يحمل مفهومُ أو مصطلح الفكر دلالاتٍ كثيرة؛ تتنوع بتنوع السياق الذي ورد فيه.
- الفِكْرُ في اللغة والاصطلاح
– يقول ابن منظور في معجمِه لسان العرب: الفَكْرُ والفِكْر، إعمال الخاطر في الشيء. (لسان العرب/ باب الراء، فصل الفاء).
– ويقول الفيروز أبادي في قاموسه المحيط: الفِكْرُ بالكَسْرِ، إعمال النظر في الشيء. (القاموس المحيط / مادة الفكر).
– وفي المعجم الوسيط، الفِكْرُ: إعمال العقل في معلومٍ للوصولِ إلى معرفةِ مجهولٍ، ويُقال: (لي في الأمرِ فِكْرٌ)، أيْ نَظَرٌ ورُؤيَة.
– نقول: فَكَّرَ في الشيء، أي: أعمل العقلّ فيه للتوصُّل إلى حلِّهِ أو إدراكِهِ، والفِكْرَةُ: الخاطِرة الذهنية.
من هذه التعريفات، نَخْلُصُ إلى أن الفِكْر يرُومُ إلى إدراك أمر مجهولٍ وبواسطة معلوم مُتحصَّلٍ عليه (معلومات/ تجارب/مقارنات/ …) عن طريق العقل.
ومنه الفكرة والخاطرة الذهنية، وهي انبثاق شيء (فكرة، استنتاج، ملاحظة، موقف، توقُّع، تفسير …)، من شيء آخر قد يكون ماديا أو معنويا ومثالُه: سقوط التفاحة أمام ناظريْ نيوتن، ترتب عنه:
ولكي يكون هناك فِكرٌ، لابد من توفر المعطيات التالية :
– الإحساس: ونقصدُ بالإحساس هنا، ذلك الإحساس الذهني الذي مصدرُه الدماغ (الإحساس بقيمة الأشياء والأفعال)، وليس الإحساسَ المنبعثَ من الغريزة أو العاطفة، (الجوع / الخوف / الحنان العطف / الحب ..).
– تَوَفُّر معلومات قبْلية يُبنى عليها: (ترتيب أشياء معلومة للتوصل بها إلى مجهول)، فكلما كانت المعلوماتُ غزيرةً، كان الفكر المتولد عنها أعمق.
– الحيِّز أو الفضاء: لابد من وجودِ فضاء لاستيعاب الفكر، سواء أكان هذا الفضاء ماديا حقيقيا، مثالُ قانونِ الجاذبية: (شجرة + تفاحة + أرض + سقوط )، أو حيِّزا مجرّدا، ومثالُه: العوالم المجرّدة التي تفسَّر بها العلاقات الرياضية الميتافيزيقية، ويعتبر عِلم اللاهوت أبرز تجلٍ للواقع المجرّد.
الحيز شرط قطعي، لأنه يسمح بتنزيل المعطيات وتفسيرها بالأمثلة المادية أو العقلية. والحيز ضروريٌّ أكثر لتمثيل الظواهر الميتافيزيقية المجرّدة.
يقصد بالفكر كذلك، مجموعُ المكاسب والمقومات المعرفية المنبثقة من مجموع العوامل الدينية والثقافية والاجتماعية والايديولوجية والعلمية، التي تشكِّل الوعي المعرفي لطائفة بشرية.
ويمكن تقسيم الفكر إلى أربع مستويات وهي:
– الفكر الشخصي: وهو مجموع المعارف التي يكتسبها شخص ما؛ عن طريق عملية التأثير والتأثر، وتكون موجهة بالصِّبغة الثقافية أو الايديولوجية لذلك الشخص، (إسلامي، يساري، ليبيرالي، قومي ..).
– الفكر القومي: وهو مجموع المقومات المعرفية المنبثقة من مجموع العوامل الدينية والثقافية والاجتماعية والايديولوجية والعلمية، ومثالُه (الفكر العربي، الفكر الإسلامي الفكر الغربي، الفكر المسيحي، الفكر الليبرالي، الشيوعي …،.
– الفكر الإنساني: ويُقصد به مجموع الإنتاجات المعرفية والأدبية والثقافية والفنية والعلمية والتخيُّليّة والأسطورية والحضارية لِبَني البشر بشكل عام.
- الفكر مفهوماً
المفهوم، مستوى أعلى من التعريف الاصطلاحي، فهو مرتبط بالأفكار وليس بالألفاظ، والمفهوم هو المعنى المفهومُ والمستنتجُ من الأفكار، وليس من الألفاظ، لأن الألفاظ تُحيل على المعلومة فقط. وبالتالي فالمفهوم إبداعٌ عقلي ذو طابع إشكالي فلسفي وميتافيزيقي.
ويظل مفتوحا على تشعبات كثيرة، والمفهوم غير مؤطر بحقيقة قطعية ثابتة، وترتبط لفظة مفهوم أكثر ما ترتبط بحقل الفلسفة، كـ (مفهوم العقل/ م. الفكر/ م. السعادة/ م. الحق/ م. …،).
ويعتبر كانط أبُ المفهوم في الفلسفة بعد ديكارت، إذ جعل المفهومَ عبارةً عن خُطاطة ديناميكية للفكر. وحسب (جيل دولوز ) فإن مهنة الفيلسوف هي صناعة المفاهيم.
والفكر من المنظور المفهوميّ: هو القدرة على إدراك كينونة الأشياء، أو إدراك واقعِ فكرة أو مجموعة من الأفكار، وتصورِ مُجمَلِ حيثياتِها، وتشكيل خارطةٍ ذهنية لتفرعاتِها وأصولِها وامتداداتِها، فإذا حصل الإدراك أصبحنا إزاء مفهوم.
1-فيلسوف وناقد أدبي وسينمائي فرنسي. ولد في باريس في العام 1925 وتوفي في العام 1995، له العديد من الكتب التي تتناول الفلسفة وعلم الاجتماع. ألف العديد من الكتب منها “نيتشه والفلسفة” (1962) و”فلسفة كانط النقدية” (1963) و”البرغوسنية” (1966) و”الاختلاف والمعاودة” (1968) و”منطق المعنى” (1963)، وقد ألف مع فليكس غتاري كتاب “ما الفلسفة” (1991). وله العديد من الدراسات حول الأدب والفن والسينما والتحليل النفسي.