يمكن أن نؤرخ للانطلاقة الأولى للنحو الوظيفي من خلال الانتقاد الذي وجهه سيمون ديك (1968) للتحليل الذي قدمه النموذج المعيار للبنيات العطفية، و هو انتقاد يكشف عن قصور هذا النموذج و عدم كفايته في تقديم تحليلات وافية لبعض الأنماط الجملية.
وتجاوزا لهذا القصور قدم ديك، و خاصة في (1978) و (1989) طرحا بديلا يتوخى تقديم تحليل كاف لمجمل الظواهر اللغوية.
إذا كانت كل نظرية تؤسس نفسها انطلاقا من حصرها لأوجه التقاطع وأوجه التماثل بينها وبين النحو التوليدي التحويلي، فإن النحو الوظيفي هو أيضا وخاصة مع ديك (1978) قد حرص على الإيضاح ما يجعله متميزا عن النحو التوليدي التحويلي .
يتكشف هذا التمايز من خلال اختلاف الإجابات عن أهم المساءلات اللغوية المعاصرة و التي أوجزها ديك (1978 – 1989) فيما يلي:
1 – تحديد اللغة: يعتبر النحو التوليدي التحويلي اللغة عبارة عن مجموعة من الجمل اللغوية التي تنحصر وظيفتها في التعبير عن الفكر، في حين يقدم النحو الوظيفي تعريفا أشمل للغة بوصفها أداة للتفاعل الاجتماعي و من ثمة تكون وظيفتها الاجتماعية هي التواصل بأوسع معانيه.
2- حول ثنائية قدرة- إنجاز: القدرة في عرف النحو التوليدي التحويلي هي مهارة المتكلم التي تخوله إنتاج و تأويل الجمل و الحكم على نحويتها أو لا نحويتها. إلا أن النحو الوظيفي يتجاوز هذا التعريف الضيق ليلح على أن القدرة لا يمكن تحديدها إلا في إطار تواصلي، و ذلك انسجاما مع الوظيفة الأولية للغة.
هكذا تكون القدرة هي القدرة التواصلية أي قدرة المتكلم على التفاعل الاجتماعي عبر توسل اللغة، و بذلك يعتبر أن دراسة النسق اللغوي لا يمكن أن تتم إلا في إطار تصور عام حول نسق الاستعمال اللغوي لوجود تماس و انصهار بينهما. يقول ديك (1980 : 1):
“يتأسس النحو الوظيفي على منظور وظيفي لطبيعة اللغة الطبيعية، و هو منظور يعتبر اللغة الطبيعية في المقام الأول أداة للتفاعل الاجتماعي بواسطتها يمكن للكائنات الإنسانية أن تتواصل (و أن تؤثر في بعضها البعض)…رغم أن النظرية الوظيفية للغة يمكن أن تميز بين نسق اللغة و استعمالها، فإنها تتجنب دراسة إحداها في غياب الأخرى: [إنها] تهتم بالتعالق بين النص و استعمالاته الممكنة.”
وهذا يخالف النحو التوليدي التحويلي الذي يعتبر من جهة، أن هناك استقلالا بين وصف اللغة و الأوضاع التي تنجز فيها، و يركز من جهة أخرى على أن دراسة القدرة لها أسبقية منطقية و منهجية على دراسة الانجاز.
3 – الاكتساب اللغوي و الكليات اللغوية: درج النحو التوليدي التحويلي على اعتبار أن الطفل يكتسب اللغة من محيطه اللغوي غير المتجانس و غير المثالي، عبر توسله للخصائص الفطرية الموجودة في دماغه. يرتبط هذا الاعتبار بالقول بفطرية الكليات اللغوية. أما بالنسبة للطرح الوظيفي، فإن الاكتساب اللغوي يتم عبر سلسلة من الاكتشافات التي يقوم بها الطفل، ليؤسس في النهاية نسق لغته الأم بذلك تتحدد الكليات اللغوية وفقا لهذا المنظور من خلال:
أ – أهداف التواصل الاجتماعي.
ب – التكوين النفسي و البيولوجي لمستعملي اللغة الطبيعية.
ج – الأوضاع التي تستعمل فيها العبارات اللغوية.
4 – العلاقة بين التركيب و الدلالة و التداول: يلح تشومسكي في العديد من أعماله على استقلال التركيب، في حين يقدم النحو الوظيفي نفسه بوصفه دراسة للتركيب و الدلالة من منظور تداولي ،و ذلك سعيا إلى تحقيق ثلاثة أنواع من الكفاية:
أ – الكفاية النمطية: عبر وصفه للخصائص البنيوية للغات االطبيعية من منظور وظيفي. يقول ديك (1977 : 26):
“تعتبر نظرية ما لقسم من التراكيب كافية نمطيا ،في حدود سماحها بوصف التراكيب الملائمة في لغات متباينة الاختلاف نمطيا، وذلك بواسطة نفس المبادئ الأساسية بدون أن تنحاز للغات ذات نمط خاص.”
ب – الكفاية النفسية: و ذلك بحرسه على مطابقة النماذج النفسية للقدرة اللغوية و السلوك اللغوي. تندرج النماذج النفسية ضمن نماذج الإنتاج التي تحدد الكيفية التي يصوغ بها المتكلم العبارات اللغوية، و نماذج الفهم التي تضبط الكيفية التي يؤول بها السامع هذه العبارات اللغوية.
يقول المتوكل (1986 : 10):
“في إطار السعي إلى تحقيق الكفاية النفسية، يحاول النحو الوظيفي أن يكون قدر الإمكان مطابقا للنماذج النفسية سواء منها نماذج الإتاج أو نماذج الفهم”.
ج – الكفاية التداولية: بتحديده للقدرة التداولية، إذ قدرة المتكلم هي قدرته على فهم القواعد التداولية المتحكمة في إنتاج أنماط جملية تتنوع بتنوع أنماط المقامات، و بتركيزه على كيفية توظيف هذه القدرة في عملية التفاعل الاجتماعي.
يقول ديك (1977 : 26):
” يعتبر النحو كافيا تداوليا في حدود كشفه لخصائص العبارات اللغوية الملائمة للكيفية التي استعملت بها، و ذلك بشكل تترابط فيه هذه الخصائص و القواعد المتحكمة في التفاعل الكلامي.”
ينص ديك (1989 : 12) على أنه لتحقيق الكفاية التداولية، ينبغي وضع النحو الوظيفي ضمن نظرية أوسع للتفاعل الكلامي، التي هي مكون من مكونات نظرية مستعمل اللغة الطبيعية(ن م ل ط).
تشكل هذه الاختلافات في نوع الإجابات نقاط التمايز التي تفصل النموذج الوظيفي عن النموذج غير الوظيفي. تحدد هذه الإجابات الفرضيات الأساسية التي ينطلق منها كل نموذج و التي تشكل فلسفته الخاصة.
يرتبط تحقيق الأنواع الثلاثة من الكفايات (الكفاية التداولية- الكفاية النفسية- الكفاية النمطية) بالجهد الذي تبذله الأنحاء للابتعاد عن الحسية المفرطة أو التجريد الزائد. لتفادي النقيصة الأخيرة يضع النحو الوظيفي جملة من القيود، يجملها سيمون ديك (1989) كالتالي:
1 – تجنب التحويلات أي العمليات المغيرة للبنية عبر نزع أو استبدال أو إبدال.
2 – تفادي آليات التصفية، أي استراتيجيات الوصف التي تعمد بعد تخصيصها للعبارات اللغوية المتواجدة داخل عبارات لغوية أخرى إلى حذف كل ما ليس له علاقة بالعبارات اللغوية المخصصة.
3- تجنب المحمولات الدلالية المجردة أي تحليل الزمر المعجمية بتوسل مجموعة مستقلة من المحمولات الدلالية التوليدية مثلا:
1 – قتل (ص)= سبب (ص) جعل غير حي (ي))).
حيث تنتمي الكلمات المكتوبة بخط غليظ إلى مجموعة المحمولات الدلالية المجردة المستقلة عن اللغات.
– بنية النحو (انطلاقا من ديك 1989):
لضبط الخصائص الصورية و الدلالية للعبارات اللغوية، يلزم النحو الوظيفي الانطلاق من البنية التحتية للجملة، و هي عبارة عن بنية مجردة و معقدة تضم مستويات التنظيم الدلالي و الصوري. تتحدد هذه المستويات وفقا للصورة التالية التي يصوغها ديك (1989: 46):
2 – الجملة ” فعل كلامي”
قضية ” معطى ممكن”
الحمل واقعة
المحمول خاصية -علاقة.
مطبق على الحدود وحدة -وحدات
تجسد هذه الصورة سيرورة بناء تراكيب البنية التحتية التي نباشرها بانتقاء المحمول (المحدد لخاصية أو علاقة) و تطبيقه على عدد محدد من الحدود (التي تشير إلى الوحدات) للايضاح، يمكن توسل المثال التالي:
3 – مض وهب ف (س1 : أحمد (س1)).
(س2 :عمر (س2)).
(س3 : كتابا (س3)).
ينتج عن المحمول مطبقا على عدد مناسب من الحدود حملا. يعبر الحمل عن الواقعة التي تشكل تصورا لشيء يمكن أن يكون على ما هو عليه في عالم معين، سواء أ كان هذا العالم واقعا أو ممكنا. بهذا تجسد الواقعة ” العالم الذهني” للمتكلم و السامع. إذ كل ما يجوز وروده في عالم معين و كل ما نمنحه زمانا و مكانا محددين يعتبر واقعة.
في إطار الحمل يميز ديك (1989 : 47) بين الحمل القالب matrix predication و الحمل المدمج embedded predication . لايضاح هذا التمييز نسوق الجملة التالية:
4 – رأت هند أحمد يعطي عمرا كتابا.
التي يمكن تمثيلها في 4 ب
4 ب مض [ رأى (هند) )ع أ)].
ع أ : مض[أعطى (أحمد)(عمر)(كتاب)].
إن الحمل المدمج هو ما يمكن أن يحتل موقعا من مواقع موضوعات الحمل العلوي higher predication ، في حين أن الحمل القالب هو هذا الحمل العلوي ذاته. يمكن ايضاح هذا في الخطاطة التالية:
5 – مض [رأى(هند)ع أ.
حمل قالب
ع أ : مض [[(أعطى (أحمد) (عمر) (كتابا).
حمل مدمج
على اعتبار أن (ع) احتلت موقع الموضوع الثاني للمحمول “رأى” .بهذا التخصيص يميز ديك (1989 :48) بين الحمل (المعبر عن واقعة) و القضية التي تختلف دلالياتها عن دلاليات الحمل، رغم تشاكل خصائصها الصورية، من منطلق أن ما يعبر عن اعتقاد ليس واقعة و إنما هو ” قضية” أو ” محتوى قضوي” أو معطى ممكن possible fact . يتضمن هذا التحديد خضوع القضية لمعيار الصحة و الخطأ، على النقيض من الواقعة التي لا نخضعها لهذا المعيار ف (6) تعبر عن قضية لا واقعة.
6 – اعتقدت هند أن أحمد أعطى عمرا كتابا.
و يمكن تمثيلها بالشكل التالي:
7 – مض [اعتقد (هند) (ص أ)].
ص أ : مض [( أعطى) (أحمد) (عمرا) (كتابا)].
حيث تعبر(ص أ) عن القضية المدمجة.
تواكب القضية قوة إنجازية تحدد طبيعتها : هل هي إخبار أم استفهام أم أمر، للتعبير عن هذه القوة الإنجازية يتوسل النحو الوظيفي وسائل نحوية ينعتها ب “عوامل إنجازية” illocutionary operators . نمثل لها وفقا للصورة التالية:
8 – خب (ص أ).
ص أ : مض [[أعطى )(أحمد)(عمر)(كتابا)]].
يتبين مما أوردناه أن النحو الوظيفي يراعي في تحليله للبنية التحتية للجمل التراتبية التالية:
9 – المستوى 1:المحمولات و الحدود
المستوى2: الحمل
المستوى3 : القضية
المستوى 4: الفعل الكلامي.
ترتبط بهذه المستويات متغيرات تدل على كل ما تشير إليه العناصر البنيوية لمختلف المستويات. يصوغ ديك (1989 : 50) أنماط المتغيرات هذه وفق الصورة التالية:
10 – الوحدة البنيوية نمط الوحدة الرتبة المتغير
الجملة فعل كلامي 4 ع أ، ع ب …
القضية معطى ممكن 3 ص أ، ص ب،…
الحمل واقعة 2 ح أ، ح ب،…
المحمول خاصية-علاقة 1 ف أ ، ف ب،…
ينطلق النحو الوظيفي في تحليله للعبارات اللغوية من بناء الحمول، استنادا على الأساس fund الذي يضم المحمولات و الحدود. يصوغ ديك (1989 : 54) بخصوص المحمولات الفرضيات التالية:
– تحلل كل الزمر المعجمية باعتبارها محمولات.
– نقيم تمييزا بين مختلف مقولات المحمولات و المقولات الفرعية للمحمولات، انطلاقا من خصائصها الصورية و الوظيفية. تبعا لهذا نميز بين المحمولات الفعلية و المحمولات الاسمية و المحمولات الصفية.
– تشير المحمولات دلاليا إلى خاصية أو علاقة.
– تنقسم المحمولات إلى محمولات أصول و محمولات مشتقة.
– توجد المحمولات الأصول على شكل قوائم في المعجم، في حين أن المحمولات المشتقة تشتق بواسطة قواعد تكوين المحمولات.
– لا تشتق المحمولات الأصول بواسطة قواعد إنتاجية.
– ليست المحمولات عناصر معزولة، و إنما هي بنيات تسمى أطراحملية يستلزم بناء الحمول الانطلاق منها. يضطلع الإطار الحملي بتحديد صفات المحمول الدلالية و التركيبية، و ذلك عبر تحديد:
أ – صورة المحمول.
ب- مقولته التركيبية : فعل – اسم – صفة – ظرف.
ج – محلات الحدود و يرمز إليها بالمتغيرات (س 1، س 2 …س ن).
د – الوظائف الدلالية : منفذ – متقبل – مستقبل – مستفيد …
هـ – قيود الانتقاء التي لا تفرض إلا على الحدود الموضوعات.
تمثيلا للإطار الحملي يقدم المتوكل (1986 : 11) الإطار الحملي للفعل ” شرب ” و الإطار الحملي للصفة ” فرح”، و ذلك في 12 أ و 12 ب على التوالي:
12- أ – شرب (س1 :حي(س1)) منف (س2 : مشروب (س2)) متق.
ب – فرح ص (س1: حي (س1)).
يرتبط الإطار الأصلي في المعجم بعدد من مسلمات المعنى meaning postulates تربط المحمول إلى غيره من المحمولات في اللغة. تصبح مسلمات المعنى هاته ” تحديدات” المعنى meaning definitions ، إذا استعملت في عملية تخصيص معنى المحمولات. أما المحمولات المشتقة، فيتم تخصيصها في قاعدة تكوين المحمولات نفسها.
– تتأسس المحمولات المشتقة انطلاقا من أطر حملية (مشتقة)، و ذلك بواسطة قواعد تكوين المحمولات.
– الأطر الحملية غير مرتبة، إذ الرتبة التي تقدم بها هي محض اصطلاحية.
الحدود : يخضع ديك (1989 :55) الحدود للفرضيات الأساسية التالية:
– تحلل كل العبارات اللغوية المستعملة للإحالة إلى الوحدات باعتبارها حدودا.
– ترتب الحدود من الزمر الأبسط فالأعقد.
– نقيم تمييزا بين البنيات الحدية الأصلية التي يفترض معرفتها معرفة مسبقة و البنيات الحدية المشتقة التي نشتقها عبر توسل قواعد إنتاجية تسمى قواعد تكوين الحدود.
– تتخذ قواعد تكوين الحدود الصورة التالية:
13 – Ω-;—;– س أ Ф-;—;–(س أ): Ф-;—;–2 (س أ):…: Ф-;—;–ن(س أ).
حيث Ω-;—;– (س أ)= “حمل مفتوح في س أ” يعمل مقيدا لقيم س أ الممكنة.
إذن، لبناء الحمول ننطلق من الأساس الذي يضم محمولات و حدود. يقدم المحمول في صورة إطار حملي يضم محمولا و عددا من الموضوعات. عند ملء مواقع هذه الموضوعات نحصل على حمل نووي.
نخصص هذا الحمل بإضافة عوامل و لواحق المستوى 1، حيث تخصص عوامل المحمول (تام- غير تام ….) التنظيم الزمني الداخلي للواقعة، في حين تخصص لواحقه الكيفية و الأداة…
بإضافة عوامل المحمول و لواحقه (المنتمية إلى المستوى1) إلى الحمل النووي نحصل على حمل مركزي الذي يمثله ديك (1989 : 57) كالتالي:
14 – ع أ : [حمل مركزي] (ع أ).
ينعت ديك (1989 : 57) الشكل (14) ب “حمل مدمج” و يتم تخصيص هذا الحمل بتوسل نمطين من العناصر هي:
– عوامل الحمل المنتمية إلى المستوى2، و هي عبارة عن وسائل نحوية تتوسل لإحلال الواقعة في الأنساق الزمنية و المكانية و المعرفية، ف ” مص ” عامل زمني يقوم بإحلال الواقعة في زمن سابق لزمن التكلم زه و مم (ممكن) عامل معرفي يقوم بإحلال الواقعة في مجال معرفي بوصفها واقعة يمكن حدوثها في عالم معين.
– لواحق الحمل المنضوية في إطار المستوى 2: هي عبارة عن وسائل معجمية يمكن بواسطتها إحلال الواقعة في الأنساق المذكورة أعلاه ، مثلا : البارحة ، لاحق زمني يحل الواقعة في زمن سابق لزمن التكلم و “الكلية” لاحق مكاني يحل الواقعة في مكان محدد.
بإضافة هذه التخصيصات (أي عوامل الحمل و لواحقه ذات المستوى الثاني 2 ننتقل إلى الحمل الموسع extended predication الذي يصوغه ديك (1989 : 57) كالتالي:
15- Π-;—;–2 ع أ :[[ حمل مركزي]] (σ-;—;–2)] (ع أ).
حيث يرمز Π-;—;–2 إلى عامل (أو عوامل) الحمل و يرمز σ-;—;–2 إلى لواحق المستوى 2
مثال:
16 – أ – مم مض ع أ :[[ أرضع(الأم) )(الطفل)] (ع أ)
ب – أرضعت الأم الطفل.
يتم في المستوى2 (مستوى الحمل الموسع) إسناد الوظائف الوجهية، أو ما ينعته ديك (1989 : 58) أيضا بالوظائف التقديمية presentative –function–s . تحدد هذه الوظائف الوجهة المنطلق منها في تقديم الواقعة التي يعبر عنها الحمل. لهذا فهي تقوم بدورهام في دلاليات العبارات اللغوية. يشكل الفاعل المنظور” الرئيسي” ، في حين يشكل المفعول “المنظور الثانوي “. يتحدد المنظور الرئيسي في موضوع1 أو موضوع2 أو موضوع3، و ذلك حسب الرسم التالي الذي يصوغه ديك (1989 :212):
17 – ص ←-;—;–ـ ـ ـ ـ ـ س←-;—;– ـ ـ ـ ←-;—;–
للايضاح نسوق المثال التالي:
18 – شرب←-;—;– ـ ـ ـ الطفل←-;—;– ـ ـ ـ ←-;—;–اللبن.
حيث يشكل الطفل ” المنظور الأول” في حين يشكل “اللبن” المنظور الثاني.
عند تخصيص الحمل الموسع بتعيين الوجهة نحصل على “القضية ” أو ” البنية القضوية”، التي يقدمها ديك (1989 : 58) كالتالي:
19 – ص أ:[حمل موسع] (ص أ).
حيث ص أ : متغير و [حمل موسع]: معطى ممكن.
يتم توسيع البنيات القضوية باعتماد نمطين من العناصر :
1 – عوامل القضية proposition operator التي تنحصر في الوسائل النحوية التي يتوسلها المتكلم للتعبير عن تقديره الخاص أو موقفه الشخصي اتجاه المحتوى القضوي . تربط هذه العوامل محتوى القضية بالعالم الذاتي للمتكلم.
2 – لواحق المستوى 2 : و هي وسائل معجمية تخصص تقدير المتكلم أو موقفه من القضية ف “في رأيي” في ج (20):
20 في رأيي، علي منافق.
تضبط القيمة التي يخولها المتكلم للمحتوى القضوي. بتخصيص عوامل القضية و لواحقها ننتقل إلى “القضية الموسعة” extended proposition، التي يصوغها ديك ( 1989 : 59) كالتالي:
Π-;—;–3 ص أ :[[ حمل موسع] (σ-;—;–3 )[ (ص أ)]].
حيث Π-;—;–3 = عامل (أو عوامل) القضية و σ-;—;–3=لاحق ( أو لواحق) القضية.
بإدراج المتغيرين ع أ و ع ب في إطار القضية الموسعة نحصل على عبارة لغوية، و ذلك وفقا للصورة التي يجملها ديك (1989 : 59):
ع أ : [قضية موسعة](ع أ).
يمكن تخصيص البنيات الجملية التي تعبر عنها الصورة (22) بتوسل عوامل و لواحق المستوى 4 و هي:
أ – العوامل الإنجازيةillocutionary operators : التي تخصص القوة الإنجازية الأساسية للجملة : إخب(بار)و است(فهام) و أم(ر)، أو تعديلات هذه القيم الممكنة.
ب – اللواحق الإنجازية illocutionary satellites تحدد كيف يود المتكلم من السامع أن يفهم الفعل الكلامي.
23 – بصراحة، علي منافق.
فالقوة الإنجازية في ج (23) هي الإخبار، في حين أن بصراحة لاحق إنجازي يحدد خاصية تهم الفعل الكلامي.
بتخصيص البنيات الجملية نحصل على بنيات جملية موسعة يمثلها ديك (1989 : 60) كالتالي:
Π-;—;– 4 ع أ :[[قضية موسعة]] (σ-;—;–4 )] (ع أ).
حيث Π-;—;– 4 = عامل (أو عوامل ) إنجازي (ة).
و σ-;—;–4 =لاحق (أو لواحق) إنجازي(ة).
حينما نصل إلى هذا المستوى نسند الوظائف التداولية إلى مكونات الجملة . تحدد هذه الوظائف الوضع الإخباري للمكونات، بالنظر إلى علاقتها بالوضع التواصلي الذي استعملت فيه ، و يتم تخصيصها وفقا لوسيطين اثنين:
– وسيط المحورية.
– وسيط البؤرية.
يرمز الوسيط الأول إلى “ما يتحدث عنه في الخطاب” ، في حين يشير الوسيط الثاني إلى ” العناصر الأبرز و الأهم في هذا الخطاب.”
بإسناد الوظائف التداولية نكون قد خصصنا تخصيصا تاما البنية التحتية التي ستشكل دخلا لقواعد التعبير التي يتوسلها النحو الوظيفي للانتقال من البنية التحتية المجردة إلى عبارات لغوية ملموسة، و ذلك وفقا للصورة التالية التي صاغها ديك (1989: 46):
25 – البنية التحتية
قواعد التعبير
العبارات اللغوية
يتخذ نسق قواعد التعبير دخلا الخصائص البنيوية و الوظيفية للمكونات المحددة في البنية التحتية المجردة, ليخصص صورة و رتبة و نبر و تنغيم هذه المكونات حسب الشكل التالي:
26 – عامل [صورة دخل] = صورة خرج.
يشير ديك (1989 : 61) إلى أن الصورة الدخل قد تكون إما محمولا ينتمي إلى البنية التحتية أو صورة خرج تنتمي إلى قاعدة تعبيرية سابقة ، في حين أن الصورة الخرج يمكنها أن تضم العوامل الصرف – تركيبية المساعدة.
بخصوص رتبة المكونات، ينطلق النحو الوظيفي من اعتبار أن البنية التحتية غير مرتبة و أن إسناد رتبة معينة إلى المكونات لا يتم إلا في مرحلة تالية، و ذلك بتوسل قواعد الموقعة التي يصوغها ديك (1989 : 62) كالتالي:
27 – بنية تحتية : أ ، ب، ج ، د
قياس ترتيبي : 1 2 3 4
ق .الموقعة : أ := 4
ب : = 2
ج : = 1
د : = 3
المتوالية الخرج ج ب د أ.
بالالتزام بهذه القاعدة، نتمكن من إسناد مواقع للمكونات، ف (28) خضعت في تنظيم مكوناتها للقاعدة الموقعية الممثلة في (29):
28 – كتابا أعطى أحمد عليا.
29 – قياس ترتيبي 1 2 3 4 .
قواعد الترتيب ف 2
فا 3
مف 4
متق 1
متوالية الخرج : كتابا أعطى أحمد عليا.
أما لإسناد النبر و التنغيم للعبارات اللغوية، فينبغي لقواعد التعبير الالتزام بالمظاهر التالية التي يجملها ديك (1989 : 63):
– الاختلافات النبرية المتمايزة معجميا.
– الاختلافات التنغيمية المتمايزة معجميا.
– التعديلات المم/كنة في النبر و التنغيم التي تجريها قواعد التعبير الصورية.
– الوظائف التداولية المسندة إلى المكونات في البنية التحتية.
– العوامل الإنجازية ،إذا تم التعبير عنها في المحيط التنغيمي,
تحدد الصورة العامة التي قدمناها للنحو الوظيفي جملة من المبادئ الأساسية التي اتخذها هذا النموذج سندا يرتكز عليه في مجمل التحليلات التي قدمها للظواهر اللغوية. و قد حصر المتوكل (1989: 126 – 127) هذه المبادئ في :
أ – تعتبر اللغة بنية تركيبية – صرفية و دلالية تنحصر وظيفتها الأساسية في التواصل.
ب- تقوم الخصائص الوظيفية للغات الطبيعية بالدور الأول في تحديد الخصائص البنيوية.
ج – تتفاعل الخصائص الدلالية و الخصائص التركيبية و الخصائص التداولية في تشكيل البنية التركيبية الصرفية.
د – تقوم بين مكونات الجملة ثلاثة أنماط من العلاقات علاقات دلالية و علاقات تركيبية و علاقات تداولية.
هـ – العلاقات الدلالية و العلاقات التداولية علاقات ” كلية” ،بمعنى أنها واردة في وصف جميع اللغات الطبيعية على النقيض من العلاقات “الوجهية” التي قد لا يحتاجها وصف بعض اللغات.
و – الوظائف التركيبية و الوظائف الدلالية و الوظائف التداولية مفاهيم “أولى” و ليست مفاهيم مشتقة
ز – لا يتم الانتقال من البنية الدلالية إلى البنية الصرفية – التركيبية إلا عبر توسل نسق قواعد التعبير.
ك – تشتق الجملة بدءا بالبنية الدلالية و انتهاء بالبنية الصرفية التركيبية لا العكس.
ل – ألغيت قواعد التحويل من جهاز النحو الوظيفي لعدم ملاءمتها لمبدأ الكفاية النفسية .
م – يمثل لمحتوى المفردات لا باللجوء إلى نسق مجرد، و إنما باللجوء إلى اللغة موضوع الدراسة.
ت – البنية المنطلق منها في عملية اشتقاق الجملة بنية غير مرتبة.
تؤطر هذه المبادئ العامة المشروع التأسيسي للنحو الوظيفي الذي يروم بلورة نموذج مستعمل اللغة الطبيعية من خلال ضبط أنواع القوالب المشكلة لهذا النموذج و تحديد نمط العلاقات القائمة بين هذه القوالب، و بالتالي حصر الاستراتيجيات الإجرائية اللازمة لمقاربة الإنجاز التواصلي لمستعملي اللغات الطبيعية.
إنجازا لهذا المشروع يتخطى النحو الوظيفي في (ديك 1989) حدود الانشغال بالقدرة اللغوية ليهتم بأنماط من القدرات الأخرى التي يحتم بناء نموذج مستعمل اللغة الطبيعية (ن م ل ط ) منحها قسطا وافرا من الاهتمام . تتلخص هذه القدرات فيما يلي :
1 – القدرة اللغوية: التي تجعل مستعمل اللغة الطبيعية (م ل ط ) قادرا على إنتاج و تأويل العبارات اللغوية مهما بلغت درجة تعقيدها و مهما تعددت الأوضاع التواصلية التي يمكن أن تنجز فيها.
2 – القدرة الابستيمية: تمكن (م ل ط ) من أن يبني و يكشف الأساس المعرفي المنظم لإنتاج العبارات اللغوية و من أن يشتق معرفة انطلاقا من هذه العبارات و من أن يوظف هذه المعرفة في إنتاج و تأويل عبارات أخرى.
3 – القدرة المنطقية: تؤهل (م ل ط ) لأن يشتق انطلاقا من أجزاء معينة من المعرفة أجزاء أخرى، و ذلك عبر توسل قواعد التعليل التي ترصدها مبادئ المنطق الاستنتاجي و الاحتمالي.
4 – القدرة الاجتماعية: تجعل (م ل ط ) مدركا لما يقول و لما يبغيه من إنجاز ما يقوله في مختلف السياقات التواصلية.
نقلا عن بحث بعنوان: الرتبة بين التركيب و التداول / ربيعة العربي 1990 .
شكرا للدكتورة ربيعة العربي ..