حُروف العطف واستعمالاتُها
- الدليل المنهجي إلى الكتابة العلمية باللغة العربية -
تَكتسي الحروفُ عامةً سواءً منها حروف الجر أو العطفِ أهمية كبيرةً في كل اللغات؛ وبدرجةٍ قُصوى في اللغة العربية. وتُعتبَر هذه الحروفُ بمثابةِ الميزانِ الذي يُقِـيمُ الجُملة، وبها تَتَحَقَّق جمالية النثر والنظم، إذ يستحيل كتابةَ جُملةٍ أو عبارةٍ أو تركيبٍ بدون استعمال هذه الحروف.
كما أنَّ استعمالَها وتوظيفَها يُعد فَنَّا من فنونِ البلاغة وصَنْعَةً من صُنُعِ الإبانة؛ يتفاوتُ فيها الكُتَّاب ويتفاضلون بها فيما بينَهم، وهي قِوامُ البيانِ وأُسُّهُ وعِمادُه.
وكما أن للحروف تأثيرٌ إيجابيٌّ على المكتوب والمنطوق إذا تم تجويدُ وضبطُ استعمالِها، فإن لها كذلك مفعولاً عكسيا إذا سِيئَ استخدامُها وأُقْحِمتْ في غيرِ مواضِعِها؛ عندها لا تكادُ تُبِينُ ولا تُقِيمُ للكلامِ لا جمالاً ولا دلالةً ولا بياناً. وعلى البيانِ تقوم اللغة وتستوي،
وإذا لم تحضر الإبانة في اللغة العربية؛ فتلك ليستْ لغةً عربيةً؛ وإنما خليطٌ من الكلمات وكومة من الجُمَل. فاللسان العربيُّ أصلُه الإبانة؛ قال الله تعالى: {بِلسانٍ عربيٍّ مُبين[i]}، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (وإنَّ مِن البيانِ لَسِحْراً[ii]).
“من جَهِلَ حَرفا أمكنَ أن يَجهَلَ حُروفا، ومن جهِل حروفا؛ جازَ أن يَجهَل اللغة بكامِلِها، فإن كان لا يَجهَلُها كلَّها؛ فلَعَلَّه يَجهَلُ ما يَحتاج إليه[iii]“
العطف في عِلم النحو؛ هو إتباعُ لفظٍ بآخرَ بواسطة حرفِ عطف، حيث يَلحقُ اللفظ التابعُ (المعطوف عليه) متبوعَهُ (المعطوف) بواسطة حرفٍ (حرف عطف) لتأديةِ معنىً مُعيَّنا (المعنى المستفاد). وحروف العَطْفِ تسعة وهي: (الواو، الفاء، ثمّ، حتّى، بل، لكن، أو، لا، أم).
- معاني حروفِ العطْفِ واستعمالاتُها.
- الواو:
يُستخدم حرف العطف “الواو”:
- للمشاركة بين المعطوف والمعطوف عليه، كأن تقولَ: (فاز زيدٌ وَعمرُو)
- لا يفيد واوُ العطفِ الترتيبَ، إذْ يمكن أن يكون عَمرُو فازَ أولا، كما يمكن أن يكونا فازا معا في الآن نفسِه.
- الفاء:
يُستخدم حرف العطف “الفاء” :
- للعطفِ مع الترتيب والتعقيب ومثالُه أن تقول: (دخل الحارس فــالمديرُ). أي أن الحارس هو من دخل أولا ثم تبعَه المدير. والتعقيب هنا هو أنَّ دخولَ المدير جاء مباشرة بعد دخولِ الحارسِ ولم يكن بين دخولِهِما فارقٌ زمنيٌّ كبير.
- للسببية كأن تقول (عَدَلْتَ فــاسترحتَ)، ويكون بعطف جملة على جملة أخرى.
- ثُـمّ:
يُستخدم حرف العطف “ثُـمَّ”:
- للترتيب مع التراخي، كأن تقول: (سافر زيدٌ ثُمَّ عمرو). فزيدٌ سافرَ أولاً ثم سافرَ بعدَهُ عمرو مع وجود مُهلة زمنيةٍ بينهُما.
- حتى:
يُستعمل حرف العطف “حتى”:
- للغاية، ومنه قولُك: (نفِدَ الزادُ حتى الماءُ)
ولِـ “حتى” شروطٌ ثلاثةٌ لاستخدامِها في العطف وهي:
- أن يكون المعطوف اسماً صريحاً وليس ضميراً.
- أَن يكون من أحدِ أجزاءِ المعطوفِ عليه.
- أَن يكون غاية للمعطوف عليه سواء في الرفعة أَو الضعة.
- أَو:
يُستعمل حرف العطف “أَوْ”:
- للتَّخْيِيرِ بين أمْرَيْن أو أكثر ومثالُه قولُك: (اركبِ الدراجة أو سر على قدميْكَ). وقولُهُ تعالى: {فكفَّارَتُهُ إطعامُ عشرةِ مساكينَ مِن أوسط ما تُطعمونَ أهليكُم أو كِسوتُهُم أو تحرير رقبة}.
- للشك؛ ويأتي بعد الاستفهام؛ ومنه قولُكَ: (أزيدٌ باعَكَ البضاعة أو عمرو).
- للإباحة ومنه قولُك: (خذ عنزةً أو كبشا).
- وتأتي بمعنى “إلاَّ أنْ” ومنه قولُك: (لأشكيَّنَّكَ للقاضي أو تَرُدَّ عَلَيَّ مَالي). أي لأشكيَّنَّكَ للقاضي إلاَّ أن تردَّ عليَّ مالي. ومعناها (لن أشكيَك إذا رددتَ إليَّ مالي).
- أَمْ:
يُستعمل حرف العطف “أَمْ”:
- للإضراب؛ ومثالُه قولُكَ: (هل صلّيتَ في المسجد أم أنتَ مُعتكف في البيت).
- وتأتي لطلب التعيين إذا سبقتها همزة الاستفهام ومنه قولُهُ تعالى: {قل أأنتم أعلمُ أمِ الله}.
- وتأتي للمعادلة ومنه قولُه تعالى: {ليبلوني أأشكرُ أمْ أكفر}.
- بَـل:
يُستعمل حرف العطف “بَـل”:
- للإِضراب الإبطالي؛ أي إبطال المعلومة الأولى والتركيز على التي تليها، ومنه قولُكّ: (سقانا لَبَنًا بل ماءً).
- الإضراب الانتقالي؛ ومنه قوله تعالى:{أَأُنْزِلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ مِنْ بَيْنِنا بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْ ذِكْرِي بَلْ لَمّا يَذُوقُوا عَذابِ}.
- لكنْ:
يُستعمل حرف العطف “لكــنْ”:
- يُفيد الاستدراك، ومن شروط العطف بـ”لكن” أَن يأتي قبلَها نفيٌ أَو نهيٌ، وأَلا تتصل بالواو، وأَن يكون المعطوف مفردا، مثل: (لمْ يَغْنَم الخادمُ لكنْ سيِّدُهُ).
- لا:
يُستعمل حرف العطف “لا”:
- يُفيد النفي والعطف، ومثالُه: (سافر زيدٌ لا عمرو)، (اجمع أقلامَكَ لا كتبَكَ). ومن شروط العطف بـ “لا” أَن يسبقها خبرٌ غيرُ منفيٍّ أَو فعلُ أَمرٍ. وتشير “لا” إلى إثبات الحكم لما جاء قبلَها ونفيِهِ عمَّا جاءَ بعدها.
- للتوسع أكثر في موضوع “الحروف العربية واستعمالاتُها”؛ نُحيل المتخصصين على هذا المرجع:
كتاب: “الصاحبي في فقه اللغة العربية ومسائِلِها وسُننِ العرب في كلامِهم”. للعلامة الإمام: “أبي الحسن أحمد بن فارس الرازي اللغوي”، تحقيق: “الدكتور عمر فاروق الطباع”.
[i] سورة الشعراء، الآيــة 195.
[ii] حديث مرفوع.
[iii] أوردَه أبو حيان التوحيدي في كتابِه؛ الإمتاعُ والمؤانسة، على لسانِ أبى سعيد السيرافي.
شكرا لكم
لغة الضاد وما أراك ما لغة الضاد.