البحث العلميالولايات المتحدة والعالم: تاريخ الهيمنة والتدخل

كيف تهيمن أمريكا على التعليم والبحث العلمي عالميا؟

كيف حوّلت أمريكا نظامها التعليمي والبحثي إلى أداة للهيمنة الناعمة على العالم؟

تُعد الهيمنة المعرفية واحدة من أكثر أشكال السيطرة العالمية تأثيرا واستدامة. فعبر أدوات التعليم العالي والمنح الأكاديمية والمجلات العلمية والمراكز البحثية، تمكّنت الولايات المتحدة من فرض نموذجها المعرفي والمعياري على معظم جامعات ومؤسسات العالم.

في هذا المقال نحلل كيف حوّلت أمريكا نظامها التعليمي والبحثي إلى أداة للهيمنة الناعمة؟، ونتفحّص شبكات النفوذ التي تجعل من “العِلم الأمريكي” مرجعا أوحدا، حتى في القضايا المرتبطة بثقافات ومجتمعات مغايرة.

  • الجامعات الأمريكية كمنارات للنفوذ

تضم الولايات المتحدة أكثر من 5 من أعلى 10 جامعات عالميا وفق تصنيفات دولية مثل Times Higher Education وQS، ما يجعل منها مركز جذب لآلاف الطلبة والنخب الأكاديمية من مختلف دول العالم.

أبرز آليات التأثير:

  • استقطاب النخب الطلابية من الدول النامية بمنح دراسية.
  • تلقين النماذج الفكرية الغربية باعتبارها الوحيدة المقبولة أكاديميا.
  • تأهيل صنّاع القرار المستقبليين في بلدانهم وفق الرؤية الأمريكية.

تشير تقارير اليونسكو إلى أن أكثر من ألف رئيس دولة أو حكومة سابقا أو حاليا درسوا في جامعات أمريكية، ما يعكس عمق هذا النفوذ.

  • المجلات العلمية والهيمنة على المعرفة

تحتكر المؤسسات الأمريكية (مثل Springer، Elsevier، وIEEE) النشر الأكاديمي العالمي، وتُحدد ما يُنشر وما يُقصى من أبحاث. وهذا يمنحها سلطة غير معلنة في تشكيل اتجاهات البحث العلمي.

ملامح هذه السيطرة:

اللغة الإنجليزية كوسيلة استتباع معرفي

أدى اعتماد اللغة الإنجليزية كلغة للعلم إلى تهميش اللغات المحلية والثقافات الأصلية، كما أجبر الباحثين غير الناطقين بها على المرور عبر “القناة الأمريكية” لنشر علمهم.

يقول الباحث “روبرت فيليبسون” في كتابه Linguisic Imperialism:
“الهيمنة اللغوية ليست مجرد وسيلة تواصل، بل أداة سياسية واقتصادية لبسط السيطرة الثقافية”.

  • مراكز الأبحاث (Think Tanks) كأذرع فكرية للهيمنة

تمتلك الولايات المتحدة أكبر عدد من مراكز الدراسات الاستراتيجية والفكرية في العالم، والتي تُملي رؤى السياسة العامة والاقتصاد والعلاقات الدولية، وتُصدّرها للعالم على أنها “تفكير محايد” أو “علمي”.

أبرز هذه المراكز:

تقوم هذه المراكز بصياغة التصورات التي يعتمدها صناع القرار في الولايات المتحدة، وتُعممها على نطاق عالمي عبر المؤتمرات والتقارير والشراكات الأكاديمية.

  • التمويل المشروط والهيمنة على أجندة البحث

تعمد الكثير من الجامعات الأمريكية إلى تمويل مشاريع بحثية في دول الجنوب العالمي، ولكن بشروط محددة تخدم المصالح الأمريكية أو النموذج النيوليبرالي في التنمية.

أمثلة:

  • تمويل أبحاث حول “الحوكمة الرشيدة” في إفريقيا بشرط عدم نقد السياسات النيوليبرالية.
  • دعم أبحاث في العالم العربي ترتبط بالتطرف الديني، مع تجاهل جذور الاستبداد والهيمنة الغربية.
  • منح بحثية ضخمة في مجالات الطاقة النظيفة التي تعزز الاعتماد على الشركات الأمريكية.

احتكار التكنولوجيا والمعرفة العلمية التطبيقية

تحتكر الشركات والمؤسسات الأمريكية الكبرى براءات الاختراع، وتفرض على الجامعات حول العالم نمطا من التبعية العلمية في المجالات الحيوية، خصوصا:

وهذا يُعزز تبعية الدول النامية ويمنعها من تحقيق استقلال علمي أو معرفي حقيقي.

  • خلاصة:

لم تعد الهيمنة الأمريكية قائمة فقط على القوة الصلبة، بل أصبحت المعرفة والتعليم والبحث العلمي من أبرز أدواتها في إعادة تشكيل العالم على صورتها. وبينما تبدو الجامعات والمنصات العلمية مؤسسات بريئة، فإنها في كثير من الأحيان تحمل بذور الاستتباع الناعم والتوجيه المعرفي العالمي.

  • قائمة المراجع العلمية:
  1. Robert Phillipson, Linguistic Imperialism, Oxford University Press, 1992.
    رابط
  2. Noam Chomsky, The Manufacture of Consent, Pantheon Books, 1988.
    رابط
  3. Philip Altbach, Global Perspectives on Higher Education, Johns Hopkins University Press, 2007.
    رابط
  4. Sheila Slaughter & Larry L. Leslie, Academic Capitalism: Politics, Policies, and the Entrepreneurial University, Johns Hopkins Press, 1997.
    رابط
  5. Arjun Appadurai, Modernity at Large: Cultural Dimensions of Globalization, University of Minnesota Press, 1996.
    رابط
  6. Christopher Chase-Dunn & Barry Gills (Eds.), The Global Political Economy of the Modern World System, Routledge, 2005.
    رابط

بالعربية

بالعربية: منصة عربية غير حكومية؛ مُتخصصة في الدراسات والأبحاث الأكاديمية في العلوم الإنسانية والاجتماعية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

الإعلانات هي مصدر التمويل الوحيد للمنصة يرجى تعطيل كابح الإعلانات لمشاهدة المحتوى