علوم سياسيةمصطلحية ومعجمية

البيروقراطية – Bureaucracy

الموسوعة السياسية

البيروقراطية “الدواوينية” أو سُلطة المكاتب كما يُسميها البعضُ، هي نِظام إداري تباينت حوله وجهات نظر العلماء والنُقّاد والباحثين في علم الاجتماع والعلوم السياسية، فمنهم من يرى بأنها نمطٌ إداري غيرُ مرغوبٍ فيه ونظامٌ مكتبي يتسمُ بالتعقيد ورتابة الروتين.


بل وينظر إليها البعضُ منهم كمرض من أمراض النظام الإداري الحديث وقيدٍ من قيود الإدارة العصرية التي يجب التحرُر منها، بينما يرى فيها آخرون نظاماً إدارياً نموذجياً يقوم على التسلسل الهرمي للسلطة ويستندُ إلى لوائح وقوانين إدارية صارمة تؤدي إلى تنفيذ المهام وإنجازها على الوجه الأكمل.


أما وجهات النظر المُعتدلة فترى بأنها سلاحٌ ذو حدين فهي تنظيمٌ إداري مفيدٌ ونافعٌ إذا أحسن الإداريون استخدامه وضار ورتيب إذا أفرطوا فيه، ولِكُلِّ فريقٍ مِن هؤلاء العلماء والنُقّادِ والباحثين مِن الشواهد والمعطياتِ ما يُبرر وجهةَ نظره أو يعززها.


  • مفهوم البيروقراطية:

عند النظر إلى المفهوم اللُغوي أو اللفظي لكلمة البيروقراطية نجد بأنها تتكون من مقطعين: الأول بيرو (bureau)، أي مكتب، والتي كانت تستخدم في بداية القرن الثامن عشر للتعبير عن كلمة مكتب بمعناها العام أي المقرات الإدارية أو أماكن العمل كمكاتب الشركات وغيرها، والمقطع الثاني قراطية (cracy).


وهي مشتقة من الأصل الإغريقي كراتُس (κράτος) ومعناها السلطة، والكلمة بمقطعيها تعني قوة المكتب أو سُلطة المكتب، أما المفهوم الاصطلاحي للبيروقراطية فيشير إلى أنها طريقة للتنظيم الإداري لمجموعةٍ من الناس يعملون معاً بناءً على إجراءات تنظيمية موحدة وتسلسل هرمي للصلاحيات والمسؤوليات والسُلطة.


ومن المفاهيم الاصطلاحية التي تُستخدم للتعبير عن البيروقراطية في المعاجم ما يلي:

1- عرفتها الموسوعة البريطانية بأنها: “تركيز السلطة الإدارية في المكاتب والإدارات”.


2- عرفها معجم وبستر على أنها: “مجموعة من الموظفين الرسميين” وأنها “الإجراءات الحكومية الرسمية أو الروتين غير المرن”.


3- عرفها القاموس الألماني بالتعريف التالي: “القوة والسلطة التي تُمنح للأقسام الحكومية وفروعها لِتُمارسها على المواطنين”.


4- عرفها قاموس الأكاديمية الفرنسية بأنها: “القوة والنفوذ اللذان يُمارسهما رؤساء الحكومة وموظفو الهيئات الحكومية”.


أما فريتز ماركس فيرى بأن البيروقراطية هي: الشكل أو النمط التنظيمي الذي تستخدمه الحكومة الحديثة لأداء وظائفها العديدة المُتخصصة والمُتضمَنة في النظام الإداري والتي تتجسد في نظام الخدمة المدنية بوضوح.


وأنها “اتجاه رسمي يهدف إلى تنفيذ الوظائف المرجوة مع التزام التخلي عن الإنسانية والتمسك بالشكليات دون أدنى اعتبار لما قد ينجم عن هذا الاتجاه من آثار ونتائج”.


ويُعرِّف بعضُ المختصين البيروقراطية بأنها: “نمطٌ إداري يتمسك بالشكل دون المضمون ويتسم بالتخلُف الإداري وكُثرة التعقيدات والإهمال والتحيُز”.


  • نشأة النظرية البيروقراطية

ظهرت النظرية البيروقراطية في أواخر القرن التاسع عشر في ألمانيا، على يد عالم الاجتماع الألماني ويبر- Weber “ماكسيميليان كارل إميل ويبر- Maximilian Carl Emil Weber” (21 أبريل 1864– 14 يونيو 1920م) والذي قام بوضع نموذج نظري يقدم مفهوماً مثالياً للنظام الإداري.


يتفق مع التوجهات التي كانت سائدة في عصره آنذاك، وقد تأثر ويبر بثلاثة عوامل كان لها أثر كبير في رسم ملامح نظريته وتحديد أفكارها، وهذه الثلاثة العوامل هي:


1- التحول المؤسسي الذي شهدته ألمانيا في تلك الفترة: بما أن ويبر مواطن ألماني عاصر التضخم الكبير الذي طرأ على المؤسسات الصناعية؛ فقد رأى بأن التنظيم الإداري الرسمي المُحكم والقائم على قوانين ولوائح صارمة هو الأسلوب الأمثل لزيادة الإنتاج وبالتالي فقد أهمل النواحي الإنسانية.


2- النظام العسكري: حيثُ كان ويبر ضابطاً في الجيش الألماني وقد كان للتنظيم العسكري تأثيرٌ كبير على توجهه الفكري ورؤيته للأمور، ففي العرف العسكري لا يمكن للجيش أن يتحرك إلا وفق أوامر وتعليمات صارمة؛ فاعتقد ويبر أن هذا الأسلوب يمكن أن يُطبق في شتى المجالات الإدارية.


3- إدراك ويبر لجوانب القصور الإنساني: لقد كان ويبر عالم اجتماع؛ وبالتالي فقد كان مُدركاً تماماً لنوازع النفس البشرية وعوامل الضعف الإنساني وعدم إمكانية الاعتماد الكامل على العنصر البشري في اتخاذ كل القرارات بتجرد وحيادية.


لذا فقد اعتقد ويبر بأن القواعد التنظيمية الصارمة هي الضامن الوحيد لعدم تدخل المصالح الشخصية في رسم السياسات الإدارية واتخاذ قراراتها.


وبناءً على ما تقدم نجد بأن ويبر استلهم نظريته من واقع الحياة في عصره وعززها بخبراته الشخصية فوضع نموذجه التنظيمي معتقداً بأنهُ سيلائم كل البيئات ومختلف المجالات الإدارية.


وقد حدد ويبر مهام وصلاحيات وأدوار المرؤوسين بدقة ضمن لوائح وإجراءات وقواعد مكتوبة، وبذلك تتحكم في سلوك الجماعة البيروقراطية مجموعة من الضوابط المُقننة والجامدة.


وكانت وجهة نظر ويبر إلى النشاط المؤسسي تقوم على أساس من العلاقات السلطوية، وقد وصف النظرية البيروقراطية بأنها تتضمن تخصص عمل، وأنها تسلسل هرمي محدد للسلطة، ومجموعة من الإجراءات والقواعد الرسمية.


وتفاعل موضوعي لا يقوم على العلاقات الإنسانية والشخصية، كما أن اختيار الموظفين والترقيات الوظيفية تقوم على مبدأ الاستحقاق.


الأسس التي تقوم عليها النظرية البيروقراطية

مروان الماس

بالعربية: منصة عربية غير حكومية؛ مُتخصصة في الدراسات والأبحاث الأكاديمية في العلوم الإنسانية والاجتماعية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

الإعلانات هي مصدر التمويل الوحيد للمنصة يرجى تعطيل كابح الإعلانات لمشاهدة المحتوى