.
- فوضى تكلفة الحياة
في هذا العام أيضًا، صدر ديوانان استثنائيان يتناولان الاضطراب المادي والاقتصادي؛ “توقيت هزلي” Comic Timing لهولي بيستر، وهو عبارة عن مجموعة من القصائد المقبضة والمضحكة في الآن ذاته، فيما يتعلق بتكلفة المعيشة والبقاء على قيد الحياة:
“ذهبت إلى إلفورد بمفردي
مشيت في طريق مزدوج
إلى ماكدونالدز لتناول فنجان من الشاي وبعض التفكير
عدت إلى العيادة بنصف فطيرة توت
في جيبي
مغلف أبيض كنت قد تسلمته
على شكل مربع برقم عليه
سوف يتصل بي الرقم
ليس باسمي الذي كذبت بشأنه
في النموذج الذي يسأل عما إذا كان هناك شخص ما”.
الديوان الثاني لفيكتوريا كينيفيك، الإيرلندية الوحيدة التي أدرجت في قائمة إليوت القصيرة هذا العام، جاء بعنوان “نأكل أو نتضور جوعًا” Eat Or We Two Starve. نصوص تبحث في كيفية التعايش بدون أن يستهلكنا الماضي، وتجتر الجوع، والجسد والماضي متوسلة بلغة غنية ومليئة بالحيوية: “ألعق الجدار كما لو كان طابعًا بريديًا/ له طعم عظام، هذه المدينة كريهة الرائحة”.
- منزل من الورق الجميل
“كل الأسماء المعطاة”/ All The Names Given ، المجموعة الثانية التي طال انتظارها للشاعر ريموند أنتروبوس الذي يعد من أهم الشعراء الشباب في جيله. ترشحت هذا العام في القائمة القصيرة لجائزة إليوت، وهي مستوحاة من فنانة الصوت الصماء كريستين صن كيم، ومرصعة بـ “قصائد توضيحية” مذهلة تستكشف كيف يمكن تقديم الصوت وتمثيله على الصفحة.
أخبرني إذا ما كنت أقرب/ إلى الرسام الأبيض/ باسمي أكثر مني/ إلى الواعظ الأسود/ بيديه المفتوحتين إلى السماء.
في “كل الأسماء المعطاة” يواصل أنتروبوس بحثه الأساسي في اللغة وسوء التواصل والمكان والذاكرة. قال عنه الكاتب المعروف مارك هادون: “لقد قام أنتروبوس ببناء منزل من الورق الجميل مرة أخرى، حيث يمكنك أن تقضي داخله وقتًا طويلًا ومُرضيًا للغاية”، بينما وصفته “الغارديان” بأنه يتنقل “ببراعة بين الرقة والعنف، الأمل واليأس، الثناء والرثاء، إنها مجموعة مثيرة من الذكريات ستظل باقية في أذهان القارئ”.
- أغنية حب للخيال
في ديوانه الثالث “سلاح حي Living Weapon”، يقدم الكاتب والشاعر روان ريكاردو فيليبس تجديدًا رائعًا للشعر من خلال أغنية حب للخيال، شيفرة جديدة من الضوء يتم شحذها في لحظتنا السياسية. مزيج سخي من الأسطورة الكونية والذكاء الأرضي؛ رجل مجنح يهبط من طبقة التروبوسفير؛ أربعة من ضباط شرطة نيويورك يدخلون متجرًا للهواتف المحمولة؛ أرصفة خرسانية تتدلى من أعلى.
يكشف لنا السلاح الحي حدود مفرداتنا، وأن عباراتنا المبتذلة ليست كافية لتلك الأوقات القاسية التي تورطنا فيها، ومع ذلك، تستمر حياتنا، بهذه القصائد التي تعد وسيلة للبقاء بقدر ما هي لائحة اتهام.
“. . . وسنفعل هذا مرة أخرى
ومرة تلو الأخرى، دون نهاية
مع العلم أننا كنا بأنفسنا سلاحًا،
أقوى من الفولاذ والقصة والهيدروجين”.
يعد ديوان إيان دوهيج “قصائد جديدة ومختارة/ New and Selected Poems”، ملخصًا رائعًا لمسيرة أحد أفضل الشعراء. فهو يستعرض قدرته على مزج الإلهي والأرضي، مع العلم أن الخلاص يقع في مكان ما بين الاثنين. تتألق القصائد الأحدث، مؤكدة أن دوهيج لا يزال في حالة جيدة من الإبداع.
لقد أثر شعره الرائع في تشكيل الشعر في المملكة المتحدة لأكثر من ثلاثين عامًا. وهو هنا يجمع عددًا من القصائد الجديدة، بما في ذلك مرثية للراحل كياران كارسون. دوهيج مؤرخ للشعر المعاصر، يمتاز بالحكمة والقوة في تناوله للمجتمع والأسرة والعنصرية والعدالة والمكان والفولكلور والموسيقى واللغة.
بالنسبة لمحبي دوهيج، فهذا الديوان بمثابة استرجاع ساحر لمسيرة أحد الشعراء الأكثر تقديرًا في بلدهم؛ أما بالنسبة لأولئك الذين لم يقرؤه بعد، فهذه القصائد الجديدة والمختارة تمثل مقدمة رائعة للضمير الاجتماعي الراديكالي، وأرشيف للحكايات الغريبة، لأحد أكثر الكتاب إبداعًا في اللحظة الراهنة.
تتسم المجموعة الرابعة للشاعرة الهندية تيشاني دوشي، “إله عند الباب A God at the Door”، بالحكمة والعمق، والرهافة البالغة: “قد لا نصبح أنا وأنت فراشات أبدًا، لكننا نتعرف على بعضنا البعض/ سلف حيواني. ننحني ونصل إلى الشيء غير المرئي الذي ينبض”.
تقول دوشي: “إننا نشعر بالحنين إلى الوطن في كل مكان، حتى عندما نكون في البيت”. لهذا تستدعي، بتعاطف مؤلم، وحس فكاهي متمرد، التفاصيل غير العادية للناس والطبيعة في محاولة لإعادة تعريف الانتماء وكشف النقاب عن ألوان الظلم المحتملة.
في عصر الحصار الوبائي والسياسات الوحشية، تفسح هذه القصائد مساحة حيوية لما يجب أن يأتي بعد ذلك – عودة العجب وحرية الحركة، وإحساس عميق بالارتباط بما هو أكثر أهمية. “إله عند الباب” بمثابة دعوة إلى رحلة حج – تعيدنا إلى هيكل أنفسنا المقدس، عبر قصائد رائعة وسخية من شاعرة في ذروة قوتها وهي في عقدها الثامن.
- الشعر بين الأصالة والمعاصرة
ديوانان آخران يدلان على أن البراعة التقليدية لا تمنع القصيدة من أن تكون معاصرة تمامًا ونابضة بالعاطفة والعمق الشديد. أولهما لكايو تشينغونيي، “حالة الدم A Blood Condition”، أحد أجمل الدواوين الشعرية في هذا العام، بحسب النقاد.
تشينغونيي لديه القدرة على مزج الموسيقى والحزن والشوق على نحو لا مثيل له. كما في ديوان هانا لوي “الأطفال” The Kids، المستوحى من الفترة التي قضتها في التدريس في الصف السادس الداخلي في لندن؛ سلسلة من السوناتات المليئة بالبهجة، الزاخرة بالتعاطف، وحب التعلم، داخل الفصل وخارجه.
كانت الدواوين الأكثر إمتاعًا هذا العام هي تلك التي قدمت أكثر ما هو متوقع من الشعر، كما فعلت ماريت كابلا في “أوسيبول Osebol”، حيث حولت التاريخ الشفوي لقرية سويدية صغيرة تدعى أوسيبول إلى شعر. أوسيبول التي تقف بظهرها إلى نهر كلارالفين الواسع الجميل (النهر الصافي) تحيط بها غابات الصنوبر، تقلص عدد سكانها إلى 40 نسمة معظمهم في منتصف العمر أو من كبار السن.
إنها أحد الأمكنة المنسية التي يمكن العثور عليها في جميع أنحاء المنطقة. وهذه القصائد هي قصصهم، حيث يتحدثون واحدًا تلو الآخر عن ماضيهم وحاضرهم. الرجال الذين أمضوا حياتهم في العمل مع الأشجار (قطعها، ونقل الأخشاب)، والمساعدة في المنزل، والفنان، والممرضة، والمدرس، والزوجان اللذان عملا مع القصر بعيدًا عن ذويهما في أفغانستان، والنساء اللائي بقين في المنزل مع أطفالهن.
تنتمي العديد من الأصوات إلى الأشخاص الذين ولدوا في أوسيبول، مثل آبائهم وأجدادهم، لكن البعض الآخر جاؤوا من هولندا وبولندا وألمانيا الشرقية والمجر ووادي السيليكون.
ينتقل الحديث من شخص إلى آخر بدون أن يدرك القارئ على الفور أن الصوت قد تغير وأننا قبالة وعي مختلف.
“وأنا أنظر
من نافذة الطابق العلوي
في كلاراستراند
رأيت سمك السلمون
يسبح
مباشرة تحت السطح”.
بعد ما يقرب من عشرين عامًا من ترجمة سيموس هيني لبيوولف وبعد خمسين عامًا من الترجمة التي لا تزال تعذب الطلاب في جميع أنحاء العالم، صدرت رؤية جديدة للقصيدة الملحمية بقلم ماريا دافانا هيدلي، تسلط الضوء على عناصر لم تتم ترجمتها من قبل إلى الإنكليزية، وتحول الملحمة القديمة “بيوولف” Beowulf إلى حكاية طريفة للحاضر.
أخيرًا، في مجموعة “ملاحظات على السوناتات” Notes on the Sonnets الحائزة على جائزة فوروارد هذا العام، يصطحب لوك كينارد شكسبير إلى حفلة منزلية لا يرغب أحد مطلقًا في حضورها.
من خلال مجموعة من قصائد النثر الفوضوية والمرحة واليائسة، يوضح لنا كينارد الحاجة التي لا تنتهي إلى التواصل: “إذا كانت المادة الشاحبة لأفكاري هي الجلد، فسنمشي على طول الطريق المفروشة بالجلد ونتوقف قليلًا تحت اللحم، الشجرة النابضة، في كل هذا العالم البشع وجدتموني”. إنه تذكير لنا بالطريقة التي يجعل بها الشعر عالمنا أقل بشاعة.