من السلاح إلى السلام: التحوّلات من العمل السياسي المسلّح إلى العمل السياسي السلمي
تُعد التحولات من العمل السياسي المسلح إلى العمل السياسي السلمي ظاهرة عالمية لم توفَ حقها من الدراسة والبحث في العالم العربي وفي مناطق أخرى أيضًا[1]. بناء عليه، نظمت وحدة الدراسات الاستراتيجية بالمركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات مؤتمرها الأول بعنوان: “من السلاح إلى السلام: التحولات من العمل السياسي المسلح إلى العمل السياسي السلمي”، وذلك يومَي 3 – 4 تشرين الثاني/ نوفمبر 2018. وتناول المؤتمر من خلال دراسات نوعية عيّنة مؤلفة من 26 حالة في عشرين دولة تحوّلت فيها تنظيمات مسلّحة إلى أحزاب سياسية أو حركات اجتماعية سلمية.
وتنتمي هذه الحالات إلى القارات الأربع وتشمل العالم العربي، وغرب أوروبا وجنوبها، وبلدان أفريقيا جنوب الصحراء، وأميركا اللاتينية والكاريبي. وقد ناقش خبراء أكاديميون ومسؤولون حكوميون سابقون وقادة منظمات عمليات التحوّل في الجزائر ومصر والعراق ولبنان وليبيا وفلسطين وسورية وإسبانيا وتركيا والمملكة المتحدة وإثيوبيا وجنوب أفريقيا وأفغانستان والأرجنتين والبرازيل وتشيلي وكولومبيا والأوروغواي ونيكاراغوا وكوبا وبلدان أخرى. وشملت هذه الحالات تنظيمات تتبنّى عقائد دينية أو يسارية أو عرقية-قومية أو وطنية.
ويعتبر هذا المؤتمر الأولى من نوعها في العالم العربي. وسيصدر أول كتاب أكاديمي عربي يحلّل التحولات من الحركات المسلّحة إلى الحركات السلمية من خلال اعتماد مقاربة علمية تقوم على المقارنة وتتناول التداعيات السياسية وترفع التوصيات بشأنها.
تقع الحالات الست والعشرين التي جرت مناقشتها في عشرين بلدًا، وهي تمثّل عينة مختارة بعناية لظاهرة عالمية[2]. فقد أظهرت دراسة إحصائية أنّ من بين 268 مجموعة مسلحة محدّدة في قاعدة بيانات MIPT مارست نشاطها في الفترة 1968-2006، مُنيَت 20 مجموعة فحسب بالهزيمة بوسائل عسكرية بحتة (7 في المئة)[3]، في حين التحقت 114 جماعة (43 في المئة) بالعمل السياسي السلمي-الدستوري، إما بصفتها أحزابًا سياسية أو حركات اجتماعية سلمية داخل المجتمع المدني الأوسع. وأسفرت أعمال الشرطة والاستخبارات وردّات الفعل الشعبية عن تفكيك 107 من التنظيمات المسلحة المذكورة في قاعدة البيانات (40 في المئة)، أغلبيتها تنظيمات صغيرة (أقل من 200 مسلح)[4]. أما المجموعات الأكبر (ولا سيما التي تتجاوز ألف عضو مسلح)، فاعتمدت المسار الأكثر شيوعًا وهو عملية التحوّل إلى النشاط السياسي أو الاجتماعي السلمي[5]. وقد خلصت دراسات مبنية على قواعد بيانات أصغر إلى نتائج مماثلة. فمن أصل 133 جماعة مسلّحة حاربت ضد أنظمة شتى في الفترة 1990-2009، تحوّل 54.8 في المئة منها إلى أحزاب سياسية في نحو 50 بلدًا في مختلف أنحاء العالم[6]. إلا أن قواعد البيانات المتوافرة في الأدبيات في حاجة إلى تنقيح وتحديث شاملين وذلك كما سنبين في خلاصة هذه الورقة.
كيف تحدث عملية تحوّل من السلاح إلى السلام؟ ولماذا تحدث؟ ما الشروط الضرورية لإطلاق عملية تحوّل من السلاح إلى السلام؟ وما شروط استدامتها؟ وما المسارات المختلفة للنأي عن العمل المسلح؟ وهل يحدث التحوّل بعد تحقيق انتصار عسكري، أم في إثر هزيمة عسكرية، أو لدى إحراز تعادلٍ في نزاع مسلّح بين جماعات متمرّدة وسلطات قائمة؟ تلك هي أسئلة البحث الرئيسة التي تناولها المؤتمر وسيتناولها الكتاب المقبل[7] الذي يتضمّن أعمال المؤتمر ، بمزيد من التفصيل والعمق لتفسير عمليات التحوّل من النشاط المسلّح إلى النشاط السلمي وتمحيصها.
يقدّم هذا البحث نظرة تحليلية عامة لهذه الظاهرة، وتعريفًا لمصطلحاتها العلمية، ومتغيراتها السببية، ومساراتها الديناميكية، وملخصًا لحالات تجريبية مختارة، وتداعياتها على السياسات، وبعض التوصيات. وتتعلّق هذه التداعيات والتوصيات أيضًا بعمليات الانتقال الديمقراطي، وبناء السلم، والعلاقات المدنية-العسكرية، ومكافحة التطرّف العنيف والحيلولة دون حدوثه، ومكافحة الإرهاب[8]. وتتكوّن الورقة من أربعة أقسام أخرى، فيعرض القسم التالي بإيجاز إطارًا نظريًا لعمليات التحوّل، ويحدّد المصطلحات والمنهجيات ذات الصلة. في حين يتناول القسم الثالث بعض أبرز دراسات حالات التحوّل الجماعي من العمل السياسي المسلّح إلى العمل السياسي السلمي؛ بينما يعرض القسمان الأخيران بعض الملاحظات العلمية التي قد تفيد البرامج البحثية المستقبلية، إضافةً إلى التداعيات على السياسات والتوصيات.
[1] عزمي بشارة، “ملاحظات افتتاحية لمؤتمر من السلاح إلى السلام: التحولات من العمل السياسي المسلح إلى العمل السياسي السلمي”، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، الدوحة، 3 تشرين الثاني/ نوفمبر 2018، شوهد في 20/12/2018، في: https://bit.ly/2SbrpPx
[2] تتسم هذه العينة بطبيعة عالمية عابرة للأقاليم والقارات، إلا أنها غير شاملة. فهي لا تتضمّن عمليات التحوّل التي شهدتها أميركا الشمالية وأستراليا، مثل حالات التحول الفصائلية والفردية لتنظيم الفهود السوداء في الولايات المتحدة (ولا سيما فرع التنظيم في ولاية إيلينوي)، وكذلك جبهة تحرير كيبيك في كندا.
[3] بوسائل عسكرية حصرًا. انظر مثلًا:
Seth G. Jones & Martin C. Libicki, How Terrorist Groups End: Lessons for Countering al Qa’ ida (Santa Monica: RAND Publications, 2008), p. 19.
[4] Ibid., pp. 141-185.
[5] Omar Ashour, The De-Radicalization of Jihadists: Transforming Armed Islamist Movements (London and New York: Routledge, 2009), pp. 12-18.
[6] Carrie Manning and Ian Smith. “Political Party Formation by Former Armed Opposition Groups after Civil War,” Democratization, vol. 23, no. 6 (2016), p. 973.
[7] Omar Ashour (ed.), “Bullets to Ballots: Global Transformations from Armed to Unarmed Activism,” Doha: ACRPS, (forthcoming in 2020).
[8] The United Nations, “Plan of Action for Preventing Violent Extremism: Report of the Secretary-General,” (15 January 2016), accessed on 24/12/2015, at: https://bit.ly/1n0F1wu
عمر عاشور: أستاذ مشارك في الدراسات الأمنية والاستراتيجية، ومؤسس ورئيس برنامج الماجستير في الدراسات الأمنية النقدية بمعهد الدوحة للدراسات العليا. وهو مؤلف كتاب تحولات الحركات الإسلامية المسلحة (روتلدج، 2009) وكيف يقاتل تنظيم الدولة: التكتيكات العسكرية في العراق وسورية وليبيا ومصر (ادنبره وأكسفورد، 2019). عَمِل أستاذًا في جامعة اكستر (المملكة المتحدة) لعشر سنوات وفي جامعة ماكجيل (كندا) لعامين. وخدم كمستشار أول في الأمم المتحدة لشؤون إصلاح القطاع الأمني ومكافحة الإرهاب والتطرف العنيف.