حامد أبو زيد – قراءات نقدية
تنوّعت القراءات النقدية التي تناولت أعمال نصر حامد بالتحليل، وما ميّز تلك القراءات اختلافها في مستوى المسلمات وطرق النظر، فبحوث نصر حامد لقيت رفضا من المؤسسة الدينية القائمة في مصر، وهو ما أدّى إلى كثرة الدراسات والكتب التي هاجمت نصر حامد من منظور جدالي تقليدي.
في المقابل سعت جماعة أخرى من الباحثين إلى الوقوف على خصائص مشروعه وتقييمه اعتمادا على حس نقدي علمي أكاديمي.
وبناء على ذلك فإنّ الدراسات الناقدة لمؤلّفات نصر حامد انطلقت – وما تزال – من مرجعيات فكرية متباعدة، ومن أهم القراءات النقدية التي سعت إلى إنصاف الباحث قراءة كل من “حسن حنفي” في “حوار الأجيال” وقراءة “علي حرب” الذي يُعدّ – في تقديرنا – أكثر النقّاد موضوعية في تقييم مشروع نصر حامد.
وقد تطرق حرب إلى مشروع نصر حامد في أكثر من موضع ومن زوايا مختلفة، ونخصّ بالذكر الفصل الموسوم بـ “نصر حامد أبو زيد: خطاب يناهض الأصولية ولكنّه يقف على أرضها” من كتاب النص والحقيقة (الجزء الأوّل):
نقد النص والفصول الثلاثة الأخيرة من كتاب “الاستلاب والارتداد: الإسلام بين روجيه غارودي ونصر حامد أبو زيد”، ففي البحث الأوّل عمل علي حرب على تفكيك بنية الخطاب النقدي لنصر حامد.
وقد أدّى النظر في هذا الخطاب النقدي إلى اكتشاف تناقضات عديدة تحكم فكر نصر حامد، ومن أهم مظاهر التناقض انطواء خطاب الباحث على تلفيق منهجي تجلّى في “القول من جهة بأنّ الإيمان بالوجود الميتافيزيقي للنص يطمس إمكانية فهمه العلمي والقول من جهة ثانية (كذا) بأنّ الإيمان بمصدره الإلهي لا يتعارض مع إمكانية تحليله وفهمه”.
وهو في رأي علي حرب اجترار لمواقف القدامى، وفي ذلك دلالة واضحة على أنّ مشروع نصر حامد قليل الجدّة والطرافة، فالبحث في مفهوم جديد للنص ادعاء معرفي لا وجود له، أمّا في مستوى مرجعيات الخطاب فثمّة استعمال لافت للانتباه للمعجم الماورائي الغيبي.
وفي ذلك مفارقة عجيبة، ذلك أنّ نصر حامد ما انفكّ ينادي بتحرير الخطاب الديني من هذه اللغة، وبهذا المعنى كان نصر حامد أبو زيد أصوليا يسعى إلى التستّر عن حقيقة مواقفه، فهو أصولي في بنية التفكير علماني في مستوى المصرّح به.
أمّا في كتابه “الاستلاب والارتداد” فقد تتبّع حرب الطرق التي استعملها نصر حامد في تناول إشكاليات النص الديني وآليات اشتغال الخطاب الديني وأهم مصطلحاته، فانتهى إلى أنّ الباحث بدلا من الحفر في أس الخطاب الديني راح يمارس “لاهوت التنوير” اللاهوت التقدمي العلماني لتحرير الإسلام وأهله من الاستبداد الكهنوتي وإرهاب العقل.
في هذه القراءة سعى حرب إلى كشف البعد الأيديولوجي المتحكّم في فكر نصر حامد، وهي مفارقة من نوع خاص، ففي أغلب أعماله ما انفكّ يبيّن الخلفيات الأيديولوجية التي سيّرت الخطاب الديني، دون أن يتفطّن إلى أنّ المرجعية الأيديولوجية المتحكّمة في خطابه النقدي جعلته يتخذ مواقف رجعية (نقد الزركشي)، أدت في أغلب الأحيان إلى التضحية بالنص وإهدار كينونته”.
يضاف إلى ذلك أنّ النظر في إشكاليات الحرية، … تمّ التعامل معها من منظور تقليدي لا يختلف في شيء كثير عن منطلقات التيارات الرجعية التي وجّه لها سهام نقده اللاذع.
أمّا فيما يتصل بالمفاهيم والمصطلحات التي قام عليها مشروع نصر حامد النقدي فإنّ أغلب دارسي مؤلّفاته قد أشاروا إلى الالتباس الذي حفّ بأغلب المفاهيم التي اعتمدها، فمفهوم النص الذي يُعدّ المفهوم الرئيس اتخذ عنده دلالات مغايرة للمرجعيات التي انطلق منها (تحليل الخطاب).
وفي المقابل لاحظ “حسن حنفي” جمع نصر حامد بين تصوّرين مختلفين معرفيا (المنزع العقلي/ المنزع الصوفيَ)، وفي هذا الجمع دلالة واضحة – في تقدير حنفي – عن عجز الباحث عن “إيجاد الوَحدة العضوية بين المعتزلة وابن عربي بين التراث القديم والتراث الغربي…”.
لقد أقام نصر حامد أبو زيد مشروعه النقدي على ثنائيات واضحة، وقد كان واعيا بما يفصل بينها، بيد أنّ إيمانه بأنّ الثقافة الإسلامية على اختلاف نظمها المعرفية ظلّت منظومة متداخلة الأبعاد هو ما شرّع له الاشتغال على مجالات تبدو في الظاهر متباعدة.
ولكن المتأمّل في بعض مؤلّفاته يكتشف أنّ اهتمامه ببعض الحقول المعرفية لاسيما التصوّف يعود إلى أسباب شخصية (النشأة)، وفيما يتصل بهذه المسألة نتساءل عن الحدود التي وضعها نصر حامد للتمييز بين الذاتي والموضوعي في التعامل مع خطاب وجداني عطّل العقل وألغاه أو قلّل من شأنه.
إنّ مواقف الباحث من تجربة محيي الدين بن عربي تكشف عن إعجاب واضح بالتجربة الصوفية، تجلّى في تخصيص كتابين ومقال للنظر في تصوف ابن عربي، ونقدّر أنّ مأتى هذا الاهتمام ما كان للتصوف في نفس نصر حامد من منزلة تشكّلت أيام الطفولة في طنطا.
فإذا بالخطاب النقدي عنده ينطوي على أبعاد ذاتية عاجز – في تقدير بعض النقّاد – عن التحرر من مسلمات الفكر اليساري أثناء قراءة الخطاب الديني، فإذا به يقع في أدلجة الخطاب وهو ما حذّر منه واعتبره سمة مميزة للخطاب الديني المنغلق.
تعددت مجالات نقد مشروع نصر حامد فاتصلت بعض النقود بمسلمات الباحث وتعلقت أخرى بالمقاربات التي اعتمدها والمفاهيم التي وظّفها (النص، …) وأهداف مشروعه، على أنّ ما يلفت الانتباه في جميع ما كُتب اختلاف الآراء في قيمة هذا المشروع فلئن كان عند البعض مشروعا نقديا جريئا فإنّ البعض الآخر رأى فيه مشروعا أصوليا لا يضيف شيئا.
وأيا يكن الأمر فإنّ ما يُحسب لنصر حامد طرق أبواب مجالات بحثية ظلّت موصدة قبله بمقاربات جديدة قطعت مع السائد مقدّمة تصورا جديدا لماهية الفكر الإسلامي والخطاب الديني بعيدا عن النزعة الدوغمائية.
قائمة ببليوغرافية ببعض ما كُتب عن نصر حامد
– بن زين (رشيد): نصر حامد أبو زيد: التفسير القرآني من النقل إلى التأويل ضمن كتاب المفكّرون الجدد في الإسلام، تعريب حسّان عبّاس، سلسلة معالم الحداثة، دار الجنوب للنشر، تونس 2009.
– حبّ الله (حيدر): الدرس القرآني وتجاذبات المناهج قراءة في علوم القرآن عند الدكتور نصر حامد أبو زيد، الموقع الرسمي لحيدر حب الله http://hobbollah.com/articles/ اُسترجع في تاريخ 30 جوان 2014.
– حديد (أسماء): في تاريخية النص القرآني عند نصر حامد أبو زيد، إشراف عبد الغني بارة، (رسالة ماجيستير/ بحث مرقون)، جامعة فرحات عبّاس سطيف، الجمهورية الجزائرية، 2010.
– حديد (أسماء): تاريخيّة النص القرآني في خطاب نصر حامد أبو زيد التنظيري (المفهوم والمرجع)، مجلة الكوفة، جامعة الكوفة العراق، عـدد الأول السنة الثالثة، شتاء 2014.
– حرب (حرب): النص والحقيقة (الجزء الأول): نقد النص، المركز الثقافي العربي، ط1، الدار البيضاء/ المغرب بيروت لبنان، 1993.
– حرب (علي): الاستلاب والارتداد: الإسلام بين روجيه غارودي ونصر حامد أبو زيد، المركز الثقافي العربي، ط1، الدار البيضاء المغرب /بيروت لبنان، 1997.
حنفي (حسن): الفصل الثاني عشر من كتاب “حوار الأجيال”، دار قباء للطباعة والنشر والتوزيع، ط1، القاهرة مصر، 1998.
زمرد (فريدة): أزمة النص في مفهوم النص عند نصر حامد أبو زيد، مطبعة أنفو برانت، فاس المغرب، (د ت).
الشربجي (محمّد يوسف): مفهوم النص عند نصر حامد أبو زيد عرض ونقد، مؤتمر التعامل مع النصوص الشرعية عند المعاصرين، كلية الشريعة في الجامعة الأردنية، 4/5/6 نوفمبر 2008 http://fr.scribd.com/doc/92531561 اُسترجع في تاريخ 30/06/2014.
– عمارة (محمّد): التفسير الماركسي للإسلام، دار الشروق، ط 2، القاهرة مصر، 2002.
– قويسم (إلياس): إشكاليّة قراءة النصّ القرآني في الفكر العربي المعاصر: نصر حامد أبو زيد أنموذجا: بحث مرقون لنيل شهادة الدراسات المعمّقة بالمعهد العالي لأصول الدين جامعة الزيتونة (تونس)،1998-1999 تاريخ المناقشة جويلية 2000، رقم الحفظ بالمكتبة ح 331.
– قويسم (إلياس): استبدال هوية النص القرآني من القداسة إلى التاريخيّة: نشر بموقع الملتقى الفكري للإبداع في 04-03-2009 http://www.almultaka.net/index.php اُسترجع في تاريخ 30 /06/2014.
– قويسم (إلياس): الفكر العربي المعاصر ومحاولات دنيوية النصّ القرآني، أعمال المؤتمر الدولي الأوّل: القراءات المعاصرة للقرآن الكريم، 19-20-21 أفريل 2011 كلية شعيب الدكالي – الجديدة – المغرب.
– النيلي (العالم سبيط) (1956م-2000م) فصل “ذاتيات” ضمن كتاب “بين الانغلاق الديني والنشاز الثقافي”، المحجّة البيضاء للطباعة والنشر والتوزيع، ط 1، بيروت لبنان، 2008.
– وحدة البحث اتصال العلوم وانفصالها في الثقافة العربية: كلية الآداب والعلوم الإنسانية سوسة وزارة التعليم العالي والبحث العلمي (تونس): المشروع العقلاني العربي في فكر “نصر حامد أبو زيد” و”محمد أركون” و”محمد عابد الجابري” ندوة دولية أيام: 3 و4 و5 مارس 2011.
– يوبي (عبد السلام): المسكوت عنه في نقد نصر حامد أبو زيد لآليات الخطاب الديني: قراءة تحليلية نقدية، إشراف الأستاذ عبد القادر بو زيده (شهادة الماجيستير بحث مرقون) جامعة مولود معمري تيزي وزو كلية الآداب والعلوم الإنسانية قسم الأدب العربي، الجمهورية الجزائرية 2011.