كثيرا ما نَسمع لفظة “بِنْيَة” في البرامج واللقاءات والمحاضرات والندوات باختلاف مجالاتِها المعرفية وتخصصاتِها العلمية والمعرفية، كما يتكررُ استعمال هذه اللفظة في المقالات والأوراق العلمية، وفي المؤلفات والكُتب بشكل عام.
إلا أن كثيرا من الباحثين يستعملون هذا المصطلح دون أن تكون لهم خَلفية معرفية عن أصلِه اللغوي أو عن دلالاتِه المُعجمية والاصطلاحية؛ وبالتالي يتم التراشق بهذا المصطلح الـمُهَيْمِن (تقريبا) في حَقْل المصطلحية، بشكل عبثِيٍّ، واقحامِه في سياقاتٍ بعيدة كل البعد عن مجال تخصّصِه وعن مواطِن اشتغالِه.
- فماذا نقصد بمصطلح البنية؟
- ما هو مجالُه العلمي والمعرفي الذي ينتمي إليه؟
- ماهي خصائص هذا المصطلح؟
- وما هي أليات اشتغالِه؟
- البنية لغةً واصطلاحا
- البنية في اللغة:
البنية، مِن الفعل الثلاثي بَنَى، أيْ شَيَّدَ، وجاء في لسان العرب لابن منظور، (تـ711هـ) “البِنْيَةُ والبُنْيَة؛ ما بَنَيْتَه وهو البِنَى والبُنَى … البِنيَة الهيأة التي بُنِيَّتْ عليها،… وفلان صحيحُ البُنيَة، أيْ الفِطرة، وأبنَيتَ الرجلَ، أعطيتَه بِنىً وما يَبْتَني به الأرض”[1].
أما في المعاجم الفرنسية[2]؛ فقد تعددتْ دلالات ومرادفات لفظة بِنْيَة، فقد وردتْ باسم النظام (ordre)، التركيب (constitution)، والهيكلة (organisation)، والشكل (forme).
وحسب “جورج مونان” فإن كلمة بنية لا تُغادر معناها الصريح المتمثل في البناء والتشييد، يقول جورج مونان[3] “إن كلمة بنية ليس لها رواسب وأعماق ميتافيزيقية، فهي تدل أساسا على البناء بمعناه العادي“[4].
ففي النحو العربي مثلا، نجد ما يُسمى بـ: ثنائية المعنى والـمَبْنَى، والمبنى هنا؛ نقصد به الطريقة التي تُبنى بها وحدات اللغة العربية، وبالتالي فالزيادة في المبنى زيادةٌ في المعنى كذلك، فكلُّ تحوُّلٍ في البنية يَنتجُ عنه تحولٌ في الدلالة.
البنية إذاً؛ موضوع منظَّمٌ له صورتُه الخاصة ووحدته الذاتية، فالكلمةُ بِنيةٌ في أصلِها، وتتوقف على ما عَداها، وتتحدَّدُ من خلال علاقتِها بغيرها من الكلمات.
- البنية في الاصطلاح:
أطلق اللغويون العرب القدامى لفظة بنية على الهيكل أو الأركان أو الأساسات الثابتة للشيء، ومنه الحديث الشريف (بُني الإسلام على خمس …،/ (الأركان الخمسة للإسلام)). وقد وَظفَ النحاة العرب مُصطلح (البناء) واشتقوا منه مصطلح (المبني[5])، للدلالة على الحروف وبعضِ الأسماء، والتمييز بينَه وبين (المُعرب[6]).
المؤكد؛ أن لفظة “بنية” بهذه الصيغة لم تكن غريبة عن البيئة العربية، وربما كانت شائعة ومتداولة، عكس ما ذهب إليه بعض النقاد الذين ينفون ورود لفظة بنية في القرآن الكريم وفي الحديث النبوي الشريف وفي النصوص العربية القديمة من شعرٍ ونثر.
ففي القرآن الكريم، وردتْ ألفاظ مُشتقة من لفظة بنية، تارة بصيغة الفعل (بَنى)، وتارة بصيغة الاسم (بناء / بُنيان / مَبنى). وأما في النصوص التراثية القديمة، فقد وردتْ لفظة بنية في قصةٍ أوردها ابن المعتز في كتابه (طبقات الشعراء) حول أبي العتاهية؛ عندما جَلَدَهُ الخليفة المهدي بسبب شِعرٍ قالَه في جاريةٍ من جوارِ الخليفة، قال: “….فأحضَرَهُ وضرَبَهُ بالسِّيَاط … وكان ضعيفَ البِنية (البُنية) فغُشيَ عليه…“[7].
وقد قُصد بالنية هنا تكوينَه وبِنْيَتَه الجسمانية، كما وُجد مفهوم البنية في التراث النقدي العربي القديم، ولكن بمعنىً ماديّ، ونستدل بما أورده قُدامى بن جعفر في قوله: “إن بنية الشعر إنما هي في التَّسْجِيع والتَّقْفِيَّة“[8].
لقد شاعت لفظة بنية في مجال الهندسة المعمارية، وهي من المفردات أو المصطلحات الرّحالة المَرِنَة، فقد استُدعيتْ إلى حقول عِلمية ومعرفية وتِقنية مختلفة، خصوصا في الفلسفة الكانطية التي وظفتْ مُصطلح البنية لدراسة مفهوم الفِكر (بنية الفكر).
تــابــع قــراءة المقــال . . .
السلام عليكم اخي ممكن تشرحلي ?? بنية الخطاب الشعري القديم
يُمكن التواصل مع الكاتب مباشرة
الخطأ:
تنازع مفهومُ البنية تعريفاتٌ عديدة
الصوابُ:
تَنازعَ مَفْهومَ البنيةِ تَعريفاتٌ عديدةٌ
(بنصب المفهوم على المفعولية)
كل الشكر لك دكتور عبد الرحمن بودرع على التصويب.