99% من أغانينا هي عن الحب، وقد تكون النسبة أقل بقليل في الأشعار العربية. لكن من الأخطاء السائدة، الظن بأن الحب والعشق والغرام وغيرها من الكلمات العربية لها معنى واحد. باستخدام بعض المراجع والمعاجم، وباللجوء إلى أبيات الشعر العربي، يمكن استنتاج أن للحب درجات شبه متفق عليها في الثقافة العربية.
من أين أتت كلمة “حُب”؟
لغوياً، لم يُحسم أصل أو اشتقاق كلمة حُب. فهناك من يقول بأن الحب “مأخوذ من الحبة بكسر الحاء وهي بذور الصحراء، فسمي الحب حبآ لأنه لباب الحياة كما الحب لباب النبات”. وفي رواية أخرى، يقال بأن “الحُب” آتية من كلمة “حُباب” والحباب هو الذي يعلو المياه عند شدّة المطر. بمعنى غليان القلب وخفقه عند الاضطرام والاهتياج إلى لقاء المحبوب يُشبه الحُباب.
درجات الحب عند العرب
للحب 14 درجة، وهو رقم مناسب ليوم عيد الحب الذي نحتفل به في 14 فبراير من كل عام.
أولى درجات الحب في لغتنا هي “الهوى”. وتعني “ميل النفس إِلى الشهوة”. وفي الهوى قال الشاعر الراحل أحمد شوقي:
على قدر الهوى يأتي العِتاب ومَن عاتبت يَفديه الصِّحاب
ألوم معذِّبي، فألوم نفسي فأُغضِبها ويرضيها العذاب
جهلة الفتوة واللهو من الغزل، ومنه التَّصابي والصِبا. وفي الصبوة قال عنترة بن شداد:
إذا ريح الصَّبا هبت أصيلاَ شَفَت بهبوبها قلْباً عليلا
وجاءَتني تخبر أنَّ قومي بمن أهواه قد جَدّوا الرّحيلا
يقال أن كلمة “شغف” أتت من “الشغافة”، والشغافة هي غِلاف القلب. وفي هذه الدرجة الأولية من الحب، يدخل الشخص إلى القلب من خلال الشغافة. قال ابن عباس في ذلك: دخل حُبه تحت شغاف قلبها.
تعني الوجد والكلمة مشتقة في النفس والتفكير في المحبوب والحزن الدائم. يقول ابن الدمينة:
أَلا يا صبا نَجد لَقد هِجت من نجدِ
فهيّجَ لي مَسراك وجداً على وجدِ
يعني “الكلف” الوُلوع بالشيء مع شغل قلب ومَشقة. نلاحظ هنا وفي الدرجة السابقة إدخال عنصر العذاب في الحب. من أجمل ما قيل عن الكلف أبيات لأبي النواس:
يا قلب ويحك جِد منك ذا الكَلَف ومَن كلِفت به جافٍ كما تصفُ
وكان في الحق أن يهواك مُجتهِداً كذاك خبّر منّا الغابر السَلَفُ
العشق يعني فرط الحب، وقيل: “هو عُجْب المحب بالمحبوب يكون في عَفاف الحُب ودَعارته”. بعض ما قال نزار قباني عن العشق:
عندما قررت أن أنشر أفكاري عن العشق
ترددت كثيراً
فأنا لست بقسيس
ولا مارست تعليم التلاميذ
ولا أؤمن أن الورد
مضطر لأن يشرح للناس العبيرا
ما الذي أكتب يا سيدتي؟
إنها تجربتي وحدي
وتعنيني أنا وحدي
إنها السيف الذي يثقبني وحدي
.فأزداد مع الموت حضورا
في سياق الحب، تعني النجوى الحرقة أو شدة الوجد من الحب أو الحُزْن. قال حسين أحمد النجمي:
أسافر في عينيك أبحث عن مأوى أيا رحبة الأحداق ياعذبة النجوى
نسيت على أهدابك السود عالمي وحلَّقت مشتقاً مع الأنجم النشوى
الشوق يعني نزوعُ النَّفْس إِلى الشيء، أو تَعَلُّقها به. وقال المتنبي في الشوق:
أُغالِب فيك الشوق والشوق أغلَب وأعجب من ذا الهجر والوَصل أعجبُ
أما تَغلَط الأيّام في بأن أرى بغيضاً تُناني أو حبيباً تقَربُ
وهو الألم الآتي من الحب. لغوياً: الوصب يعني الوجعُ والمرض. وقال جبران خليل جبران:
دعوتموني وبي ما بي من الوصب وهل دعا واجب قبلاً ولم أُجب
فإن أقصر وأرجُ اليوم معذرة فالوِد يُحفزني والجهد يُقعد بي
الاستكانة هي مرحلة الذَلَ والخضوع للحب. وذُكرت الاستكانة في القرآن الكريم أكثر من مرّة:
“فما وَهَنوا لما أصابهم في سبيل الله وما ضَعُفوا وما استكانوا” [آل عمران146]
الود هو خالص الحب وألطفه وأرقّه. من أجمل الأبيات في الود للمتنبي:
أقل اشتِياقاً أيّها القلب ربما رأيتُك تُصفي الوُد من ليس صافِيا
خُلِقت ألوفاً لو رجعت إلى الصّبى لفارقت شيبي مُوجَع القلب باكِيا
في هذه المرتبة توحيد المحبة. الخلّة تضع المحبوب بمقام مُطلق غير قابل بالمشاركة. إذ قال البحتري:
قد تخلّلت مسلك الروح مِني وبذا سُمِّي الخليل خليلاً
الغرام يعني “التعلُق بالشّيء تعلّقًا لا يُستطاع التخلص منه”. وفي قصيدة “هاج الغرام” لعنتر بن شداد نقرأ:
هاج الغرام فدر بكاس مُدام حتى تغيب الشمْس تحت ظلاَم
ودع العواذل يُطنِبوا في عذلهم فأَنا صديق اللّومِ واللوّامِ
أعلى درجة في الحب هي الهُيام، أي الجنون الخالص من كثرة الحب والعشق. وعن الهيام، قال حسن الطويراني:
أَعطى الهيام جمال بالذي أخذا واستنفد الصبر لَما حكمُه نفذا
وهَل ترى صحوة من والهٍ دنفٍ فؤاده من حميا وجدِه جَأذا