لسانياتمصطلحية ومعجميةمعجم

“المعاجم التاريخية”: دراسات في تاريخ اللغة واللسانيات

يندرج كتاب “المعاجم التاريخيّة – مقارنات ومقاربات”، الذي صدر حديثًا ضمن سلسلة “دراسات معجمية ولسانية” التي يشرف على إصدارها “المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات“، والتي تُعنى بنشر الكتب العربية البارزة في مجال علوم اللسانيات والمعجميات، والعمل على أن تشكّل “إضافة جديدة إلى رصيدنا المعجمي الغني”، بحسب تعريف المركز للسلسلة.


يحتوي الكتاب على مقارنات ومقاربات لستة عشر باحثًا متخصصًا بالمعجميات والآداب والإنسانيات والتربية ولغات الحضارات القديمة، والحاسوبيات، واللسانيات العامة والفارسية والمقارِنة بين العربية والساميّة والأفريقية، هم:


إبراهيم بن مراد، ورمزي بعلبكي، وأدي ولد آدب، وعبد الحميد عبد الله الهزامة، وحسن حمزة، وعبد العلي الودغيري، ومحمد حسان الطيان، وحسين الزراعي، وعلي أشرف صادقي، ومحمد العبيدي، وحسين السوداني، وعلي القاسمي، ومحمد محمود أحمد محجوب، ورشيد بلحبيب، ومحمد مرقطن.


إلى جانب الباحثيْن الإنكليزية ليندا ماغلستون، المتخصصة في تاريخ اللغة الإنكليزية والصناعة المعجمية، والألماني لوتز إدزارد، المتخصص في اللسانيات العربية والساميّة. وقد تولّى حسن حمزة تحرير مادة الكتاب.

يحتوي الكتاب على مقارنات ومقاربات لباحثين متخصصين في المعجميات والإنسانيات ولغات الحضارات القديمة

يقع الكتاب في قسمَين وستة عشر فصلً.، القسم الأول نظريّ، في علاقة المعجم بالتاريخ، وفيه ثلاثة أبواب: يُخصَّص الباب الأول منها للنظر في قضية التأريخ في التراث العربي، وتعالج الفصول الثلاثة التأريخ، الذي يرى حسن حمزة أنه الغائب الأكبر في المعاجم العربية.


في الفصل الثاني، يسعى رمزي بعلبكي إلى تتبّع ملامح الوعي التاريخي في التراث المعجمي العربي، مبيِّنًا أن العلماء العرب القدامى لم يكونوا غافلين تمامًا عن الجوانب التاريخية في اللغة، مقدّمًا أمثلةً كثيرة عن نظر النحويّين إلى الوضع والشذوذ وعصور الاحتجاج، وقضايا الغريب والأمثال ولحن العامّة عند المعجميّين.


أمّا الفصل الثالث، فيتناول فيه إبراهيم بن مراد مستويات التأريخ في المعجم، انطلاقًا من المدوَّنة النصّية والمدوّنة القاموسية، متوقفًا أمام صعوبات تأريخ العربية القديمة؛ جاعلًا هذه النصوص أنواعًا في نسبتها وتاريخها، فيميّز بين صحيح النسبة معلوم التاريخ منها التي يمكن التأريخ لها بدقّة، ونصوص منحولة يجب إسقاطها، ونصوص لا يمكن تأريخها إلا بالتقريب، اعتمادًا على وفاة صاحبها أو ظهورها في فترة زمنية يمكن تقديرها.


غلاف الكتاب

وينظر علي القاسمي، في الفصل الرابع، في منهجيّات صناعة المعاجم التاريخية التي تختلف باختلاف أغراض المعجم، والجمهور المستهدَف، وفلسفته الفكرية والتاريخية، ومدرسته المعجمية، والمدّة المخصّصة لإنجازه، والمبالغ المرصودة له.


في الفصل الخامس، يدرس عبد العلي الودغيري قضية مهمة هي العلاقة بين التأثيل والتأريخ، اللذين يرى أنهما يتداخلان، وأنّ التأثيل ركن أساسي في تأريخ مسار الكلمة، وأن أساس العملية التأريخية تأثيلي بامتياز.


ويبحث حسين السوداني في الفصل السادس قضيّة المعنى النووي الذي تتناسل منه سائر معاني اللفظ في مسيرته الاستعمالية عبر الزمان، وهي قضية مركزية في المعجم التاريخي؛ لأنّ المعنى النووي يسمح بفهم الجديد قياسًا على الراسخ القديم،


فكأنّه حاضنة متعالية عن أعراض التاريخ ومتحكّمة في ترابط المعاني الجديدة لتلك الأعراض فيتكامل المعنى النووي مع البعد الأنثروبولوجي الموسوعي الذي يشكّل ذاكرة اللغة.

يُنشر الكتاب ضمن سلسلة “دراسات معجمية ولسانية” التي يصدرها “المركز العربي” في إطار استراتيجيته لتذليل تحديات النهضة العربية الحديثة

في الفصل السابع، يتوقّف محمد حسان الطيّان إحصائيًّا وصوتيًّا أمام المعاجم العربية القديمة (مع أنّها لا تشكّل جزءًا من مدوّنة المعجم التاريخي)، التي تبقى “أساسًا ومُحْتكَمًا” للقضايا التي تعرض للعاملين على إنجاز المعجم التاريخي.


ويتناول علي أشرف صادقي في الفصل الثامن، في نصٍّ مترجم من الإنكليزية إلى العربية، تجربةَ “المعجم الشامل” للغة الفارسية، ويشرح مراحل إنجازه، ومنهج عمله، وخطّة إنجازه، ومصادر المدوّنة وجمعها منذ القرن الرابع الهجري، إضافة إلى معايير انتقاء المفردات في المداخل، ومعالجة المصطلحات، وحزمة البرامج التي اعتُمِدت في عملية الإنجاز.


في الفصل التاسع، تتحدّث ليندا ماغلستون، في نصّها المترجم من الإنكليزية إلى العربية، عن تجربة النسخة الأولى من “معجم أكسفورد التاريخي” للغة الإنكليزية، وتتوقّف أمام مقارناتٍ بين هذا المعجم ومخطوط “معجم كلارك” عن الكلمات الإنكليزية في زمن الحرب، ويتناول المفردات الإنكليزية المولَّدة في أثناء الحرب العالمية الأولى. 


ويبيّن عبد الحميد الهرامة، في مقدمة القسم الثاني، أهمية المعجم التاريخي في إعادة قراءة التراث العربي الإسلامي؛ أما الباب الرابع فيه، فمخصَّص لدراسة موقف معجم الدوحة التاريخي للغة العربية من النظائر الساميّة والمقترَضات.


في الفصل العاشر، يدرس لوتز إدزارد، في نصٍّ مترجم من الإنكليزية إلى العربية، النظائرَ المذكورة مؤخّرًا في “معجم الدوحة“، مقابِلًا بين مفردات منتزعة من اللغات الساميّة وبعض ما ورد منها في معاجم تأثيلية للغات الساميّة والعبرية والجعزية. 


ويُعنى محمد مرقطن في الفصل الحادي عشر بصناعة المعجم التاريخي العربي في ضوء اللغات الساميّة لدراسة تأثيل اللغة العربية وعلاقاتها باللغات الأخرى، بالعودة إلى الجذور التاريخية للعربية، وتأثيل الألفاظ في ضوء اللغات الساميّة، وعلاقة المعجم العربي الخاص بالعربية الشمالية ببعض اللغات الساميّة، إلى جانب العلاقة بعربية النقوش الجنوبية، وبغيرها من اللغات، مثل الفارسية، واليونانية، واللاتينية…


في الفصل الثاني عشر، يبحث محمد العبيدي قضية المعنى في صناعة المعجم التاريخي من خلال تجربته في “معجم الدوحة التاريخي”، فيرى أنّ فهم المعنى هو الذي يحدِّد التأريخ، واختيار الشواهد، وطبيعة التعريف، من خلال أمثلة تحدد الصعوبات أمام المعجمي خلال التجاذب بين المعنيين المعجمي والمجازي، وبين دلالتَي المادّة والصيغة، والإشكالات التي يفرضها اختلاف تواريخ النصوص وما فيها من تصحيف وتحريف في تعريف الوحدات المعجمية في النصوص العربية القديمة.


ويهتم محمد محجوب، في الفصل الثالث عشر، بقضية الوسم في “معجم الدوحة” وعلاقته بقضية التعريف، فيسترسل في الحديث عن أنواع الوسوم والاضطراب فيها بسبب التجاذب بين بنية الكلمة ودلالتها، ويقف بخاصة أمام التكامل بين الوسم والتعريف، وأنّ التعريف يجب أن يعكس الوسم ليكون الوسم موجِّهًا له؛ لأنّ الأخير يحدد الخصائص الصرفية والتركيبية للوحدة المعجمية، أمّا الأول فخصائصها الدلالية والمفهومية.


ويتناول حسين الزراعي، في الفصل الرابع عشر، بالبحث ثلاث قضايا في معجم الدوحة: الأولى دور الوسم في رَوز سلامة بنية اللفظ، استنادًا إلى تكامل السمات الدلالية مع السمات الصرفية والتركيبية. والثانية تمثيل السمات الضرورية التي يتطلب التعريف استحضارها، لضمان صحّته ودقّته. والثالثة أمثلة عن تطوّر التعريف بتطوّر المعاني عن معانٍ أقدم، وتتعلق بالمجاز وأنواعه ووضع الضوابط له.


أمّا الباب السادس، فيشتمل على قضيّتين مختلفتين؛ إذ يركز رشيد بلحبيب، في الفصل الخامس عشر، على مسوِّغات وضوابط استخدام “معجم العين” للخليل بن أحمد مصدرًا من مصادر “معجم الدوحة”، مع أنّ الأصل أن لا تكون المعاجم السابقة جزءًا من مدوّنة المعاجم اللاحقة.


لكنه يسعى إلى إثبات خصوصيّة “معجم العين” ومدوّنته في السياق العربي، التي رجّحت تفصيل اعتماده، من تناول مقدّمته، وشواهده، وبعض تعريفاته بعد استبعاد ما ورد فيه في سياقات غير استعمالية.


ويُختتم الكتاب بالفصل السادس عشر، الذي يُعنى فيه أدي ولد آدب بالنظر في الانتقال بتطبيقات المعجم التاريخي من التأريخ للألفاظ إلى التأريخ للنصوص، متخذًا نموذجًا مطالعَ قصائد البين، وأوّلها: “بان الخليط”، يليها “إنّ الخليط أجَدُّوا البين”،


ثم “بانتْ سعاد”. وقد بلغ عدد المطالع المرصودة (بين 94 قبل الهجرة و170 هجري) ستة وأربعين مطلعًا عند خمسة وثلاثين شاعرًا. ويربط الباحث انقطاع هذه المطالع في الفترة النبوية والراشدة وبداية العصر الأموي حتى استحكام المُلك في أيام بني مروان بالظروف الاجتماعية والسياسية.


وقد انقطع المطلعان الأوّلان إلى غير رجعة، أمّا مطلع “بانت سعاد” فقد استمرّ طويلًا، لارتباطه بالفترة النبوية.


بالعربية

بالعربية: منصة عربية غير حكومية؛ مُتخصصة في الدراسات والأبحاث الأكاديمية في العلوم الإنسانية والاجتماعية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى