شعر

خمرة الشعر

على هامش القصيدة، يقف القارئ، تائها بين الصدر والعجوز، وفي بحرها الطويل، يلعب الراوي والقافية بوثر المعنى، فكلما فتحتنا مفردة، بمفتاح “العين” انفجرت أخرى بدون سابق انظار. وها هي الكلمات، الباسقات، تصطف عموديا بدون اضطراب، ما عدا للضرورة الشعرية.

  • هل ترى الشاعر في القصيدة؟ 
  • إنه ليس هنا، بل هناك..
  • أين نجده إذن؟
  •  ربما خلف الكلمات أو تحت الاشطر؟
  •  لا..لا بل إنه متواري خلف الحركات..
  • لا.. بل قد يكون محجوبا من خلف الصورة الشعرية…

ويستمر البحث عن الشاعر الخفي.. بدون جدوى، فالشاعر تبددت روحه، وجسده في تفعيلة.


 تزيد معاناة القارئ وهو في بحر الكلمات، يمخر عباب سحر “البيان والتبين”، كلما تقدم أكثر في عرض القريض، تتقاذفه أمواج المعاني وعبارات الأزل؛ الحب، الحرية، الإيمان، الصحراء، الإنسان، الوطن، الأم، الفرس، الشرف…إلخ. وكلما أمعن القارئ النظر بالقلب، انتهى به المطاف على شاطئ القصيدة، عاريا مكشوفا، ك”العقد الفريد”. 


ها هو الحزن أرخى سدوله على القارئ من كل الجوانب، هل من منقد من هذا الضلال يسئل سائل؟ 

يتحرك القارئ خلسة في الليل، قاصدا مكتبة التراث؛ وهو يتسلل نحو جناح الشعر العربي؛ مد يده في ذلك الظلام الدامس، يتحسس مصنفات والدواوين؛ هذا “طبقات فحول الشعراء”، وذا “الشعر والشعراء”، “المفضليات”، “الاصميعات”…إلى “ديوان الحماسة”…هذا ما يبحث عنه؛ لكن يده وصلت ل”عنوان الشرف الوافي في الفقه والعروض والتاريخ والنحو والقوافي”…ما هذا التأليف؟ 


أيها المارون مرور الكرام على القصيدة، أخلو الشوارع بين الشطر والشطر وبين البيت والبيت، سأختصر الطريق، من أجل العودة إلى وطن الكلمات الاولى…سأعود للشعر. أينك أيتها السموط؟ وأينك أيتها المختارات الرفيعة من دواوين الشعر القديم والحديث؟ عانقيني..عانقيني حتى أتذكر جل الاطلال، لن أترك طللا إلى وقفت عنده، باكيا، وشاكيا على واقع الحال…؟


 ولن أقف على المدائن، ولن أشرب قطرة خمر من خمور أندرين.. سأمشي في الصحراء سائحا في الفلاة مصاحبا فرسي، ولا ضاريا أو صعلوكا أبالي، ولن يثنيني عن مسيري لا غساسنة ولا مناذرة فصحراء أرض الله.


في آخر زمن شعر، العالق بين صخرة “المتحول والثابت”، وبين صحراء كندة وهضاب الاندلس، وفجر وشفق الأمس، ترنو الكلمات برغم من “الارض اليباب”، حيث قول الشعر مغامرة في بلاد؛ كانت بالأمس القريب حضارة أوتيت من الشعر مأثرة عظيمة.


يطل شاعر برأسه في بلاد باتت اليوم، تقبع بين مطرقة الجلاد، وسندان قحط الثقافة، ترفع راية الشعر، فكلما أينعت قصيدة تم بترها بالحسام المهندي، لم يتركوا قصيدة حية إلا اجتثت من ديوانها، وتأبى القصيدة على لسان شاعرها إلا وأن تخرج بصوت شجي.


يتحاملون على الشعر، ويرفعون شعار: أقتلوا القيصدة هي..هي ..هي؛ وكل ما قالوه عنها تبقى “سيدة الأرض”، و”على هذه الأرض من يستحق الحياة”. مرصعة بحسرات الواقع، فمن هزيمة إلى هزيمة، “لا تصالح”، إنهم يريدون أخذ كل شيء، ولا شيء يأبى النسيان. القصيدة جريمة، منصوص عليها في عرف الغزاة، فهي شاهد المجتمع على مأساته وحسراته، ونكباته..فمن يغتال القصيدة يغتال الذاكرة.. “صديقتي الحميمة . لا تتعبي نفسك في متاعبي..سيسقط الطغاة عن آخرهم..وتصمد القصيدة العظيمة”.

إسماعيل الراجي

بالعربية: منصة عربية غير حكومية؛ مُتخصصة في الدراسات والأبحاث الأكاديمية في العلوم الإنسانية والاجتماعية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

الإعلانات هي مصدر التمويل الوحيد للمنصة يرجى تعطيل كابح الإعلانات لمشاهدة المحتوى