الدليل المنهجي للكتابة باللغة العربية

أسرارُ وعجائبُ حَرْفِ الألفِ في الاستعمال

- الدليل المنهجي للكتابة باللغة العربية -

أحصى علماء اللغة والنحو ما يزيدُ عن ستين (60) استعمالاً لِحَرْفِ الألف وحدَه. لكن كثيراً من المُثقفين والأساتذة والباحثين؛ لا يعرفون عن حَرْف الألف؛ سوى أنهُ حَرْفٌ كغيرِه من الحروف، يُستعمل أحياناً كأصلٍ في الكلمة، وأحيانا كهمزةٍ أو علامةِ مدٍّ، وأحيانا كلازمةٍ مِن لوازمِ الجمْعِ في اللغة العربية.


لكن أسرارَ هذا الحرف البسيط رسماً؛ والمُعقّدِ استعمالاً؛ لا تكادُ تُحصى إلا للمتخصصين والمُتبحرين في علومِ لغةِ الضاد.


وقد يتساءَل البعضُ حولَ جدوى وأهمية استعمالات هذا الحرف؛ بالنسبة للباحث في حقولٍ عِلمية ومعرفية أخرى بعيداً عن اللغة العربية وعلومِها؟.


الجواب هنا؛ سيكون مُفاجئا للبعض، خصوصا؛ للمشتغلين في تعريب أو تبسيط العلوم باللغة العربية. لأن بعض استعمالات حرفِ الألف؛ مُعادِلُها في اللغات الأخرى كالفرنسية والإنجليزية مثلاً؛ يُساوي جملةً أو جملتيْن، وأحيانا فقرةً كاملة.


وبالتالي؛ فإن التعبير عن العلوم والمفاهيم والمصطلحات باللغة العربية؛ هو الأدَقُّ والأجدى والأنسبُ على الإطلاق.


وهنا؛ يمكننا ((اجتهاداً))؛ أن نُصنفَ الألفَ إلى قسميْن أساسييْنِ وهما، “ألف الإملاء“، التي لا يُعذَرُ الجهلُ بها أو التساهلُ فيها بالنسبة للباحث عموما، والمُشتغلين بتبسيط وترجمة وتعريب العلوم على وجهِ الخصوص.


فالهمزة مع الألفِ الممدودة؛ ليست تَرَفاً لغوياً أو إملائيا، بل هي ثابتةٌ مِن ثوابتِ اللغة العربية العِلمية السليمة. والجهلُ بها؛ جهلٌ بِبعض اللغة؛ ويَجِبُ تدارُكه.


وهنا؛ وجبتِ الإشارةُ إلى أن مَعاجم اللغة العربية بمجلداتِها الضخمة وأعدادِها الكبيرة؛ قد وُضعت أصلاً للحفاظ على اللغة والاهتمامِ بأجلِّ وأدق تفاصيلِها، وعلى رأسِها حرفُ الألف؛ الذي خُصِّصَت له أبوابٌ ومباحثُ لا تكادُ تُحصى في فضلِه وأهميتِه وأسرارِه واستعمالاتِه وأحوالِه. وإنَّ إهمالَ اليسيرِ مِن اللغةِ؛ أدْعَى لإهمالِ الكثيرِ منها.


أما القسم الثاني من التصنيف؛ فسنصطلحُ عليهِ اجتهادا منا كذلك بـ”حرف الألف الوظيفي“، ونقصدُ به؛ الألف التي تقوم مقامَ جملةٍ أو فقرةٍ كاملة، وهي الألف التي نريد لفتَ الانتباهِ إليها بشكل أكبر في هذا المقال.


  • ألف الإملاء

  • ألف الأصل: وتسمى كذلك ألف القَطْع، وهي الألف الممدودة الأصلية في الكلمة، أي إنها جزءٌ من بنية الكلمة، بخلاف الألف الزائدة. وبالتالي؛ وجب كتابَتُها بإثبات الهمزة عليها دائما. ومثالُها؛ (أحمد، أكرم، إحسان، إنسان، أُسامة) ولا يصح أن نكتب (احمد، اكرم، احسان، انسان، اسامة).

  • ألف الوصل: وتسمى كذلك بـ “همزة الوصل”، وهي ألفٌ مُستقيمة من دون همزة فوقها أو تحتها، تُستعمل كتابةً ألفاً ممدودة (ا)، وتستعملُ نُطقاً لوصل الحرف الثالث بعدَها وإلغاء نُطق الحرف الثاني، ومثالُه في الأسماء؛ (الشمسُ) ونُطقُها (أشَّمسُ). حيثُ أثبتت الألف نُطقاً وألغَتْ بعدها حرف اللام. وفي الأفعال نحو (اجْلس) ونُطقُها (إجْلِسْ).

  • ألف الأداة: وهي كلُّ ألفٍ في الأدوات؛ من قبيل (إلى، إن، أو، أن، أي، ما، ماذا، أين، أينما، كأنَّ،..)، وهي ألف أصلية تُكتب بإثبات الهمزة على المعلومِ منها حسب الاستعمال، ولا يصح أن نَكتب (الى، ان، او، اي، اين، اينما، كان،،).

  • الألف الفارقة: وهي ألف تُكتب ولا تُنطق، يتم إضافتُها بعد واو الجماعة في فعل ماضٍ أو فعل أمرٍ، ومثالُها (كتبوا، انسحبوا،،)، والغرض منها للتفريق بين واو الجماعة والواو الأصلية في الكلمة، ومثالُها؛ (يدعو، يرجو،).

مع استثناءٍ بسيطٍ وهو؛ أن هذه الألف الفارقة لا تُضاف إلى واو الجماعة إذا كانت جمْعَ مُذكر سالم، ومثالُه؛ (مهندسو الإعلاميات، مُحامو الدفاع، ناقلو البضائع،،،)، ولا نكتب (مهندسوا، محاموا، ناقلوا،،،)، وهذا الخطأ؛ كثيراً ما يَقع فيه حتى من له تكوينٌ معتبرٌ في اللغة.


  • ألف التثنية: وهي خلافُ “ألف الاثنين“، فلكلٍ منها استعمال، فألف الاثنين لا تدخل إلا على الأفعال، ومثالُه؛ (هما يدرُسانِ، يكتُبان، يحرُسان…)، أما ألف التثنية؛ فيقتصرُ استعمالُها على الأسماء فقط، ومثالُه؛ (الباحثان مُجدَّان، الدراجتانِ سريعتان، العالِمانِ متواضِعان،،،)، وتكمن أهمية هذه الألف في اللغة العربية، كونَها اللغة الوحيدة التي تحتوي على المُثنى، فيما تتشارك مع اللغات الأخرى في المفرد والجمع.

  • الألفُ الوظيفية

كما سبقَ وذكرنا؛ تكمُن أهمية هذه الألف في التوظيف المناسب، إذ تسمح لمستعمِلها باختصار القول كلاما ونُطقا، واختصارِ الجُمل تحريراً وكتابة، مع مِيزةٍ مُهمة جداً؛ تتمثلُ في دقتِها وقوّتِها التعبيرية وجمالِها وجزالَتِها اللغوية.


فهي تُجنِّبُ الخطيبَ المُتحدِّثَ أو الكاتب المُحرِّرَ؛ الوقوعَ في التكرار والركاكة ومُشكل الجمل الطويلة واستعصاءِ العبارة والخلط.


  • ألف المُخبر عن نفسه: وهي همزة تكون أول الفعل المصارِع المُسندٍ إلى متكلمٍ مُفرَدٍ، ومثالُه؛ (أكتبُ التقريرَ، أُنْجِزُ العملَ، أُصْلِحُ الجهاز،،)، في اللغة العربية؛ تُغنينا هذه الهمزة عن ذكر ضمير المتكلِّم وتقومُ مكانَه. فلا نحتاجُ إلى قول أو كتابَة؛ (أنا أكتُب التقريرَ، أنا أُنجز العمل،،).

  • ألف الحَيْنُونة: وتسمى كذلك بـ: “همزة الاستحقاق“، وتدلُ على زمنِ أو أوانِ أو موعِد حصول الشيء، وتأتي دائما على وزن “أَفْعَلَ” ومثالُها:
  • أَشْهَرَ المُتدربُ، وتعني: مرّ عليه في التدريبِ شهرٌ كاملٌ.
  • أَحْصَدَ القمْحُ، وتعني: حان وقت حصادِ القمحِ، أو؛ صار القمحُ ناضجاً بما يكفي لحصادِه.
  • أحولتِ التجربة، وتعني: مرَّ حولٌ أو عامٌ كاملٌ على التجربة.

من هذه الأمثلة؛ يمكن ملاحظة عدد المفردات التي اختصرتْها هذه الألف في كل جملة. بحيث لا يتعدى طول جُملة “ألفِ الحينونة” مفردتيْن فقط.


  • ألف الوجدان: ويسمى كذلك بـ “همزة المصادفة“. ويُقصد بها مصادفةُ أو موافَقة شيءٍ لصفةٍ أو حالة، وتأتي على وزن “أفْعَلْتُ” ومثالُه:
  • أَحْسَنْتُ المديرَ ، أي : وجدتُهُ حَسَنَ السلوك والمعاملة.
  • أَكْبَرْتُ مَجهودَ الفريقِ، أي: وجدتُ الفريقَ قد بدلَ مَجهودا كبيراً.
  • أَبْخَلْتُ التاجرَ، أي: وجدتُ التاجرَ بخيلا جدا.
  • أَجْبَنْتُ الفارِسَ، أي: وجدتُهُ جباناً.

  • ألف الاستفهام: وتُسمى كذلك بـ “ألف التقرير“، وتكون في أول الجملة الاستفهامية، ويُرادُ بها الاستفهام عن أمرٍ أو حالة. ومثالُها:
  • أَمحمدٌ عندكَ؟ وتعني: هل محمدٌ عندك؟
  • أَتكونُ من الناجحينَ؟ وتعني: أتتوقَّعُ أن تكون من الناجحين؟
  • أَكسرتَ الإناءَ؟ وتعني: هل أنتَ مَن كسرَ الإناءَ ؟
  • آنتَ فعلت هذا؟ وتعني: أأنتَ فعلتَ هذا الفعل؟

  • ألف الصيرورة: وهي همزةُ (أَفْعَلَ) وما اشتُقّ منه، وتفيدُ تمامَ الزيادة أو تمامَ النُّقصان في الشيء. ومثالُها:
  • أَجْذَبَ الحقلُ، أي: صار جافاً لا زرعَ فيه ولا ماء.
  • أَوْرَقَتِ الشجرةُ، أي: صارت كثيرة الأوراقِ وارِفتَ الظلِّ.
  • أَثْمَرَ الجُهدُ، أي: لم يذهب الجهدُ هباءً وأعطى نتائجَ مُبهرةً.

  • ملاحظة وتنبيه:

تتماثلُ “ألفُ الصيرورة“، مع ألف أخرى شبيهة لها؛ هي “ألف الدخول“، والتي تُفيد دخول الوقت أو دخول البلادِ والأمصار، إذْ لا يتم التمييزُ والتفريق بينهُما؛ إلا للمُلمِّين باللغة العربية إلماماً مُعتبَراً. ومن أمثلة ألف الدخول نُورِدُ:


  • أمصرَ الرَّحالةُ، أي: دخل الرّحالةُ أرضَ مصر.
  • أشهرتِ الحامِلُ، أي: دخلتِ المرأةُ الحاملُ في شهرِها التاسِعِ.
  • أصبحَ المُسافر، أي: وصل المسافر في فترة الصباح.

هناك عددٌ كبيرٌ جداً من حالات الألفِ إملاءً واستعمالا، من قبيل “ألف التفخيم“، “ألف التعايي“، “ألف الجمع“، “ألف الإطلاق“، “ألف الإشباع“، “ألف الإيجاب“، “الألف الكافية“، “ألف الضرورة“، “ألف التعجب“، “ألف التعدية“، “ألف الأمر“، “ألف التأسف“…، لكننا اقتصرنا في هذا المقال على أشهرِها وأكثرِها استعمالاً وأهمِّية للباحث والكاتب باللغة العربية.


للاستزادة والتعمق أكثر في حَرْفِ الألف وحالاتِه واستعمالاتِه؛ نُحيلُ المتخصصين على المصادر والمراجع التالية:

الحسين بشوظ

كاتب، صحفي عِلمي وصانع محتوى، باحث في اللسانيات وتحليل الخطاب، حاصل على شهادة الماجستير الأساسية في اللغة والأدب بكُلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط. مسؤول قسم اللغة العربية في منظمة المجتمع العلمي العربي بقَطر (سابقا)، عُضو مجلس إدارة مؤسسة "بالعربية" للدراسات والأبحاث الأكاديمية. ومسؤول قسم "المصطلحية والمُعجمية" بنفس المؤسسة. مُهتم باللغة العربية؛ واللغة العربية العلمية. ناشر في عدد من المواقع الأدبية والصُّحف الإلكترونية العربية. له إسهامات في الأدب إبداعاً ودراسات، صدرت له حتى الآن مجموعة قصصية؛ "ظل في العتمة". كتاب؛ "الدليل المنهجي للكتابة العلمية باللغة العربية (2/ج)".

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى