الولايات المتحدة والعالم: تاريخ الهيمنة والتدخلسينما ومسرحصحافة وإعلام

هوليوود والإعلام: صناعة صورة الأمريكي المُخلِّص

منذ نشأتها، لم تكن هوليوود مجرد صناعة للترفيه، بل كانت – ولا تزال – آلة دعائية هائلة تعبّر عن الرؤية الأمريكية للعالم وتُعيد إنتاجها. وبموازاة ذلك، تكفّل الإعلام الأمريكي بتعزيز هذه الصورة وتضخيمها، ليصبح المواطن الأمريكي في نظر الملايين حول العالم بطلا لا يُقهر، ومخلّصا دائما، وعدوا للشر، وناصرا للخير.

لكن خلف هذه السردية “النقية”، تكمن استراتيجية عميقة وظّفت السينما والإعلام كأدوات ناعمة لتمرير مشروع الهيمنة، وتبرير التدخلات، وتشويه الخصوم.

  • هوليوود كأداة استراتيجية

يُعدّ البنتاغون من أكبر الشركاء غير المُعلنين في إنتاج مئات الأفلام الأمريكية. إذ تدعم وزارة الدفاع العديد من الأعمال السينمائية بالعتاد العسكري والمواقع والتقنيات مقابل مراجعة النصوص والموافقة على الرسائل التي تنقلها.

أبرز المحاور التي تُروّج لها السينما الأمريكية:

  • تمجيد الجندي الأمريكي كـ”محرّر الشعوب”.
  • تصوير خصوم أمريكا كشريرين (العرب، الروس، الكوريون، إلخ).
  • تأطير الحروب كـ”مهمات إنسانية” أو “واجب أخلاقي”.
  • الترويج لقيم “الحرية” و”الديمقراطية” وفق النموذج الأمريكي.

يقول الناقد الثقافي نعوم تشومسكي: “هوليوود هي خط الدفاع الأول عن السياسة الخارجية الأمريكية، تحضّر الرأي العام لتقبل الحروب قبل وقوعها”.

  • الإعلام الأمريكي وصناعة الرأي العالمي

تسيطر الولايات المتحدة على كبرى شبكات الأخبار العالمية مثل CNN، وFox News، وBloomberg، وهي تُسهم في بناء رؤية أحادية للعالم تُقدّم أمريكا كقائدة للعالم الحر، وتُقصي الأصوات البديلة.

أدوات السيطرة:

  • احتكار الرواية: غياب التعددية في تغطية القضايا الدولية.
  • التضليل الانتقائي: إبراز جرائم الخصوم وتبرير أخطاء الحلفاء.
  • التلاعب بالمصطلحات: “مقاومة” تُصبح “إرهابا”، و”احتلال” يُصبح “تحريرا”.
  • تكرار السرديات حتى تصبح “حقائق” راسخة في أذهان الجماهير.

مثال: كيف صُوِّرت الحرب على العراق 2003 على أنها “مهمة لتحرير الشعب العراقي من الديكتاتورية”، بينما تم تجاهل دوافع النفط والمصالح الجيوسياسية.

  • التأثير العالمي لثقافة هوليوود

مع تصدير أكثر من 70% من أفلامها إلى الخارج، أصبحت هوليوود جزءا من العولمة الثقافية التي تفرض النموذج الأمريكي للحياة والقيم.

أبرز التأثيرات:

  • إعادة تشكيل الهوية الثقافية لدى شعوب العالم.
  • تمجيد النموذج الأمريكي في الحلم، القوة، الحرية.
  • إضعاف السرديات الوطنية والمحلية أمام النموذج الأمريكي.

يشير الباحث “جوزيف ناي” إلى أن هذا التأثير الثقافي يُعدّ من أقوى مظاهر “القوة الناعمة”، حيث تُقنع أمريكا الآخرين بمحبتها دون قتال.

  • السينما كذاكرة انتقائية للتاريخ

تعمد السينما الأمريكية إلى إعادة كتابة التاريخ من منظور يبرّر السياسات الأمريكية، ويخفي جرائمها. ومن أمثلة ذلك:

الحدث التناول السينمائي
حرب فيتنام الجندي البطل الممزّق أخلاقيا
غزو العراق عملية دقيقة لاعتقال طاغية
الحرب الباردة الدفاع عن الحرية من “الشر السوفييتي”
حرب أفغانستان حرب اضطرارية بعد 11 سبتمبر

كل ذلك في غياب شبه تام لأي عرض موضوعي لمجازر، استعمار، تدخلات، أو انتهاكات موثّقة قامت بها الولايات المتحدة في تلك السياقات.

  • خلاصة:

تُمارس الولايات المتحدة هيمنتها ليس فقط بالبارود والسياسة، بل أيضا بالكاميرا والمايكروفون. وتبقى هوليوود والإعلام الأمريكي خط دفاع ثقافي متقدّم، يُشكّل الوعي الجمعي العالمي ويُعيد إنتاج سردية “المخلّص الأمريكي” التي تُبرّر كل تدخل وكل عدوان.

  • قائمة المراجع العلمية:
  1. Joseph Nye, Soft Power: The Means to Success in World Politics, Public Affairs, 2004.
    رابط

  2. Naomi Klein, The Shock Doctrine: The Rise of Disaster Capitalism, Picador, 2007.
    رابط
  3. Matthew Alford, Reel Power: Hollywood Cinema and American Supremacy, Pluto Press, 2010.
    رابط
  4. Tom Secker & Matthew Alford, National Security Cinema: The Shocking New Evidence of Government Control in Hollywood, 2017.
    رابط
  5. Edward Said, Covering Islam: How the Media and the Experts Determine How We See the Rest of the World, Vintage, 1997.
    رابط
  6. Naomi Wolf, The End of America: Letter of Warning to a Young Patriot, Chelsea Green, 2007.
    رابط

بالعربية

بالعربية: منصة عربية غير حكومية؛ مُتخصصة في الدراسات والأبحاث الأكاديمية في العلوم الإنسانية والاجتماعية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

الإعلانات هي مصدر التمويل الوحيد للمنصة يرجى تعطيل كابح الإعلانات لمشاهدة المحتوى