يعد جون دالتون (John Dalton) واحدا من أبرز العلماء الذين أحدثوا ثورة في علم الكيمياء والفيزياء، حيث وضع الأساس لما يُعرف اليوم بالنظرية الذرية الحديثة.
ورغم أن أفكاره قوبلت في البداية بالكثير من التشكيك والانتقاد، إلا أنها أصبحت حجر الأساس للكيمياء الحديثة. لم يتعرض دالتون لملاحقات دينية أو سياسية كما حدث لكثير من المفكرين في العصور الوسطى، لكنه واجه تحديات أكاديمية بسبب رؤيته العلمية الرائدة.
- نشأته ومسيرته العلمية
وُلد جون دالتون في 6 سبتمبر 1766 في بلدة إيجلزفيلد بإنجلترا لعائلة تنتمي إلى طائفة الكويكرز، التي كانت تشجع على التعلم والانضباط. بدأ مسيرته كمدرس في سن مبكرة، لكنه سرعان ما تحول إلى البحث العلمي، حيث اهتم بدراسة الغازات، والمناخ، والبصريات، والكيمياء.
من أهم محطات مسيرته العلمية:
- 1793: نشر أول أعماله حول الأرصاد الجوية.
- 1801: وضع قوانين دالتون للغازات.
- 1803: قدم نظريته الذرية التي غيرت فهم الكيمياء إلى الأبد.
دالتون والنظرية الذرية: ثورة علمية واجهت التشكيك
قبل دالتون، كانت فكرة الذرة مجرد فرضية فلسفية قديمة طرحها الإغريق، مثل ديموقريطوس. لكن دالتون أعاد تعريف الذرة بشكل علمي، حيث افترض أن:
- كل مادة تتكون من ذرات صغيرة غير قابلة للتجزئة.
- ذرات كل عنصر متشابهة في الكتلة والخصائص.
- التفاعلات الكيميائية تحدث عندما تعيد الذرات ترتيب نفسها.
هذه الفكرة قوبلت في البداية بالسخرية والرفض من بعض العلماء، لأن الكيمياء في ذلك الوقت كانت تعتمد على النظرية الفلوجستونية التي اعتقدت أن الاحتراق ينبعث من مادة غير مرئية. لكن مع مرور الوقت، تم إثبات صحة نموذج دالتون، وأصبح أساسا للنظرية الذرية الحديثة.
- إنجازاته العلمية وتأثيرها على الكيمياء الحديثة
بالإضافة إلى نظريته الذرية، قدم دالتون مساهمات في عدة مجالات علمية، منها:
- قوانين الغازات: وضع قانون الضغوط الجزئية، المعروف بـ “قانون دالتون”.
- دراسة عمى الألوان: كان دالتون يعاني من عمى الألوان الأحمر والأخضر، وهو ما دفعه لدراسته، وأصبحت الحالة تُعرف بـ “الدالتونية” (Daltonism).
- الأرصاد الجوية: جمع بيانات حول الطقس، وقدم تفسيرا حول التغيرات المناخية.
هل واجه جون دالتون اضطهادا علميا؟
على عكس العديد من العلماء في العصور الوسطى الذين تعرضوا للإعدام أو السجن بسبب أفكارهم، لم يُعانِ دالتون من أي اضطهاد سياسي أو ديني مباشر. لكن أفكاره العلمية، وخاصة النظرية الذرية، واجهت مقاومة شديدة من بعض الأوساط الأكاديمية التي لم تتقبل بسهولة فكرة الذرات غير القابلة للتجزئة.
ومع ذلك، لم يتراجع دالتون عن أبحاثه، واستمر في تطويرها حتى أصبحت مرجعا أساسيا للكيمياء الحديثة.
- وفاته وإرثه العلمي
توفي جون دالتون في 27 يوليو 1844 في مدينة مانشستر، وشيّع جنازته حوالي 40 ألف شخص، وهو دليل على مدى تأثيره العلمي والاجتماعي. واليوم، يُعد من أعظم العلماء في تاريخ الكيمياء، حيث لا تزال نظريته الذرية حجر الأساس في العلوم الحديثة.
- خلاصة:
كان جون دالتون رجلا سابقا لعصره، إذ وضع أسس الكيمياء الحديثة رغم الانتقادات والشكوك. لم يواجه محاكم تفتيش أو اضطهادا دينيا كما حدث مع بعض الفلاسفة والعلماء في العصور الوسطى، لكنه خاض معركة فكرية داخل الأوساط العلمية. واليوم، يُكرّم اسمه في علم الكيمياء باعتباره المؤسس الحقيقي للنظرية الذرية.
