اقتصاد

“المغرب الأخضر” وأكذوبة الأمن الغذائي

وضع المغاربة، شهر رمضان الماضي، على محك الاختبار مخطط المغرب الأخضر الذي رعاه رئيس الحكومة، عزيز أخنوش، منذ دخوله عالم السياسة، عام 2007، مع حكومة عباس الفاسي التي تولى فيها وزارة الفلاحة والصيد البحري.


انطلقت الاستراتيجية الفلاحية التنموية باسم “مخطط المغرب الأخضر” بعد ستة أشهر على تشكيل الحكومة، واستعان الوزير بمكتب دراسات أميركي لإعداد مخطط استراتيجي أطَّر السياسة العمومية في القطاع الفلاحي (الزراعي) لقرابة عقد ونصف العقد.


واقترن المخطط الذي انطلق في أبريل/ نيسان 2008، بميزانية بلغت 4.5 مليارات دولار من الدعم العمومي، باسم الوزير ورجل الأعمال عزيز أخنوش، إلى درجة أضحى معها عابرا لكل الحكومات المتعاقبة على المغرب؛ فقد تبنّته حكومة عبد الإله بنكيران ثم حكومة سعد الدين العثماني.

واستند من أجل تنمية القطاع الفلاحي وإعطاء دينامية متطوّرة له، إلى دعامتين أساسيتين: فلاحة عصرية؛ تستجيب لمتطلبات وتنافسية السوق الدولية، وفلاحة تضامنية؛ ترمي إلى محاربة الفقر بالعالم القروي، عبر تحسين دخل الفلاحين.


يستعين أخنوش بلغة الأرقام؛ فهو رجل أعمال قبل أن يكون رجل سياسة، بغية إقناع المغاربة بنجاح مخططه الذي ساهم في رفع الناتج الداخلي الخام؛ من 6.8 مليارات دولار إلى 13 مليار دولار خلال عشر سنوات (2008-2018).

وبوّأ الفلاحة المغربية مكانة مرموقة؛ فالبلد أضحى ثالث مصدر للمنتجات الفلاحية الغذائية في شمال أفريقيا والشرق الأوسط، ورابع أكبر مصدّر لهذه المنتجات بالقارة السمراء.

لا ينكر إلا جاحد نجاح مخطط المغرب الأخضر في رفع الإنتاج الفلاحي الخاص بمجموعة من المواد، سيما الموجهة نحو التصدير

حصيلة يراد من تسويقها التأكيد على نجاح عزيز أخنوش في تحقيق ثورة في القطاع الفلاحي بالمغرب، رغم أن الحقيقة غير ذلك، فمردود عشرية من الاشتغال وفق مخطط رصدت له الدولة كل الإمكانات (توفير العقار، الدعم المالي..) قصد النجاح، لم يرقَ إلى مستوى التطلعات، بما في ذلك الأهداف المسطّرة في إطار المخطط نفسه، سميا المتعلق بتحقيق مائة مليار درهم كثروة إضافية للقطاع، في أفق 2020.


ناهيك عن سؤال أكبر حول الكلفة المدفوعة نظير بلوغ هذه المراتب، وتسجيل تلك النسب والأرقام؟ وأي معنى يكون لهذا المخطط في ظل عجزه عن تحقيق الأمن الغذائي؟

لا ينكر إلا جاحد نجاح مخطط المغرب الأخضر في رفع الإنتاج الفلاحي الخاص بمجموعة من المواد، سيما الموجهة نحو التصدير.

نتيجة كانت على حساب المواطن المغربي الذي وجد نفسه، في شهر رمضان، يقتني منتجات محلية (الطماطم، الفلفل الأحمر..) بأثمنة تفوق سعر بيعها في الدول الأوروبية، حتى قيل إن مخطط وزارة الفلاحة “أخضر في عيون الشركات المصدرة، وأسود في عيون المواطن الفقير”.


داخليا، فشل المخطط فشلا ذريعا في كسب رهاناتٍ عديدة، بدءا بدعامة الفلاحة التضامنية التي طالما تغنّى معدّو المخطط بأنها السبيل الأمثل لمحاربة الفقر بالقرى، وتجويد ظروف عيش الفلاحين، خصوصا في المناطق النائية والمعزولة، عبر مقاربة متميزة تراعى فيها الخصوصية المحلية، وتقليص الفوارق المجالية بين المناطق .. وهلم جرا من الأهداف التي ظلت حبرا على ورق.

وهذا تقييم قد يبدو لكثيرين منحازا، لأنه من نسج بنات أفكار صاحب المقال، لكنه قطعا ليس كذلك، إذ سبق لمؤسسات رسمية في المغرب، أن أثبتت في تقارير موضوعاتية التقييم نفسه عن مخطط المغرب الأخضر، فقد ساءلت المندوبية السامية للتخطيط (مؤسسة إحصاء وطنية) حصيلته، في تقرير لها “أية آفاق للتعبية الغذائية للمغرب بحلول عام 2025؟”.


وانتقدت التركيز على رفع صادرات الخضر والفواكه، على حساب تحقيق الاكتفاء الذاتي الوطني في المواد الأساسية (الحبوب، الزيوت ..)، ما جعل السوق المحلية عرضةً لتقلبات الأسعار دوليا. وأظهر قصور المخطط عن توفير الأمن الغذائي للمغاربة، لتعلق أهداف كبرى فيه بالسماء (التساقطات المطرية).


كما سجلت تراجعا واضحا في نسبة مساهمة القطاع في سوق الشغل، بالانتقال سنة الانطلاق من 40% إلى 34 % سنة 2018. ودعا المجلس الأعلى للحسابات (مؤسسة للرقابة المالية) في تقرير 2019 إلى مراجعة جذرية للمخطط الذي لم يراع المخاطر البيئية والمائية.


وحذّر من أزمة جفاف في المنظور القريب، مع الارتفاع المتزايد في منسوب استنزاف الفلاحة المغربية للمياه (89%)، في وقت يشهد تراجعا مهولا في المخزون المائي للمملكة، نتيجة تعاقب سنوات الجفاف بفعل التغيرات المناخية، فالحرص على الاستجابة لطلبات الأسواق الأوروبية، بإنتاج زراعات تستزف المياه (الحوامض، البطيخ الأحمر، الأفوكادو ..).

كانت كلفته التفريط في الأمن الغذائي والمائي للمملكة، حتى شاعت بين المغاربة، مع بداية إنتاج البطيخ الأحمر، مقولة “حان موسم تصدير المياه المغربية إلى الأسواق الأوروبية”، بعد متابعتهم وقائع عطش مئات هكتارات من الأراضي، بسبب اختيارات فلاحية غير مناسبة.

مؤشّر الأمن الغذائي بوأ المغرب الرتبة 57 عالميا من أصل 113 دولة، وجاء في المركز 12 في قائمة بلدان الشرق الأوسط وشمال أفريقيا

كان لهيب الأسعار في الأسواق الداخلية؛ لا سيما المنتجات الزراعية المحلية، طوال شهر الصيام، لحظة مثالية أمام المغاربة لتقييم حقيقي لنتائج المخطط. وحدث أن تزامنت بالمصادفة، مع صدور مؤشّر الأمن الغذائي؛ عن مؤسسة “إيكونوميست إمباكت”، الذي بوأ المغرب الرتبة 57 عالميا من أصل 113 دولة، وجاء في المركز 12 في قائمة بلدان الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، ما يجعل المخطط الملون بلا تأثير في ترتيب المؤسسات الدولية.


يرفض عزيز أخنوش، منذ 14 عاما أمضاها وزيرا للفلاحة، أي تقييم أو نقد لمخطط المغرب الأخضر المبني على وصفات جاهزة؛ أعدّها خبراء أجانب (مؤسسة ماكنزي الأميركية) يجهلون كل الجهل تعقيدات الواقع المغربي، ضبَطت السياسة العمومية في القطاع الفلاحي.

وبحلول لحظة المساءلة والتقييم هرب إلى الأمام بإطلاق وزارته استراتيجية زراعية جديدة باسم “الجيل الأخضر 2020-2030″، لتورية على فضائح وكوارث مخطّط حول المغرب إلى ضيعة كبرى، تتولى تلبية حاجيات بلدان الاتحاد الأوروبي، على حساب أمن المغاربة وصحتهم وسلامتهم.

بالعربية

بالعربية: منصة عربية غير حكومية؛ مُتخصصة في الدراسات والأبحاث الأكاديمية في العلوم الإنسانية والاجتماعية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى