اقتصادعلوم سياسية

كارثة إعصار دانيال الذي ضرب “درنة” الليبية

- المسؤولية الاجتماعية والتوظيف السياسي -

  • مدينة درنة .. الموقع والبنية التحتية:

درنة” مدينة ليبية تقع شمال شرق ليبيا، في منطقة جبلية على الساحل، يحدُّها شمالا البحر الأبيض المتوسط، وجنوباً؛ سلسلة من تلال الجبل الأخضر. وهي ثاني أكبر مدينة في منطقة الجبل الأخضر بعد مدينة البيضاء.


يقطع “وادي درنة” المدينة إلى قسميْن؛ وهو أحد أكبر الأودية في دولة ليبيا. وتضم المدينة كثافة سكانية تُقدر بـ200 ألف نسمة حسب إحصائيات بلدية درنة لسنة 2015 (غياب إحصائيات حديثة رسمية ودقيقة).

درنة - ويكيبيديا


تتميز مدينة درنة تحديدا ومنطقة الجبل الأخضر عموماً؛ بخصائص جغرافية ومناخية فريدة، أهمها؛ وجود وَفرة في الخُضرة والمياه العذبة، ومناخ معتدل أغلب فصول السنة.


إضافة إلى نسبة تساقطات مطرية تُعتبر الأعلى نسبياً مُقارنة مع مُعظم مدن وبلديات ليبيا، والتي يغلب عليها المناخ الصحراوي الجاف والحار معظم شهور السنة.


كما تضم مدينة “درنة” سديْن مائيين كبيرين؛ الأول هو سد “أبو منصور“، والذي تبلغ سِعتُه (22.5 مليون متر مكعب). والذي يبعد عن مدينة درنة بحوالي 13 كلم، والسد الثاني والمسمى “البلاد“، والذي تبلغ سعته حوالي (2 مليون متر مكعب)، والذي يبعد عن المدينة بكيلومتر واحد فقط.

فيضانات ليبيا: بعد كارثة درنة ما حقيقة تصدع السدود في بنغازي؟ - BBC News  عربي


كما كانت “درنة” وجهة سياحية في داخل وخارج ليبيا، وذلك لما تزخر به من مقومات ومعالم تاريخية وثقافية تعود للعصور السابقة قبل وبعد الميلاد، كما أدرجت منظمة اليونسكو الكثير من المواقع الأثرية في درنة ضمن قائمة التراث العالمي المعرض للخطر.


  • مدينة درنة والربيع العربي

كغيرها من المدن الليبية؛ شهدت مدينة درنة فصولا غير قصيرة من الأحداث الساخنة والاقتتال والانقسام الداخلي؛ إبان فترة الربيع العربي، والذي انتهى بسيطرة تنظيم “داعش” على المدينة سنة 2014، والأعمال العسكرية التي تلت ذلك من طرف الميليشيات المسلحة، حيث تدخلت القوات المسلحة لتحرير المدينة من هذه التنظيمات الإرهابية.


وقد تحقق لهم ذلك بعد سنة كاملة من الاقتتال المسلح وحرب الشوارع. ما خلفَّ إنهاكا كبيرا لمرافق المدينة، وتدميراً واسعا لبنيتِها التحتية المُتهالكة والمُتقادمة أصلا، وكذا؛ توقف كل المشاريع والإنشاءات المتعلقة بالمرافق والخدمات الأساسية والبنية التحتية لمدينة درنة.


أضف إلى ذلك؛ حالة الفوضى والانفلات الأمني، وانهيار سلطة الدولة في المدينة، وهروب الكثير من الشركات وتوقف الكثير من الخدمات والاستثمارات الصغرى والمتوسطة في هذه المدينة.


انتهاءً بالانقسام السياسي الذي حلّ بليبيا، والذي جعَلَها غنيمة للتقاسم بين الكتل السياسية والعسكرية التي لها تمثيل قوي على أرض الميدان، والتي انتهت إلى تشكيل حكومتين؛ واحدة في الشرق والأخرى في الغرب، في حالة شاذة من التشرذم السياسي.


هذا الانقسام؛ ساعد بشكل كبير على تعزيز الولاءات القبلية وضمانها، مقابل فتح باب الفساد المالي والاقتصادي لشراء الدعم والتأييد وضبط الشارع. على حساب البناء والتنمية والتطوير والحكامة وبناء دولة المؤسسات.


ظل الوضع على هذا الحال من التردي والضعف والفساد، الذي لم يُواكبه تأهيل ليس للمرافق الأساسية للمدينة فحسب، بل حتى على مستوى البنيات الضخمة التي تُشكل خطرا على المواطنين، ومن بينها “خطر انهيار السدود، وهو ما حدث فعلا في مدينة درنة التي انهار السديْن الذين يُطوِّقان المدينة.


في الـ11 من سبتمبر 2023، اختفى ثُلث مدينة درنة، جرّاء فيضانات وسيول جارفة ناجمة عن انفجار السديْن، إثر عاصفة دانيال المدمرة، والتي أسفرت عن مقتل وفقدان عشرات الآلاف، ومسح أحياء كاملة من المدينة ورميِها في البحر.


  • عاصفة دانيال ورقة تقنية

في العاشر من سبتمبر 2023، دخلت عاصفة دانيال مجال شرق ليبيا، محملة بكميات كبيرة جدا من الأمطار التي تساقطت في وقت قياسي (24 ساعة فقط)، مما أدى إلى امتلاء سديْ درنة إلى الحدود القصوى، والتي بلغت 40 متراً، السعة التي لم يتحملها جدار السد؛ فانهار مخلفا موجة ماء بعلوِّ أمتارٍ وبقوة جرف هائلة مَسحت ثلث مدينة درنة من الخريطة.


حيث جرفت كل ما كان في طريقها من مبانٍ ومنشآت، بينما طُمِر حوالي ثلث المدينة بالطين والطمي والمجروفات الأخرى التي جلبها الطوفان في طريقه إلى البحر.

بعد أسبوع من كارثة درنة.. عمارات كاملة تحت المياه وفرق الإنقاذ تواجه صعوبات  | أخبار البرامج | الجزيرة نت


لتصبح مدينة درنة مدينة منكوبة بالكامل، وفي حاجة مستعجلة للماء الصالح للشرب والكهرباء وأماكن الإيواء، وإلى مُعدات متطورة وقدرات مادية وبشرية كبيرة جدا؛ لإغاثة المدينة وإنقاذ المتضررين والمحاصرين وانتشال الجثث، انتهاءً بإعادة الإعمار والتأهيل لكامل المدينة.


  • سوء تسيير وتدبير وتقدير بلدية المدينة

يُشرف على مجالس المدينة في معظم المدن الليبية، أشخاص أغلبهم معينون، أو تم اختيارهم لا عن كفاءة، وإنما من خلال ولاءات قبلية وعائلية، فهم في أغلبهم غير متخصصين وليست لهم دراية كافية بالتسيير والتدبير وتقدير الأولويات، فيما يتمثل دورهم الأبرز في إبرام الصفقات من منظور المصلحة الشخصية أو المصلحة القُطرية الضيقة. وتمرير بعض المصالح للمواطنين من منظور عائلي أو قبلي أو مصلحي.


وقد اتضح هذا الأمر بشكل جلي وواضح؛ في غياب أي محاولة أو مقترح أو توصية من بلدية المدينة لاختبار سلامة السديْن، وطلب مراجعة وافتحاص دفتر تحملات الشركة أو الشركات التي قامت ببنائه؛ وذلك على مستوى؛ أمان السديْن وعمرِهِما الافتراضي، والقدرة القصوى لهما من حيث الطاقة التخزينية للمياه.


وهذا أهم إجراء كان يجب على البلدية الوقوف عليه دون تأخير أو تماطل أو إهمال، لأنه يُعرض سلامة المدينة لخَطَرِ الزوال.

كارثة درنة: الناجون حائرون بين البقاء بمدينة مهددة بالأوبئة ومغادرتها عبر  طرق جُرفت إليها الألغام


كما تم رصد سوء تسيير البلدية للكثير من المرافق، وافتقاره للكثير من التجهيزات ووحدات الطوارئ وأدوات الإنقاذ والإغاثة، وقد ظهر هذا بشكل جلي بعد الإعصار حيث كانت أعداد عناصر فرقة الطوارئ قليلة جدا ومعداتُها بسيطة ومحدودة للغاية.


يتمثل سوء تقدير البلدية لحجم الكارثة كذلك في؛ تجاهل النشرات الإنذارية للعاصفة التي كانت ترسلها وكالات الرصد الدولية طيلة مسار الإعصار، بدءً بالدول التي ضربها في أوج قوته جنوب أوروبا، وحتى قبل وصولِه لليبيا بأيام.


حيث كانت هذه المدة كافية للبلدية لتقدير خطر العاصفة، مقارنة بضعف البنية التحتية للمدينة، والذي كان سيمكن من اتخاذ إجراءات حقيقية ستجنب المدينة هذه الكارثة، وذلك من خلال اتخاذ الإجراءات التالية:


  • إخلاء كل الأحياء والتجمعات السكنية التي تقع في المنخفض الضيق للمدينة، والذي ساعد المياه على التجمع والزحف بقوة.
  • مباشرة إفراغ السديْن قبل 48 ساعة من وصول العاصفة وبوتيرة آمنة، الأمر الذي كان سيسمح بإعادة ملء السديْن بطريقة آمنة، الشيء الذي لم يحصل، وحصل بدلا منه زيادة مخزون السد الأعلى بكميات كبيرة جدا من المياه فاق قدرته على التحمل ما أدى إلى انفجاره؛ مكونا بذلك أمواجا وصل طولها في الكيلومترات الأولى إلى ما يُقارب من 10 أمتار، ما تسبب بجرف وتدمير السد الثاني، وبالتالي محو قطاعات كبيرة من معالم المدينة.
  • عدم مطالبة الحكومة في الشرق بتوفير تعزيزات مختلفة للتدخل المباشر، والإعلام لحث الناس على إخلاء المدينة، وتوفير ملاذات أخرى آمنة للسكان إلى حين انقضاء العاصفة.
  • الاكتفاء بأخذ الأوامر من المسؤولين والمُعيّنين، وإقصاء تام للخبراء والمختصين في تدبير الأزمات.
  • عدم التنسيق مع المراكز والمؤسسات البحثية والعلمية الليبية والدولية، خصوصا منظمة الصليب الأحمر الدولي الذي واكب الإعصار منذ بدايته.

  • المسؤولية السياسية:

صرّح المسؤولون في مدينة درنة، والسياسيون في الحكومة الليبية المنبثقة عن مجلس النواب، أن البنية التحتية للمدينة كانت جيدة جدا وتستجيب لكل معايير السلامة، لكن الإعصار والطوفان والسيول التي سببها انهيار السديْن، كان أكبر مما قد تستطيع أية مدينة تحمُّله، كما أضافت بلدية المدينة؛ أن إعصار دانيال كان قوة طبيعية مُدمرة وأكبر وأقوى من كل إمكانيات الدولة.


عَجْزُ الحكومتيْن، في الشرق والغرب عن مواجهة هول الكارثة بمواقِف وقرارات موحدة؛ من قبيل انتشال جُثث الضحايا وتقديم الدعم والمساعدة الضرورية والعاجلة للمنكوبين. عوضته الحكومتيْن بإقالة بعض المسؤولين الصغار، وحملوا المسؤولية بالكامل للمجلس البلدي وتم إحالة أعضائه للتحقيق.

هكذا غيرت كارثة درنة سياسات العلماء حول العالم


فيما لم يتم إقالة أو استقالة كبار المسؤولين والمنتخبين الذين ثبتت مسؤوليتهم عن الإهمال الذي أدى إلى عدم صيانة السديْن. حيث كان بإمكان السلطات الليبية في الشرق تفادي هذه الكارثة، لِعلمِها أن السدود في درنة تحتاج لترميمات عاجلة، وفق تقارير رسمية وتقارير الشركات التي أشرفت على إنشاء السديْن، والتي دعت منذ 2007 إلى ترميم السديْن. لكن هذه المذكرات وهذه الوثائق ظلت حبيسة الأدراج. 


هذا التخبط السياسي بين السياسيين في الشرق والغرب؛ إلى تضارب حول المساعدات الدولية، حيث قررت حكومة الوحدة الوطنية رفض المساعدات الدولية والاكتفاء بالإمكانيات الوطنية المتاحة، لكن الحكومة الليبية سارعت إلى الترحيب بهذه المساعدات لعدم توفر الإمكانيات والوسائل المحلية، ومخالفة قرارات الحكومة في الغرب الليبي.


عموما؛ بدت كارثة درنة خارج أولويات الحكومتيْن من منظور إنساني، حيث تم توظيفُها لتسويق صورة القابضين على الحكم للظهور بموقف القادر على الإدارة والتسيير وتحمل المسؤولية.


بعيدا عن الحسم في الكشف عن نتائج التحقيقات الجارية حول ملابسات صيانة السديْن، ومحاسبة كل المسؤولين كبارا وصغارا حول التقصير أو شبهات الفساد المُثبتة ضدّهم، واتخاذ الإجراءات القانونية والقضائية اللازمة ضدهم.

مرة كل 300 عام".. علماء يكشفون سبب تحول ليبيا وجاراتها لمسرح كوارث طبيعية |  الحرة


وتجدر الإشارة هنا؛ إلى القرار الذي أصدرته الحكومة الليبية بوقف خدمة شبكات الأنترنت والهاتف المحمول، مع مطالبة الصحفيين الأجانب بضرورة مغادرة المدينة مخافة توثيق حجم الكارثة، وبالتالي تعقيد الأمور على المسؤولين المتورطين في هذه الكارثة. كما رفض المسؤولون منح تراخيص لمراسلين آخرين حضروا لتغطية الكارثة في مدينة درنة.


عموما؛ لم تستطع الحكومتيْن توظيف كارثة درنة لإلغاء الحواجز النفسية والخلافات الإيديولوجية، وتحقيق تقارب سياسي للوصول لآلية انتخابية تُلغي حالة الانقسام وتوحد البلاد والشعب الليبي تحت راية سياسية وإدارية واحدة.


  • إعصار دانيال منظور علمي

لم يسمح الوضع السياسي الليبي المُتَّسِم بالانقسام والتفكك؛ بفسح المجال للعلماء والباحثين والأكاديميين المختصين للتصدي للقضايا الوطنية والجهوية الليبية في الندوات والمؤتمرات والجامعات، وفي مراكز البحث وحتى في البحوث والدراسات الجامعية، حيث تُسهم مثل هذه الإضاءات بكثير من الأفكار والمقترحات التطويرية لرفع أداء المؤسسات أو التنبيه لخطر من الأخطار.


وهذا ما لم يحصل للأسف مع طوفان درنة، حيث قالت الأكاديمية وخبيرة الطقس والتغير المناخي؛ الدكتورة: “شادن دياب”، أن ” منطقة درنة معروفة بتعرضها لأكبر نسبة من التساقطات المطرية في كل ليبيا، وبالتالي؛ كان يجب أن تكون مجهزة ببنية تحتية قوية ومناسبة، وذات قدرة كبيرة على المقاومة والتحمل”.

كارثة درنة.. 30 ألف مشرّد والبحر يواصل لفظ عشرات الجثث


وأضافت ذات الخبيرة أن؛ “أهمية هذا النوع من الدراسات؛ يتمثل في توقع حدوث مثل هذه الكوارث، وبالتالي التحضير للتحسب لها ومواجهتها “. ففي حالة درنة مثلا؛ لم يتم مراعاة التكوين الجغرافي للمدينة؛ ولم يتم أخذه بعين الاعتبار، حيث إن هذه المنطقة منخفضة جدا، وهي محاطة بالجبال.


وبالتالي؛ فإن السيول ومياه الأمطار لا تستطيع الانتشار والتسرب بشكل أفقي لتتفرق في كل أرجاء المدينة؛ ما يحُدُّ من خطورتِها. وإنما تتجمع على شكل سيل جارف، يقتلع كل ما يجده في طريقه.


إن الدور الأساسي لمثل هذه المراكز والمؤسسات البحثية؛ يكمن في مساعدة المجالس البلدية للمدن في وضع تخطيط سليم للمدينة يُراعي خصوصياتها الجغرافية والمناخية والديمغرافية، لتستجيب لأي طارئ أو خطر طبيعي.


خصوصا ما يتعلق ببناء السدود ومحطات الطاقة الكهربائية والنووية…، وهذا ما لم يتم أخذه بعين الاعتبار، ليس فقط في مدينة درنة، وإنما في كل المدن الليبية تقريبا.


أما بخصوص سديْ درنة؛ فقد كشف تقرير أكاديمي صدر سنة 2022، عن أحد علماء الهيدرولوجيا، أوضح فيه وجود احتمالات كبيرة لتعرض مدينة درنة للفيضانات، ووجود حاجة ملحة لصيانة السدود التي تحميها.


  • المسؤولية الاجتماعية والوعي المدني

أعقبت كارثة درنة؛ خروج مئات من المواطنين الليبيين من أهالي درنة؛ احتجاجا على تقاعس السلطات في التعامل مع هذه الكارثة وتداعياتها. وهذا السلوك ينم عن وعي نسبي للمواطنين بوجود تقصير كبير لدى السياسيين، وإهمال أكبر لدى منتخبي المدينة.


لكن أبرز تجلِّ لهذا الوعي، تجلى في مناشدة سكان المدينة؛ بعثة الأمم المتحدة لدعم ليبيا؛ بفتح مكتب لها في مدينة درنة، وإنشاء مكتب استشاري دولي، مهمته إعداد جميع الدراسات الهندسية والطوبوغرافية والمالية المتعلقة بإعادة إعمار المدينة تحت رقابة دولية، وبعيدا عن إشراف بلدية المدينة وعن المسؤولين السياسيين.


  • الكارثة الطبيعية في ليبيا والمغرب .. قراءة في الحالتين:

يَسهل على كل متتبع؛ رصد الفوارق والاختلافات في الحالة الليبية من خلال طوفان درنة؛ والحالة المغربية من خلال زلزال الحوز. ولو أسهبنا في جرد هذه الفوارق والتمايُزات؛ فيمكنن تحرير صفحات كثيرة بهذا الخصوص. لكننا سنكتفي بتقدير حالة واحدة فقط، وهي القرار أو الموقف السياسي المغربي والليبي.


فبخلاف ما رصدناه في حالة درنة على مستوى القرار السياسي؛ الذي كان متأخرا ومُتذبذبا وغير واضح، كما رصدنا تخبطا كبيرا لدى المسؤولين السياسيين في الحكومة الليبية نتيجة الانقسامات.


كما رصدنا كذلك؛ توظيف كارثة درنة من طرف الحكومتيْن (في الشرق والغرب)؛ لتسجيل النقاط على بعضِهما البعض، فكل حكومة تُحمِّلُ مسؤولية السيول وانهيار السديْن للحكومة الأخرى.

فنانون عالميون يحشدون متابعيهم لدعم ضحايا زلزال المغرب | سكاي نيوز عربية


فيما كان النصيب الأكبر من العمل ومجهودات الإغاثة من المنظمات الخارجية والدولية؛ ومن الشعب الليبي وأهالي المدينة، فيما ظل دور السياسي غائبا تقريباً.


في الحالة المغربية؛ نرصد نقاط قوة سياسية كثيرة جدا، أهمها؛ وحدة القرار السياسي، ووحدة خطة التدخل، والتي شارك فيها الجيش إلى جانب الوقاية المدينة المغربية، إضافة إلى التضامن الشعبي الكبير الذي غطى الكثير من الاحتياجات الأساسية من ماء وغذاء وأغطية وأفرشة وخيام لكل هذه المناطق المنكوبة.


لكن أهم ملمح يُمكن تسجيله؛ هو تقديم القرار السياسي الوطني على المزايدات الدولية، حيث رفض المغرب كل المساعدات التي من شأنها أن توظف في الحملات الانتخابية الخارجية، كما رفض المغرب المساعدات من الدول التي لا تدعم قضية الوحدة الوطنية المغربية، وخاصة ملف الصحراء الغربية.


كما وظف المغرب؛ هذه الورقة توظيفا احترافيا لتمرير رسائل للحلفاء الأساسيين للمغرب وعلى رأسهم فرنسا، مفادُها؛ أن المغرب ليس بلدا وظيفيا، ولكنه حليفٌ بمنطق الند للند.


ختاما في هذه الورقة؛ لا بد من التطرق لمبدأ الحكامة الذي لمسناه بشكل واضح في الحالة المغربية والتي جندت كل موارد البلاد للتدخل بسرعة وإنهاء معاناة الضحايا، وكذا وضع خطة مالية وزمنية لإعادة الإعمار وإرجاع الناس لأرضِهم.


المبدأ الثاني الذي نريد أن نشير له في هذه الخاتمة؛ تتمثل في المسؤولية الاجتماعية في المغرب؛ حيث يُمكن اعتبارُها تجربة متطورة وناضجة بل ورائدة في المنطقة العربية. حيث لاحظنا حجم الاهتمام الشعبي بالقضايا الوطنية والحرص على تتبُعها، كما رصدنا حجم الوعي السياسي والقانوني للمواطن المغربي.


 ويتجلى هذا بشكل أكبر في عدد الأحزاب والجمعيات والمنظمات المجتمعية في كل المجالات. وهذا ما يجعل من المواطن المغربي، مواطنا ذو ثقافة اجتماعية تُمكنه من الاضطلاع بالمسؤوليات المنوطة به.


  • منطقة الجبل الأخضر في ليبيا .. ورقة تقنية

تقع منطقة الجبل الأخضر في شمال شرق ليبيا، وتتميز المنطقة بمناظرها الجبلية الخلابة والوديان العميقة. وترتفع الجبال في هذه المنطقة إلى ارتفاعات معتدلة، وتحتضن الكثير من النباتات والأشجار.

رحلة بالسيارة في وادي الكوف - الجبل الأخضر - ليبيا - YouTube


وتمتاز منطقة الجبل الأخضر بتاريخ طويل يمتد لآلاف السنين. يُرجع البعض تأسيس القبائل البربرية في هذه المنطقة إلى قرون قديمة جدا. إذ شهدت المنطقة تأثرًا من مختلف الثقافات على مر العصور، بما في ذلك الفينيقيين والرومان والعرب والبربر.


وتعتبر اللغة العربية هي اللغة الأصلية للسكان في المنطقة، وتحتفظ المنطقة بعادات وتقاليد محلية مميزة وأصلية، تتضمن الاحتفالات الشعبية والموسيقى التقليدية والفنون اليدوية والزي الشعبي والحِرف التقليدية.


أما الأنشطة الاقتصادية التي تشتهر بها منطقة الجبل الأخضر، فهي الزراعة التي تلعب دورًا مهمًا في اقتصاد المنطقة، حيث تزرع محاصيل متنوعة مثل الحبوب والزيتون والفواكه والبواكر.


أما الصناعة، فتتوفر بعض الأنشطة الصناعية في المنطقة، وتشمل صناعة السيراميك والإسمنت والرخام بشكل كبير جدا.


وتسود الحياة القروية الطبيعية الأصيلة في المنطقة، حيث يعيش السكان في القرى والمدن الصغيرة ويرتبطون بالأنشطة الزراعية والحرفية وتربية الماشية.


أما على المستوى التراثي التاريخي، فالمنطقة تحتضن آثارًا تاريخية مهمة تشمل المدن القديمة والأماكن الأثرية التي تروي قصصًا عن ماضي وتاريخ الإنسان في هذه المنطقة، التي تقول مجموعة من الشواهد أنها شهدت بدايات التواجد للإنسان العاقل الأول.


لكن المنطقة بعد الربيع العربي؛ بدأت تواجه تحديات فيما يتعلق بالتنمية الاقتصادية وتوفير البنية التحتية. أما التحدي الأبرز، فيتمثل في الحفاظ على البيئة والموارد الطبيعية في المنطقة وضمان استدامتِها.


أما على مستوى الإمكانيات السياحية للمنطقة؛ فالجبل الأخضر تقدم فرصًا رائعة للسياحة البيئية واستكشاف الجبال والمناظر الطبيعية الخلابة. لكن هذا القطاع تضرر بشكل كبير بعد الصراعات المسلحة التي شهدتها البلاد والانقسام الذي تلاها.


وبالتالي؛ فإن السياحة الخارجية قد دُمرت تماما، أما السياحة الداخلية فتراجعت إلى حد كبير. لكن رغم ذلك، يمكن للزوار استكشاف الثقافة المحلية والتقاليد وزيارة المواقع التي مازالت صامدة في هذه المنطقة الجميلة والهادئة.


  • إعصار دانيال وتأثيره على منطقة الجبل الأخضر

من المعلوم أن الكوارث الطبيعية، قد تلحق أضرارًا جسيمة بمناطق التماس، وإعصار دانيال لم يكن استثناءً. ففي الفترة الأخيرة، شهدت منطقة الجبل الأخضر في ليبيا، تأثيرًا سلبيًا كبيرا على المرافق والبنية الاقتصادية والتحتية في هذه المنطقة، عدا عن الدمار الكبير الذي حصل في درنة نتيجة لهذا الإعصار المدمر.


لقد تسبب إعصار دانيال في منطقة الجبل الأخضر عموما؛ في أضرار جسيمة للممتلكات والأرواح، بما في ذلك منازل ومزارع والطرق والمنشآت التجارية، جرّاء الرياح العاتية والأمطار الغزيرة التي أسفرت عن فيضانات وانهيارات أرضية وانزلاقات رملية.


تضررت بسببها البنية التحتية بشكل كبير، بما في ذلك الجسور وأنظمة الصرف الصحي وإمدادات الماء وخطوط الكهرباء والنت. ما عزل المنطقة عن العالم، وصعَّب التنقل أو الوصول إلى المناطق المتضررة، أو نقل المساعدات والإمدادات إليها.


كذلك؛ لم تسلم الزراعة التي تشتهر بها المنطقة من الإعصار، فقد تسببت الفيضانات في إتلاف الكثير من المحاصيل الزراعية واقتلاع الأشجار المثمرة، مما أثرَ سلبًا على الاقتصاد الزراعي الذي يُعتبر عصب الاقتصاد في المنطقة.


رغم مرور مدة ليست بالقصيرة على إعصار درنة والجبل الأخضر، إلا أن الحكومة الليبية مازالت تُحصي الضحايا والخسائر المادية، وما تزالُ السلطات المحلية والبلديات تعمل على إعادة إعمار الأماكن المنكوبة، إلا أن الانقسام السياسي والأزمات الاقتصادية في البلاد.


تعقد من هذه المهمة وتجعلها تسيرُ ببطء شديد، ما يستدعي تدخل الجهات الخارجية والمؤسسات الدولية لتقديم يد المساعدة لدعم منطقة الجبل الأخضر في مواجهة تداعيات إعصار دانيال، واستعادة الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي والديموغرافي للمنطقة.


  • المراجع المعتمدة:

وكالة الأنباء الليبية

الهيئة العامة للبحث والتعرف على المفقودين

مركز البحوث الاجتماعية ودراسات السياسات المعمقة

الهيئة الليبية للبحث العلمي

الاتحاد الدولي لجمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر

أشرف السعداوي

باحث ليبي، متخصص في الاقتصاد السياسي والحوكمة المالية، حاصل على شهادة الدكتوراه بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية، جامعة محمد الخامس الرباط - المغرب. عضو مختبر "الحكامة في إفريقيا والشرق الأوسط"، ناشر في عدد من المجلات والدوريات العلمية العربية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى