الإرهاب في أفق النقاش الفلسفي.. هل نستطيع تبرير الممارسة الإرهابية أخلاقيًّا ؟
قبل الهجمات الإرهابية في 11 أيلول من عام 2001م، في الولايات المتحدة، لم يكن موضوع الإرهاب يرتسم في أفق النقاش الفلسفي. عدد الدراسات الفلسفية في اللغة الإنجليزية التي تتحدث عن الإرهاب قليل، إضافة إلى مجموعة من الأوراق المتخصصة. وكانت المقالات حول هذا الموضوع في المجلات الفلسفية قليلة أيضًا ومتباعدة، ولم يدخل أي منها الموسوعات الفلسفية الرئيسية.
لكن الأمر اختلف بعد هجمات 11 سبتمبر وما أعقبها، حيث أصبح موضوع الإرهاب على جدول الأعمال الفلسفية: وهو الآن موضوع العديد من الكتب والمقالات الصحافية فضلًا عن أعداد المجلات الخاصة، والمؤتمرات. في حين تدرس العلوم الاجتماعية الأسباب والأنواع الرئيسية، والآثار المترتبة على الإرهاب، وتعقب التاريخ، ومحاولة شرح طريقة الإرهاب المتطورة مع مرور الوقت، مع تركيز الفلسفة على مسألتين أساسيتين: الأولى مفاهيمية؛ ما هو الإرهاب؟ والثانية أخلاقية؛ أي هل نستطيع تبرير الإرهاب أخلاقيًّا؟
إن تاريخ الإرهاب قد يوازي تاريخ العنف السياسي. ومع ذلك، يعد مصطلح «الإرهاب» حديثًا نسبيًّا حيث بدأ استخدامه في نهاية القرن الثامن عشر. وعلاوة على ذلك، غالبًا ما تستخدم الكلمة في الخطاب السياسي المعاصر كمصطلح جدلي يحمل عبئًا عاطفيًّا قويًّا. عندما دخلت أول مرة في الخطاب الغربي العام، كانت كلمة «الإرهاب» تعني فترة إرهاب اليعاقبة أو اليعقوبيين «نسبة إلى دير القديس يعقوب»، الذي فرض على فرنسا من خريف عام 1793م إلى صيف عام 1794م. كان هدف اليعاقبة هو إعادة تشكيل المجتمع والطبيعة البشرية.
وكان ذلك يتحقق من خلال تدمير النظام القديم، وقمع أعداء الحكومة الثورية، وغرس وتطبيق الفضيلة المدنية من وجهة نظرهم. كان الدور المحوري والنفوذ الواسع الذي منح للمحاكم الثورية لتحقيق هذه الأهداف، مقيدًا بعدد قليل جدًّا من القواعد والإجراءات. كانت عقوبة الإرهابيين المعتادة هي الموت، وكانت المحاكمات والإعدامات تعني ضرب الإرهاب وإلقاء الرعب في قلوب جميع الذين يفتقرون إلى الفضيلة المدنية. اعتقد اليعاقبة أنها وسيلة ضرورية لتعزيز النظام الجديد. وقدمت هذه الضرورة الأساس المنطقي والتبرير الأخلاقي لسيادة الإرهاب وسطوته، الذي انبثق من «الفضيلة». وكان نقاد تجاوزات وفظائع الثورة الفرنسية يحذرون من سلطة الإرهاب منذ البداية. كان هذا الإرهاب الذي ترافق مع انتهاك متطرف للسلطة، وارتبط بمفهوم الاستبداد والطغيان كما حكم على أساس الخوف، موضوعًا متكررًا في الفلسفة السياسية.
- أساليب مختلفة من الصراع
في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، كان هناك تحول في كل معنى وصفي وتقييمي لهذا المصطلح. بأساليب مختلفة من الصراع السياسي، استبد بعض الفوضويين والمنظمات الثورية الأخرى، وبعد ذلك بعض الجماعات القومية أيضًا، بالعنف السياسي. لقد توصلوا إلى استنتاج مضمونه أن الكلمات لم تكن كافية، وأنهم يحتاجون إلى الأفعال المتطرفة التي سترعب قلب النظام الاجتماعي والسياسي الجائر، وتولد الخوف واليأس بين مؤيديه؛ كي يصبحوا قوة مؤثرة تؤدي في نهاية المطاف إلى التغيير السياسي والاجتماعي. لقد سميت هذه الأفعال بـ«بروباغندا فعلية» أو «الدعاية عن طريق الفعل»، كما كانت في معظمها اغتيالات لملوك أو مسؤولين حكوميين رفيعي المستوى. وخلافًا لإرهاب اليعاقبة، الذي كان بطريقة عشوائية تقريبًا، كان هذا النوع من الإرهاب يعمل إلى حد كبير بطريقة تمييزية للغاية.
وكان هذا ينطبق بشكل خاص على المنظمات الثورية الروسية مثل إرادة الشعب أو الحزب الاشتراكي الثوري (SR)؛ التي رأت أن اغتيال أي مسؤول حكومي مبرَّر أخلاقيًّا، كما أن اغتياله، من وجهة نظرها، كان من شأنه أن يصنع فارقًا ويسهم إسهامًا مهمًّا في النضال. ابتعد عنفهم من الأشخاص الآخرين، الذين لا علاقة لهم أو لم يشاركوا في الحكم القمعي بما فيه الكفاية.
كما أن بعض هذه الاغتيالات والقتل العشوائي للمواطنين العاديين كان ينفذه الفوضويون الفرنسيون والإسبانيون في سنوات (1880 – 1890م) من قبيل الدعاية التي كانت استثناء وليست القاعدة. وعلى الرغم من ذلك، ادعى الجناة وبعض المتعاطفين مع قضيتهم أن تلك الأفعال مشروعة أخلاقيًّا، سواء كان العقاب يفترض عدم براءة أي عضو من أعضاء الطبقة الحاكمة أم وسيلة ضرورية للإطاحة بالنظام الظالم. وفقًا للغتهم، فإن مصطلح «الإرهاب» يتضمن عدم اللوم أو استهجان العنف.
بينما نجد إدانة قوية لهذه الممارسة عندما تستخدم من الآخرين ضدهم. في العصر الحاضر، نرى مثل هذا السلوك واضحًا لدى قادة تنظيم الدولة الإسلامية في الشام والعراق وأنصارهم. أو حتى لدى الدول التي تمارس العنف ضد معارضيها وتستنكره عندما تطبقه دول أخرى لا سيما إذا كانت دولًا غير صديقة.
وظف مصطلح الإرهاب من كلا الجانبين في الثورة الروسية والحرب الأهلية. وفي روسيا، كانت الحكومة التي شكلها البلاشفة المنتصرون، استبدادية، كما الحكم النازي في ألمانيا؛ كلاهما سعى إلى فرض السيطرة السياسية التامة على المجتمع. مثل هذا الهدف الأصولي لا يمكن أن تتبعه إلا طريقة أصولية مماثلة في الصراع؛ أي الإرهاب الموجه من شرطة سياسية قوية في مجتمع مفتّت ومنعزل. وكان نجاحه يرجع إلى حد كبير إلى الأسلوب التعسفي وعدم القدرة على التنبؤ باختيار الضحايا.
في كلا البلدين، قمع النظام أولًا المعارضة، وعندما لم تكن هناك معارضة تتحدث علنًا، كانت الشرطة السياسية تُلقي القبض على معارضين «محتملين» لاضطهادهم. في الاتحاد السوفييتي، أطلق العنان على الضحايا الذين اختيروا عشوائيًّا. هذا الإرهاب الشمولي هو النوع الأكثر تطرفًا وثباتًا للدولة، كما قالت المنظّرة السياسية الألمانية، حنة آرنت: «الإرهاب هو جوهر الهيمنة الاستبدادية»، ومعسكر الاعتقال هو: «المؤسسة المركزية الحقيقية للسلطة التنظيمية الدكتاتورية الشمولية». في حين يعتقد تلامذة الدكتاتورية وحكم الحزب الواحد أن الإرهاب هو طريقتهم للحكم، هؤلاء الممثلون عن الأنظمة الشمولية، يتحسسون من الكلمة، ويصورون أنفسهم كمدافعين عن الدولة ضد أعدائها في الداخل، فضلًا عن الخارج.
ومع ذلك، فإن إرهاب الدولة ليس حكرًا على الأنظمة الشمولية؛ إذ لجأت إليه بعض الدول الديمقراطية ضد المدنيين الأعداء كوسيلة من وسائل الحرب، لا سيما عندما قصف سلاح الجو الملكي البريطاني «RAF»، وسلاح الجو الأميركي «USAAF»، المدن الألمانية واليابانية في الحرب العالمية الثانية. أولئك الذين صمموا وأشرفوا على هذه الحملات لم يصفوها أبدًا بـ«القصف الإرهابي»، ولكنه كان الوصف الوحيد الذي غالبًا ما يشار إليه فيما بينهم في الاتصالات الداخلية.
- إرهاب حركات التحرر الوطني
بعد ذروة الإرهاب الشمولي خلال المدة (1930- 1940م)، استمر الإرهاب الداخلي للدكتاتوريات العسكرية في أجزاء كثيرة من العالم، وإن كان ذلك بطريقة أقل ثباتًا ونفوذًا. في النصف الثاني من القرن العشرين وأوائل القرن الحادي والعشرين، تصدّر المشهدَ السياسيَّ نوع من الإرهاب استخدمته المنظمات المتمردة؛ إذ لجأت إليه العديد من حركات التحرر الوطني من الحكم الاستعماري، إما بوصفه الوسيلة الرئيسية للنضال، أو كتكتيك لإتمام حرب العصابات، وكذلك فعل بعض الحركات الانفصالية. كما لجأت إليه التنظيمات المبنية على الأيديولوجيات المتطرفة، بوصفه وسيلة لمحاولة تدمير ما عدّوه نظامًا اقتصاديًّا واجتماعيًّا وسياسيًّا جائرًا، وظالمًا. وعلى وجه العموم، اتصف هذا النوع من الإرهاب، بعدم تمييزه أو اختياره لهدف معين، فهو يهاجم الرجال والنساء مهما كانت وجهات نظرهم السياسية (أو غير السياسية)، أو طبقتهم الاجتماعية، وأسلوب حياتهم؛ الصغار والكبار، البالغين والأطفال.
إنه يطلق النار على الناس، أو يفجّرهم عن طريق زرع القنابل في مباني المكاتب والأسواق والمقاهي ودُور السينما والمطارات وأماكن العبادة الدينية، في الحافلات أو الطائرات، أو في الأماكن العامة الأخرى المعرضة للخطر. كما يأخذهم رهينة، من خلال اختطاف الطائرات وغيرها من الطرائق الأخرى. ومن ثم اكتسب مصطلح «الإرهاب» معنى تحقيريًّا وازدرائيًّا للغاية، في حين كان المتمردون يصورون الإرهاب في أعمالهم كما لو أنه جهاد أو نضال من أجل التحرر، وسعوا إلى تغيير نظرة الناس إليهم؛ لكي يعاملوا كجنود أبطال، وليس كإرهابيين أو مجرمين.
وهم غالبًا ما يصفون أعداءهم المتمثلين في حكومات الغرب، أو النظام الاجتماعي والسياسي والاقتصادي لبلدانهم بـ«الإرهابيين الحقيقيين». بالنسبة لهم، الإرهاب لا يعني كيفية القيام به، وإنما ما هو الهدف النهائي للقيام بذلك. فإذا كان الهدف النهائي هو تحرير البلد أو العدالة، فإن استخدام العنف لا يُعَدّ إرهابًا، في حين أن العنف الذي يهدف إلى الحفاظ على القمع أو الظلم، يعد إرهابًا. من ناحية أخرى، تميل الحكومات إلى طلاء جميع أعمال العنف التي ينفذها غير الموالين لها بفرشاة «الإرهاب». ويفترض المتحدثون باسم الحكومة ووسائل الإعلام الموالية عادة أن الإرهاب يتمثل بأفعال التنظيمات اللاحكومية، وأن الدولة لا يمكن أبدًا أن تكون مذنبة أو تمارس الإرهاب (على الرغم من رعاية بعض الدول لتنظيمات إرهابية حين تقتضي المصلحة التعاون معها).
قبل الهجمات الإرهابية في 11 أيلول من عام 2001م، في الولايات المتحدة، لم يكن موضوع الإرهاب يرتسم في أفق النقاش الفلسفي
- تعريف الإرهاب
حاولت الأمم المتحدة اقتراح تعريف لـ«الإرهاب» يكون مقبولًا لدى جميع الدول وجزءًا لا يتجزأ من القانون الدولي، وقد تم إحباط جميع هذه المحاولات لاختلاف معنى أو تعريف الإرهاب. ففي حين ترفض الدول الإسلامية القبول بأي تعريف يصف حركات التحرر الوطني في الشرق الأوسط وكشمير، على سبيل المثال، بالإرهابية، نجد أن الدول الغربية لا تسمح بتصوير أجهزة الدولة كمؤسسات إرهابية.
لقد تحول المعنى التقييمي لـ«الإرهاب» إلى معنى وصفي، فعلى مدى أكثر من قرنين من الزمان، أشار الاستخدام العادي له إلى سمتين: العنف والترهيب أو التخويف. عادة ما يفهم الإرهاب على أنه نوع من العنف. لكن هذا العنف ليس أعمى أو ساديًّا، بل يهدف بدلًا من ذلك إلى التهديد أو التخويف، إضافة إلى تحقيق أهداف سياسية، أو اجتماعية، أو دينية، أو على نطاق أوسع، يهدف إلى الإكراه. في أول دراسة فلسفية باللغة الإنجليزية، أوضح أستاذ الفلسفة Per Bauhn معنى الإرهاب السياسي، من وجهة نظره، قائلًا: «هو أداء أعمال العنف، الموجهة ضد شخص أو أكثر، بقصد تخويف شخص أو أكثر، وبالتالي تحقيق هدف أو أكثر من الأهداف السياسية للوكيل».
في حين يراه البعض تخطيطًا متعمدًا يستهدف غير المقاتلين، (وممتلكات غير المقاتلين، عندما تتعلق إلى حد كبير بالحياة والأمن)، مع ممارسة العنف القاتل أو الشديد… الذي من المفترض أن يؤدي إلى نتائج سياسية من خلال خلق الخوف. في حين قدم أستاذ الفلسفة Igor Primoratz، تعريفًا آخر، بقوله: «الإرهاب هو الاستخدام المتعمد للعنف، أو التهديد باستخدامه ضد الأبرياء، بهدف تخويف بعض الأشخاص الآخرين في سياق إجراءات معينة التي لولاها لَما ارتكب أي عمل إجرامي».
هذه التعريفات وضعت جانبًا كلًّا من السؤال عن هوية الفاعل ومسألة ما هي الأهداف النهائية أو الغائية من تنفيذ العمل الإرهابي، وركزت فقط على ماهية الفعل والهدف المباشر منه. يمكن للمرء أن يكون إرهابيًّا ومناضلًا من أجل الحرية في آنٍ واحد، فالإرهاب ليس حكرًا على أعداء الحرية أو المتمردين. يمكن للمرء أيضًا أن يشغل منصبًا حكوميًّا رفيع المستوى أو يكون مسؤولًا عسكريًّا، ويخطط أو يقوم بتنفيذ عملية إرهابية.
هل يجب أن نعتمد على تعريف شامل وواسع أو ضيق لفهم الإرهاب؟ يشمل التعريف الواسع تاريخ «الإرهاب» من حقبة اليعاقبة في فرنسا إلى وقتنا الحاضر، وهو يتفق أكثر مع الاستخدام العادي الحالي. وهناك تعريف ضيق يحيد عن الاستخدام العادي عن طريق تقييد العنف الإرهابي بذلك الموجه إلى غير المقاتلين أو الأشخاص الأبرياء، وبالتالي فإنه يستبعد إرهاب «الدعاية الفعلية» في القرن التاسع عشر والعنف السياسي الذي مارسه الثوار الروس.
لذا اعتمد المؤرخون وعلماء الاجتماع التعريف الشامل للإرهاب، بينما فضل الفلاسفة تعريفًا ضيقًا يركز على الجانب الأخلاقي للإرهاب. من الناحية الأخلاقية، بالتأكيد هناك عالم من الاختلاف بالنسبة للبعض، بين زرع قنبلة في مبنى حكومي لقتل عدد من المسؤولين الذين ينتمون إلى حكومة ظالمة وقمعية، وزرع قنبلة في مقهى لقتل مجموعة عشوائية من المواطنين العاديين، بمن فيهم الأطفال. يثير كلا الفعلين قضايا أخلاقية خطيرة، وهذه القضايا ليست متطابقة، لكنهما يندرجان معًا تحت نفس العنوان «الإرهاب».
تركز التعريفات المحددة على سمات الإرهاب التي تسبب لمعظمنا الاشمئزاز الأخلاقي العميق حين رؤية مشاهد تعرض الناس للإرهاب، على سبيل المثال: أولًا: العنف. ثانيًا: ضد غير المقاتلين (أو، بدلًا من ذلك، ضد الأبرياء). ثالثًا: التخويف أو الإكراه. عند تسليط الضوء على السمة رقم (2)، فإن مسألة الإرهاب ترتبط بأخلاقيات الحرب وأحد المبادئ الأساسية لنظرية الحرب العادلة، التي تعنى بحصانة غير المقاتلين ووجوب حمايتهم والدفاع عنهم.
- قطع الصلة بين الإرهاب والعنف
يسعى البعض إلى قطع الصلة بين الإرهاب والعنف؛ لذا يعرف الفيلسوف Carl Wellman الإرهاب بأنه «استخدام أو محاولة استخدام الإرهاب كوسيلة من وسائل الإكراه». وكثيرًا ما يرتبط الإرهاب بالعنف؛ لأن العنف يعد وسيلة فعالة جدًّا للتخويف، ومن ثم فإن «العنف ليس من الضروري أن يهدف إلى الترهيب. في الواقع، معظم الأعمال الإرهابية هي أعمال غير عنيفة».
قد يكون هناك العديد من الأفعال التي تعد عمومًا إرهابية، ولا تنطوي على العنف الفعلي، لكن هذا لا يكفي لدعم مفهوم «الإرهاب غير العنيف»، الذي يبدو غريبًا، على سبيل المثال، «إرهاب الفصول الدراسية»: حين يهدد أستاذ طلابه بالرسوب وعدم تجاوز الاختبارات في حال عدم إنجاز البحوث أو الواجبات في الموعد المحدد؛ مما يسبب الذعر في الصف، وبالتالي نشر السلوك الإرهابي. يقدم لنا أستاذ الفلسفة السياسية والاجتماعية Robert E. Goodin أيضًا رواية مماثلة، مؤكدًا الدور السياسي للإرهاب، قائلًا: الإرهاب هو «تكتيك سياسي، ينطوي على تخويف متعمّد للناس؛ لتحقيق مكاسب سياسية».
- هل يمكن تبرير الإرهاب أخلاقيًّا؟
لا توجد إجابة واحدة عن هذا السؤال؛ لأنه لا يوجد تصور واحد لماهية الإرهاب. يمكن للمرء أن يبرر بعض أفعال أو حملات العنف بطريقتين: قد يجادل بأن الضحايا من غير المقاتلين أي المواطنين العاديين، ومن ثم لا ذنب لهم ومن الجرم محاربتهم. أو يتنازل عن براءة الضحايا ويبرر الهجمات ضدهم، إما من طريق نتائجها التي قد تؤدي إلى موازنة الأوضاع لصالح بلاده، أو من طريق بعض الاعتبارات الإلزامية. في أعقاب هجمات 11 أيلول 2001م، قال أسامة بن لادن، خلال لقاء صحافي أجري معه في عام 2005م: «يجب أن يتذكر الشعب الأميركي أنه يدفع ضرائب لحكومته، وأنه صوت لاختيار رئيسه. كما أن حكومته تصنع أسلحة وترسلها لدولة الاحتلال «إسرائيل»؛ من أجل قتل الفلسطينيين المسلمين.
وبالنظر إلى أن الكونغرس الأميركي هو لجنة تمثيل الشعب، فإن الواقع يقول بأنه وافق على الإجراءات التي اتخذتها الحكومة الأميركية، ومن ثم فإن أميركا بأسرها مسؤولة عن الفظائع التي ترتكب ضد المسلمين». وفقًا لمنطق أسامة، فإن الشعب الأميركي ساهم في ارتكاب جرائم ضد المسلمين، وبالتالي يستحق القتل! هذا فهم متعذر وغير معقول للمسؤولية والتبعية؛ لأنه يدعي أن جميع الأميركيين أهل للقتل أو التشويه؛ البعض بسبب وضع وتنفيذ سياسات أميركا الخارجية، والبعض الآخر بسبب المشاركة في العملية السياسية، أو دفع الضرائب. حتى إذا ما سلمنا -على سبيل الجدل- بإدانة ابن لادن ورؤيته المتزمتة لتلك السياسات، فإننا لا نستطيع تبرير استخدام العنف القاتل، والربط بين مسؤولية الحكومة والشعب. يجب أن يكون هناك حصانة للمدنيين أو المواطنين العاديين؛ لمنع وقوع «كارثة أخلاقية» والحد من القتل والدمار في النزاعات المسلحة بين الدول.
رقية الكمالي – كاتبة و مترجمة