إسقاط حكومة مصدق في إيران (1953): النفط، الاستخبارات، والهيمنة الأمريكية
الولايات المتحدة والعالم: تاريخ الهيمنة والتدخل
في النصف الأول من القرن العشرين، كانت إيران تحت تأثير استعماري مزدوج: سياسي بريطاني واقتصادي عبر شركة النفط الأنجلو-إيرانية (AIOC)، التي كانت تسيطر على أغلب إنتاج وتصدير النفط الإيراني بشروط مجحفة. ومع تنامي الحس القومي وارتفاع الوعي الشعبي، برزت دعوات لاستعادة السيادة على الموارد الوطنية، قادها سياسيون إصلاحيون على رأسهم محمد مصدق.
- محمد مصدق – مشروع استقلالي في قلب الصراع الدولي
كان محمد مصدق زعيما وطنيا ليبراليا مؤمنا بالديمقراطية البرلمانية، تولى رئاسة الحكومة عام 1951 بدعم من الجبهة الوطنية. سرعان ما خطا خطوة تاريخية بإعلان تأميم النفط الإيراني، ما مثّل تحديا مباشرا للمصالح البريطانية، وأثار قلق الولايات المتحدة من تداعيات ذلك في سياق الحرب الباردة.
ورغم أنه لم يكن شيوعيا، فإن رفضه للوصاية الغربية وتوجهه نحو تحقيق الاستقلال الاقتصادي، جعله في نظر واشنطن “تهديدا محتملا” لميزان القوى، لا سيما مع تنامي نفوذ حزب “توده” الشيوعي داخليا.
- عملية أجاكس – تحالف الاستخبارات والإعلام والانقلاب
في صيف 1953، نفذت المخابرات المركزية الأمريكية (CIA) بالتعاون مع جهاز الاستخبارات البريطانية (MI6) عملية سرية عُرفت باسم “أجاكس” (Operation Ajax)، تم التخطيط لها بتنسيق مع بعض قادة الجيش ورجال الدين المحافظين والمعارضين لمصدق.
أبرز مراحل العملية:
- حملة دعائية واسعة داخل إيران، لتشويه صورة مصدق واتهامه بالفوضى والإلحاد والتقارب مع الشيوعيين.
- تمويل اضطرابات ومظاهرات مزيفة لتحفيز الرأي العام ضد الحكومة.
- رشوة ضباط في الجيش لترتيب انقلاب عسكري.
- في 19 أغسطس 1953، أطاح الانقلاب بمصدق، وأُعيد الشاه محمد رضا بهلوي إلى السلطة بدعم أمريكي مباشر.
التداعيات – من نكسة الديمقراطية إلى نهوض الثورة
- مثّل إسقاط حكومة مصدق نهاية التجربة الديمقراطية القصيرة في إيران، وتدشينا لعقود من الحكم الاستبدادي بقيادة الشاه المدعوم أمريكيا.
- أصبح النظام الجديد ركيزة للنفوذ الأمريكي في الخليج حتى اندلاع الثورة الإسلامية 1979، التي كان أحد دوافعها الغضب الشعبي من الانقلاب ومن تدخل واشنطن السافر في الشأن الإيراني.
- خلقت هذه الواقعة ترسبات تاريخية عميقة في الذاكرة السياسية الإيرانية، ساهمت في صياغة خطاب “معاداة الإمبريالية الأمريكية” في مرحلة ما بعد الشاه.
النفط والسيطرة في قلب الهيمنة
- كانت دوافع واشنطن في التدخل مزدوجة: الحفاظ على وصول الغرب إلى النفط، ومنع إيران من الانجراف خارج المدار الغربي في خضم الحرب الباردة.
- التحالف مع الاستبداد بدا أهون الشرّين، من منظور واشنطن، مقارنة بصعود قوى قومية قد تتحول إلى حلفاء محتملين للاتحاد السوفيتي.
- شكّلت عملية “أجاكس” نموذجا للتدخلات السرية الأمريكية لاحقا في دول عديدة، مثل غواتيمالا وكونغو وتشيلي.
- مراجع:
-
Kinzer, Stephen. All the Shah’s Men: An American Coup and the Roots of Middle East Terror. Wiley, 2003.
- CIA archives – The Battle for Iran (CIA)
- Abrahamian, Ervand. The Coup: 1953, the CIA, and the Roots of Modern U.S.-Iranian Relations. The New Press, 2013.
- BBC Persian – بررسی کودتای ۲۸ مرداد
-
National Security Archive – The CIA’s “Official History” of the 1953 Coup