الدليل المنهجي للكتابة باللغة العربية

طريقة علمية سهلة لكتابة الهمزة على مَحمولِها

سلسلة: الدليل المنهجي للكتابة العلمية باللغة العربية

تُعتبر الهمزة مِن أكبرِ العقباتِ التي تواجِه الكاتب المُبتدئ أو المحترف على حدٍّ سواء، نظرا لتعدّد قواعِدِها وتشعّبِ حالاتِها واختلاف ومواضِعِها في الكلمة، وارتباطِها بحركتِها وحركة الحرف قبلَها.

وكثيرا ما نُعاين هذه الأخطاء في كتابة الهمزة بشكل كبير في البحوث العلمية والرسائل الجامعية، ناهيكَ عن أخطاء محمول الهمزة  في اللافتات الإشهارية والتجارية والإعلانات وفي البرامج التلفزية، بل وحتى في واجهات المكاتب والمؤسسات العمومية والرسمية.

وينحصر مشكل الهمزة الأساسي في مَحمُولِها؛ حيث تتعدَّد محمولات الهمزة فتارةً تُحمَل على الياء وتارة على الواو وأحيانا تُحمل على الألِف أو على النبِرة أو على السطر.

سنقتصر في هذا المقال على إبراز وتوضيح الحالات الأساسية والضرورية والشائعة والمشهورة في كتابة الهمزة، ولن نتطرّق للحالات الشاذة والخلافية التي تختلفُ حولَ كتابتِها مُجمَّعات اللغة العربية في مصر والشام والمغرب (ولكل مجمَّع شواهِدُه وحُجَجُه وأدلته التي تبرر اختياراتِه).

ذهب بعض النحويين إلى اعتبار الهمزة حرفا صحيحا قائما بذاتِه؛ وليس مجرَّدَ مَدٍّ مُضاعَفٍ للفتحة، وذلك لأن الهمزة تقبَل جميعَ الحركات التي تقبلُها الحروف الصحيحة الأخرى (الفتحة/ الضمة / الكسرة / سكون).

وبالتالي عَدَّدوا حروفَ الهجاء العربية إلى تسعةٍ وعشرين حرفا (29) بدلَ ثمانية وعشرين المشهورة. ويرى البعض الآخر أنها ليست حرفا لأنها لا هِجاءَ لها، وتتكِئُ في رسمِها على حروف أخرى معلومة كالألف والواو والياء.

هناك ثلاثة مواضِع لكتابة الهمزة وهي؛

 الهمزة في أول الكلمة، وفي وسط الكلمة؛ وفي آخر الكلمة.

نظراً لأهمية الهمزة في الاستعمال الكتابي؛ والإحراج الذي يُسبّبُه الخطأ فيها بالنسبة للمحترفين قبل الهواة والمبتدئين؛ أُلّفَتْ في هذا الموضوع عددٌ كبيرٌ من الكتب والمراجع لتسهيلِ فهمِ المنطقِ الناظم لكتابة الهمزة والطُّرُقِ السَّلِيمة في تحديدِ مَحمُولِها.

ولأسف لم تُفلِح كثيرٌ مِن هذه المراجع، نظراً للمنهجية الـمُتَّبعة في إعدادِها، بالإضافة إلى سوءِ اعتمادِ الأمثلة المناسبة. وبعضُها يُعالِج القضايا الخلافية في الهمزة أكثرَ مِمّا يُحاولُ تبسيطَ الـمُشكل وتقريبَ القاعدة للقارئ والكاتب العادي.

وحتى بعضُ المراجِع التي تعتمدُ تقنياتٍ ديداكتيكية حديثة لم تُفلح بالدرجة المطلوبة في تبسيط درس الهمزة.

قضية الهمزة سهلةٌ جدا ويسيرة ومُيَسَّرة لمنْ أرادَ ذلك، خصوصا إذا استطعنا معرفة المنطق الذي يحكمُها، عندَها سنستطيعُ وبكلِّ سهولة تمثٌّلَه ذِهنيًّا وتنزيلَهُ على الورق كتابةً بأمانٍ كبير وثقة.

وتتمثل الطريقة الحديثة في فهم المنطق الذي يحكم محمول الهمزة دون التركيز على الأمثلة، لأن الأمثلة تأخذُنا مباشرةً للحفظ، والحفظُ لا يُجدي في هذه الحالة إطلاقا؛ أللَّهُمَّ إذا تكرَّرَ المِثال نفسُه في سياق آخر لاحق.

ويكفي هنا أن نشير إلى مسألة مهمة جدا قد تحُلُّ كثيرا من إشكال الهمزة؛ وسنطرح هنا سؤالين مهمَّيْن هما:

  • كيف تطورتْ كتابة الهمزة منذُ عصرِ التدوين إلى اليوم؟
  • ولماذا لم يكن مشكلُ محمولِ الهمزة مطروحا قبلا، وأصبحَ اليوم مطروحا ومُبهما عند كثير من الكتاب إلى حد كبير؟

المسألة بسيطة جدا، فلو فهِمْنا منطلق العرب القدامى في وضع الهمزة لاستطعنا اليوم وبكل يُسْرٍ كتابتَها دون عناء؛ اللَّهُمَّ بعضَ الحالات الشاذة التي قد لا نحتاجُها في الكتابة العلمية التقريرية والشائعةِ في الكتابات البلاغية والأدبية على وجهِ الخصوص.

فقد كان العرب قديما على مذهبيْن في كتابة الهمزة:

  • فريق المُحققين

 وهم الذين كانوا يحققون الهمزة أي ينطقون بها على حقيقتِها صحيحةً من مخرَجِها الصوتي، ويرسمونها رسما مثبتاً عند الكتابة، فكانوا ينطقون الهمزة بالإثبات جهرا فيقولون: كأس بئر فأر فؤاد…، ولكنهم يكتبونَها على هذا النحو : كَءْسٌبِءْرٌ فَءْرٌ فُءَادٌ … (دون نقط الحروف طبعا).

فلَمْ يكن ثمة إشكال إطلاقا في طريقة كتابة الهمزة، وقد يستسيغ كثيرٌ مِنكم هذه الطريقة، وربما تمنَّيْتُم لو لم تتغير الأمور وبقيتْ الهمزة على هذه الطريقة السهلة في الكتابة.

ولكن للأسف تغيَّر الأمر تَبَعًا لضرورات جَمْعِ اللغة وتقعيدِها وحفظِها (عصر التدوين) بسبب تعدد الألسن العربية واختلاف مذاهب القبائل العربية والمستعرِبة في النُّطق، والخوف من تحريف القرآن واللَّحنِ فيه.

أما الفريق الثاني فسُميَّ بـ:

  • أهلُ التَّخفيف

وَهُم الذين كانوا يتخفَّفونَ مِن الهمزة نُطْقاً ويستبدلُونها بحركاتِها المناسبة فيقولون: كاسٌ بـيــرٌ فــارٌ فـواد مُـومــنٌ ذِيـــب…، ولو تأملْنا جيدا هذا الاختلاف بين إثباتِ الهمزة والتَّخَفُّفِ منها، سنستطيع فك شيفرة الهمزة والتعامل معها بهذا المنطق السهل والبسيط. فيكفي أن تستنتجَ محمول الهمزة من الحركة التي تُناسبُه  (أي الحركة التي قبلَ الهمزة)، وكلُّ ما تحتاجُه هنا هو أن تعِي أن:

الدليل المنهجي للكتابة باللغة العربية ــ منصة بالعربية.

تحتاج للحسْمِ في موضوع كتابة الهمزة على مَحمولِها إلى معرفة ترتيبِ الحركات بحسب قوَّتِها وحِفظِها عن ظهر قلب. وهذا الترتيب كالتالي:

الدليل المنهجي للكتابة العلمية باللغة العربية

لقد استنبط عُلماء النحو المعاصرون قاعدة (أقوى الحركات) من المنطق القديم، الذي كان يحكم النحو بشكل عام، فهو منطق صوريٌّ يعتمدُ على استيعاب الظاهرة النحوية واستنتاجِها من الكلام، فالعرب القدامى لم يكونوا يعرفون ما النحو ولا ما الفاعل ولا ما المفعول …،

لقد كان النحو بالنسبة لهم النّسق العام الناظم للكلام والخاضِع للمنطق اللغوي المجرّد. أي أن القاعدة بالنسبة لهم كانت صوتية، فبمجرّد السماع يُدركونَ فصيح الكلام من ركيكِه.

تعتمد الطرق الحديثة في تبسيط وتقريب طريقة انتقاء الهمزة لمحمولاتِها على مساعدة الكاتب على فهم المنطق الذي تتحرك به الهمزة وسط الكلمة وفي آخِرِها، وهي عملية أشبه بلعبة الشطرنج إلى حد كبير جدا.

الخطاطة التي أمامَك الآن هي الخريطة والقانون العام والشامل لعمل الهمزة، وقد تعمَّدنا عدم إدراج أي مثالٍ حتى نتجاوز الطريقة البدائية التي تعتمد على الحفظ، هذه الخطاط تسمح لك بتجريب لعبة مسلية ومفيدة ومضمونة.

كل ما تحتاجُه لتجريب هذه اللعبة هي ضبط قاعدة أقوى الحركات (أنظر أعلاه) وضبط الحروف التي تناسب كل حركة (أنظر الخانة الخاصة بالحركات وما يُناسبها)، عند ضبط هاتين القاعدتين يمكنك الاستعانة بالخطاطة التالية ومباشرة اللعب.

  • طريقة اللّعبِ على خطاطةِ محمولِ الهمزة

تخيل ما شئت من كلمات فيها همزة وصنفها في الخانة المناسبة، حاول تنويع الكلمات التي تحتوي على همزة، لا تبحث عن الكلمات في أي مرجع أو كتاب، (إذا فعلتْ ذلك ستحتفظ ذاكرتُكَ القصير بصورة للكلمة.

وبالتالي؛ ستأثر عليك في استيعاب طريقة اللعب وتصنيف الكلمة في خانتها المناسبة)، استعمل ذهنك وفَكِّر جيدا في عدد أكبر من الكلمات، اكتُبها على ورقة دون وضع الهمزة على محمولِها، أكتُبها بهذه الطريقة (مسءلة رءس مءمن  هيءة …).

إذا كررَّتَ هذا التمرين بشكل مستمر (يوميا في الأسبوع الأول، ثم مرة في الأسبوع … وهكذا) ستتخلص تماما مِن مشكل وضع الهمزة على محمولاتِها بشكل نهائيا جدا، وستكتُب مقالاتِك وأبحاتِك وخواطِرِك بشكل مريح، آمنٍ وسليم (في الكلمات التي تحتوي على همزة في وسطها أو آخرِها).

خطاطة محمول الهمزة:

قاعدة الهمزة المكسورة ـ الدليل المنهجي للكتابة العلمية باللغة العربية
  • الهمزة المضمومة:
قاعدة الهمزة المضمومة ـ الدليل المنهجي للكتابة بالعربية

الهمزة المفتوحة:

قاعدة الهمزة المفتوحة ـ الدليل المنهجي للكتابة باللغة العربية
  • الهمزة المُسَكَّنة:
قاعدة الهمزة الساكنة ـ الدليل المنهجي للكتابة بالعربية.
  • تذكير

لا شك أن لكل قاعدةٍ استثناءً، وبالنسبة لموضوع الهمزة؛ هناك حالاتٌ استثنائية لها قواعِدُ خاصة، لم نشأ التطرق إليها حتى لا يختلط الأمر على القارئ العاديّ وغير المتخصص.

إلا أننا نؤكد أن هذه الطريقة ناجعة ومضمونة بنسبة كبيرة جدا، خصوصا للذين يكتبون بطريقة تقريرية وعلمية، فإن هذه الطريقة كفيلة بتمكينِهم من مبتغاهم. أما في التخصصات الأدبية والبلاغية فضروري دعم هذه الخطاطة بقواعِد الاستثناء.

وفي نهاية هذا المقال سنورِد حالة واحدة فقط بسيطة وواضحة لقاعدة الاستثناء وهي:

قاعدة الاستثناء في الهمزة ـ الدليل المنهجي للكتابة بالعربية

الحسين بشوظ

كاتب، صحفي عِلمي وصانع محتوى، باحث في اللسانيات وتحليل الخطاب، حاصل على شهادة الماجستير الأساسية في اللغة والأدب بكُلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط. مسؤول قسم اللغة العربية في منظمة المجتمع العلمي العربي بقَطر (سابقا)، عُضو مجلس إدارة مؤسسة "بالعربية" للدراسات والأبحاث الأكاديمية. ومسؤول قسم "المصطلحية والمُعجمية" بنفس المؤسسة. مُهتم باللغة العربية؛ واللغة العربية العلمية. ناشر في عدد من المواقع الأدبية والصُّحف الإلكترونية العربية. له إسهامات في الأدب إبداعاً ودراسات، صدرت له حتى الآن مجموعة قصصية؛ "ظل في العتمة". كتاب؛ "الدليل المنهجي للكتابة العلمية باللغة العربية (2/ج)".

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

الإعلانات هي مصدر التمويل الوحيد للمنصة يرجى تعطيل كابح الإعلانات لمشاهدة المحتوى