جان كالفن: رائد الإصلاح البروتستانتي
يعد جان كالفن (Jean Calvin)؛ أحد أبرز الشخصيات التي ساهمت في تشكيل ملامح الإصلاح البروتستانتي خلال القرن السادس عشر، حيث أحدث تأثيرا عميقا في الفكر الديني المسيحي، خاصة في أوروبا الغربية.
لم يكن كالفن مجرد مصلح ديني فحسب، بل كان أيضا مفكرا ولاهوتيا صارما، أثار الجدل بسبب آرائه الحادة، التي اعتبرها الكاثوليك بدعا مهرطقة، فيما اتُّهم هو نفسه بالمساهمة في اضطهاد من رأى أنهم يشكلون خطرا على عقيدته.
- جان كالفن: من اللاهوت إلى قيادة الإصلاح
ولد جان كالفن عام 1509 في فرنسا، ودرس اللاهوت والقانون قبل أن ينخرط في تيارات الإصلاح الديني المتأثرة بأفكار مارتن لوثر. بحلول عام 1536، نشر كتابه الشهير “مبادئ الديانة المسيحية”، الذي وضع فيه أسس مذهبه اللاهوتي القائم على القضاء والقدر، وسلطان الكتاب المقدس، ورفض سلطة البابوية.
بسبب أفكاره، لاقى معارضة شديدة من الكنيسة الكاثوليكية، فهرب إلى جنيف، حيث بدأ بتأسيس نظام ديني صارم جعل منه أحد القادة الرئيسيين للإصلاح البروتستانتي.
- دوره في محاكمات الهرطقة والزندقة
على الرغم من معارضته للكنيسة الكاثوليكية، إلا أن كالفن لم يكن متسامحا مع الآراء التي اختلفت عن مذهبه البروتستانتي الصارم. كان يؤمن بأن المجتمع يجب أن يُدار وفق تعاليم الكتاب المقدس، مما أدى إلى فرض قوانين صارمة في جنيف، تضمنت محاكمات صارمة لمن اتُهموا بالهرطقة.
من أشهر القضايا التي ارتبطت به إعدام ميكيل سيرفيتوس عام 1553، وهو طبيب وفيلسوف إسباني أنكر عقيدة الثالوث المقدس، مما أدى إلى محاكمته بتهمة الزندقة وحرقه حيا في جنيف، في حادثة أثارت جدلا واسعا حول تسامح البروتستانت مع الرأي المخالف.
- الجدل حول شخصية كالفن وإرثه
تُعد شخصية جان كالفن إحدى أكثر الشخصيات إثارة للجدل في التاريخ المسيحي؛ فهو من جهة، لعب دورا أساسيا في نشر البروتستانتية، ووضع أسس الكنيسة الكالفينية التي أثرت في دول عديدة مثل سويسرا وفرنسا وهولندا. ومن جهة أخرى، اتُّهم بالتطرف وعدم التسامح، خاصة في طريقة تعامله مع خصومه الدينيين.
ترك كالفن إرثا فكريا ضخما، وأثرت أفكاره على ظهور المذهب البيوريتاني في إنجلترا، كما ساهمت في تشكيل الأنظمة السياسية ذات النزعة الثيوقراطية في بعض مناطق أوروبا.
لا يمكن إنكار أن جان كالفن كان أحد المفكرين الأكثر تأثيرا في التاريخ المسيحي، سواء من حيث نشر الإصلاح البروتستانتي أو من حيث مواقفه الصارمة تجاه المخالفين. وبينما يرى البعض أنه كان زعيما دينيا عظيما، يراه آخرون شخصية لا تقل صرامة عن محاكم التفتيش التي حاربها.