فلاسفة؛ ضحايا تهمة الهرطقة

جورج ويشارت: الكاهن الذي تحدى الكنيسة فأعدمته حرقا بالنار

شهد القرن السادس عشر صراعات دينية عنيفة بين الإصلاح البروتستانتي والكنيسة الكاثوليكية، حيث كان لكل طرف رؤيته حول الإيمان والسلطة الدينية. وفي خضم هذه الاضطرابات، برز جورج ويشارت (George Wishart) كواحد من أهم دعاة الإصلاح الديني في إسكتلندا، لكنه دفع حياته ثمنا لمعتقداته، بعد أن اتُّهم بالهرطقة وأُعدم حرقا في عام 1546.

  • نشأة جورج ويشارت وتكوينه الفكري

وُلد جورج ويشارت حوالي عام 1513 في مييرتون، إسكتلندا، ونشأ في ظل تقاليد كاثوليكية صارمة. درس في جامعة أبردين قبل أن ينتقل إلى سويسرا وألمانيا، حيث تأثر بشكل كبير بأفكار الإصلاح البروتستانتي التي قادها مارتن لوثر وجون كالفن.

بعد عودته إلى إسكتلندا، بدأ ويشارت في التبشير بتعاليم الإصلاح البروتستانتي، داعيا إلى رفض سلطة البابا وتعاليم الكنيسة الكاثوليكية التقليدية. لكنه سرعان ما أصبح هدفا للسلطات الكنسية الكاثوليكية، التي رأت في دعوته تهديدا خطيرا لسلطتها.

  • الصدام مع الكنيسة والاتهام بالهرطقة

كان ويشارت متحدثا بارعا ومؤثرا، واستطاع أن يجذب العديد من الأتباع، من بينهم جون نوكس (John Knox)، الذي أصبح فيما بعد قائدا للإصلاح في إسكتلندا. ومع ذلك، كانت الكنيسة الكاثوليكية تراقبه عن كثب، وسرعان ما وُجهت إليه تهم الهرطقة بسبب:

  • رفضه لعقيدة الأسرار المقدسة الكاثوليكية، وخاصة سر التناول.
  • انتقاده لسلطة البابا والأساقفة واتهامهم بالفساد.
  • دعمه للكتاب المقدس كمصدر وحيد للسلطة الدينية.
  • دعمه لتعليم الإيمان مباشرة للناس دون الحاجة إلى رجال الدين الكاثوليك.

في عام 1546، ألقي القبض عليه بأمر من الكاردينال ديفيد بيتون (David Beaton)، أحد كبار قادة الكنيسة الكاثوليكية في إسكتلندا.

  • المحاكمة والإعدام حرقا

حُوكم ويشارت في قلعة سانت أندروز، حيث واجه محاكمة دينية قاسية لم يُسمح له خلالها بالدفاع عن نفسه بشكل حقيقي. وبتهمة الزندقة والهرطقة، صدر الحكم النهائي بإعدامه حرقا على الخشبة.

في 1 مارس 1546، نُفذ الحكم، حيث أُحرق حيا أمام حشد كبير في مدينة سانت أندروز. قبل موته، قيل إنه دعا للرحمة لجلاديه، ورفض عرضا من رجال الكنيسة للاعتراف بذنبه مقابل العفو.

  • إرث جورج ويشارت وتأثيره على الإصلاح البروتستانتي

كان لموت جورج ويشارت تأثير كبير على الحركة الإصلاحية في إسكتلندا، حيث أدى إلى زيادة الغضب الشعبي ضد الكنيسة الكاثوليكية. وبعد فترة وجيزة، في مايو 1546، اغتيل الكاردينال ديفيد بيتون انتقاما من قبل أنصار الإصلاح، الذين اعتبروه مسؤولا عن مقتل ويشارت.

يُذكر ويشارت اليوم كـ رمز للاستشهاد من أجل الحرية الدينية، وأحد أوائل قادة الفكر الإصلاحي في إسكتلندا. وقد ساهمت أفكاره في تمهيد الطريق لـ صعود جون نوكس وتأسيس الكنيسة المشيخية في إسكتلندا.

  • خلاصة:

يبقى جورج ويشارت أحد أبرز الشخصيات في تاريخ الإصلاح الديني الإسكتلندي، حيث قاتل من أجل معتقداته حتى النهاية، ورفض التراجع رغم التهديدات بالموت. لقد تحول من مجرد كاهن شاب إلى رمز ديني خالد ألهم أجيالا من الإصلاحيين من بعده.

بالعربية

بالعربية: منصة عربية غير حكومية؛ مُتخصصة في الدراسات والأبحاث الأكاديمية في العلوم الإنسانية والاجتماعية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

الإعلانات هي مصدر التمويل الوحيد للمنصة يرجى تعطيل كابح الإعلانات لمشاهدة المحتوى