سرديات

السرديات الكبرى: من ليوتار إلى نقد الهيمنة الفكرية في عصر ما بعد الحداثة

metanarrative

ما هي السرديات الكبرى؟

السرديات الكبرى (Metanarratives أو Master Narratives) هي المفاهيم أو الخطابات الشمولية التي تدّعي تفسير مسيرة التاريخ والمعرفة البشرية وفق رؤية واحدة مغلقة.

وقد أثار المصطلح جدلاً في ترجمته: فبينما رآه البعض “النظريات الإنسانية الكبرى لمسيرة التاريخ”، فضّل آخرون استخدام تعبير “السرديات الكبرى أو الخلفية”، للدلالة على المرجعية الفكرية التي تستند إليها جماعة ما في صياغة تصوراتها للعالم.

هذه السرديات لا تُفهم كقصص بسيطة، بل كـ أطر فكرية كبرى تُشرعن المعارف والممارسات، وتقدم صورة متماسكة عن الذات والآخر، بحيث تتحول إلى بديهيات ثقافية يصعب مساءلتها أو التشكيك فيها.

ليوتار وما بعد الحداثة:

ارتبط مفهوم السرديات الكبرى بشكل وثيق بمرحلة ما بعد الحداثة، خاصة مع الفيلسوف الفرنسي جان فرانسوا ليوتار الذي طرحه بوضوح في كتابه الشهير “حالة ما بعد الحداثة” (1979).
رأى ليوتار أن ما بعد الحداثة تتميز بـ فقدان الثقة بالسرديات الكبرى التي هيمنت على الحداثة، مثل:

ففي نظره، هذه السرديات تدّعي امتلاك الحقيقة المطلقة، وتفرض نموذجاً أحادياً للمعرفة، وتقف خارج الزمن، رافضة التعددية والاختلاف.

خصائص السرديات الكبرى:

  1. شمولية: تقدم تفسيراً كلياً للتاريخ والثقافة.
  2. سلطوية: تفرض نفسها باعتبارها الحقيقة الوحيدة الممكنة.
  3. إقصائية: تهمّش أو تنفي أي خطاب بديل أو مختلف.
  4. أيديولوجية: تمنح شرعية لممارسات سياسية أو اجتماعية أو ثقافية معينة.
  5. متسللة إلى الوعي الجمعي: تتحول مع الزمن إلى معرفة قبلية تُوجّه السلوك والتصورات الجماعية.

البعد النقدي: بين الهيمنة والتحرر:

يرى النقاد أن السرديات الكبرى تتحول إلى أداة للهيمنة الثقافية والسياسية، إذ تقدم صورة نمطية عن الشعوب والمجتمعات، مثل:

  • تصوير الأفارقة كرمز للتخلف.
  • تمجيد الأوروبي كتجسيد للتطور.
  • شيطنة المسلم عبر سردية “الإرهاب”.
  • تصوير الغرب الأبيض كرمز للتسامح.

بهذا المعنى، تتحول السرديات الكبرى إلى بنية استعمارية، تسوّغ السيطرة وتعيد إنتاج صورة الآخر وفق مصلحة القوة المهيمنة.

السرديات الكبرى والمجتمع:

تدخل في بناء هذه السرديات عناصر متعددة:

  • الدين واللغة.
  • العِرق والأساطير.
  • الخبرات الشعبية.
  • الصور النمطية المتوارثة.

ومن خلال هذا الخليط، يُعاد تشكيل تاريخ الجماعة ورؤيتها لذاتها وللآخرين، بحيث تصبح السردية أشبه بـ حقيقة ثابتة، رغم كونها نتاجاً للتأويلات والمصالح الأيديولوجية.

من نقد السرديات إلى التعددية:

أهمية نقد السرديات الكبرى تكمن في فتح الباب أمام التعددية الثقافية والمعرفية، والاعتراف بوجود خطابات بديلة لا تقل شرعية. فالنقد ما بعد الحداثي لا يرفض المعنى في ذاته، بل يرفض احتكار المعنى.

روابط مرجعية:

بالعربية

بالعربية: منصة عربية غير حكومية؛ مُتخصصة في الدراسات والأبحاث الأكاديمية في العلوم الإنسانية والاجتماعية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

الإعلانات هي مصدر التمويل الوحيد للمنصة يرجى تعطيل كابح الإعلانات لمشاهدة المحتوى