الأركان الخمسة للكتابة العلمية
لِكلٍّ منّا طريقتُه ومنهجيتُه في الكتابة، وكثيرٌ مِنَا أيضا يَكتُبُ خارج المنهجية، ولا يلتزمُ بأيِّ ضوابِطَ إجرائية. لذلك نجدُ الكتاباتِ تختلفُ من كاتبٍ لآخر مِن حيث الجودة والمضمون،
وهذا راجعٌ إلى عواملَ كثيرة أهمُّها؛ طولُ الاحتكاك مع النصوص والمقالات الجيدة؛ وكذا طولُ التَّمَرُّنِ على الكتابة، مما يُكسب الكاتب دُربةً ومِراساً يؤهِّلُه لِخوضِ غِمار الكتابة الاحترافية بأمان كبير جدا.
لكن ثَمَّةَ ضوابطَ منهجيةٍ للكتابة العلمية تساعد الكُتَّابَ المبتدئين وغيرِ المتخصِّصِين على الكتابة بطريقة أفضل؛ بأقلِّ الجُهد وأوْفَر النتائج.
- الأركان الخمسَة للكتابة العلمية
- التَّسوِيد:
التسويد هو أول ركن من أركان الكتابة المنهجية، ويأتي التسويد مباشرة بعد الفكرة، أي عندما تبدأ فكرةٌ ما غيرُ مكتملةٍ تتبلورُ في ذهن الكاتب حول موضوع معين. ويتم التسويد عبر مرحلتين:
المرحلة الأولى: يتم فيها تسويد جميع الأفكار والملاحظات والاقتراحات التي تجول في ذهن الكاتب؛ بِغض النَّظر عن صحتِها أو خطئِها أو قيمتِها.
المرحلة الثانية: تأتي موازاةً مع البحث، أي تسويد الأفكار والمعلومات التي يراها الكاتب مفيدة وضرورية لموضوعِه؛ والتي يصادفها في المراجع والمصادر المتاحة.
المُسْوَدّات التي تم ملؤُها؛ هي النواة الأولى للمقالة أو النص.
- التّـصميم:
تَعتمدُ مرحلةُ التصميم على حصر الموضوع المراد الكتابة فيه؛ وإزالة كلِّ الشوائب الأخرى وهي أنصاف المواضيع أو الأفكار المرتبطة بمواضيع وعنوانين أخرى مستقلة وبعيدة عن الموضوع الرئيسي والتي تحتاج إلى مقال مستقل.
ويعتمدُ التصميم على بناء نسقٍ منظم للموضوع يُراعي المقدمة والعرض والخاتمة، مع تحديد ما سيحتويه كل قسم من هذه الأقسام الثلاثة. مع مراعاة تحقيق نوعٍ من الانسجام والترابط بين هذه المستويات، وذلك من خلال طرح الفرضية أو الاشكالية في التقديم،
ثم مساءلة الموضوع من خلال الأفكار التي تم جمعُها في عملية التسويد وإبداء الرأي والرأي المضاد مع البرهنة واستدعاء الحجج والادلة، والانتهاء إلى الخلاصة التركيبة التي يُعبّر فيها الكاتب عن موقفِه الخاص واستنتاجاته التي توصل إليها.
ويُستحسن أن ينفتح على أسئلة وإشكاليات أخرى تستحق أن تكون مباحثَ مستقلةٍ لمن أرادَ البحث والتوسع في الموضوع.
التصميمُ الجيّد يُوصِل إلى مقالٍ جيد.
- التّحرير:
التحريرُ هو التنزيل الفعلي للمقال على الورق، (يمكن أن يكون على الورق أو على شاشة الحاسوب بالرقن) ويجب على الكاتب الالتزام بالتصميم والمادة التي استطاع تجميعَها في المسودات.
ويُسمح للكاتب بالتوسع في بعض الأفكار أو إعطاءُ الملاحظاتٍ أو الاستنتاجات التي تحضُرُه أثناء التحرير حتى ولو لم تكن مضمَّنة في المسودة، شريطة ألا تخرج به عن الموضوع الرئيسي.
ويجبُ أن نُنَبّه الكُتابَ إلى مسألة هامة جدا؛ تتمثل في ضرورة إنهاء عملية التحرير عند مباشرتِها، إذْ إنَّ كثيراً من الكُتَّاب يُحررون مقالاتِهم بشكل متقطّع وأحيانا متباعد؛ وهذا خطأ كبير إذ ينعكس هذا الانقطاع على جودة المقال من حيث الصياغة والترابط.
حتى إن بعض الفقرات لا يربطها بالفقرة التي قبلَها أو التي بعدها أي رابط، ويظهر المقال كأنه مُـجتزَئٌ من كتاب أو من مقال آخر، وهذا مَرَدُّه إلى انقطاع الكاتب عن التحرير لفتراتٍ متباعدة؛ وهذا خطأ في الكتابة المنهجية.
على عكسِ الأركان الأربعة الأخرى للكتابة، ينبغي عند بدءِ عمليةِ التحرير؛ التقيدُ بها إلى النهاية.
- المراجعة:
تأتي مرحلة المراجعة بعد الانتهاء كليا من فعل الكتابة (مرحلة التحرير)، وتنصب هذه على قراءة المقال قراءة فاحصة للوقوف على الأخطاء الإملائية واللغوية والنحوية، التي قد يسقط فيها الكاتب سهوا في مرحلة التحرير.
وتتم عملية المراجعة ثلاثَ مراتٍ على الأقل، ويُستحسن تكرير المراجعة كُلما ظهر خطأ أو نقصٌ لم يتمَّ ملاحظتُه في المراجعات الأولى.
الكاتبُ الجيّد؛ هو ذاك الذي يستطيع أن يُوصل فكرتَه للقارئ بأقلِّ الجُهد وأيْسَرِ الكلماتِ وأوضَح السُّبُل.
- التقويم
مرحلة التقويم وهي آخر مرحلة في الأركان الخمسة للكتابة المنهجية، وتهدف عملية التقويم إلى تحسين وتجويد المقال بعد عملية المراجعة، كما يتم العناية بالخط، وفي حالة الرَّقْنِ يتم توْضيبُ النص أو المقال وتجميلُه وفق المقومات والشروط المطلوبة (حجم الخط / حجم العناوين / الألوان / الترقيم …) تمهيدا لتسليم المقال للجهات المعنية أو نشرِه.
إذا استطعتَ أن تُوَّفر جُهدَ عَشْرِ صفحاتٍ لِصفحةٍ واحدة، ومجهودَ عشرِ مقالاتٍ لِمقالٍ واحدٍ فافعل ذلك.
وتَذكر وتذكّري دائما أيها الكاتب ويا أيتُها الكاتِبة:
(مقالٌ واحدٌ جيّدٌ في الشّهر؛ أكثرُ وأعمُّ وأوفرُ فائدةً مِن مقالٍ كلَّ يَوم).