اقتصاد

مصر قد تضطر لبيع أصولها لتجنب إعلان إفلاس الدولة

- مركز بحثي -

حذر تقرير للمعهد المصري للدراسات من أن النظام المصري قد يضطر لبيع الأصول المصرية بأبخس الأسعار لتجنب إفلاس الدولة وتحول مصر إلى دولة فاشلة.


وحذر التقرير من أن التصنيف الائتماني لمصر معرض للانخفاض نتيجة لانطباق كل العوامل الواردة عليها، من حيث ضعف المصداقية السياسية والموقف الضعيف للموازنة والاعتماد على الاقتراض بالعملات الأجنبية، ما سيؤدي إلى رفع معدلات الفائدة على القروض، وربما ستزداد نسب هذا الارتفاع مع انخفاض التصنيف الائتماني الناجم عن تلك العوامل، ما سيفاقم من المشكلة لتأخذ شكل الحلقة المفرغة.

وقال المعهد في دراسة حديثة تعليقا على تقرير لمؤسسة ستاندرد آند بورز للتصنيف الائتماني إن إجمالي الديون العامة على مصر سيتصاعد فيما لا يزيد عن عامين لتبلغ نصف التريليون دولار، بما يعني أنها من المؤكد تجاوزها للناتج المحلي الإجمالي، الذي يبلغ 7.9 تريليون جنيه أي حوالي 503 مليارات دولار بسعر صرف 17.7 جنيه كما تشير الموازنة العامة.

من الجدير بالملاحظة كذلك هو حجم الطفرة الضخمة لرقم الاقتراض المصري السيادي السنوي الذي بلغ 33.6 مليار دولار عام 2017 مقارنة بحوالي 73 مليار متوقعة للعام الحالي بزيادة بلغت ما يقارب الـ40 مليار دولار كاملة،

ومع استمرار تداعيات الأزمات العالمية المتنامية وعجز الاقتصاد المحلي وسوء إدارته، فليس من المستبعد استنتاج حدوث زيادة 40 مليار دولار أخرى خلال العامين القادمين، بما يعني أن مصر ربما تحتاج إلى 110 مليارات دولار على الأقل من الديون السيادية في عام 2024 وربما 2025.

وقال التقرير إن هذه الطفرات كما أنها دليل دامغ على عدم قدرة السلطة على تطوير أنشطة اقتصادية تستطيع من خلالها سداد نسبة من تلك المستحقات للخارج، فضلا عن عجزها عن تدبير الموارد الدولارية لتغطية العجز المتفاقم في الميزان التجاري وفي الموازنة العامة، فالقروض التجارية من المفترض أن توفر تمويلا لأنشطة.

وتوقع التقرير أن إجمالي الديون العامة على مصر سيتصاعد فيما لا يزيد عن عامين لتبلغ نصف التريليون دولار، بما يعني أنها من المؤكد تجاوزها للناتج المحلي الإجمالي، الذي يبلغ 7.9 تريليون جنيه أي حوالي 503 مليارات دولار بسعر صرف 17.7 جنيه كما تشير الموازنة العامة.

وفي ما يأتي نص التقرير كاملا:

اعتاد المصريون على تلقف أخبار اقتصادهم من خلال الوكالات الدولية المتخصصة، وليس عن طريق مؤسساتهم المصرية المعتمدة، كما أنهم اعتادوا خلال السنوات الماضية على توالي أخبار القروض الخارجية التي تبرمها الحكومة المصرية أو إحدى المؤسسات السيادية التابعة لها؛

واعتدنا أيضا على تأخر تحديث البيانات الاقتصادية، خاصة بيانات الدين العام المحلي لفترات قد تقارب العام الكامل، ما يمنع الباحثين والمتابعين للاقتصاد المصري من تكوين نظرة تقترب من الحقيقة حول الأوضاع الاقتصادية الداخلية.

ومع تغييب الجهات الرقابية، سواء من خلال سن القوانين التي تمنع الطعن على تعاقدات الحكومة أومن خلال إعطاء المزيد من النفوذ الاقتصادي للجهات الأمنية، بالإضافة إلى الغياب الكامل لدور البرلمان الرقابي، أصبح الموقف الحقيقي للاقتصاد المصري غائم إلى حد كبير وفقا للبيانات المنشورة محلياً.

ومن هنا تبرز أهمية تلك التقارير التي تصدر عن وكالات التصنيف الائتماني الكبرى في العالم والتي تسارع الحكومة المصرية بإعطائها البيانات المحدثة طمعا في استمرار التقييمات الجيدة التي تمكنها، ليس فقط من الحصول على المزيد من القروض الخارجية بأشكالها المختلفة، ولكن أيضا بتوفير رسائل التطمين الموجهة للداخل المصري والتي تتفنن السلطة في نشرها وترويجها كونها شهادة جودة عالية القيمة للاقتصاد المصري.

ومن هنا جاءت أهمية القراءة المتأنية لتقرير مؤسسة “ستاندرد آند بورز” للتصنيف الائتماني الصادر مؤخراً، والذي يغطي العالم بأكمله وليس مصر بمفردها، والذي حدّث بعض البيانات الهامة للاقتصاد المصري، خاصة في مجال الديون العامة ومعدلات تزايدها السنوي أو قيمها الإجمالية، مع توقعات مهمة للعام الحالي.


وسنحاول قراءة الأرقام الواردة عن مصر في تقرير “ستاندرد آند بورز” من خلال النقاط الآتية:

  • أولا: قراءة في توقعات التقرير لمصر

1ـ تقترض مصر 73.4 مليار دولار أمريكي خلال العام الحالي:

يشير التقرير إلى أن أرقام الديون الواردة به تركز على الديون الصادرة عن الحكومة المركزية، وتستثني ديون الحكومة المحلية وديون الضمان الاجتماعي، وكذلك الديون الصادرة عن الهيئات العامة الأخرى والالتزامات التي تضمنها الحكومة.

أما فيما يتعلق بأرقام الدين التجاري، فتشتمل التقديرات على الاقتراض بالسندات الصادرة إما في الأسواق المدرجة في البورصة أو المباعة كإيداعات خاصة، بالإضافة إلى قروض البنوك التجارية. كما أن التقرير لا يضمنها الديون الحكومية التي قد تصدرها بعض البنوك المركزية لأغراض السياسة النقدية.

وتشير الأرقام الواردة في التقرير والمصوّرة من الجدول رقم 2 في التقرير إلى أرقام القروض السيادية المصرية السنوية منذ عام 2017 وحتى عام 2022، شاملة التوقعات خلال 2022. والأرقام الواردة بالجدول هي للقروض طويلة الأمد، أي أنها ستزيد عن المذكور بإضافة الديون قصيرة الأجل والمستحقة خلال العام.

وتجدر الإشارة أيضا إلى أن هذه الأرقام المقترضة تشمل الديون الخارجية المكتتب فيها بالسندات بالعملات الأجنبية والديون المحلية المباعة بالعملة الوطنية، ولا تشمل القروض الخارجية من المؤسسات الدولية أو القروض الثنائية.

ومن خلال أرقام الجدول يمكن استخلاص ما يأتي:

يرصد التقرير قفزات الديون السيادية السنوية لمصر، فبينما اقترضت مصر 33.6 مليار دولار عام 2017 تزايدت إلى 38.1 مليار في العام التالي، ثم 45.4 مليار في عام 2019، بما يعني محدودية الزيادات السنوية بأقل من 5 مليار دولار سنويا، ولكن حدثت الطفرة بداية من عام 2020، حيث اقترضت مصر 56.5 مليار دولار بزيادة 10 مليارات كاملة عن العام السابق له.

وهو الأمر الذي يوضح الأزمة الكبيرة لتداعيات فيروس كورونا على الاقتصاد المصري، وهي الأزمة التي ازدادت عنفا في عام 2021 حين اقترضت مصر 63 مليار دولار بزيادة تقارب الـ20 مليار كاملة عن عام ما قبل كورونا، ويؤشر أيضا على تصاعد اعتماد الدولة المصرية على الاقتراض من الخارج.

وبالتالي فإن الحديث عن عزم مصر اقتراض 73.4 مليار دولار في العام الحالي كديون طويلة الأجل بزيادة 10 مليارات دولار عن العام السابق يبدو متوافقا مع التصاعد الرقمي السابق، وكذلك في ظل استمرار تداعيات فيروس كورونا وأزمة الحرب على أوكرانيا، إلا أن هذا لايزال رقما تقديريا ويمكن أن يتصاعد في ظل استمرار الحرب في أوكرانيا وأية عوامل طارئة دولية أخرى.

كما أنه من المرشح أن يتصاعد أيضا في ضوء الخروج الكبير للاستثمارات الأجنبية في تجارة الديون (الأموال الساخنة) مؤخرا (يقدر البعض حجم هذه الاستثمارات الخارجة مؤخرا بنحو 15 مليار دولار) بسبب رفع سعر الفائدة الأمريكية مع ارتفاع نسبة التضخم في مصر بما يجعل هذه الاستثمارات غير مجدية، الأمر الذي يرشحه للتزايد مع الارتفاع المتوقع لسعر الفائدة الأمريكية وكذلك نسبة التضخم في مصر.

يبلغ عجز الموازنة الحالية (الفرق بين الإيرادات البالغة تريليون و365 مليار جنيه والمصروفات البالغة تريليون و837 مليار جنيه) ما يقارب الـ500 مليار جنيه، بما يعادل 33 مليار دولار تقريبا بسعر صرف 15.5 جنيه لكل دولار، وفقا للسعر في بداية العام المالي، وسيتم اقتراضها من خلال أدوات الدين المحلية،

وبالتالي سيكون الباقي طبقا للرقم التقديري الوارد في التقرير حوالي 40 مليار دولار سيتم اقتراضها من الخارج كقروض طويلة الأجل، ومعظمها من خلال الاكتتاب في السندات بالعملات الأجنبية، هذا غير القروض قصيرة الأجل المطلوبة للوفاء بالاحتياجات العاجلة، فضلا عن القروض من المؤسسات الدولية والاتفاقيات الثنائية.

من الجدير بالملاحظة كذلك هو حجم الطفرة الضخمة لرقم الاقتراض المصري السيادي السنوي الذي بلغ 33.6 مليار دولار عام 2017 مقارنة بحوالي 73 مليار متوقعة للعام الحالي بزيادة بلغت ما يقارب 40 مليار دولار كاملة، ومع استمرار تداعيات الأزمات العالمية المتنامية وعجز الاقتصاد المحلي وسوء إدارته،

فليس من المستبعد استنتاج حدوث زيادة 40 مليار دولار أخرى خلال العامين القادمين، بما يعني أن مصر ربما تحتاج 110 مليارات دولار على الأقل من الديون السيادية في عام 2024 وربما 2025.

كما تجدر الإشارة كذلك إلى أن هذه الطفرات لا تعود إلى الأسباب المذكورة فقط، ولكن أيضا كنتيجة طبيعية لحلول مواعيد سداد الأقساط والفوائد المستحقة، كما أنها دليل دامغ على عدم قدرة السلطة على تطوير أنشطة اقتصادية تستطيع من خلالها سداد نسبة من تلك المستحقات للخارج.

فضلا عن عجزها عن تدبير الموارد الدولارية لتغطية العجز المتفاقم في الميزان التجاري وفي الموازنة العامة، فالقروض التجارية من المفترض أن توفر تمويلا لأنشطة إنتاجية تدر عائدا يسمح بسداد القروض وفوائدها، ثم يرفع من الناتج المحلي الإجمالي، وليس استخدامها لمجرد سداد القروض السابقة أو لتغطية العجز في الموازنة العامة والميزان التجاري.

ومما يدلل على ذلك أن التقرير يشير إلى إن القروض السيادية الإجمالية لمصر ستبلغ مع نهاية العام الحالي 391.8 مليار دولار مقارنة مع 348.4 مليار مع نهاية عام 2021، أي أن الديون السيادية سوف ترتفع بواقع 43.4 مليار دولار، على الرغم من أن مصر ستقترض 73.4 ملياراً، وهذا يعني أن نحو 30 ملياراً من الديون الجديدة على الأقل ستذهب لمجرد الوفاء بديون سابقة ليس أكثر.


  • 2ـ إجمالي الديون التجارية لمصر:

تشير أرقام الجدول رقم (3) في التقرير والمصوّرة فيما يلي إلى تطور إجمالي الدين العام المصري (خارجي وداخلي) من القروض التجارية خلال الفترة من عام 2017 وحتى العام الحالي، ومنها يتضح ما يلي:

تزايد الدين العام المصري من 184.9 مليار دولار عام 2017 إلى 391.8 مليار متوقعة بنهاية العام الحالي، بما يعني زيادة أكثر من 100% خلال خمس سنوات فقط، وحتى عند الحساب عند الأرقام الحقيقية للعام 2021 فان الزيادة تقارب 100% (أي ارتفاع الرقم للضعف) في 4 سنوات فقط.

تشير الأرقام كذلك إلى قفزات ضخمة ومتصاعدة، ولكن هذا التصاعد الحاد يبرز في عام 2020 بزيادة 40 مليار دولار كاملة عن العام السابق له، وما يقارب 53 مليار دولار كطفرة متوقعة للعام الحالي زيادة عن العام السابق.

متابعة أرقام التصاعد في إجمالي الدين العام وكذلك تصاعد الدين السيادي والذي تم استعراضه في الفقرة السابقة، مقارنة بالزيادات التي يعلنها البنك المركزي في حجم الديون الأجنبية التي تتزايد بنحو 5 إلى 10 مليار دولار سنويا في المتوسط فقط، تشير إلى زيادات محمومة في الدين المحلي (بالعملة الوطنية) كنتيجة لطفرات الدين السيادي الذي يعتمد على الاكتتاب في أدوات الدين، وكنتيجة كذلك للتمادي في الاقتراض الخارجي عبر القروض الثنائية أو من المؤسسات الدولية.

وجود طفرات ضخمة في زيادات الدين المحلي المصري خلال السنوات الخمس الأخيرة، يؤكد استهانة كبيرة من السلطات المحلية بتداعيات القروض بنوعيها المحلي والخارجي على المستقبل الاقتصادي للبلاد، علاوة على وضوح التوجه العام بالاعتماد المفرط علي القروض كمصدر أساسي ومستدام للتمويل، وهو الأمر الذي يجعل الاقتصاد دائم الانكشاف أمام الأزمات العالمية.

يتوقع أن تصل إجمالي الديون التجارية لمصر مع نهاية 2022 إلى 391.8 مليار دولار، واذا كان التحليل في البند السابق قد توصل إلى استنتاج حاجة الاقتصاد إلى اقتراض 110 مليار دولار كاملة كديون سيادية في نهاية عام 2024 أو 2025، فمن المؤكد أن مصر بحاجة إلى جعلها تقارب 150 مليار دولار (أي بزيادة نحو 40 مليار دولار إضافية) لسد الاحتياجات التمويلية المطلوبة.

وذلك سواء من القروض الثنائية أو من المؤسسات الدولية، أو حتي تمويل نسبة منها من خلال عمليات الخصخصة، أومن خلال ودائع الدول الشقيقة في البنك المركزي، وربما تشير الودائع السعودية والقطرية الأخيرة إلى هذا التوجه العلاجي.

ربما يمكن التأكيد هنا أن إجمالي الديون العامة على مصر سيتصاعد فيما لا يزيد عن عامين لتبلغ نصف التريليون دولار، بما يعني أنها من المؤكد تجاوزها للناتج المحلي الإجمالي، الذي يبلغ 7.9 تريليون جنيه أي حوالي 503 مليارات دولار بسعر صرف 17.7جنيه كما تشير الموازنة العامة (إلا أن تقدير الناتج المحلي في ذاته ينطوي على الكثير من المبالغة، نظرا لأن الناتج المحلي الإجمالي للعام السابق لم يتجاوز 5 تريليونات جنيه، أي بما لا يتجاوز 290 مليار دولار، فكيف ستحدث هذه الطفرة الخارقة؟!).

عموما يعني ما سبق أن تجاوز قيمة الديون العامة للناتج الإجمالي ربما قد حدث بالفعل خاصة مع تراجع تقديرات النمو للعام الحالي جراء الأزمات المحلية والدولية المتعاقبة.

‏- كل مواطن مصري سوف يكون مديناً بأكثر من 3900 دولار مع نهاية 2022، أي أكثر من 71 ألف جنيه مصري، وهذا وفقا لسعر الصرف الحالي، ومع التراجع المحتمل بقوة لقيمة الجنيه تحت وطأة الاحتياجات الملحة للنقد الأجنبي، ومع التزايد الكبير لطفرات الاقتراض الداخلي والخارجي المشار إليها سابقا، من الممكن الإشارة إلى احتمالية كبيرة لتخطي نصيب المواطن من إجمالي الديون السيادية حاجز 7 آلاف دولار في غضون عامين، وبما يزيد عن 135 ألف جنيه دينا علي كل مواطن بسعر الصرف الحالي.


  • 3ـ أعباء الموازنة العامة في سداد فوائد وأقساط الديون الخارجية والداخلية:

تبلغ إجمالي أقساط وفوائد الديون المستحقة على مصر في العام المالي الحالي نحو 1.172 تريليون جنيه، عند خصمها من إجمالي حجم الإيرادات بالموازنة العامة والبالغة تريليون و365 مليار جنيه يتبقى فقط 213 مليار جنيه لإنفاقها على بنود النفقات العامة في الأبواب المختلفة للموازنة المصرية، مما يعني أن إجمالي خدمة الدين من أقساط وفوائد تتجاوز 85% من إجمالي إيرادات الدولة هذا العام، ولا يبقى إلا أقل من 15% من الإيرادات للإنفاق العام مما يقتضي الحاجة لتدبير باقي احتياجات الإنفاق العام من مصادر أخرى.

ويشير التقرير إلى أن فوائد الديون المصرية العملاقة تلتهم نحو 44% من إيرادات الموازنة العامة لمصر طبقا للشكل 5aفي التقرير. وتوضح إشارة التقرير إلى إن الجزء الأكبر من موازنة البلاد يذهب كفوائد للديون التي اقترضتها مصر من مؤسسات وبنوك أجنبية، مما يوضح المأزق الكبير الذي تعانيه الموازنة العامة للبلاد حاليا، والذي من المؤكد وفق أرقام التقرير إلى استمراره ربما لعدة عقود قادمة، في ظل تحول نسبة لا يستهان بها من القروض المصرية إلى قروض طويلة الأجل.

ومن الجدير بالذكر كذلك أن إجمالي الأقساط والفوائد من المؤكد زيادتها عن الإيرادات العامة في العام القادم، بما يعني ببساطة أن مصر بحاجة إلى تدبير مصروفاتها العامة بالكامل من خارج الموازنة، فضلا عن أن تداعيات الاستنتاجات السابقة بحدوث طفرات في الدين المحلي والخارجي قد تشير إلى أن أعباء خدمة الدين (أقساط + فوائد) قد تتجاوز 150% من حجم الإيرادات العامة بنهاية عامين ماليين قادمين فقط.

من المنطقي وفق التحليل الذي يوضح أن الإيرادات العامة لن تكفي سداد أعباء خدمة الديون أن يستمر تجاهل الدولة الإنفاق على أنشطة الاستثمار في مواردها البشرية في مجالي الصحة والتعليم، بل وربما يتراجع الإنفاق العام عليها ليزيد من حدة رداءة الخدمة المقدمة للمواطنين في هذا الاتجاه.

ووفق هذا الاستنتاج كذلك، فإنه يمكن القول إن إيرادات الدولة الموجهة نحو الاستثمارات العامة ستتضاءل أيضا، ولكن مع حرص الدولة على إتمام المشروعات التفاخرىة التي بدأتها خلال الأعوام السابقة ستترسخ الحاجة للمزيد من الاقتراض الخارجي والداخلي وستتفاقم أعباء خدمة الديون، مع الإشارة إلى أن الاهتمام بتلك المشروعات سيصاحبه إهمال حاد للمشروعات الاستثمارية العامة الاعتيادية.


  • 4ـ مصر تستحوذ على 0.6% من إجمالي الديون التجارية في العالم

طبقا لنص التقرير فإن “مصر سوف تقترض هذه المبالغ العملاقة عبر إصدار سندات بقيم كبيرة، وسوف تكون أكبر طالب لهذه الديون في الشرق الأوسط وأوروبا وشمال أفريقيا”. وأن مصر ستستحوذ على 0.6% من إجمالي الديون التجارية في العالم.

كما أنه وفقا للأرقام الواردة في التقرير فان مصر بذلك ستتجاوز النسبة من إجمالي الديون الخارجية لكل دول الاقتصادات الناشئة، وهنا تجدر الإشارة عند هذه المقارنة أنه يجب الأخذ في الاعتبار الناتج المحلي الإجمالي للدول محل المقارنة، فعلى سبيل المثال تستحوذ تركيا وهي أحد الاقتصادات الناشئة وفقا للتقرير على 0.3% من إجمالي الديون التجارية في العالم،

في الوقت الذي يبلغ ناتجها المحلي الإجمالي أكثر من 800 مليار دولار مقارنة بالناتج المحلي المصري الذي لا يتجاوز 300 مليار دولار فقط في العام السابق ( في حال كانت الأرقام المعلنة غير مبالغ فيها)، مما يوضح ضخامة نصيب مصر من القروض التجارية العالمية مقارنة بحجم اقتصادها.

ومن الجدير بالإشارة كذلك عند إجراء تلك المقارنة التطرق إلى حصة الحكومة من تلك الديون، فعلى سبيل المثال تبلغ حصة الحكومة التركية أقل من 30% من الديون الخارجية والباقي مستحق على شركات القطاع الخاص، مقارنة بنصيب يبلغ أكثر من 80% من الديون الخارجية على الحكومية المصرية، وتنبع أهمية هذه الإشارة إلى أنه من السهل إعلان إفلاس أي شركة تابعة للقطاع الخاص تتوقف عن السداد وفق قانون الإفلاس للدولة العاملة بها، بينما إفلاس الدولة يترتب عليه الكثير من التداعيات المؤلمة [2].


  • ثانيا: مبررات التقرير لأرقام الديون المصرية

رغم أن مبررات التقرير لأرقام الديون السيادية جاءت عامة لكل الدول إلا أن الباحث حاول اختيار المبررات الواردة والتي تنطبق بصورة كبيرة على الحالة المصرية، ويمكن استعراض وتحليل تلك المبررات كما يلي:

يوضح التقرير أنه “سيؤدي تشديد الشروط النقدية إلى ارتفاع تكاليف التمويل الحكومي. وسيشكل هذا صعوبات إضافية للحكومات التي لم تتمكن من استئناف النمو، وتقليل الاعتماد على تمويل العملات الأجنبية، وحيث تكون فواتير الفائدة مرتفعة بالفعل”.

ويضيف: “إن تأثير شروط الاقتراض الأكثر تشددًا يكون أكثر وضوحًا بالنسبة للهيئات السيادية في الأسواق ذات القدرة الضعيفة على توليد الضرائب”.

ويضيف: “تواجه بعض الحكومات أعباء فائدة عالية بشكل استثنائي، تتجاوز أحيانًا ثلثي إجمالي إيراداتها المالية بالنسبة للكثيرين، يمكن أن يُعزى ذلك إلى التحديات المالية الطويلة الأمد، بما في ذلك ضعف الإدارة الضريبية وليس ارتفاع تكلفة الديون في حد ذاتها”.

يؤشر المبرر المذكور أعلاه إلى اضطرار الحكومة المصرية لرفع معدلات الفائدة المحلية تزامنا مع رفع البنوك المركزية الكبرى، وخاصة الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي، لمعدلات الفائدة، وهو الأمر الذي سيرفع فاتورة الفائدة على الديون الجديدة.

وفي هذا الإطار، تجدر الإشارة إلى أن مصر تدفع بالفعل أعلى معدل فائدة في العالم لاستبقاء الأموال الساخنة، ومن المرجح التمادي في رفع معدل الفائدة خلال الفترة المقبلة في ظل التنافس المحموم على تلك الأموال عالميا، وربما نرى معدل فائدة يتجاوز 20% بنهاية العام الحالي، وربما يتجاوز 25% بنهاية العام القادم.

ينطبق وصف التحديات المالية طويلة الأمد الناجمة عن ضعف الإدارة الضريبية على الحالة المصرية التي عجزت عن زيادة إيراداتها العامة بما يكفي لتغطية المصروفات العامة لا سيما في ظل تغول أعباء خدمة الديون عليها.

ولعل هذا الضعف الضريبي هو ما يدفع الحكومة المصرية للتنقيب في دفتر اقتصاد الظل المصري الذي يمثل أكثر من 55% من إجمالي الاقتصاد، في محاولة للحصول على ضرائب من أنشطة قائمة كبديل معلب، بدلا من توسع النشاط الاقتصادي وانعكاسه الإيجابي علي الحصيلة الضريبية.

من الواضح أن التقرير يحمّل الحكومة المصرية تلك التداعيات، حيث لم تستطع دفع استمرار معدل النمو، ولا تقليل الاعتماد على العملات الأجنبية الذي يتزايد دون أي استفادة حقيقية للاقتصاد المصري.

المبرر الثاني الوارد في التقرير: “أحد العوامل التي تفسر استمرار الاقتراض المرتفع هو الاحتياجات الكبيرة لإعادة تمويل الديون على خلفية متوسط أجل استحقاق الدين الأقصر. أدى عدم اليقين الناجم عن الوباء إلى قيام العديد من الحكومات بتسريع الاقتراض قصير الأجل”.


يؤكد التقرير ما توصل إليه تحليلنا في هذه الدراسة، والمتعلق بكون نسبة لا يستهان بها من استمرار الاقتراض المرتفع هو الاحتياجات الكبيرة لإعادة تمويل الديون على خلفية متوسط أجل استحقاق الدين قصير الأجل، وتشير الحالة المصرية ليس فقط إلى ذلك، بل إلى أن الحاجة التمويلية لإعادة تمويل الديون المصرية قصيرة ومتوسطة وطويلة الأجل هي الدافع الحقيقي والمستدام لذلك خلال الأعوام القادمة (أي استمرار الاقتراض من أجل سداد الديون المستحقة).

ويشير التقرير كذلك إلى أنه “من المرجح أن تدفع التأثيرات الكلية العالمية للصراع بين روسيا وأوكرانيا الاقتراض الحكومي فوق توقعاتنا الأساسية. ومن الصعب تحديد مدى التداعيات العالمية للصراع في هذه المرحلة”.

ويضيف التقرير أنه “من شبه المؤكد أن هذه العوامل ستجعل الحكومات تعدل خطط تمويلها بالزيادة لهذا العام. حتى قبل إندلاع النزاع، فإن ارتفاع أسعار الطاقة والغذاء دفع العديد من الحكومات إلى تمديد بعض الإجراءات المالية التي تم وضعها أثناء الوباء أو استبدالها بأخرى جديدة، بدلاً من التخلص منها تدريجياً”.

وبذلك فإن التقرير يؤشر في الفقرات السابقة إلى أنه من المرجح أن تتزايد الأرقام الواردة به بشأن القروض الحكومية مع استمرار الحرب في أوكرانيا، لا سيما مع ارتفاع أسعار الطاقة والغذاء.

وتجدر الإشارة هنا إلى أن الحالة المصرية قد تكون الأكثر تعرضا لتلك الزيادة عن الأرقام السابقة في التقرير لكونها الأكثر انكشافا على أسعار الغذاء عالميا خاصة القمح والذرة والزيوت النباتية.

يشير التقرير إلى أنه: “بالنسبة لتلك الحكومات ذات المصداقية السياسية الأضعف، والمواقف الضعيفة في الميزانية، والمعتمدة على الاقتراض بالعملات الأجنبية، فإن تكاليف الاقتراض المرتفعة ستمثل مخاطر ائتمانية كبيرة”.


ويضيف: “مصر تقع في هذه الفئة من البلدان حيث تمثل حصة أرصدة الديون والاقتراض التجاري طويل الأجل من قبل جهات الإصدار السيادية المصنفة في فئة “BB” أو أقل”.

يعني ما سبق ببساطة أن التصنيف الائتماني لمصر معرض للانخفاض نتيجة لانطباق كل العوامل الواردة عليها، من حيث ضعف المصداقية السياسية والموقف الضعيف للموازنة والاعتماد على الاقتراض بالعملات الأجنبية، مما سيؤدي إلى رفع معدلات الفائدة على القروض، وربما ستزداد نسب هذا الارتفاع مع انخفاض التصنيف الائتماني الناجم عن تلك العوامل، مما سيفاقم من المشكلة لتأخذ شكل الحلقة المفرغة.

أشار التقرير كذلك إلى نسب تمديد الديون المصرية “Debt Rollover Ratio”، وفي هذا الإطار نص على: “وفقًا لحساباتنا، من بين الدول السيادية الأكبر، ستواجه كينيا ومصر واليابان أعلى نسب التمديد في عام 2022، والذي يظهر متوسط معدل التمديد عام 2021 في مصر بما يزيد عن 35% في المتوسط، بينما يقدر معدل التمديد بحوالي 35% تقريبا خلال العام الحالي”.

ويضيف التقرير أن “هذه دلالة على حصة مرتفعة من الديون قصيرة الأجل، والتي تشكل حوالي 26% من إجمالي الدين لمصر و30% لكينيا، على سبيل المثال”.

تشير هذه الفقرة إلى معدلات عالية لتمديد الديون المصرية كنتيجة لوجود نسبة عالية من الديون قصيرة الأجل من إجمالي الدين العام، حيث تشكل 26% منه، وهي نسبة مرتفعة على الرغم من المحاولات الحكومية المصرية المكثفة للانتقال بالديون المصرية إلى الآجال الطويلة، وهو الأمر الذي يشير كذلك إلى أن هذا التحول يحتاج إلى المزيد من الوقت، مما قد يرجح توقع تمديد 35% من الديون المصرية خلال العام الحالي.


  • خلاصة:

كشف تقرير “ستاندرد آند بورز” عن مجموعة من الأرقام الحديثة حول القروض المصرية العامة، وتوقع التقرير استمرار تزايد تلك القروض لا سيما في ظل اضطراد تداعيات فيروس كورونا على الاقتصادين العالمي والمصري وكذلك كنتيجة لظروف الحرب على أوكرانيا وما تسببت فيه من المزيد من الضغوط علي المصروفات المصرية لا سيما الإنفاق على استيراد الحبوب الغذائية والزيوت النباتية.

وأكد التقرير علي أن ظروف تشديد السياسات النقدية حول العالم ستسبب في المزيد من الاعتماد المصري على القروض الخارجية لتوفير احتياجاتها التمويلية بالنقد الأجنبي، وهو الأمر الذي سيزيد من تكلفة الأموال المقترضة من الخارج.

علاوة على اضطرار السلطة النقدية المصرية إلى الرفع المتتالي لمعدلات الفائدة المحلية لاستبقاء الاستثمارات في أدوات الدين المحلية، علاوة على رفع سعر الفائدة المدفوع للمكتتبين في السندات بالعملات الأجنبية، وكلا الأمرين سيحمل الموازنة العامة المزيد من الأعباء وسيولد فجوات تمويلية متصاعدة سيترتب عليها المزيد من الاقتراض.

يشير التقرير كذلك إلى أن الاقتصاد المصري بات من أكثر الدول في الاقتصادات الناشئة والشرق الأوسط وأوروبا وشمال أفريقيا اعتمادا على الاقتراض حيث أصبحت مصر تستحوذ على 0.6% من إجمالي الديون التجارية في العالم، وهو رقم ضعف نظيره في تركيا وباكستان، من الاقتصاديات الناشئة ذات الحجم الأكبر كثيرا من الاقتصاد المصري.

تؤكد كل النتائج السابقة ما توصلت إليه دراستان سابقتان نشرهما المعهد المصري للدراسات أحدهما في كانون الثاني/ يناير 2022 والثانية في مطلع نيسان/ إبريل 2022، وتقدمان تفاصيل دقيقة ووافية عن الأوضاع الاقتصادية المستقبلية لمصر وتوقعاتها خلال الأعوام القادمة.

من المهم الإشارة كذلك إلى أن كل ما أشار إليه التقرير وعكسته هذه القراءة يفترض استمرار القدرة على الحصول على القروض الخارجية بما يكفي للوفاء باحتياجات الدولة، حتى مع ارتفاع تكلفة الاقتراض، إلا أنه مع تصاعد هذه الاحتياجات، بما فيها الاحتياج لسداد الديون القديمة، فلن يكفي حجم هذه القروض للوفاء بالاحتياجات مما سيدفع الدولة في إطار البحث عن مصادر تمويلية بديلة للقروض إلى بيع الأصول المصرية بأبخس الأسعار لتجنب إفلاس الدولة وتحول مصر إلى دولة فاشلة.


المصدر

بالعربية

بالعربية: منصة عربية غير حكومية؛ مُتخصصة في الدراسات والأبحاث الأكاديمية في العلوم الإنسانية والاجتماعية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

الإعلانات هي مصدر التمويل الوحيد للمنصة يرجى تعطيل كابح الإعلانات لمشاهدة المحتوى