الدراسات الأمازيغيةسلالات حكمت في شمال إفريقيا

مملكة نوميديا – مملكة امازيغية حكمت شمال إفريقيا

نوميديا (202 قبل الميلاد – 46 قبل الميلاد)، هي مملكة قديمة شملت أجزاء من الجزائر وتونس وليبيا، وكذلك جزء في أقصى شرق المغرب حتى وادي ملوية.


تم تقسيم النظام السياسي في الأصل بين “الماسيل” في الشرق و”الماسيسيل” في الغرب، خلال الحرب البونيقية الثانية (218-201 قبل الميلاد)، ماسينيسا، ملك ماسيليا، هزم سيفاكس الماسيسيلي لتوحيد نوميديا في مملكة واحدة، بدأت المملكة كدولة ذات سيادة ثم تحولت إلى مقاطعة رومانية تارة.


تحدها مملكة موريطنية من الغرب، وقرطاج ثم مقاطعة أفريكا الرومانية (تونس الحالية) من الشرق، والبحر الأبيض المتوسط شمالا، والصحراء الكبرى جنوبا، وتعتبر واحدة من أولى الدول الكبرى في تاريخ الجزائر. ذكرها المؤرخ الكبير بلينيوس الأكبر في كتبه، والجغرافي اليوناني بطليموس في الجغرافية (بطليموس)، كما وجدت في دليل سترابو وخريطة اُنطونيوس.


وهي خريطة للطّرقات الرّومانيّة تنسب إلى الإمبراطور ثيودوسيوس الأول، وأشتهرت بأنها مسقط رأس القديس أوغسطين الذي عاش بين 350 و 430 ميلادي والذي وضع فلسفة مسيحية أثرت في الفكر المسيحي الغربي حتى أزمنتنا الحديثة.


وتتميز بخصوبة أرضها وتنوّع فلاحتها وإنتاجها الزراعي الوفير وبمناطقها السقويّة الشاسعة والمتعدّدة. وهناك الكثير من الكتب للمؤرخين التي ذكرت تاريخ مملكة نوميديا وتحديدا حول ماسينيسا على غرار تيتوس ليفيوس وديودور الصقلي وأبيان وبوليبيوس


تأسست سنة 202 ق.م بعد استرجاع ماسينيسا ابن الملك غايا لمملكة أبيه واستعادة مدينة سيرتا (قسنطينة حاليا) من الملك سيفاكس الذي استولى عليها فيما قبل سنة 205 ق.م مستغلا وفاة غايا وجعل سيرتا عاصمة له، ص37 وهناك الكثير من المصادر سواء الفرعونية أو اللاتينية أشارت إلى وجود ممالك في شمال أفريقيا قبل مملكة نوميديا منهم الماسيل التي كانت تقع في شرق الجزائر وتونس ومملكة ماسيسيليا التي شملت غرب الجزائر.


وبحيث تروي بعض الروايات الأسطورية أن الأميرة الفينيقية أليسا المعروفة بديدو ابتسمت باغراء للملك النوميدي يارباس ليسمح لها بالإقامة في مملكته، وهو ما رواه المؤرخ اللاتيني “يوستينيوس” نقلا عن غيره، لكن البعض يعتبر أن هذه الروايات غير دقيقة.


أشار المؤرخون اليونانيون إلى هذه الشعوب باسم “Νομάδες” (أي Nomads) “رُحل”، والتي أصبحت من خلال التفسير اللاتيني “Numidae” نوميديون (ولكن أيضا استخدام الصحيح Nomades). كان النوميديون يقطنون مناطق شاسعة بين إقليم قرطاج و”الموريين”.


ولذلك فليس من المستغرب أن يكون النوميديون شكلوا مملكتين وقت أن تكونت الممالك التاريخية: المملكة الماسيلية التي كانت تقوم في المناطق الأقرب إلى الإقليم القرطاجي وتمتد حتى منطقة سيرتا (قسنطينة حاليا)،


وهي تتوافق تقريباً شرق بلاد البربر، و”مملكة ماسيسيليا” وهي أكثر اتساعاً إذ كانت تمتد على ما تبقى من القسم الشمالي من الجزائر الحالية؛ ص107-108 أي أنها كانت تشغل وسط بلاد البربر. وقد رأينا كيف أبرز علم الآثار للفترة قبيل التاريخية الأساس المكين الذي قام عليه هذا التقسيم.


وتجيئنا بعض الكتابات ذات اللغتين الآثنية البونيقية واللاتينية الليبية التي تعود إلى محاربين في الجيش الروماني بالشكل اللاتيني للكلمة العرقية أو الصفة “نوميدا” (ومعناها النوميدي). ومن سوء الحظ أن الاسم الذي يوافقه في اللغتين الليبية والبونيقية يختلف عنه كثيراً؛ فهو في البونيقية وفي الليبية.


وهذان اللفظان يُجعلان لأعراق أوضح وأبين، كالقبيلة والعشيرة، من الصفة العامة «نوميدي» التي ترد في النصوص اللاتينية. وعليه فليست لنا معرفة بالاسم الليبي ولا الاسم البونيقي الموافق لكلمة «نوميدا» اللاتينية.


ومع ذلك فليس هنالك مسوغ للاعتقاد بأن هذه الكلمة كان مأتاها من الكلمة الإغريقية (Nomades ? الرحل). فلو كان الرومان أخذوا هذه الكلمة مباشرة عن الإغريق لكانوا أدخلوها في نظام الإعراب بالحروف من الصنف الثالث في اللغة اللاتينية.


وإذا كان اللاتين قد سموا «نوميداي» الأقوام أنفسهم الذين أسماهم الإغريق «نوماد» بفعل جناس على الكلمة الأولى، فلأنهما معاً كانا يتبعان نموذجاً من شمال إفريقيا يبدو أنه كان نموذجاً بربرياً أكثر مما هو بونيقي. فنحن نعرف عدداً كبيراً من أسماء الأعلام الليبية تبتدئ بالحرفين (NM).


ثم إن هنالك اليوم مجموعة فقيرة من الصيادين البدائيين في موريتانيا تحمل الاسم “نيمادي”. وعلى الرغم من الاحتمال الكبير لأن يكون اسم النوميديين يعود إلى أصل بربري فسوف لا نأخذ بالتفسير القديم الذي جاء به “رين” في منتصف القرن التاسع عشر، فقد أراد أن يترجم هذه التسمية العرقية بالعبارة، ومعناها «بين الرّحل».


ومهما يكن من أمر فلا يمكن أن نعتد بالتفسير الذي جاء به سترابون، وقال فيه: «تمتد هذه البلاد من قرطاج إلى أعمدة هرقل، وهي تتسم عامة بالغنى والخصوبة، لكن بدأت تغزوها الحيوانات المتوحشة، كشأن كل المناطق الداخلية في ليبيا.


وحتى لنحسب أن اسم «نوماد» (من «النوميديون» Nomides) الذي يحمله قسم من هؤلاء الأقوام إنما جاءهم من الحيوانات المفترسة أن صارت لا تترك لهم سبيلاً إلى الاشتغال بالزراعة».


وقال كذلك: «وقد فضّل هؤلاء القوم أن يشتغلوا باللصوصية وقطع الطرق وتركوا الأرض للهوام والحيوانات المتوحشة، وآثروا حياة التيه والترحال تماماً كفعل الأقوام الذين أكرِهوا على هذا الأسلوب في العيش بالبؤس وقسوة المناخ».


وقد ميز هيرودوت بين الليبيين رحلاً (وهم ليسوا نوميديين بأي حال) وفلاحين (وهم يسكنون مناطق نعرف أن قطانها من النوميديين)، وهذا يثبت أن التسمية الإغريقية لم تأت بأي حال نتيجة لملاحظات عراقية لأساليب هؤلاء القوم في العيش.


وعندما يتحدث هيرودوت عنهم فمن الواضح جداً أن لاأحد يفكر بأي حال أن يترجم ذلك الاسم ب «الليبيين النوميديين». وإنما كان التشابه الحاصل بين الكلمة الليبية والكلمة الإغريقية. هو دون شك ما دفع بالكتاب الإغريق في وقت لاحق، واللاتين من بعدهم، إلى أن يسعوا في تفسير الكلمة العرقية الليبية بحياة الترحال التي كانت تُنسب إلى هؤلاء الأقوام.


وقد كان سترابون يعلم جيداً أن “الماسيليين” و “الماسيسيليين” كانوا يشتغلون بالفلاحة في أجود الأراضي، فهو يجهد كثيراً ليفسر تلك الحياة الترحلية المفترضة لهم بكثرة ما ضمت أراضيهم من حيوانات متوحشة. وسنلاحظ أن الحيوانات المتوحشة إنما تعيق من حياة الترحال والرعي أكثر مما تعيق من الزراعة.

بالعربية

بالعربية: منصة عربية غير حكومية؛ مُتخصصة في الدراسات والأبحاث الأكاديمية في العلوم الإنسانية والاجتماعية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى