الدليل المنهجي للكتابة باللغة العربيةمصطلحية ومعجمية

التفاضُل بين “القراءة” و”الكتابة” و”القَوْل”

- الدليل المنهجي للكتابة باللغة العربية -

الكلامُ (القَوْلُ/اللَّغْوُ)؛ هو النَّشاطُ الأكثرُ انتشارا والأكثرُ غزارةً بين الناس، وهو الصيغة الأولى (البدائية) والأساسية في التواصل بين بني البشر، أما القراءَة؛ فتعتمِدُ على فَكِّ رموز اللغة  بعد نقلِ صورتِها إلى الدماغ لِتحصيلِ معناها ودلالاتِها، أما الكتابة فعملية استنساخٍ للأفكار الجائلة في الذهن؛ ونَقلِها للورق باستعمال (رموز) اللُّغة.


فما هي خائص كلٍّ مِن القراءة والكتابة والقَوْل؟ هل يتفاضلون؟، فإن كانوا كذلك؛ فماهي درجة تفاضلِ كلٍّ منهم على الآخر؟


إنَّ أوَّلَ آيةٍ نزلَتْ من القرآن الكريم هي آية {اقرأ}، فهل هذا يعني أن القراءة أبلغُ من الكتابة؟ أم أن الكِتابة أبلغُ من القراءة؟ أما أنهُما متعاضِدَيْن متكاملين؟.


بالرجوع للآية الكريم من سورة العَلَق {اقْرأ بِسم ربِّك الذي خَلَق} نجدُ أنَّ الأمرَ بالقِراءةِ لابدَّ وأنْ يسبِقَه مكتوبٌ، إذْ لِممارسة عملية القراءة لا بد من وجود “كتابة” ابتداءً. أيْ وجودَ مكتوبٍ يُمكن قراءتُه أو القراءة منه.


  • الكتابة أسْبَقُ مِن القِراءة

وهذا ما نجِدُه بشكل صريح في الآية الكريمة، إذ إنَّ تَتَبُّعَ الآيات في هذه السورة “العَلَق”، تُوصِلُنا إلى قولِه تعالى {علَّمَ بالقَلَم}؛ وَوُرُود القَلَم في هذا الموضِع؛ يُفيدُ وجودَ الكتابة ابتداءً.


إن مصطلح “القِراءة” في هذه الآية أتتْ بمفهومِها العام، أي قراءةَ آياتِ الله الكونية، وطلَبِ العِلم للوصول إلى معرفة الإلــه الصانع المبدع لهذا للكون ولكلِّ ما فيه.


الكون؛ كتابٌ مفتوح لِكلِّ مَن أرادَ قِراءَتَه

  • مقومات فِعل القراءة:

القراءة؛ عملية ذهنية تتم بواسطة حاسة الإبصار أو حاسة اللَّمس (طريقة برايل) أو السَّماع (عن طريق فك شيفرة اللغة المقروءَة وفَهْمِ معناها)، وتقوم على عملية القراءة على تحويل وإسقاط الرموز (اللغة) على مَدلولاتِها وتجميعِها في وحدات دلالية مُتتابعة ومترابطة.


لا يمكن أبدا أن تتم عملية القراءة بشكل تام إذا لم تتوفر العناصر التالية:

وتبقى مهارة القراءة عبارة عن مؤهّل شخصي أُحادي المفعول، في حين أن مهارة الكِتابة وسيلة تشاركية تنبني على (أنا أكتبُ وأنتَ تقرأ).

  • خصائِص الكتابة

الكتابة؛ هي الحافِظة القويّة التي ألهمَها الله سبحانَه وتعالى للبشر، إنها أقوى سلاح ضد آفة النسيان وضعف الذاكرة وقصور الحافظة والتقادم والطمس.


بالرجوع (مرة أخرى) للسورة “العلق” نجد قولَه تعالى {عَلَّمَ بالقلم؛ علَّمَ الإنسان ما لَمْ يَعلَم}، أي نَقْلُ العلوم والمعارف عبر الأجيال والعصور عن طريق الكتابة والتدوين، {ما لم يعلم}؛ أي مِن عِلم الأولين والسابقين، فالكتابة حافظة قوية تقي وتحفظ من آفة النسيان ومصيبة الموت والتقادم والطمس والضياع.


فلولا التدوين والكتابة والخَطّ لضاعت كثيرٌ من العلوم والمعارف والآداب والفنون والسِّيَرِ والتاريخ للأقوام والأمم والحضارات الغابرة البائدة. وإنما وصلنا كلُّ هذا الكَم الهائل من أخبار الأولين والسابقين بواسطة نِعمة القلم. “الكتابة”.


يُمْكِنُنا أن نقرأَ دون أنْ نكتُب؛ ولكن يستحيل مُمارسة الكتابة من دون الانطلاق من القراءة.

الكتابة مفيدة وفعّالة جدا، وكثيرُها محمود، إنها أداةُ المعرفة؛ وأهمُّ مقومات بناء الحضارات، وتتطلبُ

الكتابة الكثير من الجهد والوقت والصبر. وهي الميزان الذي تتفاضل به الأمم، وبها يَعلُواْ قومٌ على قومٍ آخرين ويَسُودُونَ عليهم.


  • الكَـــلام.

يأتي الكلام في الدرجة الدُّنيا بعد الكتابة والقراءة. وهو مرادفٌ لِلَّغوِ، وهو في معظمِه مذموم، وهو وسيلة العوام والأُمِّيِّين. والكلام في مجمَلِه غير مُفيد وغيرُ نافع. فهو رخوٌ وعديم الشكل ولا يحفظ ويُنسى بسرعة. ويموتُ بموت صاحبِه.


كما أن اللَّغو لا يمكن إصلاحه وتقويم اعوجاجِه، بل فقط يمكن تداركُ هفواتِه بمزيد من الكلام. كما أنه نشاطٌ لحظيٌّ مُفاجئ؛ أي يمكن إنجازُه دونَ التحضير له. ولا يتطلب جهدا؛ بل يعتمل على الاسترسال في فعل القول وإنتاج الكلام.


  • التقابُلات المرصودة بين الكتابة والكلام (القوْل/ اللغو):
الكتابة الكلام/ القوْل / اللَّغْو
وسيلة النُّخَبْ والعلماء والباحثين والمثقفين. وسيلة العَوَامّ.
كثيرُها محمودٌ ومفيد. كثيرُهُ مذمومٌ وغير مفيد.
تخضع لمنهجية؛ وتحتاج إلى وقت وإلى  تحضير مُسبَق. الكلام نشاط لحظيٌّ مفاجئٌ؛ يُمكن إنجازُهُ دون تحضيرٍ مُسبَق؛ ولا يحتاج إلى جهد.
قابلة للزيادة أو النقصان وقابلة للتصحيح والتعديل. رَخْوٌ وعديم الشكل؛ وغيرُ قابلٍ للتقويم، وتداركُ الزلل فيه يكون بمزيدٍ من الكلام أو الصمت.
الكتابة تبقى وتُحفظ. الكلام يضيع ويُنسى ولا يحفظ.
عَملية الكتابة؛ عملية مُنعزلة ومُنزوية وخارجية؛ ولا تستدعي الحضور اللحظي والآنيَّ للقارئ. لإنجاز الكلام (اللغو /القول) يحتاج الى مستمعٍ حاضر (مجلس استماع).
الكتابة تتغذى من الكتابات السابقة. الكلام يتغذى من الكلام اليومي.
في الكتابة كلُّ تركيب يَحمل معنىً ودلالة. في الكلام يعتمد الفهم على السيَّاق.

الحسين بشوظ

كاتب، صحفي عِلمي وصانع محتوى، باحث في اللسانيات وتحليل الخطاب، حاصل على شهادة الماجستير الأساسية في اللغة والأدب بكُلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط. مسؤول قسم اللغة العربية في منظمة المجتمع العلمي العربي بقَطر (سابقا)، عُضو مجلس إدارة مؤسسة "بالعربية" للدراسات والأبحاث الأكاديمية. ومسؤول قسم "المصطلحية والمُعجمية" بنفس المؤسسة. مُهتم باللغة العربية؛ واللغة العربية العلمية. ناشر في عدد من المواقع الأدبية والصُّحف الإلكترونية العربية. له إسهامات في الأدب إبداعاً ودراسات، صدرت له حتى الآن مجموعة قصصية؛ "ظل في العتمة". كتاب؛ "الدليل المنهجي للكتابة العلمية باللغة العربية (2/ج)".

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى