جون هس: الكاهن المتمرد الذي أشعل شرارة الإصلاح ضد الكنيسة
كان جون هس (John Huss) واحدا من أوائل رواد الإصلاح الديني في أوروبا، قبل ظهور مارتن لوثر بقرن من الزمن. تحدى فساد الكنيسة الكاثوليكية وانتقد ممارساتها المنحرفة، مما جعله في صدام مباشر مع السلطات الكنسية. وعلى الرغم من مكانته كأستاذ ولاهوتي بارز، إلا أن الكنيسة أدانته بالهرطقة وأعدمته حرقا عام 1415، ليصبح واحدا من أوائل شهداء الإصلاح الديني، ومصدر إلهام لمن جاءوا بعده.
- من طالب لاهوتي إلى زعيم حركة دينية
ولد جون هس عام 1369 في بوهيميا (التشيك الحالية)، ودرس في جامعة براغ، حيث حصل على درجة الماجستير عام 1396 وأصبح لاحقا أستاذا ثم رئيسا للجامعة. تأثر بكتابات الفيلسوف الإنجليزي جون ويكلف، الذي كان يدعو إلى إصلاح الكنيسة وإعادة الكتاب المقدس ليكون المصدر الوحيد للعقيدة، بدلا من السلطة البابوية.
مع مرور الوقت، أصبح هس من أشد المنتقدين لبابوية الكنيسة الكاثوليكية، خصوصا فيما يتعلق ببيع صكوك الغفران، وهي ممارسة كانت تتيح للأثرياء شراء “مغفرة الذنوب” بالمال. كما رفض الطاعة المطلقة للبابا، واعتبر أن الكنيسة يجب أن تكون جماعة المؤمنين، وليس مؤسسة خاضعة لسلطة فردية.
- الصدام مع الكنيسة والمحاكمة
مع تزايد تأثيره، تحركت الكنيسة الكاثوليكية لمحاربته، فأصدر البابا ألكسندر الخامس قرارا بحرمانه من ممارسة الوعظ عام 1410. لكن هس لم يتراجع، واستمر في إلقاء خطبه النارية التي فضحت فساد رجال الدين.
في عام 1414، دُعي إلى مجمع كونستانس، وهو اجتماع كنسي عُقد لحل الانقسامات داخل الكنيسة. ذهب هس إلى المجمع بعد أن حصل على ضمان أمان من الإمبراطور سيغيسموند، لكنه سرعان ما وجد نفسه معتقلا، حيث اعتبره قادة الكنيسة خطيرا للغاية لدرجة أنهم رفضوا حتى منحه فرصة للدفاع عن نفسه بشكل عادل.
في 6 يوليو 1415، أُدين جون هس رسميا بتهمة الهرطقة، وأُحرق حيا وسط ساحة عامة، حيث هتف قبل موته: “بالحق الذي أدافع عنه، سأموت اليوم!”.
- الإرث والتأثير على الإصلاح البروتستانتي
لم تكن وفاة هس نهاية لحركته، بل كانت بداية لثورة دينية واسعة. فبعد موته، اندلعت حروب الهسيين (1419-1434)، حيث قاتل أتباعه ضد القوات الإمبراطورية دفاعا عن أفكاره. كما تأثر مارتن لوثر لاحقا بأفكاره، معتبرا إياه أحد أبطال الإصلاح الأوائل.
واليوم، يُنظر إلى جون هس كرمز للحرية الدينية ومقاومة الطغيان الكنسي، خاصة في بلده التشيك، حيث يُحتفل بيوم 6 يوليو سنويا باعتباره عيدا وطنيا تكريما له.